أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-8-2017
1525
التاريخ: 9-8-2017
720
التاريخ: 10-8-2017
767
التاريخ: 11-08-2015
665
|
وردت مادة الشفاعة في القرآن الكريم بعدة معاني نفياً وإثباتاً ، فقد بلغ مجموع الآيات الشريفة التي تحدثت بصورة مباشرة عن هذا المفهوم خمس وعشرين آية توزعت علىٰ ثمانية عشر سورة قرآنية شريفة.
والشفاعة الواردة في القرآن الكريم تتعرض كلها إلىٰ الجانب الأول من المعنى الاصطلاحي وهو رفع العقاب عن المذنبين ، وليس علو الدرجة والمقام.
في موضوع الشفاعة يتحرك النص القرآني الشريف باتجاهين ، الأول : الاتجاه الذي يُحدد الشفعاء.
والثاني : الاتجاه الذي يحدد الأفراد والمجموعات الذين تنالهم الشفاعة من جهة ، والذين لا تنالهم الشفاعة من جهة ثانية.
والقرآن إذ يُحدد ذلك فإنّه يحددهم موضوعياً من خلال طبيعة السلوك العام للأفراد في الحياة الدُنيا.
وهناك من يرىٰ أنّ في الآيات القرآنية اتجاهاً ثالثاً رئيسياً وهو اتجاه نفي مطلق الشفاعة.
ونحن هنا نحاول معرفة الشفاعة بين النفي والاثبات.
لم يَرِد في القرآن الكريم ما ينفي الشفاعة بصورة مطلقة ، بل الملاحظ هو أنّ النفي جاء بصورة خاصة متعلقاً بفئة معينة من النّاس ممن حددهم الله سبحانه وتعالىٰ في القرآن الكريم بمواصفاتهم ، ومن هنا فإنّ الثابت هو أنّ قسماً معيناً من الناس ممن يدخلون ضمن دائرة التعريف ب « الكفر » بكلِّ معنىً من معانيه هم المحرومون من الشفاعة.
والقرآن الكريم حين ينفي استحقاق مجموعة معينة من الناس للشفاعة فإنّه من جهة ثانية يؤكد وجودها لصنف آخر من الناس ممن يدخلون ضمن دائرة التعريف ب « المؤمنين ».
ومثال ذلك قوله تعالى : {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا ...} [الأنعام: 70].
والاستثناء من نيل الشفاعة كما ورد في الآية الشريفة واضحٌ فهو ينصرف إلىٰ الذينَ اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرّتهم الحياة الدنيا.
أو قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254].
ومع أنّ الخطاب القرآني هنا موّجه بشكلٍ خاص إلىٰ المؤمنين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... ) إلاّ أنّ نفي الشفاعة في الآية الشريفة لم يكن نفياً مطلقاً بل هي بقرينة ذيلها ، وهو قوله تعالى : ( وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) تدلّ علىٰ حرمان الكافرين من الشفاعة ، غير أنّ الآية الكريمة جاءت لتقول للمؤمنين : إنَّ الامتناع من الانفاق في سبيل الله كفر ، فيكون « الممتنع عن الانفاق » محروماً من الشفاعة لكونه من مصاديق « الكافرين » هكذا قال العلاّمة الطباطبائي في تفسير الآية المباركة (1).
والآية القرآنية الشريفة المتقدمة هي من أكثر الآيات القرآنية التي وقعت في موقع الاستدلال على نفي الشفاعة ، وهذا الاستدلال علىٰ نفي مطلق الشفاعة صحيح لو لم تُعقب الآية بجملة ( وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) حيثُ كان فيها إيضاح بأنّ الذين لا ينفقون مما رزقهم الله في سبيله هم الذين لا تنالهم الشفاعة ؛ لأنّهم يدخلون في عداد الكافرين بناءً علىٰ ما تقدم.
ومن هنا فليس في القرآن الكريم نفي مطلق للشفاعة ، وإنما يصحُّ أن يقال إنّ النفي الموجود في القرآن المجيد هو نفيٌ مقيد للشفاعة بقيد موضوعي فإذا ارتفع القيد ارتفع النفي.
وفي مقابل ذلك نجد أنَّ القرآن الكريم زاخر بالآيات التي تؤكد وجود الشفاعة ، مثل قوله تعالىٰ : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأعراف: 53].
ومع أنَّ الآية الكريمة تتحدث عن نموذج معين من النّاس من الذين كانوا يفترون علىٰ الله الكذب ، وهي تنفي أن تنالهم الشفاعة يوم القيامة لأنّهم كما يقول القرآن قد ( خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ ) فإنّها توضح من جهة أُخرىٰ حقيقة وجود الشفاعة بحيثُ يطلبها هؤلاء فلا ينالونها أبداً.
أو قوله تعالىٰ : {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 87] .
أو قوله عزّ شأنه : {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109].
وكقوله تعالى : {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] .
وهذهِ الآيات الشريفة وغيرها كثير تصرّح بوجود الشفاعة يوم القيامة ، غاية الأمر أنّ القرآن الكريم يصف الشفعاء بعدّة صفات ، فمنهم ( مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا ) ومنهم ( مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ ) ومنهم ( مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) وأصحاب هذه الصفات الثلاثة وغيرها قد أعطاهم الله سبحانه وتعالى المنزلة العالية التي تجعلهم قادرين علىٰ أن يشفعوا فيمن يرتضي الرحمن شفاعتهم فيهم.
وخلاصة القول هي أنّ الشفاعة موجودة بصريح القرآن وغاية الأمر هي محدودة بحدود في طرف الشفعاء وفي طرف المشفع فيهم ، وأنّها لا تنال قسماً من النّاس.
ولتيسير الأمر علىٰ القارىء الكريم نحيله إلىٰ مطالعة الآيات القرآنية التي تحدثت عن هذا المفهوم والتي سنذكرها أثناء البحث أيضاً وهي كالآتي :
سورة البقرة : 48 ، 123 ، 254 ، 255. سورة النساء : 85. الأعراف : 53. الأنبياء : 28. الشعراء : 100. المدّثر : 48. الأنعام : 51 ، 70 ، 94. يونس : 3 ، 18. مريم : 87. طه : 109. سبأ : 23. الزمر : 43 ، 44. الزخرف : 86. يس : 23. النجم : 26. الفجر : 3. غافر : 18. الروم : 13.
آيات نفي الشفاعة ومفهومها :
تقدم القول بأن الشفاعة لم تنفَ مطلقاً ، فالقرآن الكريم يصرّح بوجودها في أكثر من مكان وإنّما الذين لا تنالهم هم الكافرون بأصنافهم المختلفة ، وقد جاءت الآيات القرآنية تبين مصاديقهم وكما يأتي : جاء التعبير عن الكفار في القرآن الكريم بصور متعددة فهم : ( الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ ) مرة ، واُخرىٰ هم ( المكذبون بيوم الدين ) ، وغير ذلك من الاوصاف والتعريفات بما في ذلك كفر النعمة.
وعلىٰ هذا الصعيد جاءت الآيات القرآنية الشريفة التالية : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] .
إذ المنفي هنا هو استحقاق الكافرين للشفاعة ، وقد تقدّم عن ( الميزان ) بيان ذلك وهو : أنّ الاستنكاف عن الإنفاق مما رزق الله هو كفرٌ وظلمٌ ، فإذا ما أُعيد آخر الآية إلى صدرها يتّضح أنّ المقصود اعتبار الذين لا ينفقون مما رزقهم الله في سبيله من الكافرين ، ولا ريب أنّ الكافرين لا تنالهم الشفاعة يوم الدين.
فالمنفي بحكم السياق استحقاق قسم خاص من النّاس ، للسّبب المذكور ، إذن ، لا دلالة في الآية علىٰ نفي الشفاعة بنحو الاطلاق.
قوله تعالىٰ : {يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأعراف: 53] .
وقوله تعالىٰ : {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } [الشعراء: 94 - 101].
ويتبين من خلال الآيتين الشريفتين المارتين أنَّ الذين نسوا الدين ، واتبعوا الشيطان وأهل الغواية محرومون من الشفاعة.
ولاحظ قوله تعالىٰ عن الذين كذّبوا بيوم الدين وأنكروا القيامة والحساب : {كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ* فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ... } [المدثر: 46- 48] .
4 ـ الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً :
أما الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً فيخبر سبحانه وتعالىٰ عن حالهم يوم القيامة بقوله عزَّ : {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } [الأنعام: 70].
فيقول عنهم سبحانه وتعالىٰ : {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18].
ينص صريح القرآن علىٰ حرمان المشركين من شفاعة الشافعين يوم القيامة حيثُ لا ينفعهم شركاؤهم الذين عبدوهم من دون الله.
يقول عزّ شأنه : {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18] .
وقوله تعالى : {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ} [الروم: 13].
وقوله تعالى : {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } [الأنعام: 94] .
وقوله تعالى شأنه : {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ} [الزمر: 43] .
وقوله سبحانه : {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ} [يس: 23] .
ويظهر أنّ آيات نفي الشفاعة عن المشركين تؤدي وظيفتين ، الأولىٰ تؤكد أنّ الشركاء أصناماً أو غيرها لا تملك لمن يؤمن بها شيئاً تقدمه له يوم القيامة مع استحقاقه للعذاب بسبب الشرك ، وبهذا فإنّ تلك الآيات تنفي قدرة الشركاء على تقديم الشفاعة ... والوظيفة الثانية هي أنّ المشركين بالله محرومون من شفاعة الشافعين لأنّهم لا يستحقونها.
ومما تقدم يتضح أنّ الآيات الشريفة المارة كلّها ركّزت على مفاهيم واضحة للشفاعة وحددت أُولئك الذين لا تنالهم الشفاعة يوم القيامة ، فالمفاهيم الخاصة التي تدور حولها الآيات الشريفة المارة هي مفاهيم الكفر والشرك بشتىٰ أنواعهما وأصنافهما ، وأنّ الكافر والمشرك لن يجد يوم القيامة من يشفع له ممن أذن الله لهم بالشفاعة.
ومن هنا يتضح أنّ نفي الشفاعة في القرآن الكريم ليس نفياً مطلقاً ، بل هو نفي خاص لمجاميع خاصة حدد الله صفاتهم وأعمالهم في الحياة الدنيا.
__________________
(1) الميزان في تفسير القرآن ، للسيد محمد حسين الطباطبائي 2 : 323.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|