أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-6-2017
42174
التاريخ: 22-3-2018
1358
التاريخ: 14-08-2015
3589
التاريخ: 4-6-2017
35428
|
تنبّه بشر بن المعتمر قبل غيره من النقاد إلى قضية النظم، فهو لا يرتفع باللفظ وحده، ولا بالمعنى وحده، ولكن يقصدهما معًا، ممهدًا لنظرية النظم يقول: "إياك والتوعر، فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك، ويشين ألفاظك، فالتعقيد من سمات اللفظ والمعنى معًا، وهو يفسد الصورة الأدبية، ويخلّ بالتعبير، ويفقد روح التاثير فيها ويقول بعد ذلك: "ومن أراد معنى كريمًا فليلتمس له لفظًا كريمًا، فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أن تصونهما عما يفسدهما ويهجنهما".
فموطن الجمال عند بشر في العمل الأدبي يرجع إلى ارتباط اللفظ بالمعنى فلا بدّ للمعنى الشريف من لفظ شريف ويريد بذلك أن يفصح عن العلاقة بينهما، فليست في اللفظ وحده ولا في المعنى وحده، ولكن في العلاقة بينهما، وهي محل الصورة الأدبية، التي توضح المعنى، وتسمو بالصياغة والتعبير، وليسمها بشر علاقة، أو اهتمام باللفظ والمعنى كما يشاء، لمناسبة التسمية مع ذوق أدباء عصره. فقد نشأ النقد الأدبي قبل أن يعرف مصطلحاته الحديثة.
وهذا الاتجاه قريب من مفهوم الصورة الأدبية، التي تحددت معالمها فيما بعد، بل أضاف لما سبق معالم جديدة في مفهومها، منها التلاؤم بين اللفظ والمعنى، وقوة العاطفة، والوحدة الفنية، وتلاؤم الصورة مع العاطفة والمقام والغرض التي ذكرت من أجله.
يقول بشر في مناسبة اللفظ للمعنى والتلاؤم بينهما:
ومن أراد معنًى كريمًا فليلتمس له لفظًا كريمًا، فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف ... إلى قوله: إن يكون لفظك رشيقًا عذبًا، وفخمًا سهلًا، ويكون معناك ظاهرًا مكشوفًا وقريبًا معروفًا(1).
ويأتي الجاحظ بعد بشر ليرد الجمال والبلاغة إلى الألفاظ، لأنها محصورة محدودة، بينما المعاني عنده ممتدة مبسوطة، لكنه بعد ذلك يربط بين اللفظ والمعنى فهو يجعل الشأن للصياغة، والشعر ضرب من التصوير، والصياغة والتصوير يرتبط فيها اللفظ بالمعنى يقول: "والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحة الطبع، وجودة السبك، فإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير (2).
ويتفق أبو هلال العسكري مع الجاحظ في تأثرهما بصحيفة بشر بن المعتمر. ويرى ابن قتيبة أن القصيد يعلو ويهبط حسب قيمة اللفظ والمعنى فيه، فقسمه إلى أربعة أضرب: ضرب حسن لفظه وجاد معناه، وضرب حسن لفظه وعلا فإذا فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنى، وضرب جاد معناه وقصرت ألفاظه عنه، وضرب تأخر معناه وتأخر لفظه (3).
ويسير ابن طباطبا بما جاء به بشر بن المعتمر فيقول: "إذا أراد الشاعر بناء قصيدة، فأحضر المعاني الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثرًا، أو أعدَّ له مما يلبسه إياه من الألفاظ التي تطابقه، والقوافي التي توافقه ... فإذا اتفق له بيت يشاكل المعنى الذي يرومه ابتدأ وعمل فكره في شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تنسيق للشعر، وترتيب لفنون القول فيه، بل يعلق كل بيت يتفق له نظمه على ما بينه وبين ما قبله " (4).
هذا هو العمل الفني في القصيدة الشعرية، يحضر الشاعر المعاني، وينتقي لها من الألفاظ والقالب الموسيقي ما يتناسب معها، حتى يستقيم البيت من الشعر، وهكذا بقية الأبيات، فهو يربط بين اللفظ وإيقاعه وبين المعنى، ويشير بذلك إلى قضية النظم التي تبني عليها الصورة الأدبية.
ويهتم الآمدي "م 370 هـ " باللفظ والمعنى في النظم والتصوير فيقول: "وليس الشعر عند أهل العلم به إلا حسن التأنِّي، وقرب المأخذ، واختيار الكلام، ووضع الألفاظ في مواضعها، وأن يُورد المعنى اللفظ المعتاد فيه المستعمل في مثله ... والبلاغة إنما هي إصابة المعنى، وإدراك الغرض بألفاظ سهلة عذبة مستعملة سليمة من التكلف، لا تبلغ الهذر الزائد على قدر الحاجة... وينبغي أن تعلم أن سوء التأليف ورديء اللفظ يذهب بطلاوة المعنى الدقيق ويفسده ويعميه حتى يحتاج مستمعه إلى تأمّل ... وحسن التأليف وبراعة اللفظ يزيد المعنى المكشوف بهاء وحسنًا ورونقًا، حتى كأنه أحدث فيه غربة لم تكن وزيادة لم تعهد"(5).
ويكاد يتفق علي بن عبد العزيز الجرجاني مع الآمدي في فهمه للنظم والصورة الأدبية، وتأثرهما بالناقد الأدبي بشر بن المعتمر.
ويعقد ابن رشيق باب اللفظ والمعنى، ليربط بينهما كما ربط بشر بن المعتمر، يقول ابن رشيق: أن الجمال لا يكون إلا في النظم، لا في اللفظ وحدِّه ولا في المعنى وحده، ويترتب على ذلك أن تكون الصورة الشعرية في العلاقة التي تتم بين الألفاظ وتكشف عن المعنى(6).
وهذا ما قرَّره عبد القاهر الجرجاني "م 471 هـ" واكتمل على يديه، حيث انتهى إليه الحديث عن النظم والصورة الأدبية، بعد أن بدأه بشر بن المعتمر، ليبلغ عبد القاهر فيه الغاية، ويرسي قواعد النظم ومفهومه ويحدّد معالم التصوير الأدبي، يقول عبد القاهر: "أن الألفاظ التي هي أوضاع اللغة، لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها، ولكن لأن يضم بعضها إلى بعض، فيعرف فيما بينها فوائد، وهذا علم شريف، وأصل عظيم"(7).
ويوضح هذا أكثر فيقول: "وأعلم أنك إذا رجعت إلى نفسك علمت علمًا لا يعترضه الشَّك، إلا نظم في الكلم ولا ترتيب، حتى يتعلق بعضها ببعض، ويبني بعضها على بعض، وتجعل هذه بسبب تلك.... وإذا كان كذلك فعلينا أن ننظر إلى التعليق فيها والبناء، وجعل الواحدة منها بسبب من صاحبتها ما معناه وما محصوله"(8) ويقول: واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله... إنك ترى الرجل قد تهدى في الأصباغ التي عمل منها الصورة والنقش في ثوبه الذي نسج إلى ضرب من التخير والتدبر في أنفس الأصباغ، وفي مواقعها ومقاديرها، وكيفية مزجها لها وترتيبه إياها إلى ما لم يهتد إليه صاحبه، فجاء نقشه من أجل ذلك أعجب، وصورته أغرب، وكذلك حال الشاعر والشاعر في توخييهما معاني النحو ووجوهه التي علمت أنها محصول النظم...
وسبيل الكلام هو سبيل الصيغة والتصوير، وأن سبيل المعنى الذي يعبر عنه، سبيل الشيء الذي يقع عليه التصوير والصوغ كالفضة والذهب، يصاغ منهما خاتم أو سوار، فكما أن محالًا إذا أنت أردت النظر في صوغ الخاتم وفي جودة العمل ورداءته، أن تنظر إلى الفضة الحاملة لتلك الصورة، أو الذهب الذي وقع عليه العمل والصنع، كذلك محال إذا أنت تعرف مكان الفضل والمزية في الكلام أن تنظر في مجرد معناه، وكما أننا لو فضلنا خاتمًا على خاتم، بأن يكون فضة هذا أجود أو فضته أنفس، لم يكن ذلك تفضيلًا له من حيث هو خاتم، كذلك ينبغي إذا فضلنا بيتًا على بيت من أجل معناه لا يكون تفضيلًا له من حيث هو شعر وكلام، وهذا قاطع فاعرفه"(9).
وبهذا يكون عبد القاهر وضح نظرية النظم، والعلاقات التي ينبني عليها التصوير الأدبي، فأعطى للفظ حقَّه، وللمعنى حقه، والصورة تأتي من العلاقة بينهما معًا، ويرجع أساس الجمال إلى النظم والصباغة والتصوير، ولا بد لكل كلمة في النظم أو الصورة أن تأخذ مكانها بين أخواتها على أساس توخي معاني النحو حتى تحقق الوحدة الفنية في النص الأدبي.
وتحدث بشر أيضًا عن الوحدة الفنية: أو مناسبة الكلمة لموقعها يقول: فإن كانت المنزلة الأولى لا تواتيك ولا تعتريك، ولا تسنح لك عند أول نظرك، وفي أول تكلفك، وتجد اللفظة لم تقع موقعها، ولم تعدّ إلى قرارها، إلى قوله، أو جريت من الصناعة على عرق.
فصياغة الشعر ليست سهلة أو ميسورة؛ لأن تصوير المعنى يحتاج إلى دقة وبراعة، وعلى الشاعر بعد اختيار الألفاظ والمعاني الكريمتين والشريفتين، أن يختار لكل كلمة موقعها من الصورة، لتستقر في مكانها المخصوص لها، وكذلك القافية لا بد أن تقع في نصابها وتتوازن مع نظائرها، وتتشاكل مع أخواتها.
وإذا لم يتيسر للشاعر التناسب في الصورة الأدبية والوحدة الفنية بين الألفاظ فيها، بحيث لا توافق الكلمة أختها، فتعبر أحداها عن الصبابة والثانية عن الفخر، فيصير النسج بذلك مهلهلًا، والتماسك ضعيفان وعلى الشاعر حينئذ خوفًا من الخلط والاضطراب أن يترك العمل يومًا وليلة، حتى يستطيع أن يحكم النسج، ويضع كلًّا في مكانه المناسب، فتتواءم كل كلمة مع أختها، ويتم التلاحم بين أجزاء الصورة الأدبية، وتتحقق الوحدة الفنية فيها.
وليسمها بشر تناسبًا بين الكلمات، أو توافقًا بين المعاني فلا يضر ذلك في عناصر التصوير حين يسميها النقد الحديث الوحدة الفنية وغيرها مما يدل على التناسب بين الكلمات في التركيب، والتلاؤم بين الأجزاء في التصوير.
وبهذا يكون أبو سهل بشر بن المعتمر أول ناقد أدبي سجل هذه القضايا النقدية، والقيم الجمالية في النقد العربي القديم، وإن لم يفصل القول، كما هو مألوف في التطور التاريخي لنشأة العلوم، حيث يبدأ رويدًا رويدًا، ثم تأخذ في التكامل والنضوج على أيدي النقاد الذين جاءوا من بعده كما وضحت ذلك.
وهذه المنزلة الرائدة في النقد لبشر، لا تغض من مكانة ابن سلام الجمحي لأنهما كانا يعيشان في عصر واحد وفي جو علمي واحد، مع أن النقاد جعلوا الجمحي في كتابه "طبقات الشعراء" مؤرخًا للأدب وإن كانت له نظرات نقدية عميقة، ولا يغض أيضًا من نظرات أبي تمامة وخاصة في وصيته لتلميذه البحتري؛ لأنهما أيضًا كانا معًا في عصر واحد.
__________
(1) البيان والتبيين: الجاحظ 135.1.
(2) الحيوان 40.3.
(3)الشعر والشعراء: 7.
(4) عيار الشعر: 23.
(5) الموازنة بين أبي تمام والبحتري 173.
(6) العمدة: 124.1.
(7) دلائل الإعجاز: 473 تحقيق د/ محمد عبد المنعم خفاجي.
(8) دلائل الإعجاز: 97.
(9) المرجع السابق 118، 123، 255.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|