المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



حق الأبوين  
  
3014   03:24 مساءً   التاريخ: 28-6-2017
المؤلف : مركز الرسالة
الكتاب أو المصدر : الحقوق الاجتماعية في الاسلام
الجزء والصفحة : ص47ـ59
القسم : الاسرة و المجتمع / الحياة الاسرية / الآباء والأمهات /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-6-2016 1886
التاريخ: 21-10-2020 2201
التاريخ: 11-1-2016 1995
التاريخ: 15-11-2017 2075

أولى الإسلام عنايةً خاصة للأسرة وللمحافظة عليها ، من خلال تحديده للحقوق المترتبة على أفرادها تجاه بعضهم البعض ، كي تصان الأسرة بصفتها اللّبنة الاساسية في بناء المجتمع الذي ينشده الإسلام. ولما كان الوالدان هما حجري الاساس في بناء الأسرة وتنشئة الجيل ، نجد القرآن الكريم يصرّح بعظم مكانتهما ووجوب الإحسان اليهما.

وفيما يأتي بيان لحقوق الوالدين في القرآن الكريم ، والسُنّة النبوية ، وأقوال أهل البيت :

أولاً : حقوق الوالدين في القرآن الكريم :

قرن تعالى وجوب التعبد له ، بوجوب البرّ بالوالدين في العديد من الآيات الكريمة ، منها قوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: 23] ، وقوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[البقرة: 83] ، وقوله تعالى : {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الأنعام: 151]. ثم قرن الشكر له بالشكر لهما في قوله تعالى:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}[لقمان: 14]

وهكذا نجد أنّ الله تعالى يعتبر الإحسان إلى الوالدين ، قضية جوهرية ، فهي من الأهمية بمكان، بحيث يبرزها ـ تارة ـ في عالم الاعتبار بصيغة القضاء:{وَقَضَى رَبُّكَ..}[الإسراء: 23] ، ويجسدها ـ تارة أُخرى ـ في عالم الامتثال بصيغة الميثاق:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ..}[البقرة: 83] ، ويعتبر التعدي على حرمتهما حراماً.

وهنا لابد من التنبيه على أن القرآن الكريم وفي العديد من آياته يؤكد على الأولاد بضرورة الإحسان إلى الآباء ، أما الآباء فلا يؤكد عليهم الإهتمام بأبنائهم إلاّ نادراً ، وفي حالات غير عادية كأن لا يقتلوا أولادهم خشية الاِملاق ، ويكتفي بالتأكيد على أن الاولاد زينةٌ ومتعة ، وموضع فتنة وإغراء للوالدين ، ولم يذكرهم إلاّ مقرونين بالمال وفي موضع التفاخر.

قال تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[الأنفال: 28] ، وقال تعالى:{وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}[الحديد: 20] ، والسرُّ في ذلك : ان علاقة الوالدين بأولادهم هي أشدّ وأقوى من علاقة الأولاد بوالديهم ، فالآباء بحكم الغريزة الطبيعية أكثر حباً للأولاد من حب الأولاد لهم ، وخصوصاً الأم التي تلف أبناءها برداء الحنان وتضحي بالغالي والنفيس من أجلهم ، وتندفع غريزياً وتلقائياً للقيام بما يؤمن حوائجهم ، وتعمل جاهدة من أجل صنع إكليل سعادتهم ، وعليه فلا يحتاج الآباء إلى توجيه وتوكيد في هذا الصَّدد ، وانما يحتاجون ـ فقط ـ إلى استجاشة الوجدان من أجل تنشئة الجيل ، تنشئة صالحة.

أما الأبناء فتعلقهم بالآباء أضعف فطرةً من تعلق الآباء بهم. ومن هنا وَرَدَ الأمر القرآني القاضي بالإحسان إلى الوالدين من أجل رسم علاقة متكافئة بين الطرفين ، لذا وضع حقهم في المرتبة اللاحقة بعد حقّه تعالى.

وبنظرة أعمق جعل الإحسان إلى الوالدين المظهر الاجتماعي للعبادة الحقّة ، وكل تفكيك بين العبادة ومظهرها الاجتماعي ، بالإساءة إلى الوالدين على وجه الخصوص، ولو بكلمة ( أُفّ )، يعني إفساداً للعبادة .. كما تُفسد قطرة الخلّ العسل.

ـ للأم حقٌ أكبر :

منح القرآنُ الأم حقاً أكبر ، وذلك لما تُقدمه من تضحيات أكثر. فالاَم هي التي يقع عليها وحدها عبء (الحمل والوضع والارضاع) وما يرافقهما من تضحيات وآلام ، حيثُ يبقى الطفل في بطنها مدّة تسعة أشهر على الاغلب في مرحلة الحمل ، يتغذى في بطنها من غذائها ، ويقر مطمئنا على حساب راحتها وصحتها ، ثم تأتي مرحلة الوضع ، الذي لا يعرف مقدار الألم فيه إلاّ الأم ، حيثُ تكون حياتها ـ أحياناً ـ مهددة بالخطر ، وتأتي بعدها مرحلة الارضاع والحضانة وما يتخللها من عناء وسهر. فمن أجل كل ذلك يؤكد الإسلام على الأولاد بضرورة القيام بحق الأم ، وفاءً بالجميل ، واعترافاً بالفضل. وفي ظل هذه التضحيات كان من الطبيعي ، ان يخصّ القرآن الأم بالعرفان ، ويوصي بها على وجه الخصوص:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}[لقمان: 14] ، وبذلك يؤجج القرآن وجدان الابناء حتى لا ينسوا أو يتناسوا جهد الآباء وخاصة الأم وما قاسته من عناء ، ويصبّوا كلَّ اهتمامهم على الزوجات والذرّية.

ثانياً : حقوق الوالدين في السُّنة النبوية :

احتلت مسألة الحقوق عموماً وحقوق الوالدين على وجه الخصوص مساحةً كبيرةً من أحاديث ووصايا النبي الأكرم ، وذلك للتأكيدات القرآنية المتوالية ، وللضرورة الاجتماعية المترتبة على الإحسان إليهما ، خصوصاً وأنّ النبي اضطلع بمهمةٍ تغييرية كبرى تتمثل بإعادة تشكيل وعي جديد ومجتمع جديد.

ولما كانت الأسرة تشكل لبنةً كبيرة في البناء الاجتماعي ، وجب رعاية حقوق الوالدين القيِّمَين عليها ، وبدون مراعاة ذلك ، يكون البناء الاجتماعي متزلزلاً كالبناء على الرَّمل.

وعليه ، فقد تصدّرت هذه المسألة الحيوية سلّم أولويّات التوجيه النبوي ، بعد الدعوة لكلمة التوحيد، فقد ربط النبي بين رضا الله تعالى ورضا الوالدين ، حتى يعطي للمسألة بعدها العبادي، وأكد ـ أيضاً ـ بأنّ عقوق الوالدين هي من أكبر الكبائر ، وربط بين حب الله ومغفرته ، وبين حب الوالدين وطاعتهما ، فعن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام: (إنّ رجلاً جاء إلى النبي فقال يا رسول الله ما من عمل قبيح إلاّ قد عملته فهل لي من توبة ؟ فقال له رسول الله: (فهل من والديك أحد حيٌّ) ؟ قال : أبي ، قال : (فاذهب فبره). قال : فلمّا ولّى ، قال رسول الله: (لو كانت أُمّه) (1).

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (جاء رجل إلى النبي ، فقال : يا رسول الله مَنْ أبِرُّ ؟ قال: أُمَّكَ ، قال : ثم مَنْ ؟ قال : أُمَّكَ ، قال : ثم مَنْ ؟ قال: أُمَّكَ ، قال : ثم مَنْ ؟ قال : أباك) (2).

وفي التوجيه النبوي : من حق الوالد على الولد ، ان يخشع له عند الغضب ، حرصاً على كرامة الآباء من أن تُهدر، وفوق ذلك ، فقد اعُتبر التسبب في شتم الوالدين من خلال شتم الولد للآخرين كبيرة من الكبائر ، تستحق الإدانة والعقاب الاخروي. ثم ان البَّر بهما لا يقتصر على حياتهما فيستطيع الولد المطيع ان يبَّر بوالديه من خلال تسديد ديونهما أو من خلال الدعاء والاستغفار لهما ، وغير ذلك من أعمال البرَّ.

لقد جسّد النبي هذه التوصيات على مسرح الحياة ، ففي الوقت الذي كان يحث المسلمين على الهجرة ، ليشكل منهم نواة المجتمع التوحيدي الجديد في المدينة ، وفي الوقت الذي كان فيه المسلمون قلائل بالآحاد ، تروي كتب السيرة ، أن رجلاً جاء إلى النبي فقال : جئت أبايعك على الهجرة ، وتركت أبويّ يبكيان. فقال النبي: (إرجع اليهما فاضحكهما كما أبكيتهما) (3).

ومن الشواهد الاخرى ذات الدلالة القوية ، على تأكيد السيرة النبوية على رعاية حق الوالدين ،

أنّ أختاً للنبي من الرضاعة زارته يوماً ، فرحَّب بها ترحيباً حاراً ، وأكرمها غاية الإكرام ، ثم جاء أخوها إليه ، فلم يصنع معه ما صنع معها من الحفاوة والإكرام ، فقيل له : يا رسول الله :

صنعت بأخته ما لم تصنع به ، وهو رجل ! فقال: (إنّها كانت أبرَّ بأبيها منه) (4).

وهكذا نرى أنّ التوجه النبوي يجعل ميزان القرب والبُعد مرتبطاً بمدى رعاية المرء لحقوق والديه.

ولا يفوتنا في نهاية هذه الفقرة ، ان ننوه بالمكانة التي يوليها النبي للأم ، ويكفي شاهداً على ذلك قوله: (الجنة تحت أقدام الامهات) (5).

ثالثاً : حقوق الوالدين في مدرسة أهل البيت :

أعطى الأئمة الأطهار لتوجّهات القرآن الكريم وأقوال النبي وأفعاله الفكرية والتربوية روحاً جديدة ، وزخماً قوياً عندما أُلقيت على عواتقهم وظيفة النهوض الحضاري بالأمة في جميع المجالات ، خصوصاً بعد التداعيات والشروخ التي حصلت في المجتمع الاسلامي من جراء سيطرة حكام الجور والضلال على مراكز القرار. فعمل الأئمة بإخلاص من أجل تقويم الاعوجاج وترشيد المسار الحضاري للأمة.

وفي ما يتعلق بحق الوالدين ، نلاحظ أنهم عملوا على عدة محاور ، يمكن إبرازها على النحو الآتي :

1ـ تفسير ما ورد من آيات قرآنية :

ينبغي الإشارة هنا إلى أنّ أهل البيت : هم الذين أُنزل القرآن في بيوتهم ، وقَرنَهم الرسول الأعظم به ، وغدوا بذلك قرآناً ناطقاً ، ينطقون بالحق ويؤكدون على أداء الحقوق.

فقد حدّد الإمام جعفر الصادق مفهوم الإحسان الوارد بقوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: 23] ، فقال: (الإحسان : أن تُحسن صحبتهما ، وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئاً ممّا يحتاجان إليه ، وإنْ كانا مستغنيين) (6).

وحول قوله تعالى:{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23].

قال: ( إن أضجراك فلا تقل لهما أُفٍّ ، ولا تنهرهما إن ضرباك ) (7).

وعن قوله تعالى:{وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[الإسراء: 23] ، قال: ( إنْ ضرباك فقل لهما : غفر الله لكما ) (8). وقال الصادق عليه السلام : (أدنى العقوق ( أُفٌّ ) ولو علم الله شيئاً أهون منه لنهى عنه) (9).

وفي ضوء قوله تعالى:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء: 24] ، يقول أيضاً: (لا تملأ عينيك من النّظر اليهما إلاّ برحمة ورقّة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ، ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدَّم قدّامهما)(10). وحول الآية الكريمة:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}[لقمان:14] . يقول الإمام علي بن موسى الرِّضا عليه السلام : (إن الله عزّ وجل .. أمر بالشكر له وللوالدين ، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله)(11).

2ـ استثارة الوازع الأخلاقي :

أراد الأئمة عليهم السلام: أن تبقى منظومة الأخلاق في الأمة حيةً فعالةً ، انطلاقاً من حرصهم الدائم على سلامة المجتمع الإسلامي ، حتى لا يتردى أفراده في مهاوي القلق والضياع.

وعليه فقد حثّوا على التمسك بالقيم الأخلاقية في تعامل الأولاد مع والديهم ، بحيث تتحول إلى

طبع يطبع سلوك الأبناء .. وفي هذا الصَّدد يقول الإمام علي عليه السلام: (برّ الوالدين من أكرم الطباع) (12). ويقول حفيده الإمام الهادي عليه السلام: (العقوق ثكل من لم يثكل) (13).

3ـ تحديد الحكم الشرعي :

لم يبقِ آل البيت عليهم السلام: مسألة حقوق الوالدين في إطار التوجهات القرآنية أو مجرد استثارة الدوافع الاخلاقية ، بل حددوا الحكم الشرعي لهذه المسألة الحيوية ، واعتبر الامام علي: (برّ الوالدين أكبر فريضة) (14). ويقول الإمام الباقر عليه السلام: (ثلاث لم يجعل الله عزّ وجلّ لأحد فيهنّ رخصة :أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبرّ الوالدين برين كانا أو فاجرين) (15).

والجدير بالذكر ، أن الإسلام لم يربط حقوق الوالدين بقضية الدين ، وضرورة كونهما مسلمين ، بل أوجب رعاية حقوقهم بمعزل عن ذلك ، يقول الإمام الرِّضا عليه السلام: (برّ الوالدين واجب وإنْ كانا مشركين ، ولا طاعة لهما في معصية الخالق) (16). ولم يكتف الإمام الرِّضا بتبيان الحكم الشرعي بل كشف عن الحكمة من وراء هذا التحريم بقوله : (حرّم الله عقوق الوالدين لما فيه من الخروج من التّوفيق لطاعة الله عزّ وجلّ ، والتّوقير للوالدين ، وتجنّب كفر النّعمة ، وابطال الشكر ، وما يدعو من ذلك إلى قلّة النّسل وانقطاعه ، لما في العقوق من قلّة توقير الوالدين ، والعرفان بحقّهما ، وقطع الأرحام ، والزّهد من الوالدين في الولد ، وترك التّربية بعلّة ترك الولد برّهما) (17).

من خلال التمعن في هذا النصّ نجد نظرةً أرحب وأعمق لحق الوالدين، وكون القضية لا ترتبط بالجانب المعنوي المتعلق بحقوق الوالدين فحسب، بل لها آثار واقعية على مجمل الكيان الاجتماعي ، وعلى الأخص فيما يتعلق بمسألة حفظ الجنس البشري من الانقراض والاستئصال، كما أن للمسألة آثاراً تربوية سلبية واضحة ، فعندما يجد الوالدان أنفسهما وقد هدرت كرامتهما ، وصودر حقهما من قبل الأبناء ، فسوف يتشكل رأي عام في المجتمع ، بأن انجاب الأولاد ، أو على الأقل بذل الجهد في تربيتهما، عملية خاسرة ، وتسفر عن نتائج غير مُرضية ، وهذا سوف يؤدي إلى قلة أو انقطاع النسل ـ كما نوّه الإمام ـ أو يؤدي إلى عدم الاهتمام بتربية الابناء ، وفي كلتا الحالتين فالخسارة فادحة على المجتمع. ويحصل العكس من ذلك لو وجد الاَبوان أنفسهما في موضع التكريم والاحترام ، فسوف يحرصون على إنجاب الأطفال ، والقيام بتربيتهم على النحو الأفضل.

وخير شاهد معاصر على ذلك ما يحصل الآن في المجتمعات الغربية ، فقد أدّى التفكك الاُسري إلى متاهات لا تُحمد عقباها ، وأخذ الولد يتنكر لقيمومة والديه ويتنصل عن أداء حقوقهما ، وانجرف في تيار المادة واللّذة العارم ، الأمر الذي أدّى إلى قلّة النسل الشرعي وعدم الاهتمام بتربية الطفل، وايكاله إلى دور الحضانة ، وبلغ الانتكاس الاجتماعي حداً ، بحيث أصبحوا يهتمون بتربية الحيوان وخاصة الكلاب أكثر من الذين خرجوا من الاَصلاب ! واذا استمر هذا الوضع الشاذ ، بشيوع حالة من الأنانية والانعزال ، فسوف يؤدي إلى انقطاع أو على الأقل قلة النسل الشرعي ، وتصبح المجتمعات الغربية على شفير الهاوية.

4ـ تحديد الحقوق المترتبة للوالدين :

تتسع عدسة الرؤية للحقوق في مدرسة أهل البيت عليهم السلام: عن غيرها من المدارس والمذاهب القانونية والاجتماعية ، فهي تركز في توجهاتها على الحقوق المعنوية ، وتضعها في سلّم الأولوية ، ولا يعني ذلك إهمال الحقوق المادية ، فإذا كانت النَّظرة المتعارفة للحق انه حقٌّ ماديٌّ بالدَّرجة الأساس ، فانَّ مدرسة أهل البيت عليه السلام: تنظر للحق نظرة أرحب وأشمل ، هي نظرة الإسلام العميقة التي تُقدم الجانب المعنوي على المادي ، وعلى هذا الأساس ، نلاحظ أنّ أكثر توصيات وأحاديث الأئمة : تنصب على رعاية الحقوق المعنوية ، كالطاعة للوالدين والشكر والنصيحة لهما ، يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة : (إنّ للولد على الوالد حقّاً .. أن يطيعه في كلِّ شيء إلاّ في معصية الله سبحانه) (18).

ويقول حفيده الإمام الصادق عليه السلام: (يجب للوالدين على الولد ثلاثة أشياء: شكرهما على كلِّ حال ، وطاعتهما فيما يأمرانه وينهيانه عنه في غير معصية الله ، ونصيحتهما في السرِّ والعلانية) (19).

ويقول الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام في رسالة الحقوق : (أمّا حق أبيك فأنْ تعلم أنّه أصلك ، وأنّه لولاه لم تكن ، فمهما رأيت في نفسك ممّا يعجبك ، فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه ، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ، ولا قوة إلاّ بالله) (20).

ويقول في ما يتعلق بحق الأم: (أما أُمّك فأن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً ، وأعطتك من ثمرة قلبها مالا يعطي أحدٌ أحداً ، ووقَتْك بجميع جوارحها ، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك ، وتعرى وتكسوك ، وتضحى وتظلّك ، وتهجر النّوم لأجلك ، ووقَتْك الحرَّ البرد تكون لها ، فإنّك لا تطيق شكرها إلاّ بعون الله وتوفيقه) (21).

بهذه اللغة الوجدانية الشفافة يصوغ الإمام زين العابدين بنود الحقوق الاعتبارية للوالدين.

وأيضاً ينقل أبو الحسن موسى الكاظم عن جده المصطفى صلى الله عليه واله: أن رجلاً سأل الرسول: ما حقّ الولد على والده ؟ قال : (لا يُسمّيه باسمه ، ولا يمشِ بين يديه ، ولا يجلس قبله، ولا يستسب له) (22).

وأنت لو تمعنت في السطور المتقدمة ، تلمس بوضوح عمق التركيز على الحقوق المعنوية للوالدين ، ولعل السرّ في ذلك أن تطعيم الأولاد فكريا ووجدانياً من خلال إدراك هذا النوع من الحقوق الاعتبارية ، يمنح الأولاد المناعة والحصانة من الإصابة بالأمراض الاجتماعية ، تلك التي تقوّض كيان الأسرة كمجتمع صغير ، وتنعكس أعراضها وآثارها التدميرية على المجتمع الكبير.

ومن الضروري الإشارة إلى أن التركيز على الحقوق المعنوية ، لا يعني بحال اغفال ما للوالدين من حقوق مادية ، كضرورة الانفاق عليهم عند العوز أو الشيخوخة ، ولكن وفق ضوابط وحدود معقولة.

والظاهر أنّ الرأي السائد آنذاك ، هو ان للوالد مطلق التصرف في أموال بنيه، اعتماداً على رواية للنبي في هذا الخصوص ، ولكن الإمام الصادق قشع هذا المفهوم الخاطئ من أذهان الكثيرين ، وفق مبادئ وقواعد الإسلام ، التي تمنع الضَّرر والإضرار بالآخرين ، وكشف عن الدواعي التي حملت النبي على القول لرجل اشتكى من أبيه ـ وادّعى أنه أخذ ميراثه الذي من أمه ـ : (أنت ومالك لأبيك) بان الأب كان معسراً ، وقد الجأته الضرورة لذلك ، فالأمر لا يعدو أن يكون قضية في واقعة.

يتضح لك ذلك عند قراءة الرّواية التالية : عن الحسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبدالله: ما يحلّ للرّجل من مال ولده ؟ قال: (قوته بغير سرف إذا اضطرّ اليه) ، قال : فقلت له : فقول رسول الله للرّجل الذي أتاه ، فقدّم أباه ، فقال له : (أنت ومالك لأبيك) ؟ فقال: (إنّما جاء بأبيه إلى النبيّ فقال : يا رسول الله هذا أبي وقد ظلمني ميراثي من أُمي ، فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه ، فقال : أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرّجل شيء أفكان رسول الله يحبس الأب للأبن) (23) .

______________

1ـ بحار الانوار 74 : 82.

 2ـ أُصول الكافي 2 : 167 / 9 باب البر بالوالدين.

3ـ التّرغيب والترهيب 3 : 315.

4ـ بحار الانوار 74 : 82.

5ـ كنز العمال 16 : 461 / 45439.

6ـ أُصول الكافي 2 : 165 / 1 باب البر بالوالدين.

7ـ المصدر السابق : 165 / 1 باب البر بالوالدين.

8ـ المصدر السابق : 165 / 1 باب البر بالوالدين.

9ـ المصدر السابق : 349 / 1 باب العقوق.

10ـ المصدر السابق : 165 / 1 باب البر بالوالدين.

11ـ بحار الأنوار 74 : 68.

12ـ بحار الأنوار 77 : 212.

13ـ بحار الأنوار 74 : 84.

14ـ غرر الحكم : 239 / 4512.

15ـ بحار الأنوار 74 : 56.

16ـ المصدر السابق : 72.

17ـ المصدر السابق : 75.

18ـ نهج البلاغة ـ ضبط صبحي الصالح : 399.

19ـتحف العقول ـ لابن شعبة الحراني : 322 ـ مؤسسة النشر الإسلامي ط 2.

20ـ بحار الأنوار 74 : 6.

21ـ المصدر السابق .

22ـ أُصول الكافي 2 : 166 / 5 باب البر بالوالدين ، ولا يستسب : أي لا يصير سبباً لسب الناس له ، كأن يسب آباءهم فيسب الناس والده.

23ـ فروع الكافي 5 : 138 / 6 باب 47 من كتاب المعيشة.




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.