طرق تعزيز السلوك الجيد عند الأبناء / القصص والحكايات وتأثيرها الإيجابي
المؤلف:
عيسى محسني
المصدر:
أساليب تعديل سلوك الأبناء رؤية إسلامية
الجزء والصفحة:
ص193ــ198
2025-12-09
80
للقصة في التربية الإسلامية وظيفة تربوية لا يحققها لون آخر من ألوان وأساليب التربية فإنّها تعتبر من الأساليب التربوية العملية التي تشدّ على أزر المتمسكين بالحق والثابتين عليه وتدفعهم إلى الإستمرار على سلوكهم الحسن وتجدد من عزيمتهم بحسب مقتضى القصة وتوجيهها وخاتمتها والعِبرَةِ منها.
مميزات الأسلوب القصصي في التربية
للأسلوب القصصي عدة مميزات نشير إلى بعضها:
الأولى: تعتبر القصة كالفلم السينمائي الذي يتضمن مجموعة من الشخصيات الفعالة التي يقوم كل واحد منها بتمثيل دور تفاعلي حساس ومثير للأنظار ويستقطب متابعيه بحيث لا يكاد ينقطع المتابع عن مشاهدة الفلم إلا بعد إنتهائه وهكذا القصة الجذابة والشيقة فإنها تشد إنتباه مستمعيها بحيث لا يحبون مفارقتها إلا بعد إنهائها، والى أن يتبين لهم ماذا حصل بشخصيات تلك القصة وإلى أين إنتهى بهم الأمر.
الثانية: من خصوصيات القصة أنها تطرح الأفكار بشكل مبسط وسلس بعيداً عن أي تعقيد وغموض حتى لو كانت تلك الأفكار في حد ذاتها تقتضي التعقيد والإبهام كأدلة وبراهين إثبات الخالق ولكن يمكن لمن يمارس الأسلوب القصصي أن يطرحها بطريقة قصصية مؤثرة ونافذة بحيث يقتنع بها المستمع وإن كان طفلا صغيراً وبذلك يكون قد حصل القاص على الهدف المطلوب وهو إثبات وجود الخالق.
الثالثة: لا تنطوي القصة على الصورة المسرحية والتمثيلية الجذابة فحسب بل هي تمس عاطفة المستمع بشكل مباشر لاسيما إذا كانت القصة تتضمن مشاهد أخلاقية مثيرة للعاطفة مثل العلاقة بين الأم وأبنائها وما يحدث بينهم وسمو العلاقات الانسانية وهذا ما يؤثر في وجدان المستمع بحيث تجعله يعيش تلك القصة لعدّة أيام وكلما تذكرها أثيرت عواطفه وأحاسيسه تجاه تلك العلاقة العاطفية ومديات الحنان بين الأم وأولادها.
وهذه الخصوصية تعتبر من مميزات التربية من خلال اسلوب القصة ولا توجد في الأساليب التربوية الأخرى.
بعض الضوابط المهمة في إستخدام القصة
هناك بعض الضوابط التي يجب الإلتزام بها لكي تكون القصة مؤثرة وجذابة في نفوس الأبناء نشير إلى بعضها:
الأول: أن تكون القصة ذات هدف تربوي يمكن أن يتعلمه الطفل من خلال سرد القصة مثل الصدق والتعاون وحب الآخرين. وينبغي أن نذكّر طفلنا عند نهاية القصة، بالهدف التربوي الذي تعلمه من القصة مثلاً عند ما نروي له قصة الإمام علي (عليه السلام) والغلام الذي كان يضرب حماره بالعصا(1)... ثم نذكره بالعبرة التي نستفيدها من هذه القصة وهي وجوب الرفق بالحيوان.
الثانية: أن تكون القصة قريبة من الواقع وبعيدة عن الخيال المجنح كقصص الأميرات والتي تحمل أحداثًا وأحلاما لا يمكن تطبيقها وليس لها وجود في أرض الواقع مما يؤثر سلبًا على الفتيات خصوصا، لأنها تدفعهن إلى تصور حياة مستقبلية شبيهة بهذه القصص وبالتالي تصطدم الفتيات مستقبلاً بالواقع الذي سيختلف تماما عن أحداث القصص.
الثالثة: أن تكون القصة مناسبة لعمر الطفل وإمكانية فهمه للأحداث الواردة فيها. فلو كانت القصة تحتوي على معاني تتناسب مع الأطفال الذين يبلغون من العمر 15 سنة أو أكثر من ذلك فلا يتفاعل معها صغار السن وربّما يصاب الطفل بالملل والكآبة عندما يسمعها فلا يتحقق الهدف المطلوب من نقل تلك القصة.
وكذا اليافعين ربما لا يطيق الفتى واليافع ولا يتحمل القصص البدائية التي تناسب صغار السن. فيجب أن تكون القصة مناسبة مع عمر الولد حتى تترك أثرها التربوي في نفسه.
أسلوب القصة في آيات القرآن وكلام أهل البيت (عليهم السلام)
استخدم القرآن الكريم أسلوب القصة لما فيها من مفاهيم وقيم متنوعة في مجالات النفس الإنسانية وفي مجالات المجتمع الإنساني فقال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف: 3].
وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111].
وذكر القرآن الكريم العديد من القصص كقصة يوسف (عليه السلام)، وأصحاب الكهف وصاحب الجنتين وقصص موسى (عليه السلام) وغيرها.. لتكون عبرة لمن
يعتبر.
وقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته للإمام الحسن حول دور القصة في تربية النفوس ما نصه: ((أحي قلبك بالموعظة... وأعرض عليه أخبار الماضين، وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين... انّي وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم؛ حتى عدت كأحدهم؛ بل كأني بما انتهى إليّ من أمورهم قد عُمرت مع أولهم إلى آخرهم))(2).
وقد حفلت سيرة أهل البيت (عليهم السلام) بتربية أصحابهم عن طريق القصص لما فيها من مفاهيم وقيم متنوعة فذكروا (عليهم السلام) قصصاً عديدة عن تاريخ ومسيرة الأنبياء والأولياء والصالحين ودورهم في الحياة الإنسانية وخصائصهم الحميدة ومواقفهم الرائعة وكذا قصص ايمانهم وعباداتهم وأخلاقهم وعلاقاتهم مع الناس، وعن زهدهم وإيثارهم وصبرهم واحسانهم إلى غير ذلك من صفاتهم النبيلة.
وقد نقلوا (عليهم السلام) أيضاً قصصاً عن الصالحين وعن التائبين وعن مواقفهم الشريفة والنبيلة ومن تلك القصص ما روي عن الإمام زين العابدين عن ((امرأة نجت من الغرق وكانت في سفينة غرقت فواجهها رجل يقطع الطريق وينتهك الحرمات، فلم يكلمها حتى جلس منها مجلس الرجل من المرأة فلما أن هم بها اضطربت فقال لها: ما لك تضطربين، قالت: أفرق (أخاف) من هذا وأومأت بيدها إلى السماء، قال: فصنعت من هذا شيئاً؟ قالت: لا وعزته، قال: فأنت تفرقين منه هذا الفرق ولم تصنعي من هذا شيئاً وإنّما استكرهتك استكراهاً، فأنا والله أولى بهذا الفرق والخوف وأحق منك، فقام ولم يحدث شيئاً ورجع إلى أهله وليست له همة إلّا التوبة والمراجعة))(3).
وقد ورد أيضاً عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وهو يحكي لأصحابه أنه قال: كانت امرأتان معهما أبناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت لصاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنّما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود (عليه السلام) فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان بن داود (عليه السلام) فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغری))(4).
وهناك قصص عديدة أخرى رواها أهل البيت (عليهم السلام) لتربية واصلاح وارشاد الموالين والمخالفين.
_________________________
(1) من قصص ودروس كتاب قرائتي للصف الثالث الإبتدائي ص 24.
(2) نهج البلاغة: كلام 393.
(3) الكافي: ج 2 ص 70.
(4) صحيح البخاري كتاب الفرائض: ص 2485 ح 6387.
الاكثر قراءة في الآباء والأمهات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة