أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-12-2015
8951
التاريخ: 23-3-2018
5996
التاريخ: 23-3-2018
2173
التاريخ: 1-04-2015
4484
|
عوامل ازدهار النقد في العصر العباسي هي :
1- غزارة الثقافة تعدد روافدها وتنوع ألوانها:
ازدهرت الحياة الثقافية في هذا العصر ازدهاراً كبيراً، وتلاقت في الحواضر الإسلامية شتى الثقافات التي تمثل حضارات الأمم العريقة في العلم والثقافة(2)، وقد أزكى الإسلام جذوة المعرفة في نفوس العرب، ودفعهم دفعا الى العلم والتعلم، ولم يمض نحو قرن حتى وضعت أصول العلوم اللغوية والدينية.
بدأت الثقافات الأصلية والوافدة تتفاعل في العقول، وتحدث تحولاً كبيراً في الذوق، وقد شمل هذا التحول الشعر فبدأ يتجه الثراء والوحدة، والشاعر الذي بدأ يحدد لنفسه إطاراً فنياً ينظم فيه، وفلسفة خاصة يشعر خلالها. كم برزت اتجاهات فنية استقطبت بعض الشعراء فتحمسوا لها وأقبلوا عليها كمذهب البديع أو شعراء الصنعة، وكمذهب الشعراء المطبوعين أو الشعراء العرب الذي وقف عند قمته البحتري، وبدأ الشعراء ينقلون ما وعته ذاكرتهم من فكر غربي الى سياحة الشعر العربي كما فعل أبو العتاهية (2)، كما شملت الناقد الذي بدأ يلاحظ الظواهر، والقضايا ويبحثها بموضوعية ويبدي آراءه فيها على أساس من اتجاهاته وميوله ومعتقداته الفكرية، ويحلل ويعلل ليصل الى أحكام واستنتاجات مفيدة (3).
وقد أثرت هذه الثقافات في النقد تأثيراً كبيراً وكانت من أقوى عوامل ازدهاره لأنها وجهته لمعايشة قضايا عصره، وجعلته يبعد عن اللمحات والآراء العاجلة، وانتحى ناحية منهجية في موضوعية وتحديد.
كما كانت هذه الثقافة بما أودعته العقل من ثراء بداية مرحلة نقدية جديدة من اليقظة والوعي والتجديد، فلم يعد النقد أو الناقد يعبآن بالآراء المتفرقة أو المبعثرة. بل راح يصيب آراءه، ويسجل أفكاره وانطباعاته في إطار فلسفي يلزمه في وعي وتحديد(4).
2- عناية الخلفاء والامراء بالشعراء:
احتفظ الخلفاء والأمراء ولاسيما في الصدر الأول من العصر العباسي بأعظم خصائص العروبة، وهي حب الشعر وتقدير غرر الكلام، والقدرة على تمييز جيده من رديئه ، ونقد ألفاظه ومعانيه بحاستهم الفنية وأذواقهم المرهفة، وبقيت لهم مع ذلك أريحيتهم وسخاؤهم، فأطلقوا أيديهم بالعطاء للشعراء، كما كان يفعل بنو أمية، وكان لهذا البذل أبعد الأثر في رواج الشعر ونقده، والتصرف في فنونه (5).
وجالس الخلفاء عددا من الشعراء انسوا فيهم رقي الأسلوب، وحلاوة العبارة وسمو الأفكار وروعة المعاني، إضافة الى ما لها من تشجيع هؤلاء الشعراء، وميولهم التي تواكب الاتجاهات السياسية لخلفاء بني العباس، مما جعل مجالس الخلفاء تزدان وتزدهي بفحول الشعراء، الذين ذهبوا الى شعرهم يجودونه وينقحونه حتى ينالوا به الحظوة لدى الخلفاء والأمراء، وبالتالي يحصلون على عطاياهم. وقد كان للخلفاء والأمناء في المجالس دورهم في نقد الأدب، فهم يستجيدون ويوازنون بين قول وآخر، وقد يكون للعلماء وجود فيدلون بآرائهم اللغوية والنحوية، فقد اشتهر أن الأخفش كان يحضر بعض هذه المجالس، ويدلي برأيه فيها (6) ووجد في قصور الخلفاء لون آخر كان له بعيد الأثر في تطور النقد الأدبي، ألا وهو الغناء الذي انتشر في ذلك العصر انتشاراً واسعاً، وأدت الألحان والموسيقى دوراً كبيراً في استحداث أوزان جديدة، ومحو بعض الأوزان القديمة للشعر العربي، وقد عرض النقاد لهذه الأوزان وسجلوها.
" وقد كثر المغنون والمغنيات في هذا العصر كثرة مفرطة، نجد من أشهرهم في زمن الرشيد: إبراهيم الموصلي، وإسماعيل بن جامع وفليح ابن أبي العوراء، وهؤلاء الثلاثة، هم الذين أمرهم الرشيد أن يختاروا له الأصوات المائة التي أدار أبو الفرج كتابة الأغاني عليها(7)
3- الخصومة حول الشعراء:
من العوامل التي اشعلت جذوة النقد وأذكت وطيسه في ذلك العصر خصومة النقاد حول بعض الشعراء العباسيين، ما بين متعصب لشاعر أو متعصب عليه، فلقد عمت شهرة بعض الشعراء وحميت المناقشات حول مذهبهم في مجالس الأدب وبين النقاد.
ولم يقف الأمر عند تلك المناقشات بل تعداه الى تأليف الكتاب في نقد شاعر لاتصافه من التحامل الذي وقع عليه، أو لتهجين شعره والحط من مذهبه، وقد حظى كل من أبي تمام وأبي الطيب المتنبي ما لم يحظ به غيرهما من خصومات حادة ومناقشات صاحبة حول شاعرية كل منهما وشعره، إلى حد فاق الاعتدال أحياناً الى التعصب لأحدهما أو التعصب عليه (8)، فمنهم من تعصب لأبي تمام ومنهم من تعصب عليه.
ونظر النقاد كذلك الى شعر البحتري وسهولته وجريانه على عمود الشعر فقارنوه بأبي تمام وكثرت في ذلك الأقوال والحجج، حتى وضع الآمدي كتابه الموازنة بين الطائيين، الذي لم يقتصر فيه على إيراد حجج كل فريق، بل أخذ في دراسة الشاعرين والموازنة بينهما في منهج تفصيلي منظم (9).
وأما الخصومة حول المتنبي لم تكن خصومة حول مذهب شعري كما كانت عند أبي تمام، وإنما كانت خصومة حول شاعر أصيل، وهي ليست في شيء استمرار للخصومة حول أبي تمام ودليلنا على ذلك هو ما نجده في أقوال صاحب الوساطة إذ يقول: " وما زلت أرى أهل الأدب منذ ألحقتني الرغبة بجملتهم، ووصلت العناية بيني وبينهم، في أبي الطيب أحمد ابن الحسن المتنبي- فئتين: من مطنب في تقريظه بالتعظيم، ويشيع محاسنه إذا حكيت بالتفخيم، ويعجب ويعيد ويكرر، ويميل على من عابه بالزراية والتقصير، ويتناول من ينقصه بالاستحقار والتجهيل،.... الخ، وعاتب يروم إزالته عن رتبته فلم يسهل له فضله، ويحاول حطه عن منزلة بوأه إياها أدبه، فهو يجتهد في إخفاء فضائله، واظهار معايبه وتتبع سقطاته، وإذاعة غفلاته، وكلا الفريقين أما ظالم له أو للأدب فيه" (10).
والواقع أن الخصومة قد نشأت حول هذا الشاعر منذ اتصاله بسيف الدولة، وذيوع صيته وإخمال ذكر الشعراء الآخرين، وقد تعرض المتنبي لنقد مرير في مجلس سيف الدولة من بعض الشعراء واللغويين كأبي فراس الحمداني وابن خالويه اللغوي، ولما رحل الى الفسطاط تاركاً مجلس سيف الدولة تعرض لنفس المكيدة التي لقيها عند سيف الدولة، وفضلاً عن ذلك ألفت كتب عديدة في نقد شعره وتفسيره وإبداء الآراء فيه وكلها تصور الخصومة التي دارت حول هذا الشاعر العبقري الفذ.
وإذا كانت الحقيقة –غالباً- ما تنطمس معالمها خلف هذه الأهواء التحكمية التي تميلها نزعات الولاء والعداء لشاعر ما، فإنه مما لا ريب فيه أن مثل هذه الخصومات الأدبية حول شاعر أو أكثر من العوامل التي أثرت في نمو الحركة النقدية، حيث تباينت الأفكار والمفاهيم واختلفت المنازع والاتجاهات، وليس العلم سوى حصيلة المناقشات الجادة أو الهادئة التي يثيرها مذهب ما في الأدب أو قضية في النقد أو شعر اختلفت حوله الآراء.
والخلاصة أن الخصومة حول الشعراء كانت من أعظم العوامل التي أثرت في النقد العباسي خاصة، والنقد العربي عامة، وذلك لأنها قدمت بعض الكتب التي تعرض "لمشكلات كثيرة تتعلق بالشاعر والطبع والتكلف، والبيئة والشعر وصلة الحياة والدين والأخلاق والناس، وأثره في النفس، ودوافعه وغاياته، وأسلوبه وجوانب الجمال فيه، وكانت هذه الكتب علامات في الطريق لتاريخ النقد ومذاهبه" (11).
4- نشاط حركة النقل والترجمة:
نشطت حركة النقل والترجمة في هذا العصر، وأدى هذا الى اثراء الأدب والنقد بما ترجم من فلسفة اليونان ومنطقهم. فقد صبغت عقلية الأدباء والنقاد بآثارها العميقة في التفكير والمعاني وطرافة التقسيم والخيال، كما أثرى كذلك بالمترجم الى العربية من قصص الهند وأدب الفرس، وكان للعرب الذين يجيدون الفارسية وللفرس المتعربين مجال كبير في الأدب العربي، ومن بينهم: بشار وأبو نواس والعتابي وغيرهم(12).
فأنتجوا أدبا عربياً فيه معاني الفرس وبلاغة العرب، وكبار الكتاب والشعراء في هذا العصر من أصول فارسية، ممن أحدثوا آثاراً واسعة في الكتابة الفنية، وكذلك في أغراض الشعر ومعانيه وأوزانه وقوافيه، وإذا كان الأدب في عهد بني أمية عربياً خالصاً في المادة والمعنى، ولم يكن للفرس إلا مدارسته وحفظ رواياته، فقد كان أثرهم في عهد بني العباس أعمق، لا في الأسلوب البياني، بل في التفكير والخيال، وبتأثيرهم تنوعت الأوزان وظهر التألق في النثر والشعر، وطلبت الرقة والدماثة، مع المحافظة على فصاحة العربية والأخذ بأسبابها.
والحق أن ترجمة الكتب الى العربية كانت عاملاً قوياً من العوامل التي دفعت النقد العباسي الى الأمام، " وذلك لأنه قد انتقلت بترجمتها مظاهر أدبية ونقدية كان لها أثرها في الحركة العقلية للنقد، فوضعت النظريات، وتدخل المنطق في الجدال والحوار وألفت الكتب النقدية التي تذخر بالمناهج العلمية والعقلية التي أسسها النقاد العرب" (13).
وقد ظهر أثر ذلك العامل واضحاً أيضاً في تطور النقد العربي وخاصة الأثر اليوناني، أو الفلسفة والمنطق اليونانيان، وأول ما ظهر أثرهما كان عند المتكلمين الذين رأوا حاجتهم الملحة للفلسفة حتى يدفعوا المطاعن عن القرآن، " وكانت دراسة الفلسفة والمنطق وسيلة لتمكين المعتزلة والمتكلمين عامة في الحجاج العقلي، واستطاع علماء المسلمين عن طريق هذه الفلسفة بصفة خاصة والاطلاع على كتابي الخطابة والشعر لأرسطو أن يخرجوا بالنقد العربي من الجو العربي الخالص الى جو آخر فيه كثير من العلل والقياسات العقلية والمنطقية اليونانية السمات (14)"
وظهرت آثار هذا في القرن الرابع الهجري بوضوح، عند قدامة بن جعفر في كتاب (نقد الشعر)، وكتاب (نقد النثر) المنسوب إليه. كما ظهرت عند الرماني في كتابه (النكت في إعجاز القرآن)، وظهر ذلك عند نقاد القرن الخامس كالباقلاني في (إعجاز القرآن)، وابن سنان الخفاجي في (سر الفصاحة).
والخلاصة أن الترجمة كانت ذات أثر مباشر في فكر الأدباء والنقاد والمتكلمين، ولم ينجو من هذا الأثر إلا طائفة من طبقة الشعراء المحافظين الذين أعلنوا عن سخطهم لهذه الفلسفات.
5- الأثر القرآني:
من العوامل التي أثرت في تطور النقد العباسي القرآن الكريم فقد كان له أثراً مباشراً وأثراً غير مباشر، أما الأثر المباشر فبفضل جهود العلماء الذين تعرضوا لأسلوب القرآن وبيان جوانبه البيانية، محاولين إثبات إعجازه البياني بمقارنة الشعر العربي، وخصائص البيان العربي بصفة عامة، واستخدموا في ذلك الوسائل التي استخدمها نقاد الشعر، بل إن بعض الدراسات القرآنية في القرن الثالث الهجري قد استخدمت من المصطلحات البيانية ما لم يكن شائعاً حتى ذلك الوقت في دراسات نقد الشعر مثل كتاب (تأويل مشكل القرآن) لابن قتيبة (15)، واختلطت مقاييس النقد بالدراسات القرآنية، فاستخدم علماء الإعجاز مصطلحات البديع وأبوابه في كشف بديع أسلوب القرآن للتوصل الى إعجازه.
ومن هنا أثر القرآن في مناهج النقاد، ودفعهم الى بيان أوجه الإعجاز، فأقبلوا على إثبات إعجازه، وسمو بيانه على الشعر العربي، وعقدوا لذلك المقارنات، كما فعل (الباقلاني) الذي عاب تحكيم البديع في بيان القرآن" (16) وتتلخص نظريته في الإعجاز في ثلاث خطوات:
1. إثبات صحة ما بين أيدينا من نص القرآن وأنه هو حقاً كتاب الله المنزل على نبيه. ومنهجه هنا يتفق فيه مع ابن سلام الذي دعا الى تحقيق النص وسلامة نسبته.
2. إثبات عجز العرب عن الإتيان بمثله على رغم تحديه مراراً.
3. استنباط النتيجة من المقدمتين السابقتين وهي " خروج القرآن عن سائر كلام العرب" (17).
وأما عن الأثر غير المباشر فقد جاء عن طريق ترقيق القرآن لأذواق النقاد، بما جرى به أسلوبه من الصياغة الرائقة والصور الجميلة ذات التشبيهات والاستعارات الرائعة، مما جعل العلماء يستشهدون بصياغته، وتشبيهاته على كل جيل، وصارت شواهد القرآن في مقدمة الشواهد الأدبية في كتب النقد والبلاغة (18) والحق ان القرآن الكريم كان له أبلغ الأثر في نمو الأذواق وتطورها في هذا العصر، ودفعها الى الإحساس بجمال العبارة وروعة التصوير وبراعة المعنى ولطف التناول فيها يعرض لها من فنون الأدب. وعلى ذلك ظهرت مجموعة من الدراسات القرآنية في تلك المرحلة تعد من صميم النقد، وذلك لأنها كانت تحاول فهم النص والتعرف ظواهر الاستعمال اللغوي والتركيبي والإشارة الى ما فيه من وجوه الإعجاز.
ومثل هذه الدراسات القرآنية قد ساعدت في تأصيل النقد الأدبي في هذا الطور من أطوار تكوينه وخطت به خطوات فسيحات.
1- الحركة اللغوية:
نشطت الحركة اللغوية في هذا العصر نشاطاً كبيراً، وكان من أهم ما حفزهم الى ذلك القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، حتى لا تستغلق دلالتها على أفهام الناس وأفهام العلماء أنفسهم، مما جعل الجاحظ يقول: " للعرب وأمثال اشتقاقات وأبنية وموضع كلام يدل عندهم على معانيهم وإرادتهم. فمن لم يعرفها جهل تأويل الكتاب والسنة والشاهد والمثل فإذا نظر في الكلام وفي ضروب من العلم وليس من أهل هذا الشأن هلك وأهلك الناس(19)" . وانضم إلى ذلك باعث سياسي، فإن خلفاء بني العباس أظهروا محافظة شديدة على لغة القرآن الكريم وبعثوا العلماء على دراستها والتعمق فيها ورواية كل ما يتصل بها من أنساب وأيام وأخبار وأشعار. وقد جعلوا مقياس وظائفهم الكبيرة التفوق فيها، فكانوا لا يستوزرون ولا يستكتبون إلا من حذقها وبرع في أدائها.
.... وكانت مجالس الخلفاء تكتظ باللغويين من مثل الكسائي والأصمعي، فكان لابد للشعراء أن يروقهم حتى ينالوا استحسانهم، ويروى ذلك الخلفاء منهم فيجزلوا لهم في العطاء (20).
ومن هنا برز دور اللغويين في النقد في هذا العصر في أنهم أصبحوا سدنة الشعر وحراسه، فمن نوهوا به طار اسمه، ومن لوحوا في وجهه خمل وغدا نسياً منسيا. ويلقانا كثير من الشعراء يعرضون عليهم أشعارهم قبل إنشادها في المحافل العظام، فإذا استحسنوها مضوا فأنشدوا، وإن لم يستحسنوها ذهبوا يعاودون الكرة بصنع قصائد جديدة آملين أن تظفر باستحسانهم، فمن ذلك ما يروي عن مروان بن أبي حفصة من أنه لما نظم قصيدته: (طرقتك زائرة فحي خيالها) وهي إحدى روائعه في المهد ذهب الى حلقة يونس النحوي فقال له: لقد قلت شعراً أعرضه عليك، فإن كان جيداً أظهرته، وإن كان رديئا سترته. وأنشد القصيدة، فأعجب بها يونس وقال له إنها بريئة من العيوب (21). حينئذ مضي فأنشدها المهدي، فزحف من صدر مصلاه حتى صار على الباسط إعجابا بما سمع، ثم قال لمروان كم هي قال مروان: مائة بيت، فأمر له بمائة ألف درهم، فكانت أول مائة ألف درهم أعطيت لشاعر في أيام بني العباس.
ويسوق المرزباني في كتابه الموشح فصلا طويلاً (22) يصور فيه كيف كان الشعراء يعرضون أشعارهم على اللغويين ليجيزوها لهم، فهم قضاة الشعر وصيارفته، وفي ذلك يقول الخليل بن أحمد لابن مناذر: " إنما أنتم – معشر الشعراء- تبع لي، وأنا سكان السفينة إن قرظتكم ورضيت قولكم نفقتم وإلا كسدتم".(23)
2- العوامل الاجتماعية:
كان من أهم الأسباب التي أدت الى ازدهار النقد في العصر العباسي –تلك الظروف والعوامل الاجتماعية التي طبعت الأدب والعلوم بطبائعها، وأثرت في فكر الشعراء والنقاد وعكست ملامحها عليهم، ودفعت النقاد الى دراسة ما يكون لهؤلاء الادباء من خصائص أسلوبية يفرقون بها بين أديب وآخر، ونعلم أن شاعراً كابن الرومي وجه إليه سؤال. لم لا تشبه كتشبيه ابن المعتز فقال: سبحان الله: إنما الرجل يصف ماعون. فهذه الرواية تبين لنا مدى الفوارق الاجتماعية وتأثيرها في خيال الشاعر وتعبيراته. (24) ويصف الأستاذ أحمد الشايب أدب العصر العباسي بأنه "أدب حضري، مترف مثقف هادئ، مستقر يعتمد على العقل والفكر والعلم الكثير، والمزاج الرقيق، والحياة الخصبة الناعمة، والبيئة الاجتماعية المنظمة ففاض الأدب بالمذاهب الدينية والفلسفية، وامتاز بالتنسيق والعمق، واعتمد على الطبيعة الجميلة والأزهار الناضرة، والقيان الفائقة، فوق أسلوبه ولانت عبارته، فكان أدباً حضرياً، مهذباً على وجه العموم" (25).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1)تاريخ الأدب في العصر العباسي الأول د/ محمد عبد المنعم خفاجي ص13 ط مكتبة الكليات الأزهرية.
2)راجع الأغاني 2/449 وما بعدها.
3)النقد الأدبي د/ سعد ظلام ص175.
4)المرجع السابق نفس الصفحة.
5)دراسات في نقد الأدب العربي. د / بدوي طبانة ص127، 128.
6)من مظاهر النقد الأدبي عند العرب د/ رفعت زكي محمود عفيفي ص116.
7)الفن ومذاهبه في الشعر العربي د/ شوقي ضيف ص 60 ط. دار المعارف التاسعة.
8)النقد الأدبي د/ محروس منشاوي الجالي ص 225.
9)النقد المنهجي عند العرب د/ محمد مندور ص 91، وراجع الموازنة للآمدي.
10)الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني ص3 ط عيسى البابي الحلبي.
11)تاريخ النقد الأدبي والبلاغة د/ محمد زغلول سلام ص18.
12)تاريخ الأدب في العصر العباسي الأول د/ محمد عبد المنعم خفاجي ص19.
13)من مظاهر النقد الأدبي عند العرب د/ رفعت زكي محمود عفيفي ص117.
14)تاريخ النقد الأدبي والبلاغة د/ محمد زغلول سلام ص19.
15)أثر القرآن في تطور النقد العربي د/ محمد زغلول سلام ص101 ط دار المعارف.
16)المرجع السابق ص231.
17)المرجع السابق ص170، ويرجع أيضاً من مظاهر النقد الأدبي عند العرب د/ رفعت زكي محمود عفيفي ص120.
18) تاريخ النقد الأدبي والبلاغة. د / محمد زغلول سلام ص19.
19)الحيوان 1/153.
20)تاريخ الأدب العربي في العصر العباسي الأول د/ شوقي ضيف ص139ط دار المعارف السادسة.
21)الأغاني 10/ 82.
22)الموشح ص 443 وما بعدها.
23) الأغاني 17 / 16.
24)من مظاهر النقد الأدبي عند العرب د/ رفعت زكي محمود عفيفي ص121.
25)الأسلوب أحمد الشايب ص99، 100.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|