المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



العناصر غير التقليدية للنظام العام  
  
6510   08:45 صباحاً   التاريخ: 6-4-2017
المؤلف : حبيب ابراهيم حمادة الدليمي
الكتاب أو المصدر : سلطة الضبط الاداري في الظروف العادية
الجزء والصفحة : ص93-103
القسم : القانون / القانون العام / القانون الاداري و القضاء الاداري / القانون الاداري /

كون فكرة النظام العام هي فكرة مرنة, ولا تقتصر على عناصر محددة, اضافة الى ان اتساع تدخل الدولة في ميادين متعددة داخل المجتمع, قد ترتب عليه ان اصبحت فكرة النظام العام غير مقصورة على العناصر التقليدية لهذه الفكرة, والمتمثلة بالأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة, بل اتسعت لتشمل عناصر اخرى اضافية, اذ لم تعد العناصر التقليدية كافية للحفاظ على النظام العام وحمايته, بحيث اصبح لسلطة الضبط الاداري ان تتدخل لحماية عناصر اخرى. نادى بها الفقه الاداري, واكدتها احكام القضاء الاداري في فرنسا ومصر والعراق. تتمثل العناصر غير التقليدية للنظام العام, بالنظام العام المعنوي او الاخلاقي (الاداب العامة), والنظام العام الجمالي للبيئة (جمال الرونق والرواء), والنظام العام الاقتصادي, الامر الذي يتطلب بحث العناصر المذكورة مفصلاً, وهذا ما سنعمد الية في الموضوع تباعاً.

اولاً: النظام العام المعنوي او الاخلاقي (الاداب العامة).

اختلف الفقه القانوني فيما اذا كان هنالك نظام عام معنوي او اخلاقي بصورة مستقلة عن النظام العام المادي بعناصره التقليدية المعروفة, بشكل يجيز لسلطة الضبط الاداري ان تتدخل لحمايته من عدمه؟ لا بد من الاشارة ابتداء بان لسلطة الضبط ان تتدخل لحماية النظام العام المعنوي, متى ما كان لهذا الاخير مظهراً مادياً خارجياً, بحيث يكون لسلطة الضبط ان تتدخل لحماية النظام العام المادي في هذه الحالة, اما في الحالة التي لا يكون فيها ارتباط بين النظام العام المادي والنظام العام المعنوي, فان الفقه قد اختلف في ذلك, باعتبار ان المهمة الاساسية للقانون هو ان يسود النظام لا ان تسود الفضيلة من جهة, ومن جهة اخرى فان وجود نظام عام معنوي مستقل يبيح لسلطة الضبط الاداري ان تتدخل بشكل واسع لتقييد الحريات العامة, هو امر يجب التحرز منه كونه يؤدي الى حلول سلطة القانون محل سلطة الدين, بحيث يمكن ان تفرض على الافراد نمطاً خاصاً من الاخلاق بقوة القانون الامر الذي يحد من بعض الحريات العامة كحرية الفكر والعقيدة، من خلال سبر اغوار الضمائر والنفوس لدى افراد المجتمع، رغم ان الواقع يوجب الفصل، التام بين التصرفات الاخلاقية والتصرفات القانونية وذلك لصعوبة التحديد الدقيق للحد الفاصل بينهما(1). ويلاحظ ان الخلاف حول وجود نظام عام معنوي مستقل من عدمه, يمكن ان يثار في فرنسا اكثر مما هو عليه الحال في مصر والعراق, اذ ذهب الاتجاه الاول في الفقه الفرنسي الى انكار وجود نظام عام معنوي مستقل عن النظام العام المادي, ويعود ذلك اساساً الى ان المشرع الفرنسي لم يتطرق للاداب العامة كأحد عناصر النظام العام في التشريعات الصادرة في هذا الخصوص, وتحديداً في قانون 5/ ابرل/ 1884 او قانون الادارة المحلية الصادرة في 27/ يناير/1977 والقانون الحالي رقم 142 لسنة 1996 والمتعلق بالجماعات الاقليمية او المحلية, بل اقتصر على تعداد العناصر التقليدية للنظام العام فقط, وذلك ما دفع بعض الفقه الفرنسي الى انكار وجود نظام عام معنوي او اخلاقي, اذ ذهب الفقيه هوريو "Hauriou" الى ((انه يجب ان يخرج من نطاق الضبط الاداري المحافظة على ما يسمى بالنظام العام الادبي على نحو ما يعبر عنه الافكار والمعتقدات والاحاسيس ما لم يكن الاخلال بهذا النظام خطيراً, ويكون من شانه تعكير النظام العام المادي وتهديده تهديداً مباشراً)),(2) كما ذهب الفقيه ريفيرو "Rivero" الى ان ((فكرة النظام العام يجب ان تحمل على مدلول النظام العام المادي والذي يعتبر في هذه المثابة حالة مناقضة للفوضى. اما الحفاظ على النظام العام الادبي والابقاء على هذا الوضع الذي يسود الافكار والمعتقدات والاحاسيس فلا يقع تحت سلطان الضبط الاداري))(3).

اما الاتجاه الثاني في الفقه الفرنسي, فقد ذهب الى الاقرار بوجود نظام عام معنوي او اخلاقي وبشكل مستقل عن النظام العام المادي, بحيث يمكن لسلطة الضبط الاداري ان تتدخل لحمايته وان لم يكن له ارتباط مباشر بالنظام العام المادي, وذلك على اعتبار ان ما ورد في النصوص القانونية من تحديد لعناصر النظام العام, قد ورد على سبيل المثال وليس الحصر, لذا فانه لا يوجد ما يمنع من اعتبار الاداب العامة كونها احد عناصر النظام العام, وان كان ذلك لا يجيز لسلطة الضبط ان تتدخل مالم يكن هنالك تهديد مباشر للنظام العام المادي(4). واذا كان المشرع الفرنسي, قد احجم عن التطرق للاداب العامة كونها احد عناصر النظام العام, فان الامر على خلاف ذلك في التشريع المصري والعراقي, اذ ورد النص صراحة في المادة 184/ من الدستور المصري لعام 1971 على ان ((الشرطة هيئة مدنية نظامية, رئيسها الاعلى رئيس الجمهورية. وتؤدي الشرطة واجبها في خدمة الشعب وتكفل للمواطنين الطمأنينة والامن وتسهر على النظام والامن العام والاداب, وتتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات وذلك كله على الوجه المبين بالقانون)), كما نصت المادة (3) من القانون الخاص بهيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 على ان ((تختص هيئة الشرطة بالمحافظة على النظام والامن العام والاداب وبحماية الارواح والاعراض والاموال, وعلى الاخص منع الجرائم وضبطها, كما تختص بكفالة الطمانينة والامن للمواطنين في كافة المجالات, وتنفيذ ما تفرضه عليها اللوائح والقوانين من واجبات)).       وقدر تعلق الامر بموقف المشرع العراقي من وجود نظام عام معنوي او اخلاقي, بشكل مستقل عن النظام العام المادي, فقد ورد النص صراحة في المادة (17) من الدستور الحالي لعام 2005 على ان ((لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية, بما لا يتنافى مع حقوق الاخرين والاداب العامة)), كما نصت المادة (36) منه على ان ((تكفل الدولة, بما لا يخل بالنظام العام والاداب اولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر. ثالثاً: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظيم بقانون)). وذلك ما لا يدع مجالاً للشك من اقرار المشرع العراقي بوجود نظام عام معنوي او اخلاقي مستقل عن النظام العام المادي, والذي يسمح لسلطة الضبط الاداري ان تتدخل لحمايته والحفاظ عليه. ان ما تجب الاشارة اليه في هذا الصدد, انه قد ورد النص على الاداب العامة في العديد من المعاهدات والمواثيق الدولية, اذ نصت المادة (29/2) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948, على انه ((يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط, لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والاخلاق في مجتمع ديمقراطي)) كما نصت المادة (12/3) من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على ان ((لا تخضع الحقوق المشار اليها اعلاه لاية قيود عدا تلك المنصوص عليها في القانون والتي تعد ضرورية لحماية الامن الوطني او النظام العام او الصحة العامة او الاخلاق او حقوق وحريات الاخرين وتتمشى كذلك مع الحقوق الاخرى المقررة في الاتفاقية الحالية)). ويلاحظ اخيراً بان المقصود بالاداب العامة هو الحد الادنى من المعتقدات والافكار والقيم الاخلاقية والتي تواتر افراد المجتمع على اتباعها, ووجوب احترامها والتقيد بها, كونها تمثل انعكاساً للاخلاق العامة, والتي تتجدد وفقاً للعادات والتقاليد والاعراف الاجتماعية واحكام القضاء,(5) وان المعيار المعتمد لتحديد تلك الافعال هو  معيار  موضوعي  وليس  معياراً  شخصياً  يعود  تقديره لشخص القاضي(6,كونه يمثل ((الناموس الادبي الذي يسود العلاقات الاجتماعية في دولة معينة, وزمن معين, وهذا الناموس الادبي هو وليد المعتقدات الموروثة والعادات المتاصلة وما جرى به العرف وتواضع عليه الناس, والى جانب ذلك ميزان انساني يزن الحسن والقبح ونوع من الالهام البشري بين الخير والشر)).(7)

ثانياً: النظام العام الجمالي للبيئة (جمال الرونق والرواء).

يقصد بالنظام العام الجمالي للبيئة بانه ((الاهتمام بجماليات الشوارع, ومرافقها وبهائها, بحيث تبعث الهدوء والراحة النفسية سواء بتجميل الشوارع او وضع مواصفات معينة في المباني, بحيث ياتي منظر المدينة والشوارع منسقاً)),(8) كما يعرف بانه ((النظام الذي يهدف الى حماية الرونق والرواء للبيئة حفاظاً على السكينة النفسية للافراد المقيمين في هذه البيئة)).(9) وبصورة مشابهة لما هو عليه الحال بالنسبة للنظام العام المعنوي او الاخلاقي, فقد اختلف الفقه الاداري ايضاً حول وجود نظام عام جمالي للبيئة بشكل مستقل عن النظام العام المادي من عدمه, وفيما اذا كان لسلطة الضبط الاداري ان تتدخل لحماية جمال الرونق والرواء, حتى في الحالة التي لا يرتبط بها مع النظام العام المادي. اتجه اصحاب الفريق الاول من الفقهاء الى الاقرار بوجود نظام عام جمالي للبيئة مستقل, يجيز لسلطة الضبط ان تتدخل لحمايته حتى وان لم يترتب على ذلك اخلال بالنظام العام المادي, اذ ذهب الفقيه دويز "Duez" بان على الجهة الادارية المختصة ان تعمل على حماية المشاعر الفنية والاحساس الجمالي لافراد المجتمع بذات  الطريقة  المتبعة  لحماية  حياتهم  وسلامة  ابدانهم,  كون ذلك يدخل ضمن المصلحة العامة لافراد المجتمع, اذ يمثل جمال الرونق والرواء جزءً من التراث الثقافي الوطني للدولة.(10) وبذات الاتجاه ذهب الفقيه بيرنارد "Bernard" الى ان حماية جمال الرونق والرواء تدخل بطبيعتها ضمن فكرة النظام العام, وذلك على اعتبار ان على سلطة الضبط الاداري ان تعمل على حماية الجوانب المعنوية للافراد كما هو دورها في حماية الجوانب المادية لهم, كونهما يمثلان جوانب لازمة للوجود البشري المتكامل(11). واتجه الفريق الثاني من الفقه الاداري الى عدم الاعتداد بالنظام الجمالي للبيئة بشكل مستقل, بحيث يحول ذلك دون تدخل سلطة الضبط لحمايته ما لم يرتبط مباشرة مع احد العناصر التقليدية للنظام العام المادي, حيث يرى اصحاب هذا الاتجاه بان جمال الرونق والرواء يندمج عادة في هذا الصدد مع عنصر الصحة العامة, او مع عنصر السكينة العامة, بحيث ان تدخل سلطة الضبط في هذا الجانب انما يتم للحفاظ على الصحة العامة او السكينة العامة, فعلى سبيل المثال ان لسلطة الضبط ان تلزم صاحب الارض الفضاء بتسويرها حفاظاً على الصحة العامة من الاتربة التي قد تتطاير فيها بسبب الرياح, اضافة الى وانه يجوز لسلطة  الضبط  ان  تتدخل  لتحقيق الاستقرار النفسي والعصبي لافراد المجتمع.(12)  وقد ذهب اتجاه ثالث في الفقه المصري, الى انكار وجود نظام عام جمالي للبيئة اطلاقاً, بادعاء ان ذلك ((امر منكر للغاية, فهو لم يتكون بعد, واذا كانت هنالك بعض القوانين التي تنص على حماية الطبيعة التاريخية لمنطقة معينة, فان الامر في حقيقته ينطلق من الاهمية الاثرية والاقتصادية لتلك المنطقة فحسب)).(13) اما عن موقف القضاء الاداري من مسالة وجود النظام العام الجمالي للبيئة, فقد ذهب مجلس الدولة الفرنسي اول الامر الى عدم الاقرار بمشروعية القرارت الادارية المتخذة لحماية جمال الرونق والرواء ما لم  يوجد نص قانوني صريح بذلك, اذ قضى الى ان ((السلطة القائمة على وظيفة الضبط الاداري لا يحق لها ان تستهدف صون المظهر المنمق والمحافظة على جمال الرواء الا في الحالات التي يرخص فيها القانون ذلك بنصوص صريحة...))(14) .  كما  قضى  ايضاً بانه  ((وان كان من حق المحافظ ان يمارس سلطات الضبط الاداري الخاص التي خولها اياه القانون بشان حماية المدن والاثار التاريخية, الا انه لا يجوز استخدام هذا الحق للحد الخطير من ممارسة حق الملكية او حرية التجارة...))(15). وقد عدل مجلس الدولة الفرنسي عن موقفه السابق, وتحديداً منذ عام 1936, بشكل اجاز لسلطة الضبط الاداري ان تتدخل لحماية النظام العام الجمالي للبيئة وان لم يرد نص صريح بذلك, اذ اصدر قراره في قضية ((اتحاد نقابات مطابع باريس)), والتي رفض فيها الدعوى المقامة من قبل الاتحاد المذكور تجاه لائحة ضبط تحظر توزيع المنشورات والاعلانات على المارة في الشوارع, خشية من القائها بعد قرائتها بشكل يؤدي الى تشويه منظر وجمال الطرق والاحياء العامة(16). وقد تواترت احكام القضاء الاداري الفرنسي منذ ذلك الحين, من الاعتداد بالتفسير الواسع للنظام العام, بحيث يكون شاملاً لحماية المظهر العام والفن والثقافة والتراث القومي(17). وقد تماشت احكام القضاء الاداري المصري, مع ما استقرت عليه احكام القضاء الاداري الفرنسي, من الاعتراف لسلطة الضبط بالتدخل لحماية النظام العام الجمالي للبيئة, حيث قضت محكمة القضاء الاداري من الاقرار بمشروعية القرار الاداري الصادر برفض الترخيص بفتح محل تجاري في احد المناطق في القاهرة, كونها من المناطق التي يمنع فتح المحال التجارية فيها, وذلك بسبب مخالفته لمشروع تنسيقي اعدته الادارة سابقاً, باعتبارها ((الجهة الادارية)), هي المكلفة بمراعاة هدوء الاحياء السكنية, ذلك يدخل ضمن وظيفة الضبط الاداري.(18) كما ذهبت الى ان ((الادارة بما لها من وظيفة الضبط الاداري مكلفة بمراعاة هدوء الاحياء السكنية من حيث الامن والصحة والمظهر, وانها اذ قامت بوضع المشروع الاسكاني وهو مشروع تنسيقي بشان التوفيق بين صيانة الاحياء السكنية وبين تزويدها باحتياجاتها من المحال المخصصة, وجعلت هذا المشروع التنسيقي مرجعاً تستلزم الاوضاع التي تقررت فيه عند دراسة حالة كل ترخيص على حده في ضوء القواعد التنظيمية التي تضمنها المشروع...)).(19) كما ذهبت المحكمة الادارية العليا في مصر ايضاً, الى تبني الاتجاه السابق, اذ قضت بان ((... الترخيص للافراد باستعمال جزء من المال العام هو من قبيل الاعمال الادارية المبنية على مجرد وقت لمقتضيات المصلحة العامة او الامن العام او الصحة العامة او حركة المرور او الاداب العامة وجمال تنسيق المدينة...))(20).  اما عن احكام القضاء الاداري العراقي, ورغم قلة الاحكام الصادرة في هذا الصدد, الا ان محكمة القضاء الاداري قد استقرت الى اضفاء المشروعية على القرارات الادارية الصادرة بغية المحافظة على النظام العام الجمالي للبيئة, ومن ذلك الاجراءات الادارية المتخذة من قبل سلطة الضبط الاداري لغرض حماية المواقع الاثرية في العراق والمحافظة عليها، ومنها المكتبات الواقعة في شارع المتنبي، كونها تعد من الاثار التراثية بموجب البيان المرقم 12 لسنة 1992، اذ صدر القرار الاداري في هذا الجانب لدوافع المصلحة العامة وليس لدوافع شخصية(21). ولابد من الاشارة بان محكمة التمييز في العراق، قد اقرت بالاجراءات الادارية المتخذة لحماية جمال الرونق والرواء، اذ قضت بأن ((قيام البلدية بواجباتها المتعلقة بالخدمات العامة ومن ذلك تنوير الشوارع والطرقات العامة وفقاً لاحكام المادة (44) من قانون ادارة البلديات تكون من  واجبات  المجلس  البلدي، وهي لا تخضع لرقابة المحاكم))(22).       كما قضت ايضاً بانه ((اذا كان الملك موضوع الاجازة يقع جميعه ضمن الشارع المقرر في التصميم المصادق عليه، فيجوز للبلدية الامتناع عن اعطاء اجازة البناء ... ))(23), كما ذهبت بانه ((لا يجوز لصاحب اجازة البناء ان يتجاوز الحدود المنصوص عليها في الاجازة،، وينبغي ازالة هذا التجاوز لتعارضه مع احكام نظام الطرق والابنية...))(24), وكذلك فانه ((ليس لامانه العاصمة الامتناع عن منح اجازة بناء على قطعة ارض لمجرد النية في جعل المنطقة التي تقع فيها القطعة منطقة خضراء او متنزهات عامة اذا لم تكن قد اعلنت التصميم الذي يمنع انشاء البناء واكتسب المراحل القانونية...))(25).

ثالثاً: النظام العام الاقتصادي:

ترتب على التطورات الاقتصادية الكبيرة الحاصلة في النصف الثاني من القرن العشرين، اثار بارزة في اتساع تدخل الدولة في الانشطة الخاصة، وذلك من خلال تقييد العديد من العلاقات الاقتصادية الفردية، والتي كانت متروكة سابقاً للنشاط الخاص, باعتباره يمثل انعكاساً لاستقرار الاوضاع السياسية والاجتماعية داخل الدولة، الامر الذي ترتب عليه ظهور ما يعرف بالنظام العام الاقتصادي او بيان الجانب الاقتصادي للقانون الاداري(26). والمتمثل عادة بتدخل سلطة الضبط الاداري في المجالات الاقتصادية المتنوعة، باعتبار ان الاقرار بحرية الافراد  في المجال الاقتصادي، قد يعرض اقتصاد الدولة لمشاكل متنوعة، والتي تؤدي الى اثار سلبية لحركة تطور المجتمع، مالم ينظم ذلك بسلطات تمنح للجهة الادارية.(27)  واذا كان لسلطة الضبط الاداري ان تتدخل لحماية النظام العام الاقتصادي, متى ما كان هذا الاخير مرتبطاً باحد العناصر التقليدية للنظام العام, اذ لا تثريب على الجهة الادارية من ذلك حفاظاً على الامن العام او الصحة العامة او السكينة العامة, وما يمكن ان ينتج عنه من تقييد بعض الحريات الاقتصادية كحرية الصناعة او التجارة, كونهما يمثلان مجالاً خصباً لذلك التدخل, بغية المحافظة على النظام العام المادي,(28) فان الامر يكون اكثر دقة بشان تدخل سلطة الضبط لحماية النظام العام الاقتصادي دون ان يكون له ارتباط مباشر مع النظام العام المادي, حيث ان القاعدة المقررة بهذا الشان بان المشرع وحده هو الذي يحدد النظام العام الاقتصادي للدولة, الامر الذي يحول دون تدخل سلطة الضبط لحمايته, وما يمكن ان ينتج عن ذلك من تقييد لبعض الحريات الاقتصادية للافراد, ما لم يوجد نص قانوني صريح, يقرر لها ذلك الحق وفق حدود وضوابط محددة سلفاً(29). ورغم ان تحديد الاطار القانوني للنشاط الاقتصادي, يكون من اختصاص المشرع, بغية تحقيق السياسة الاقتصادية العامة للدولة, الا ان الفقه والقضاء الاداري قد اتجها الى الاعتراف لسلطة الضبط الاداري من التدخل لتحقيق بعض الاهداف الاقتصادية, بحيث تتسع فكرة النظام العام ضمن ذلك الاطار لتكون شاملة للنظام العام الاقتصادي, بغية اشباع حاجات ضرورية وملحة لافراد المجتمع, اذ يترتب عن عدم القيام بذلك حدوث اضطرابات داخلية تنتج اثارها السلبية, والتي لا يمكن ان تقل خطورتها عن الاضطرابات الحاصلة عند الاخلال باحد عناصر النظام العام المادي, ومن ذلك على سبيل المثال ما يتعلق بالتسعير الجبري او توفير المواد الغذائية  للافراد  او  تنظيم  عملية الاستيراد والتصدير للبضائع  او توفير السكن الملائم لافراد المجتمع.(30) ويلاحظ بان الاقرار بحق سلطة الضبط الاداري بالتدخل لحماية النظام العام الاقتصادي دون الاستناد الى نص قانوني لا يكون مطلقاً, بل لا بد من حصره في اضيق نطاق ممكن, بحيث يقتصر ذلك على بعض المصالح الاقتصادية الاساسية والهامة لافراد المجتمع, باعتبار ان استقلالية النظام العام الاقتصادي عن النظام العام المادي لا يكون دائماً ومطلقاً, بقدر ما لهما من ارتباط مباشر وثيق الصلة(31). وقد استقرت احكام القضاء الاداري, على الاعتراف لسلطة الضبط الاداري, وضمن حدود معينة, من التدخل لحماية النظام العام الاقتصادي, اذ قضى مجلس الدولة الفرنسي بان ((المحافظ يستطيع ان ينظم فتح مخازن الخبز, وان يحظر نقله الى المنازل في نطاق السياسة العامة للتغذية, وان العمدة يملك لحماية مصالح المستهلكين ان يفرض التدابير الملائمة لمنع نقص المواد الاولية وكذلك الارتفاع الوهمي للاسعار...)).(32) كما قضت المحكمة الادارية العليا في مصر بان ((القانون رقم 163 لسنة 1950 والخاص بشؤون التسعير الجبري ومن قبله القانون رقم 101 لسنة 1939 بشان التسعير الجبري يمنح الادارة سلطة تقديرية لتحديد الاسعار وتعين الارباح في السلع الواردة في الجدول المرفق, وما دام القرار الصادر من اللجنة قد حدد سعراً عاماً بالنسبة للكافة فانه يكون مستنداً الى مبدأ المشروعية ولا سبيل بعد ذلك للطعن عليه...)).(33) وقد سارت احكام القضاء الاداري العراقي على ذات النهج السابق، اذ قضت محكمة القضاء الاداري بأن ((القرار الصادر من المدعي عليه ((محافظ نينوى)) بمصادرة المواد المضبوطة والمدرجة في عريضة الدعوى...موافق للقانون... ذلك ان المدعي وهو مصري الجنسية قد خزن المواد المذكورة في احدى الدور وهي بكميات كبيرة، ولم يصرح بها للجهات ذات الاختصاص حتى يمكن ان يكون خزناً مشروعا ولاغراض التجارة، لذا ياخذ هذا الخزن وصف الاحتكار ويكون من قبيل المخالفات في قضايا السوق)),(34) كما ذهبت ايضاً الى الغاء القرار الاداري الصادر من المدعي عليه (امين بغداد) المتضمن رفض تغيير استعمال قطعة الارض من زراعية الى سكنية بأعتبار ان((... المشروع يلبي حاجة ملحة في الوقت الحاضر لمعالجة ازمة السكن في بغداد وان المشروع ذو اهمية استثمارية واقتصادية وتنفيذه يوفر مصدراً مهماً للعمل وامتصاص البطالة وفتح ابواب جديدة للعمل واستثمار طاقات اخرى وفتح مجالات اقتصادية في ظل الركود الاقتصادي.... وحيث ان تشجيع استثمار بناء وحدات سكنية لتأمن السكن المناسب للمواطن فيه مردود على عموم الناس ويبعث على الاطمئنان والاستقرار ما دامت الارض لم تستغل للزراعة او البستنة...))(35).  

__________________

1- د. محمود عاطف البنا: الوسيط في القانون الاداري, ط2, دار الفكر العربي, 1992, ص369. د. عبد العليم عبد المجيد مشرف: دور سلطات الضبط الاداري في تحقيق النظام العام واثره على الحريات العامة, دار النهضة العربية, 1998, ص91. حلمي خيري الحريري: وظيفة البوليس في النظم الديمقراطية, دراسة تطبيقية على مصر, رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الدراسات العليا اكاديمية الشرطة في مصر, 1989, ص68.

 2- Mourice Hauriou: op. cit, , p.220.                                                                     

3- Rivero: op. cit, p.400.                                                                                          

4-Bernard: La notion d'order public en droit administrative.                                        

نقلاً عن د. عبد العليم عبد المجيد مشرف: دور سلطات الضبط الاداري في تحقيق النظام   العام, المصدر السابق, ص93.

5- د. سعاد الشرقاوي: القانون الاداري, دار النهضة العربية, 1983, ص22.

6- د. محمود عاطف البنا: حدود سلطة الضبط الاداري, مجلة القانون والاقتصاد, ع3-4, س42, 1978, ص184.

7- د. عبد الرزاق احمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، ج1، مصادر الالتزام, دار النشر للجامعات المصرية ،1952, ص400-401 .

8- د. مجدي احمد فتح الله حسن: فاعلية الاداء الضبطي لرجال الشرطة, دار النهضة العربية, القاهرة, 2002, ص145 .

9- د. محمد الوكيل: حالة الطوارئ وسلطات الضبط الاداري, دارسة مقارنة, ط2, دار النهضة العربية, القاهرة, 2003, ص76 .

10- Duez: police et esihetique, chronique, DallOz, 1927                                            

نقلاً عن د. محمد محمد بدران: مضمون فكرة النظام العام ودورها في مجال الضبط الاداري, دراسة مقارنة في القانونين المصري والفرنسي, دار النهضة العربية, 1992, ص108

11-. Bernard: Lanation d'order publiqueen droit administrative

نقلاً عن د. عبد العليم عبد المجيد مشرف: دور سلطات الضبط الاداري في تحقيق النظام العام, المصدر السابق, ص112. ومن انصار هذا الراي د. سليمان محمد الطماوي: الضبط الاداري, بحيث منشور في مجلة الامن والقانون تصدرها كلية شرطة دبي, ع 1, س1, يناير, 1993, ص277. د. سعاد الشرقاوي: القانون الاداري, دار النهضة العربية, 1983, ص29. د. محمد عبيد الحساوي القحطاني: الضبط الاداري, سلطاته وحدوده, دار النهضة العربية, القاهرة, 2003, ص151. د. ابراهيم طه الفياض: القانون الاداري, مكتبة الفلاح, الكويت, 1988, ص231.

12- د. محمد شريف اسماعيل: الوظيفة الادارية للشرطة, دراسة مقارنة, بدون دار نشر, 1995, ص73. د. محمد الوكيل: المصدر السابق, ص78. د. محمود عاطف البنا: حدود سلطة الضبط الاداري, مجلة القانون والاقتصاد, ع3-4, س42, 1978, ص179. د. عبد العليم عبد المجيد مشرف: دور سلطات الضبط الاداري في تحقيق النظام العام, المصدر السابق, ص113. د. سامي جمال الدين: اللوائح الادارية وضمانة الرقابة الادارية, منشاة المعارف بالاسكندرية, بدون سنة نشر, ص325, محمد احمد فتح الباب السيد: سلطات الضبط الاداري في مجال ممارسة حرية الاجتماعات العامة, رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق, جامعة عين شمس, 1993, ص47.

13- محمد جمال عثمان جبريل: الترخيص الاداري, رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق, جامعة عين شمس, 1992, ص102. محمد الطيب عبد اللطيف: نظام الترخيص والاخطار في القانون المصري, رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق, جامعة القاهرة, 1956, ص78

14- قراره المؤرخ 28/ مايو/ 1928, اورده د. محمود سعد الدين الشريف: النظرية العامة للضبط الاداري, مجلة مجلس الدولة المصري, س11, 1962, ص171.

15- قراره المؤرخ 4/ مايو/ 1928, اورده د. عبد العليم عبد المجيد مشرف: دور سلطات الضبط الاداري في تحقيق النظام العام, المصدر السابق, ص114.

16- قراره المؤرخ 23/ اكتوبر/ 1936, اورده د. سليمان محمد الطماوي: الضبط الاداري, المصدر السابق, ص277.

17- عاشور سليمان صالح: مسؤولية الادارة عن اعمال وقرارات الضبط الاداري, منشورات جامعة قاريوس, بنغازي, ط1, 1997, ص145

18- قرارها المرقم 571 في 26/ 4/ 1949.

19- قرارها المرقم 827 س16. ق في 26/ 5/ 1964, اورده د. عادل ابو الخير: الضبط الاداري وحدوده, الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1995, ص208.

20- قرارها المرقم 3274 و 3407 في 16/ 4/ 1995, اورده د. عبد الفتاح مراد : شرح الحريات العامة وتطبيقات المحاكم بشأنها، المكتب الجامعي الحديث، الاسكندرية، بدون سنة نشر, ص404-405.

21- قرارها المرقم 27/قضاء اداري / 1999 في 22/8/1999 المصدق بقرار الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة المرقم 36/ اداري / تمييز / 1999 في 3/11/1999 ، غير منشورين، وبذات المعنى قرارها. المرقم 28/قضاء اداري /99 في 22/8/1999 المصدق بقرار الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة والمرقم 37/ اداري / تمييز/ 99 في 3/11/1999 ، غير منشورين.

22- قرارها المرقم 120 /ح /63 في 13/2/1963 منشور في مجلة ديوان التدوين القانوني، ع3، س2، 1963، ص165.

23- قرارها المرقم 88 /ح/ 69 في 22/3/1969 ، مجلة ديوان التدوين القانوني، ع1، س7، 1970، ص110.

24- قرارها المرقم357/ح/ 69 في 5/7/1969 مجلة ديوان التدوين القانوني، ع1،س7 ، 1970،ص110.

25- قرارها المرقم 95 /حقوقية ثانية/ 1969 في 24 /12/1969 منشور في قضاء محكمة تمييز العراق، المجلد السادس، الصادرة عن المكتب الفني في محكمة التمييز، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1972، ص634-635.

26- د. محمد الوكيل: المصدر السابق ، ص74.

27- Gernard farjat: L'order publice  ecanamiquec, paris, L.G.D.J. ed, 1963,p.62           

28- د. محمود عاطف البنا: الوسيط في القانون الاداري, المصدر السابق, ص326

29- د. عبد الرؤوف هاشم محمد بسيوني: نطرية الضبط الاداري في النظم الوضعية المعاصرة وفي الشريعة الاسلامية, ط2, دار النهضة العربية, القاهرة, 2004, ص109. 

30- د. عبد العليم عبد المجيد مشرف: دور سلطات الضبط الاداري في تحقيق النظام العام, المصدر السابق, ص120.

31- منيب محمد ربيع: ضمانات الحرية في مواجهة سلطات الضبط الاداري, رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق, جامعة عين شمس, 1981, ص84-85 .

32- قراره المورخ 22/ ديسمبر/ 1949, اورده د. محمد الوكيل: المصدر السابق, ص75 .

33- قرارها المؤرخ 31/ 3/ 1963, اورده د. عبد الرؤوف هاشم محمد بسيوني: المصدر السابق, ص109.

34- قرارها المرقم 132 / قضاء اداري/ 1994 في 24/12/1994 وبذات المعنى قرارها المرقم 32/ قضاء اداري/ 93 في 20/11/1993 اوردهما فوزي حسين سلمان الجبوري: الاغراض غير التقليدية للضبط الاداري، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الحقوق، جامعة النهرين، 1997ص80.

35- قرارها المرقم 95/ قضاء اداري / 2005 في 14/4/2005 ، غير منشور.

 

 

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .