أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-4-2017
3079
التاريخ: 6-4-2022
2166
التاريخ: 11-12-2014
3261
التاريخ: 11-12-2014
4088
|
لقد كشف القرآنُ القناعَ ـ في معرض الردّ على إعتراض المشركين هذا ـ عن حِكَم وأسرار النزول التدريجيّ للقرآن الكريم.
واليك توضيح هذا القسم الّذي اشار إليه الكتاب العزيز بعبارة مقتضبة قصيرة :
1 ـ إن الرسولَ الاكرم (صـلى الله علـيه وآله) يتحمَّل مسؤوليات كبرى وان شخصية كهذه من الطبيعي ان يواجه مشاكلَ ومتاعَب باهضة وصعبة ولا ريب أن تلك المشاكل والمتاعب توجب الكلل وانخفاض مستوى النشاط مهما كانت الروحُ الّتي يتمتع بها الشخصُ عظيمة وقويّة في مثل هذه الحالة يكون تجديدُ الارتباط بالعالم الأعلى وتكرّرُ نزول الملك من جانب اللّه تعالى باعثاً على تجدّد النشاط وعاملا قوياً في بثّ القوة والحماس والمعنوية الفاعلة في نفس النبيّ وروحه وبالتالي فان العناية والمحبّة الالهية الممتدّة لنبيّه ورسوله إنما تتجدد بتكرّر نزول الوحي عليه (صـلى الله علـيه وآله) من جانبه تعالى.
وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة النفسية الكبرى إذ قال : {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان: 32].
2 ـ ويمكن ان تكون الجملةُ المذكورة ناظرة إلى جهة اُخرى وهي : انَ المصالح التربوية والتعليمية تقتضي أن يتنزلَ القرآنُ الكريمُ على نحو التدريج ويُلقى إلى الناس على هذا الشكل ايضاً وذلك لان النبي الاكرم (صـلى الله علـيه وآله) معلّم الاُمة وطبيبُها الروحيُ الّذي بُعِث إلى الناس بالوصفات الالهية لتعليمهم وهدايتهم ومعالجة أمراضهم وأدوائهم الاجتماعية والخلقيّة والفكرية وكُلِّفَ بأن يُطبِّق هذه الوصفات في حياتهم العملية ومثل هذا يتطلب التدرّج لينفَع الدواء ـ حينئذ ـ وتنجعَ المعالجةُ.
إن أفضل وأنجح أساليب التربية هو أن يمتزج الجانب العمليّ بالجانب النظري في أيّة محاولة تربوية وأن يطبق كل ما يدرسه الاستاذ بصورة عملية تطبيقية ويعطي لما يلقيه من معلومات صبغة تحقيقية ويتجنَبَ بشدة إتصافَ أفكاره وآراءه بالطابع النظريّ البحت.
فلو أن الاستاذ المتخصّص في الطبّ اكتفى بالقاء جملة من المعلومات الكليّة والاُسس العامة من الطبّ على طلابه في الصف حُرم النتائج المتوخّاة والغايات المطلوبة من تعليم الطبّ بشكل كامل.
أما إذا قَرنَ الاستاذ درسَه النظري بالإرشاد العمليّ وطبَّق ما ألقاه وبيّنه من أفكار ومعلومات في هذا المجال على جسم مريض راقد أمام الطلبة فانه سيحصل على نتائج أحسن ويساعد الطلبة على فهم افضل للمواد الّتي درسوها في هذا المجال.
فلو أنَّ الآيات القرآنية الكريمة قد نزلت جملةً واحدة ( والحال أن المجتمع الإسلامي لم يكن يحتاج إلى كثير منها ) كان القرآن ـ حينئذ ـ فاقداً لهذه المزية التربوية الهامة الّتي أشرنا إليها قريباً في مثال تدريس الطب.
ان بيان الآيات الّتي يشعر الناس في انفسهم بعدم الحاجة إلى اخذها وتعلّمها لا يترك التأثيرَ الباهرَ في القلوب بينما إذا نزل ملائكة الوحي بآيات القرآن حسب حاجات الناس الّتي يشعرون فيها بضرورة تعلّمها لتضمِّنها الأحكامَ والاُصولَ والفروعَ الّتي يحتاجون إليها فانه لا شكَّ يكون لها في هذه الحالة تأثير أحسن وأقوى في قلوب الناس. كما سيكون لها ترسّخٌ اكبر في نفوسهم وسيظهرُ الناس من انفسهم إستعداداً اكبر لاخذ ألفاظها ومعانيها وفوق كل ذلك سيشعرون بنتائج هذه التعاليم عند تعليم النبيّ إيّاها لهم وعندئذ تتحقق المقولة التربوية الّتي اشرنا إليها في ما سبق وهي اقتران كلام المربّي بالنتيجة لأن النظريات إتخذت طابعاً عملياً ولم تكن مجرد نظريات لا ترتبط بالواقع.
ولكن يبقى هنا سؤالٌ آخر وهو : إذا كان نزولُ القرآن قد تحقَّق على نحو التدريج وتبعاً للاحتياجات والحوادث المختلفة فان ذلك يستلزم انفصام العلاقات والروابط بين الآيات والسور وهذا ينتج أن لا يهتم الفكر البشري بتعلّم وحفظ معارفها لتبعثرها وتباعد أزمنتها وغياب علاقاتها ولكن لو نزل القرآنُ جملة واحدة وتلاه ملائكة الوحي على رسول اللّه دفعة واحدة لرُوعيَت الروابطُ والعلاقات بين قضايا الوحي ولتضاعَفَت رغبةُ الناس واستعدادهم لأخذها وحفظها؟
ولقد أجاب القرآن الكريم ايضاً على هذا السؤال إذ قال : صحيح أن آيات القرآن الكريم نزلت على نحو التدريج تبعاً لطائفة من المقتضيات والموجبات إلاّ أن هذا النزول التدريجي لا يمنع ابداً من ترابط مطالبه وارتباط مواضيعه بعضها ببعض فان اللّه تعالى أفاض على هذه الآيات إِنسجاماً وترابطا خاصاً يمكن الإنسان من تعلمها وضبطها وحفظها إذا أعطى الموضوعَ قليلا من الإهتمام إذ قال تعالى : {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32] .
أي إنّنا أعطينا آيات القرآن نظاماً معيناً وترتيباً خاصاً.
3 ـ لقد واجَه رسولُ اللّه (صـلى الله علـيه وآله) في فترة رسالته ونبوّته فئات مختلفة من الناس : كالوثنيين واليهود والمسيحيين الذين كان لكل فئة منهم ديناً خاصاً وعقائد وتصورات خاصة حول المبدأ والمعاد وغيرهما من المعارف العقلية.
وقد كانت اللقاءات المختلفة هذه توجب أن يعمد الوحي الالهيّ إلى توضيح وبيان عقائد هذه الفئات ( وإن لم يكن مطلوباً ومقترحاً من قبلهم ) ويقيم الأدلة والبراهين على بطلانها وزيفها هذا من جانب.
ومن جانب آخر كانت هذه اللقاءات في أزمنة متفاوتة وأوقات مختلفة لهذا لم يكن بدّ من أن ينزل الوحيُ الالهي تدريجاً وفي الأوقات المختلفة ويتصدى لبيان بطلان تلك العقائد والتصورات ويجيب على شبهات المخالفين اعتراضاتهم.
وربما كانت توجب هذه المواجهاتُ العقائدية إلى أن يطرحوا على النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) بعض الاسئلة إمتحاناً واختباراً له وكان على النبيّ أن يجيب عليها وحيث أن هذه الاسئلة كانت تطرَح في أوقات مختلفة لهذا لم يكن مناص من أن ينزل الوحيُ الالهيُ في الأوقات والأزمنة المختلفة وعلى نحو التدريج.
هذا مضافاً إلى أن حياة النبي نفسَها كان حياة ثورة ووقائع وكان النبيُ يواجه باستمرار أحداثاً وقضايا يجب توضيح حكمها وبيان المنهج فيها من جانب الوحي الالهي.
وربما كان الناس أنفسهم يواجهون في حياتهم اليومية حوادثاً واُموراً يرجعون فيها إلى النبي (صـلى الله علـيه وآله) يطلبون منه الحكم الالهيّ فيها ويسألونه عما يجب إتخاذه من الموقف الشرعيّ في تلك الحوادث وما يشابهها.
وحيث أن هذه الحوادث وما يترتب عليها من تساؤلات كانت تقع في اوقات متلفة وبمرور الزمن لذلك لم يكن بد ايضاً من ان ينزل الوحيُ الالهيّ بالتدريج ليجيب على هذه الأسئلة أوّلا بأوّل.
وقد أشار القرآنُ الكريمُ إلى هذه النقاط وإلى نقاط اُخرى غيرها في قوله تعالى : {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33] .
4 ـ إن للنزول التدريجيّ للقرآن الكريم وراء كل ذلك سراً آخر وعلة اُخرى غفلوا عنها ألا وهي : هداية الناس وتوجيه أنظارهم إلى منشأ هذا الكتاب وأن القرآن ليس الاّ كتاباً سماوياً ووحياً الهياً لا غير ولا يمكن أن يكون من نسج العقل البشريّ لأن القرآن نزل خلال ( 23 عاماً ) عبر طريق طويل من أنواع الحوادث والوقائع المسرة والمحزنة المقرونة بالنصر والهزيمة والنجاح والإخفاق ولا شكَّ أن هذه الحالات المختلفة والاحاسيس والمشاعر المتنوعة المتباينة تترك أثراً عميقاً في نفس الإنسان وروحه وعقله ولا يمكن لإنسان واحد أن يتكلم بكلام من نوع واحد وبنبرة واحدة في حالتين
نفسيّتين متضادتين فالكلام الصادر في حال الفرح والابتهاج والمسرة من اللسان أو القلم يختلف من حيث الفصاحة والبلاغة وجمال اللفظ وعمق المعنى اختلافاً بارزاً عن الكلام الصادر في حال الحزن والتعب والاخفاق والهزيمة.
بينما لا يوجد أي شيء من الاختلاف من حيث الألفاظ والمعاني بين آيات القرآن الكريم مع أنّها نزلت على رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) وهو يمر بحالات مختلفة من الحزن والسرور والاخفاق والانتصار والسرّاء والضرّاء والعسر والرخاء والجهد والنشاط بل نجد تلك الآيات على نمط ونسق واحد من القوة والفصاحة والبلاغة وجمال اللفظ وعمق المعنى بحيث يستحيل على أيّ بشر بلَغَ ما بلغ أن يعارض آية من آياته أو سورة من سوره وكأنّ القرآن الكريم كمية من الفضّة المائعة خرجت من الاُتون جملة واحدة لا يوجد بين آياتها أىُ شيء من التفاوت والاختلاف أو كأنّه جوهرة واحدة أولها كآخرها وآخرها كأولها.
ولعلّ الآية التالية الّتي تنفي أيّ نوع من أنواع الاختلاف في القرآن إذ تقول : {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] اشارة إلى هذا السرّ.
إنَّ المفسرين اعتبروا هذه الآية ناظرة إلى نفي الاختلاف والتناقض بين مفاهيم الآيات ومفاداتها ومقاصدها في حين لا تنفي هذه الآية مجرّد هذا النوع من الاختلاف بل تقدّس القرآن المجيد وتنزهه من جميع انواع الاختلاف والتناقض الّذي هو من لوازم العمل والانتاج البشري.
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
في مدينة الهرمل اللبنانية.. وفد العتبة الحسينية المقدسة يستمر بإغاثة العوائل السورية المنكوبة
|
|
|