أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-6-2017
1201
التاريخ: 28-6-2017
630
التاريخ: 12-3-2018
1149
التاريخ: 27-6-2017
669
|
أقبل أبو العباس به حتى دخل المسجد الأعظم، واجتمع له الناس، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه، عليه السلام، ثم ذكر انتهاك بني أمية المحارم، وهدمهم الكعبة، ونصبهم عليها المجانيق، وما أبدعوا من خبيث السير، ثم نزل.
فأكثر الناس له من الدعاء، وأقبل نحو دار الإمارة، فنزلها. وأمر الحسن بن قحطبة بالانصراف إلى واسط، والإناخة بيزيد بن عمر ابن هبيرة، فسار الحسن وحاصر يزيد أشهرا كثيرة.
قال الهيثم بن عدي: بويع لأبي العباس بالخلافة، ولأبي جعفر بولاية العهد من بعده، في رجب، من سنة اثنتين وثلاثين ومائة (1).
فلما استدف لأبي العباس الإمرة ولى أبا سلمة الداعي جميع ما وراء بابه، وجعله وزيره، وأسند إليه جميع أموره، فكان يسمى وزير آل محمد، فكان ينفذ الأمور من غير مؤامرة.
وبلغ ذلك أبا مسلم وهو بخراسان، فدعا مروان الضبي، وكان أحد قواده، وقال له: (انطلق إلى الكوفة، فأخرج أبا سلمة من عند الإمام أبي العباس، فاضرب عنقه، وانصرف من ساعتك)، ففعل الضبي ذلك.
فقال الشاعر يرثي أبا سلمة:
إن الوزير وزير آل محمد *** أودي فمن يشناك كان وزيرا (2).
ثم إن الإمام أبا العباس رأى أن يوجه أخاه أبا جعفر المنصور إلى واسط، ليتولى محاربة ابن هبيرة، فوجهه، وكتب إلى الحسن بن قحطبة يعلمه أن العسكر عسكره، و [ أنه ] أحب أن يكون أخوه المتولي للأمر.
فلما وافى أبو جعفر واسطا تحول الحسن بن قحطبة عن سرداقه، وخلاه بما فيه له، فنزله أبو جعفر بحريمه وحشمه.
وكتب أبو جعفر إلى قواد يزيد بن عمر وأشراف من العرب، يستميلهم بالأطماع، وينبههم على حظوظهم، ويعرفهم انصرام دولة بني أمية، فأجابوه جميعا.
وكان أول من أجابه وانحرف إليه زياد بن صالح الحارثي، وكان عامل ابن هبيرة على الكوفة، وأخص أصحابه عنده، وقد كان ابن هبيرة ولاه حراسة مدينته بالليل، ودفع إليه مفاتيح أبوابها.
قال الهيثم: فحدثني أبي، قال: لما هم زياد بالحوق بأبي جعفر أرسل إلى، وكان وصي أبي، فكنت أدعوه أبا وعما، وقد كان رسوله أتاني عند اختلاط الظلام، يأمرني بالمصير إليه، فأتيته، فخلا بي، وقال: (يا ابن أخي، إنك لست ممن أكتمه شيئا، وقد أتاني كتاب أبي جعفر، يدعوني إلى اللحوق به، ويبذل لي على ذلك منزلة سنية، وأعلم في كتابه أنه راع للخئولة وكانت أم أبي العباس حارثيه -.
قال والدي: (فقلت له، يا عم، إن لابن هبيرة أيادي جميلة، و أكره لك الغدر به).
فقال: (يا ابن أخي، أنا من أشكر الناس له، غير أني لا أرى أن أقيم على ملك، قد انقضت قواه، ووهت عراه، وأنا لابن هبيرة اليوم عند أبي جعفر أنفع مني له هاهنا، وأرجو أن يصلح الله أمره بي وعلى يدي، فأقم عندي إلى وقت خروجي لأسلم لك المفاتيح). فأقمت عنده.
فلما مضى ثلث الليل أمر غلمانه، فحملوا أثقاله، وأسرجوا دوابه، ثم ركب، وخرج من منزله، وأنا أمشي معه، حتى انتهى إلى باب المدينة الذي يلي دجلة، وكانت المفاتيح معه، وأمر الأحراس أن يفتحوا الباب، وقال لهم: (أريد الخروج لاستطلاع بعض الأمور، وأنا منصرف بعد ساعة).
ثم خرج، وأمرني بإغلاق الباب وأخذ المفاتيح.
فقال لي فيما بيني وبينه إذا أصبحت فانطلق بالمفاتيح حتى تدفعها إلى ابن هبيرة من يدك إلى يده، أعلمه أني له هناك أفضل مني له هاهنا، ثم ودعني، ومضى، وانصرفت إلى منزلي.
فلما أصبحت أتيت باب قصر الإمارة، فاستأذنت على ابن هبيرة.
فقال لي الحاجب: هو قاعد في مصلاه، لم يقم عنه.
قلت: أعلمه أني أتيته في مهم.
فأذن لي.
فدخلت، وهو قاعد في محرابه، وعليه كساء بركاني (3) معلم، فسلمت عليه بالإمرة.
فرد السلام.
وقال: مهم.
فحدثته بأمر زياد بن صالح، فدمعت عيناه.
وقال: بمن تثق اليوم بعد زياد، وتوليتي إياه الكوفة، ووبري به ؟ فقلت: أيها الأمير: إن الله ربما جعل في الكره خيرا، وأرجو أن ينفعك الله بمكانه هناك.
فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم قال: يا غلام، علي بطارق بن قدامة القسري.
فدخل عليه، وأنا جالس عنده، فدفع إليه تلك المفاتيح.
وقال: يا طارق، إني قد اخترتك لحراسة هذه المدينة على جميع أصحابك من خاصتنا، فكن كنحو ثقتي بك.
ولما طال على ابن هبيرة الحصار بعث إلى المنصور يسأله الأمان، فأرسل إليه: (إن أردت أن أؤمنك على حكم أمير المؤمنين أبي العباس فعلت).
فشاور ابن هبيرة نصحاءه، فأشاروا عليه أن يفعل.
فأرسل إلى أبي جعفر يعلمه: أني راض بذلك.
فكتب إليه أبو جعفر ذلك بخطه، وأشهد على نفسه بذلك القواد.
فخرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر في نفر من بطانته، فدخل عليه، وهو في سرادقه، وحول السرادق عشرة آلاف نفر من أهل خراسان مستلئمين في السلاح، فأمر أبو جعفر بوسادة، فجلس عليها قليلا، ثم نهض، ودعي له بدابته، فركب، وانصرف إلى منزله، وفتحت أبواب المدينة، ودخل الناس بعضهم في بعض.
قالوا: وأحصى ما في الخزائن من الأموال والسلاح، وما بقي من الطعام والعلف الذي كان ابن هبيرة قد ادخر، وأعد للحصار، فكان المال ثلاثة آلاف ألف درهم، ومن السلاح شئ كثير، وطعام ثلاثين ألف رجل، وعلف عشرين ألف رأس من الدواب سنة.
وإن أبا جعفر كتب إلى أبي العباس يخبره بخروج ابن هبيرة على حكمه، ويسأله أن يعلمه الذي يرى فيه.
فكتب أبو العباس: لا حكم لابن هبيرة عندي إلا السيف.
فلما انتهى الكتاب بذلك إلى أبي جعفر كتمه عن جميع الناس.
وقال لحاجبه: مر ابن هبيرة إذا ركب إلينا ألا يركب إلا في غلام واحد، ويدع عنه هذه الجماعات.
فلما كان من غد ركب ابن هبيرة إلى أبي جعفر في موكب عظيم.
فقال له سلام الحاجب: (أبا خالد، كأنك إنما تأتي ولي العهد مباهيا، ولا تأتيه مسلما).
قال ابن هبيرة: إن كنتم كرهتم ذلك لم آتكم إلا في غلام واحد.
قال: فلا تأتنا إلا في [ غلام ] واحد، فإني لم أقل ذلك استخفافا بحقك، إلا أن أهل خراسان ينكرون كثرة من يركب معك.
فكان ابن هبيرة بعد ذلك لا يأتيهم إلا في غلام واحد، فيدخل، ويسلم، وينصرف.
ثم إن أبا جعفر قال للحسن بن قحطبة: (اجمع إليك أبا بكر العقيلي، والحوثرة بن سهل، ومحمد بن بنانة، وعبد الله بن بشر، وطارق بن قدامة، وسويد بن الحارث المزني، وهؤلاء كانوا قواد يزيد بن عمر، فإذا اجتمعوا عندك فاضرب أعناقهم، وائتني بخواتيمهم، ووجه حرسا يحرسون ابن هبيرة، لأنفذ فيه أمر الإمام أبي العباس.
فانطلق الحسن بن قحطبة، فأنفذ أمره في أولئك، وأتاه بخواتيمهم.
قال: (فما نطق منهم أحد عند قتله، وما كان منه جزع ولا امتناع).
فلما كان في اليوم الثاني دعا أبو جعفر خازم بن خزيمة، وإبراهيم بن عقيل، فقال لهما: (انطلقا في عشرة نفر من الحرس حتى تدخلا على ابن هبيرة فتقتلاه).
فأقبلا حتى دخلا عليه عند طلوع الشمس، وهو جالس في مسجده في القصر مسند ظهره إلى المحراب، ووجهه إلى رحبة القصر.
فلما نظر إليهم قال لحاجبه: (يا أبا عثمان، أحلف بالله أن في وجوه القوم لشرا).
فمضى أبو عثمان مستقبلا لهم، وقال لهم: (ما تريدون ؟).
فبعجه إبراهيم بن عقيل بالسيف، فقتله، وقام إبراهيم ابنه في وجوه القوم، فقتل، ثم قام ابنه داود في وجوههم، فقتل، ثم قام كاتبه عمرو، فقتل.
وأقبلوا نحو ابن هبيرة، فلما دنوا منه حول وجهه إلى القبلة، وسجد، فضربوه بأسيافهم حتى خمد.
ثم انصرفا إلى أبي جعفر، فأخبراه بذلك، فأمر أبو جعفر مناديا، فنادى (أيها الناس، أنتم آمنون إلا الحكم بن عبد الملك بن بشر، ومحمد بن ذر، وخالد ابن سلمة المخزومي.
قال الهيثم: فحدثني أبي قال: قال محمد بن ذر، فضاقت على الأرض برحبها، فخرجت ليلا من مدينة واسط على قدمي، وأنا أقرأ آية الكرسي، فما عرض لي أحد من الناس حتى نجوت، فلم أزل خائفا حتى استأمن لي زياد بن عبد الله من الإمام أبي العباس، فآمنني.
قال وهرب الحكم بن عبد الملك إلى كسكر، فاستخفى بها).
وضاقت بخالد بن سلمة المخزومي الأرض، فأتى باب أبي جعفر المنصور ليلا، فاستأمن له، فآمنه.
ثم نودي (أيها الناس، أنتم جميعا آمنون، يا أهل الشام، ألحقوا بشامكم، ويا أهل الحجاز، ألحقوا بحجازكم، فسكن الناس، وآمنوا، واطمأنوا).
واستعمل المنصور على واسط الهيثم بن زياد الخزاعي في خمسة آلاف من أهل خراسان، ثم انصرف بسائر الناس حتى قدم على الإمام أبي العباس، وهو بالحيرة.
ثم إن الإمام سار من الحيرة في جموعه حتى أتى الأنبار، فاستطابها، فابتنى بها مدينة بأعلى المدينة عظيمة لنفسه وجموعه، وقسمها خططا بين أصحابه من أهل خراسان، وبنى لنفسه في وسطها قصرا عاليا منيفا، فسكنه، وأقام بتلك المدينة طول خلافته، وتسمى إلى اليوم مدينة أبي العباس.
ثم إن أبا العباس وجه أخاه أبا جعفر المنصور إلى خراسان، وأمره أن يأتي أبا مسلم، فيناظره في بعض الأمور، ووجه معه ثلاثين رجلا من وجوه القواد، وفيهم الحجاج بن أرطأة الفقيه، وإسحق بن الفضل الهاشمي.
فلما قدم المنصور على أبي مسلم لم يبالغ أبو مسلم في بره وإكرامه، ولم يظهر السرور التام بقدومه.
فانصرف إلى أبي العباس، وقال: (لست بخليفة ما دام أبو مسلم حيا، فاحتل لقتله قبل أن يفسد عليك أمرك، فلقد رأيته وكأنه لا أحد فوقه، ومثله لا يؤمن غدره ونكثه).
فقال أبو العباس: وكيف يمكن ذلك، ومعه أهل خراسان ؟ وقد أشربت قلوبهم حبه، واتباع أمره، وإيثار طاعته.
فقال أبو جعفر: فذاك والله أحرى أن لا تأمنه، فاحتل له.
فقال أبو العباس: يا أخي، اضرب عن هذا، ولا تعلمن رأيك في ذلك أحدا.
وإن أبا العباس قال ذات يوم للحجاج بن أرطأة، وقد خلا معه: ما تقول في أبي مسلم ؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يقول في كتابه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22].
قال أبو العباس: أمسك، فقد فهمت ما أردت.
ثم إن أبا مسلم وجه محمد بن الأشعث بن عبد الرحمن أميرا على فارس.
ورأى أبو العباس أن يستعمل عليها عمه عيسى بن علي، فعقد له عليها، وأمره بالمسير إليها.
فلما قدم عيسى على محمد بن الأشعث أبى أن يسلم إليه.
فقال له عيسى: يا ابن الأشعث، أ لست في طاعة الإمام أبي العباس ؟ قال: بلى، غير أن أبا مسلم أمرني ألا أسلم العمل إلى أحد من الناس.
قال عيسى: فإنما أبو مسلم عبد الإمام، وإن الإمام لا يرضى أن يرد أمره.
قال محمد: دع عنك هذا، لست أسلم العمل إليك إلا بكتاب أبي مسلم.
فانصرف عيسى إلى أبي العباس، فأخبره ذلك، فكظم، وأمر عمه بالمقام عنده، فأقام.
وإن أبا مسلم عقد للمغلس بن السري على أرض طخارستان حتى وافاها، فخرج إليه منصور مستعدا للحرب، فالتقوا، فاقتتلوا، فكان الظفر للمغلس، وهرب منصور في نفر من أصحابه حتى وقعوا في الرمال، فماتوا عطشا. وأقام المغلس على باب بلاد السند.
وإن أبا مسلم كتب إلى الإمام أبي العباس يستأذنه في القدوم عليه، والمقام عنده إلى أوان الحج ليحج، فأذن له أبو العباس في ذلك، فسار أبو مسلم حتى إذا قارب الإمام أمر أبو العباس جميع من كان معه بالحضرة من القواد والأشراف أن يستقبلوه، فاستقبل بالكرامة، وترجل له الأشراف والقواد.
وأقبل حتى وافى مدينة أبي العباس، فأنزله معه في قصره، ولم يال جهده في بره وإكرامه، حتى إذا حان وقت الحج استأذنه في الحج.
فقال له أبو العباس: لولا أن أخي أبا جعفر قد عزم على الحج لوليتك الموسم، فكونا جميعا.
قال أبو مسلم: وذاك أحب إلي.
ثم خرجا.
فكان يرتحل أبو جعفر، وينزل أبو مسلم حتى وافيا مكة، فقضيا حجهما، وانصرفا.
_______________
(1) الموافق فبراير سنة 750 م.
(2) شنأه أي أبغضه.
(3) الكساء البركاني هو ذو اللون الأسود.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|