

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات


المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية


التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة
معالجة ظاهرة العناد والتمرد عند الأطفال
المؤلف:
عيسى محسني
المصدر:
أساليب تعديل سلوك الأبناء رؤية إسلامية
الجزء والصفحة:
ص81ــ96
2025-12-27
32
هناك عدد من الطرق والأساليب التي يمكن أن يستعين بها المربي لعلاج ظاهرة العناد عند الأطفال، نشير إلى بعضها:
1- تواصل الأبوين مع الأبناء
إن الله تعالى خلق الإنسان وكرّمه على سائر المخلوقات قال تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] ولذلك نرى أن طبيعة الإنسان تحب التكريم والتقدير والإعتزاز ولا تتحمل الإساءة والتحقير، وهكذا الأطفال فإن الطفل يشعر في نفسه بالإستقلال، وأنه حر في تصرفاته ويجب على الآخرين أن يحترمونه، ولا يتحمل الإكراه والإجبار على القيام بأفعال لا يحبها، ويعتبر ذلك إستصغاراً وإهانة لشخصه، فإذا وجد هناك من يجبره على فعل ما، فيميل إلى التمرّد عليه وعندها يبدأ بأفعال عنادية ويقوم بكل ما لا يحبه ذاك الشخص.
ومن هنا يجب على الآباء أن يتواصلوا مع أبنائهم ويصاحبونهم في الفعل الذي لا يحببونه للطفل ومن ثم يوضحون له الموقف والسلوك الصحيح فعلى سبيل المثال، إجبار الطفل البالغ من العمر ست سنوات، الذي يصر على مشاهدة التلفزيون بعد وقت نومه، لن يساعد، بدلًا من ذلك، والافضل ان يجلس معه ويظهر اهتمامًا بما يشاهده، وبعد ذلك يبين له النتائج السلبية التي تترتب على مشاهدة التلفزيون في هذا الوقت المتأخر من الليل. هذا هو الموقف الصحيح الذي ينبغي أن يعمل الآباء على أساسه بدلاً من إكراه الطفل وإجباره على إطفاء التلفزيون ومنعه بأسلوب قسري على ترك الفلم أو الكارتون المحبب عنده.
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) ((رحم الله من أعان ولده على بره. قال: قلت: كيف يعينه على برّه؟ قال يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به))(1).
وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله): ((رحم الله عبداً أعان ولده على بره بالإحسان إليه، والتآلف له، وتعليمه وتأديبه))(2).
ولا شك في أن الأبوين إذا اظهرا الإهتمام بالطفل ورغباته فسوف يستجيب لهم.
وعلى هذا فإن العلاقة والتواصل الإيجابي مع الأبناء العنيدين تسهل التعامل والسيطرة عليهم ذلك أن الطفل يرغب في تواصل الوالدين معه فإذا وجد التفاعل الجيد من الوالدين فسوف يخضع لهم ويمتثل أوامرهم.
2- إستخدام المفردات المناسبة والجذابة
لقد أرسل الله تعالى نبيه موسى وأخاه هارون عليهما السلام إلى فرعون يدعوانه إلى دين التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد وأمرهما أن يكلماه بالكلام اللين والحسن وأن يتجنبا القول الغليظ والشديد الذي يشتمل على المفردات العنيفة والبذيئة فإنّ ذلك أقرب إلى هدايته وإرشاده قال تعالى {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43، 44].
وقد مدح الله سبحانه نبيه الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) على أخلاقه الحسنة، والرحمة الإلهية التي كان يتصف بها حيث إستطاع أن يدعو قومه المعروفون بالعنف والشدّة بأخلاقه الطيبة وكلامه الجذاب إلى التوحيد والإيمان بالمعاد ولم يكن معهم عنيفاً ولم يستخدم الغلظة في كلامه معهم قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
ومن هنا ينبغي للآباء أن ينتهجوا في تربيتهم لأطفالهم تعاليم هذا الكتاب السماوي والدستور الالهي في التعامل مع أولادهم وليعلموا أن الأطفال العنيدين وذوي الإرادة القوية حساسون للغاية لكيفية التعامل معهم، ولهذا فلنحذر من التصرفات العدوانية واستخدام المفردات المسيئة كالصراخ والتلفظ بالكلمات البذيئة، فإنّ التعامل مع الأبناء بالصراخ وإستخدام الكلمات والمفردات غير اللائقة، سيعقد الأمور وجعلها أسوأ حالاً، وسيدفع الطفل إلى الردّ والإنفعال بنفس الطريقة والأسلوب الذي شاهده من أبويه، فإن الطفل الحدث يعدّ كالأرض الخالية ينمو فيها ما ألقي من الأخلاق والآداب والسلوكيات وقد تقدم الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا الشأن حيث قال ((إنّما قَلب الحَدَثِ كالأرض الخالية ما ألقى فيها من شيء قبلته))(3).
فإذا ما إستمر الأبوان بالصراخ والكلام السيء مع الأبناء فسوف لا ينتهي الأمر إلى خير. وبالتالي ستتحول محاولتهما مع الطفل إلى مباراة إصطدام وشتم و... بدل أن تكون محاولة إقناعية، تترتب عليها النتائج المطلوبة.
وهكذا فلنحذر من إستخدام النبرة الحادة في خطابنا مع الأبناء ولننتبه إلى لغة جسدنا ومفرداتنا التي نستخدمها في التعامل معهم، إنّ الأطفال إذا شعروا بعدم الإرتياح لسلوك الآباء، ستزداد عندهم الحالة العدوانية والتمرد على الآباء.
ولذلك يجب علينا لعلاج ظاهرة العناد أن نغير طريقتنا الإزعاجية إلى طريقة هادئة وجذابة بحيث تقربنا إلى الطفل على سبيل المثال بدل أن نقول له: أريدك أن تفعل كذا فلنقل له ما هو رأيك إذا فعلت كذا، ثم نبدأ بذكر حسنات الفعل الذي إقترحناه عليه.
3- إستماع كلام الطفل
إن الكثير من الآباء يسأل عن أسباب عناد الطفل وعدم سماعه لكلامهم ويبحثون عن حل لهذه المشكلة.
في الحقيقة أن من أهم أسباب عناد الطفل هو عدم تلبية حاجاته ومتطلباته، ومن تلك المتطلبات هو سماع كلامه والإصغاء إليه وأحياناً لا يكفي الإصغاء له ولكلامه، بل ربما يستدعي الأمر أن يستجيب الأبوان الى متطلباته وما يريده منهما من ألعاب وحلوى و... فإذا أراد الآباء أن يستمع أطفالهم إليهم، ويطيعوا أوامرهم فيجب عليهم أولاً أن ينصتوا لأولادهم ويهتموا بآراءهم، فقد يكون لدى الأطفال العنيدين آراء جيدة لابأس بتحقيقها فحينئذ ينبغي للآباء أن لا يهملوها بل يمتثلوا لآرائهم ومتطلباتهم بقدر ما يمكن فإن ذلك يخفف من عناد الطفل وربّما يزيل هذا السلوك الذي يعاني منه الآباء.
إن الإستماع إلى أقوال الطفل ومتطلباته خصوصا عندما يصر على فعل شيء ما أو عدم فعله، وإجراء محادثة مفتوحة حول ما يعاند فيه في معظم الأوقات، يؤدي بالطفل إلى الإصغاء وقبول قول الأبوين. على سبيل المثال إذا كان الأبوان يأمران الطفل بالذهاب إلى المغاسل قبل النوم ووجدا عدم استجابة عند الطفل، فليدنوا منه وبكل هدوء وشفقة ويتحدثا معه ويسألاه عن سبب عناده وعدم إصغائه لهما.
إن إستخدام أسلوب المحادثة الهادئة مع الأبناء في معظم الأوقات يحقق الهدف ويؤدي بالطفل إلى الإستماع إلى الأبوين وهذا الأسلوب من أكثر الأساليب أثراً لعلاج ظاهرة العناد عند الطفل.
4ـ وضع خيارات أمام الطفل
من الوسائل الناجحة للتغلب على عناد الطفل هو وضع الخيارات أمامه، على سبيل المثال إذا طلب الطفل من الأب أن يشتري له لعبة غير لائقة وأصرّ على ذلك، وكان الأب لا يحب شراءها فليضع أمام طفله خيارين بأن يخيّره بين شراء اللعبة وخيار آخر مهم كالذهاب إلى بيت الجد أو الذهاب إلى مدينة الألعاب أو حديقة الحيوانات وغيرها من الأمور المهمة التي يحبها عادة، وليقل له إما أن أشتري لك اللعبة وتنصرف عن الذهاب إلى بيت الجد، أو أن نذهب إلى بيت الجدّ أو حديقة الحيوانات ونترك شراء اللعبة.؟
وتعتبر هذه الطريقة من الطرق الناجحة التي يستخدمها الآباء لصرف أبنائهم عن العناد والإلحاح.
ويمكن للطفل أن يواصل إلحاحه ويطلب تنفيذ الخيارين، بأن يقول أريد شراء اللعبة والذهاب إلى حديقة الحيوانات معاً، ولكن يجب على الأب أن لا يصغي له بل يقوم بوضع الخيارات أمامه مرة أخرى، ويريد من إبنه أن يختار أحدها فقط، وعندما يرى الطفل أن الأمر محسوم لا يتغير، فعندئذ يسلم أمام الأمر الواقع ويختار أحدها.
أمور يجب أن نحذرها
1- عدم إجبار الطفل على فعل معين
من التصرفات والكلمات التي لا يطيق أن يتحملها الطفل العنيد هو أمره بالسكوت، أو أمره بأن يفعل كذا ولا يفعل كذا، فإن السلوك والتعامل القهري والإجباري مع الطفل العنيد يدفعه إلى الإلحاح والإصرار على فعله السيء، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يشير إلى ذلك حيث قال: ((إن ابن آدم لحريص على ما منع منه))(4).
ولذلك يجب على الأبوين أن يقوم كل واحد منهما بتوعية إبنه وبيان الأضرار والنتائج السلبية التي تترتب على فعله الذي يمارسه، ويذكرا له الأسباب التي تمنعهم من توفير طلبه، بدلاً من إجبار الطفل على إلتزام الصمت أو تركه يقوم بممارسته.
على سبيل المثال إذا كان الولد يصرّ على الذهاب في هذا الأسبوع إلى بيت الجد والجدة فبدلاً من أن نقول له: كلّا لا نذهب فلنذكر له سبب عدم إمكان الذهاب إلى بيت الجد والجدة هذا الأسبوع فإذا كان السبب وجود التكاليف والواجبات المدرسية فلنقل له أن لديك واجبات وتكاليف كثيرة ولا يمكن إتمامها إذا ما ذهبنا إلى بيت الجد والجدة ، ولكن إذا أديت واجباتك المدرسية نعدك أننا سوف نذهب في الأسبوع القادم إلى بيت الجدة.
إن هذه الطريقة تخفف من ممارسة الطفل لعناده وإصراره على تنفيذ ما يريد.
2- التخفيف من وضع قوانين للطفل
إن كثرة وضع القوانين والحدود تدعو الطفل إلى التمرد وعدم الإلتزام بأي قانون يوضع من قبل الوالدين لما يرى من كثرة القوانين التي قيدته ومنعته عن ممارسة ما يحلو له ولذلك يجدر بالوالدين أن لا يضعا قانوناً لأطفالهم إلا في القضايا المهمة كقضية الدراسة ومشاهدة التلفزيون و... وأما الأمور الصغيرة والهامشية التي يمكن أن يغضّ النظر عنها مثل خلع الزي المدرسي مباشرة بعد الدخول الى البيت، أو تحديد ساعة النوم أو تناول الطعام مع جميع أفراد الأسرة... فلا ينبغي وضع حدود وقوانين في ذلك. بل نتركه وشأنه يقوم بما يشاء وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال ((رحم الله من أعان ولده على بره، قيل: كيف يعينه على بره؟ قال: يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ولا يرهقه ولا يخرق به))(5).
نعم لابأس أحيانا أن نوجهه إلى التصرف المطلوب في تلك الأعمال الصغيرة، وذلك في الأوقات التي نجد عنده استجابة، ولكن فلنحذر من أن يكون ذلك قانوناً أو ضابطة نجبره على الإلتزام به.
3- الابتعاد من الأسلوب الصدامي
من الانطباعات الخاطئة لدى بعض الآباء هو أنهم يزعمون أن التنازل أمام طلبات الأبناء يؤدي بهم إلى الجرأة ومن هنا يقفون بكل ما يستطيعون أمام طلبات الأبناء حتى لو كانت تلك الطلبات بسيطة للغاية ويمكنهم توفيرها بأسهل طريقة وأسرع وقت.
ولكن على الأبوين أن يعلما أن السلوك الذي يجب أن يتعاطياه مع أولادهم يجب أن يكون بأفضل شكل ممكن وينبغي أن يكون التعامل بينهم مفعما بالإحترام والتقدير والمحبة بعيداً عن أي شكل من أشكال التحكّم والسيطرة.
ونجد أن الكثير من الآباء يحاولون الاصرار على كلامهم واجبار أولادهم ومن جهة أخرى يسعى الأطفال من خلال عنادهم ومعارضتهم وعدم الخضوع لآباءهم.
ومن الضروري أن يعلم الآباء أنّ أسلوب التخاصم واستخدام القوة والسلطة وإن كان يركع الطفل ويخضعه لإمتثال أوامر الأبوين إلا أنه لا يجدي نفعاً بل يزرع الكراهية في قلب الطفل ويدفعه إلى الإبتعاد عنهما ولذا ينبغي أن يتعاطى الآباء في تعاملهم مع الأبناء بالنحو الذي يجعل الأولاد يشعرون أن آباءهم يودون مساندتهم للوصول إلى طلباتهم المشروعة والمعقولة.
4ـ التعامل الحسن مع الأبناء
إن أغلب الآباء ليس له معرفة بطبيعة الأطفال فيزعم الكثير منهم عدم طاعة الأبناء ليس إلا للتمرد واللجاجة لا غير ومن هنا يبدأ الآباء بتوجيه الانتقاد لأولادهم فيقومون بتقبيح جميع أفعال وتصرفات الإبن، ويكونون صورة منبوذة من ذلك الولد في ذهنه وقد يتصاعد الأمر عنده بحيث يتمنى لو لم يولد له ذلك الطفل.
إن سبب تلك الخطوات الخاطئة التي إتخذها الأب هو الجهل بالطبيعة التكونية التي يحملها الطفل والجهل بالمرحلة العمرية التي يعيشها ولو كان مطلعاً على حقيقة المرحلة الطفولية وما تقتضيها وأن مخالفات الأبناء وعصيانهم للأبوين ليس للتمرّد والعناد واللجاجة بل لما تقتضيها طبيعتهم الطفولية لأن الطفل في هذه المرحلة من عمره لا يتعقل ما يصدر منه ولا يتأمل في مصالح الأفعال التي يقوم بها ولذلك فان مخالفته للآباء وعصيانه لهم لا يعدّ تمرّداً ولجاجاً لأبويه. وكم كنا نتمنى أن الآباء أن يدركوا ذلك ثم يحملوا جميع مخالفات الطفل وعصيانه على إقتضاء الطبيعة ويغضوا النظر عن الكثير من الأفعال العنادية التي تصدر من أولادهم ويتركوا لومهم وتوبيخهم عند صدور الخطأ منهم.
يقول الإمام على بن أبي طالب (عليه السلام): ((الإفراط في الملامة يشب نار اللجاجة))(6).
وعنه (عليه السلام): ((إذا عاتبت الحدث فاترك له موضعا من ذنبه لئلا يحمله الإخراج على المكابرة))(7).
5ـ عقاب الطفل العنيد بالحرمان
من الأساليب التربوية التي طالما أكّد عليها علماء التربية في تربية الأولاد وأوصى بإستخدامها كأحد الطرق العلاجية في مواجهة الطفل العنيد أسلوب الحرمان ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه وهو هل أن إستخدام أسلوب الحرمان في مواجهة الطفل العنيد يجدي نفعاً؟!
يذهب بعض الخبراء الى أن أسلوب الحرمان وإن أصبح أكثر الأساليب شيوعاً لعقاب الطفل وإيقافه عن ممارسته لبعض السلوكيات الخاطئة، إلّا أنه قد لا ينفع إستخدامه في تربية الطفل، وبالذات لمواجهة الطفل العنيد، فإن الطفل العنيد قد لا يتنبه إلى الغاية من حرمانه من بعض الممارسات التي يميل إليها بل يزعم أن حرمانه منها ليس إلا لكونهما يمتلكان القدرة والسيطرة عليه ويريدان بذلك أن يخضعانه وهذه هي الغاية من وراء حرمانه.
وبذلك سوف نعلم طفلنا أن اللغة الوحيدة الحاكمة في إخضاع الآخرين هي لغة القوة لا غير، ولا شك أن أسلوب الحرمان بدل أن يجدي نفعاً في علاج سلوك الطفل العنيد، يزيد في عناده ويجعل منه طفلاً يفكر في إستخدام القوة والسلطة في إخضاع الآخرين.
إذاً ليس الحرمان دائماً طريقاً ناجحاً في علاج المشاكل السلوكية بل قد تكون له ردود ومعطيات سلبية وكما لاحظناها فهو سلاح ذو حدين إن لم يحسن الآباء استخدامه تسبب في إيذاء الطفل نفسياً، وهو ليس وسيلة لابتزاز الطفل فلا يمكننا بأي حال من الأحوال حرمان الطفل من أي من أساسيات الحياة مثل منعه من ممارسة هواياته أو من تناول الطعام لحين توقفه عن ممارسة سلوك معين.
كما يجب أن يكون حرمان الطفل منطقياً ومناسباً مع السلوك الخاطئ الذي يقوم به حتى يكون فعالا فلا يمكننا حرمان الطفل من اللعب مع أصدقائه لمدة طويلة لأنه عاند والديه في خروجه من البيت من دون إستئذان وغير ذلك من المعاندات الصغيرة والعفوية التي قد تصدر منه.
6ـ التشنجات والخلافات داخل الأسرة
لا شك أن المشاكل والخلافات في داخل الأسرة تخلق أجواءً متوترة ومتشنجة تهدد استقرارها وتماسكها، وقد تؤدي في أغلب الأحيان إلى انفصام العلاقة الزوجية وتهديم الاسرة، وهي عامل قلق لجميع أفراد الأسرة بما فيهم الأطفال، حيثُ تؤدي الخلافات والأوضاع المتشنجة بين الوالدين إلى خلل في الثبات والتوازن العاطفي للطفل في جميع المراحل التي يعيشها وقد أشارت بعض الدراسات التربوية إلى أن الانسحاب الاجتماعي، بل العدوانية والعناد عند الطفل، قد يكون نتيجة المعاملة الخاطئة للأبوين كالاحتكاكات الزوجية التي تخلق الجو العائلي المتوتر الذي يسلب الطفل الأمن النفسي.
فالشعور بالأمن والاستقرار من أهم العوامل في بناء شخصية الطفل بناءً سوياً متزناً، وهذا الشعور ينتفي في حالة استمرار الخلافات والعلاقات المتشنجة، ومن أجل الوقاية من الخلافات والتشنجات بين الزوجين، أو التقليل من تأثيراتها النفسية والعاطفية لاسيما على الأبناء، فقد وضع الاسلام منهجاً وبرنامجاً متكاملاً إزاء تلك الخلافات والتشنجات، وشرع مجموعة من الحقوق والواجبات بين الزوجين، وأكد على لزوم الوقاية من حدوث الخلافات أو معالجة مقدماتها أو معالجتها بعد الحدوث، وذم الممارسات الخلافية أو التي تؤدّي إلى الخلافات. فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ((خير الرجال من أُمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ويحنون عليهم ولا يظلمونهم))(8).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة أعتق الله رقبته من النار وأوجب له الجنّة))(9).
ونهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن استخدام العنف مع الزوجة فقال: ((أي رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عزّ وجل مالك خازن النيران فيلطمه على حرّ وجهه سبعين لطمة في نار جهنم))(10).
وشجّع الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) على التفاهم لتجنب الخلافات الحادة فقال: ((خير نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى عني))(11).
وعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام): ((وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته))(12).
7ـ إحترام الطفل وتكريمه
يعد تكريم الأبناء وإحترامهم من الحاجات الأساسية والمؤثرة في تربية وتنمية الطفل فردياً وإجتماعياً.
يرى علماء النفس أن مرحلة الطفولة هي من أهم المراحل التي تتكون فيها شخصية الإنسان وقد أجرت بعض مراكز التنمية الإجتماعية دراسة ميدانية في شخصية بعض الأفراد فوجدت أن سبب الكثير من العقد النفسية التي يعاني منها الناس هو الشعور بالحقارة وعدم الإعتزاز بالنفس أمام الآخرين فالإحترام والتكريم يعد من أهم أسباب علاج هذا الداء النفسي الذي قد يصاب به الإنسان ومن هنا سنعرف مدى أهمية تكريم الطفل وإحترامه ومدى تأثير هذه الظاهرة في زرع الثقة بالنفس عند الأبناء فهو يعتبر من أهم الأساليب في تربية الإنسان وتربية الطفل على وجه الخصوص.
ولأجل ذلك نجد الدين الإسلامي يؤكّد كثيراً على ممارسة هذا الأسلوب في تربية الأبناء فقد ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ((أكرموا اولادكم وأحسنوا آدابهم يغفر لكم))(13).
وفي حديث آخر في تكريم الجنس الأنثوي قال (صلى الله عليه وآله) ((من كانت له انثى فلم يؤذها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها ادخله الله الجنة))(14).
ولعل السبب في تقديم البنت على الولد في هذه الروايات هو أنّ الأنثى لم تكن عند العرب آنذاك لها دور في حياتهم الفردية والاجتماعية بل كان يتعامل معها كسائر الكائنات الحية وربّما لا يفرق بينها وبين البهائم ولذلك كانت كثيراً ما تتعرض للقتل والظلم والإهانة و... وقد أخبر القرآن الكريم عن ذلك في قوله تعاله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل: 58].
ولذلك نرى أن الرسول (صلى الله عليه وآله) ما أكد على تكريم الأنثى أكثر من الذكر وقد جاء في الحديث عن ابن عباس قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): ((مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَاشْتَرَى تُحْفَةٌ فَحَمَلَهَا إِلَى عِيالِهِ كَانَ كَحَامِلِ صَدَقَةٍ إِلَى قَوْمٍ مَحَاوِيجَ وَلْيَبْدَأُ بِالْإِنَاثِ قَبْلَ الذُكُورِ فَإِنَّهُ مَنْ فَرَّحَ أُنْثَى فَكَأَنَّمَا عتق [أَعْتَقَ] رَقَبَةً مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ وَمَنْ أَقَرَّ بِعَيْنِ ابْنِ فَكَأَنَّمَا بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أَدْخَلَهُ جَنَّاتِ النَّعِيمِ))(15).
__________________________
(1) الكافي: ج 6 ص 50.
(2) مستدرك الوسائل: ج 15 ص 169.
(3) نهج البلاغة: ص393.
(4) نهج الفصاحة: ص 267.
(5) الكافي: ج 6 ص 50.
(6) غرر الحكم ودرر الكلم: ص 96.
(7) شرح نهج البلاغة: ج 20 ص 333.
(8) مكارم الأخلاق: ص 216.
(9) مكارم الأخلاق: ص 216.
(10) مستدرك الوسائل: ج 14 ص 250.
(11) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 389.
(12) جامع أحاديث الشيعة: ج 25 ص 584.
(13) مكارم الأخلاق: ص 222.
(14) مستدرك الوسائل: ج 15 ص 118.
(15) أمالي الصدوق: ص 577.
الاكثر قراءة في الآباء والأمهات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة
الآخبار الصحية

قسم الشؤون الفكرية يصدر كتاباً يوثق تاريخ السدانة في العتبة العباسية المقدسة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)