المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



مبدأ عدم تقادم الجرائم التي تنتهك حقوق الإنسان  
  
6264   08:24 صباحاً   التاريخ: 23-3-2017
المؤلف : عبد الله علي عبو سلطان
الكتاب أو المصدر : دور القانون الدولي الجنائي في حماية حقوق الانسان
الجزء والصفحة : ص120-128
القسم : القانون / القانون العام / القانون الدولي العام و المنظمات الدولية / القانون الدولي العام /

يقصد بالتقادم الجنائي (Prescription Criminelle) تقادم مسقط يسري على الدعويين العمومية والمدنية اللتين تتولدان من الجريمة ويقال له تقادم الدعوى  (P. de l’action) كما يسري أيضا على العقوبة المحكوم بها الشخص فيقال له تقادم العقوبة(p.de la peine)(1) ، فقوانين التقادم هي قوانين تضع حدوداً من حيث الزمن للجريمة والعقوبة وهذا يعني أن للتقادم في القانون الجنائي الداخلي تطبيقين ، أولهما في مجال العقوبات حيث تتقادم العقوبة الصادرة إذا مضت على صدور الحكم مدة زمنية محددة دون تنفيذ ، وثانيهما في مجال الإجراءات الجنائية حيث تتقادم الدعوى الجنائية لمضي فترة زمنية محددة من تاريخ ارتكاب الجريمة دون اتخاذ إجراء فيها ، وتبرير التقادم في القانون الجنائي الداخلي يستند إلى مرور فترة زمنية على جريمة معينة يؤدي إلى محو نتائجها المادية والمعنوية من ذاكرة أفراد المجتمع وبالتالي لا يتحقق (الردع العام) الذي هو أحد أغراض فرض العقاب على مرتكب الجريمة ، فضلاً عن أن المتهم قد لاقى جزاءه بتواريه عن الأنظار طيلة فترة التقادم(2).

- موقف القانون الدولي الجنائي من التقادم :

لا يسمح القانون الدولي الجنائي بشكل عام بتقادم  الجرائم الدولية الخاضعة لأحكامه مهما طالت الفترة الزمنية على ارتكابها . إلا أنه كان لا بد من تأكيد هذه المسألة خاصة بعد خلو الاتفاقيات الدولية من الإشارة إلى التقادم حتى تلك الاتفاقيات والوثائق والإعلانات الرسمية المتعلقة بملاحقة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية ونذكر من هذه الاتفاقيات اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 التي لم تشر إلى مسألة التقادم وكذلك اتفاقية قمع الإبادة لعام 1948 ولم يرد ذلك أيضاً في مبادئ نورمبرغ التي أقرتها الجمعية العامة عام 1950 وأدى هذا الخلو إلى لفت انتباه الجمعية العامة في ضرورة معالجة هذه المسألة وتفادي عدم وقوع وتكرار الجرائم الدولية وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية ، كما إن (إخضاع هذه الجرائم لقواعد التقادم المقررة في القانون الجنائي الداخلي أثار قلق الرأي العام للحيلولة دون ملاحقة ومعاقبة المسؤولين عن تلك الجرائم ، وحتى يتم تأكيد مبدأ عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية ولتأمين تطبيقه عالمياً)(3). فقد تبنت الجمعية العامة الاتفاقية الدولية بشأن عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة في حق الإنسانية عام 1968 والنافذة عام 1970(4). حيث نصت المادة الأولى منها على  (لا يسري أي تقادم على الجرائم التالية بصرف النظر عن وقت ارتكابها (أ-جرائم الحرب الوارد تعريفها … 2- الجرائم ضد الإنسانية سواء في زمن الحرب أو زمن السلم الوارد تعريفها … وجريمة الإبادة الجماعية الوارد تعريفها في اتفاقية عام 1948 …)) ولكن يؤخذ على اتفاقية عدم التقادم لعام 1968 أنها جاءت في معالجتها لمبدأ عدم التقادم في الجرائم الخطيرة بصورة ناقصة إذ أنها لم تشر إلى الجرائم ضد السلام (جريمة العدوان) وخصوصاً إن هذه الجريمة هي (أم الجرائم الدولية) إذ تفتح الطريق لارتكاب الجرائم الدولية الأخرى في اغلب الأحيان ، وان كان البعض يحاول تبرير هذا النقص بالقول انه (لما كان تحقيق الأمن والسلم الدوليين من بين الأغراض المستهدفة من عدم تقادم الجرائم الدولية المنصوص عليها في هذه الاتفاقية فان ارتكاب جريمة ضد السلام يعتبر انتهاكاً لهذه الاتفاقية مما يعني أنها مدرجة بكافة صورها ضمن الجرائم غير القابلة للتقادم)(5). إلا أننا نعتقد أن هذا التبرير غير كافٍ للقول إن جريمة العدوان مشمولة بأحكام الاتفاقية السابقة ونرى إن خطورة هذه الجريمة التي تم تأكيدها في مختلف الوثائق الدولية كالقرار 3314 في 1974 ومشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية أمنها لعام 1996 والنظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة يتطلب إدراج هذه الجريمة في الاتفاقية الخاصة بعدم التقادم وبغير ذلك سيكون عدم تقادم هذه الجريمة عرضة للتأويل حسب المصالح السياسية للدول كما يعني السماح بالإفلات من العقاب بحجة تقادم هذه الجريمة . والى جانب الاتفاقية الدولية لعام 1968 هناك على الصعيد الإقليمي الاتفاقية الأوروبية التي اعتمدها المجلس الأوربي بشأن عدم تقادم جرائم الحرب وضد الإنسانية في 25/1/1974(6). وقد جاء في ديباجة الاتفاقية ما يأتي : (إن الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي الموقعون أدناه : إذ يأخذون بنظر الاعتبار ضرورة حماية شرف وكرامة الإنسان في أوقات الحرب والسلم ، وإذ يأخذون بنظر الاعتبار كذلك أن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والانتهاكات الأكثر خطورة لقوانين وأعراف الحرب تشكل جرائم وانتهاكات خطيرة ضد كرامة وشرف الإنسان ، وإذ تُعنى بالنتائج المترتبة على ضمان عدم إيقاع العقوبات المترتبة على هذه الجرائم من خلال مدد التقادم التشريعي سواء بما يتعلق بالمقاضاة أو فيما يتعلق بتنفيذ العقوبة…) لذا اتفقت الدول الأعضاء على ما يأتي :

  • تتعهد كل دولة متعاقدة أن تتبنى القيام بأي إجراءات ضرورية لضمان عدم تطبيق التقادم التشريعي فيما يتعلق بمساءلة مقاضاة الجرائم الآتية أو فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام المفروضة على مثل هذه الجرائم ، بالقدر التي تستحق فيه العقاب في ظل قانونها الداخلي:

1- الجرائم ضد الإنسانية المنصوص عليها في اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية التي تم إقرارها في 9 ديسمبر من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة. 2-أ- الانتهاكات المنصوص عليها في المادة (50) من اتفاقية جنيف الأولى لعام 1944 والمادة (51) من الاتفاقية الثانية … والمادة (130) من الاتفاقية الثالثة … والمادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة … ) ب- أية انتهاكات مماثلة لقانون الحرب ترتب أثارها وقت نفاذ أو سريان هذه الاتفاقية أو الانتهاكات الموجهة لأعراف الحرب القائمة في ذلك الوقت التي لم يجرِ النص عليها من خلال نصوص اتفاقيات جنيف المشار إليها أعلاه وعندما تكون إحدى الانتهاكات الخاصة محل الاعتبار قد انطوت على سمة خطيرة إما بسبب عناصرها الواقعية أو المتعمدة أو نطاق نتائجها المتوقعة أو المنظورة . 3- أي انتهاك لقاعدة أو عرف من أعراف القانون الدولي يتم تدوينها ويمكن للدولة المتعاقدة المعنية أن تأخذها بنظر الاعتبار طبقاً لإعلان معين أو بموجب المادة (6) على اعتبار إن لها نفس طبيعة تلك الانتهاكات المنصوص عليها في الفقرتين (1و2) من هذه المادة .

وإذا ما أجرينا مقارنة بين اتفاقية عام 1968 واتفاقية الاتحاد الأوروبي لعام 1975 فان من اوجه التشابه بينها إن كلاهما لم يشر إلى عدم تقادم جريمة العدوان ، إلا أن ما يميز الاتفاقية الأوربية لعام 1975 عن الأولى أنها أجازت توسيع مبدأ عدم التقادم ليشمل انتهاكات أخرى لقواعد القانون الدولي متى ما كانت الانتهاكات الجديدة لها نفس طبيعة الانتهاكات المنصوص عليها في الفقرتين (1و2) وذلك من خلال إعلان من جانب الدول المتعاقدة بموجب المادة (6) وهذا يعني إمكانية إدراج جريمة العدوان ضمن الجرائم الأخرى المنصوص عليها في الاتفاقية(7). ولكن يؤخذ على الاتفاقية الأوروبية أنها خلطت بين الجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية لأنها أشارت في الفقرة (1) إلى أن الجرائم ضد الإنسانية هي الجرائم الواردة في اتفاقية قمع الإبادة لعام 1948 وكما أوضحنا سابقاً فان الجرائم ضد الإنسانية تختلف عن جريمة الإبادة الجماعية في كونها لا يشترط لارتكابها أن تستهدف جماعات معينة كما هو الحال في الإبادة الجماعية فضلاً عن انه لم يكن للجرائم ضد الإنسانية مفهوم محدد بموجب معاهدة دولية إلى حين إدراجها في النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة.

- التقادم في القوانين الجنائية الوطنية والتزامات الدول بموجب الاتفاقيات الدولية :

لقد أدى خلو اتفاقيات جنيف لعام 1949 من الإشارة إلى مبدأ عدم التقادم للانتهاكات الواردة فيها إلى اختلاف النظم القانونية بشأن هذه المسألة ، حيث أن اغلب النظم القانونية تنص على التقادم في الجرائم الصغيرة ، أما في حالة الانتهاكات الجسيمة ، فان العديد من النظم القانونية ، وخاصة تلك القائمة على القانون العام (Commomlaw) لا تبيح سقوط الملاحقة القضائية بالتقادم ، وعمد المشرعون في النظم القانونية الجرمانية اللاتينية ، حيث يسود القانون المدني ، إما إلى تحديد فترات تقادم أطول كثيراً في تلك الواردة في حالة الجنح، أو استبعدت بالكامل تقادم الانتهاكات الجسيمة(8). ولكن القانون الدولي الجنائي كان صريحاً في منع التقادم في الجرائم الدولية بموجب اتفاقية عام 1968 فضلاً عن الاتفاقية الأوروبية لعام 1974 الأمر الذي اصبح معه مبدأ عدم تقادم الجرائم الدولية ليس رهناً بإرادة الدول بل التزاماً دولياً يتمثل بضرورة قيام الدول الأعضاء باتخاذ الإجراءات الضرورية لضمان عدم تطبيق قوانين التقادم في تشريعاتها الداخلية على الجرائم الدولية وخاصة أن الغرض من تطبيق مبدأ عدم قابلية الجرائم الدولية للتقادم هو تضييق الخناق على مرتكبي تلك الجرائم التي تنتهك حقوق الفئات المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان أياً كان التاريخ ارتكابها (9)، فضلاً عن أن عدم تطبيق قوانين التقادم على الجرائم الدولية هي صورة من صور التعاون الدولي في مكافحة الجريمة حيث التزمت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بهذا التعاون(10).       وهذا يعني أن الدولة لا يمكن أن تطبق قوانين التقادم على الجرائم الدولية الخطيرة التي تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان متى ما التزمت بهذه الاتفاقية (اتفاقية عام 1968) والاتفاقية الأوروبية لعام 1974 بالنسبة للدول الأوروبية ، ومهما كانت طبيعة النظام القانوني فيها سواء أكانت تأخذ بنظام التقادم أم لا تأخذ من نطاق الجرائم العادية وعليها أن تتخذ الإجراءات الضرورية لذلك . فالمادة (4) من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1968 تنص على أن (تتعهد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بالقيام وفقاً للإجراءات الدستورية لكل منها باتخاذ أية تدابير تشريعية أو غير تشريعية تكون ضرورية لكفالة عدم سريان التقادم أو أي قيد أخر على الجرائم المشار أليها في المادتين الأولى والثانية من هذه الاتفاقية سواء من حيث الملاحقة أو من حيث المعاقبة ولكفالة إلغاءه إن وجد)(11). وهذا يعني أن على الدول الأعضاء التزاماً يتمثل بخطوتين أولاهما أن تضمن عدم سريان التقادم على الجرائم الدولية، والثاني إلغاء القوانين التي تنص على سريان التقادم على هذه الجرائم إذا كانت هذه القوانين تأخذ بالتقادم في الجرائم الدولية أي تطبيق الأثر الرجعي هنا بإلغاء القوانين التي سنتها الدولة قبل توقيعها على الاتفاقية (وهكذا فان الاتفاقية تلغي التقادم الذي كان قد تم إرساؤه في السابق بموجب قوانين أو قواعد أخرى)(12)، فضلاً عن أن على الدولة أن تطبق عدم التقادم بنوعية عدم تقادم الملاحقة القضائية وعدم تقادم العقوبة المفروضة (المحكوم بها) . أما الاتفاقية الأوروبية لعام 1974 فقد نصت المادة (1) منها على أن (تتعهد الدول في أن تتبنى القيام بأي إجراءات ضرورية لضمان عدم تطبيق التقادم التشريعي فيما يتعلق بمسألة مقاضاة الجرائم الدولية أو فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام المفروضة على مثل هذه الجرائم) وهذا يعني أيضا قيام الدول الأعضاء باتخاذ خطوات ضرورية لمنع تطبيق قوانين التقادم على الجرائم المشار إليها في الاتفاقية كما أنها على غرار الاتفاقية الأولى ألزمت الدول بعدم تطبيق التقادم بنوعية الملاحقة القضائية وتنفيذ العقوبة . إذن تطبيق الاتفاقيات الخاصة بعدم التقادم في الجرائم الدولية الخطيرة تحتاج إلى تصديق الدول عليها ، ولكن غياب التصديق على نطاق واسع على هذه الاتفاقيات يثير تساؤلاً مفاده هل أن عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية يعد قاعدة عرفية في القانون الدولي أم لا ؟ لقد كانت هذه المسألة محلاً للنقاش خلال فترة الأعمال التحضيرية لاتفاقية عام 1968 وظهر اتجاهان حول هذه المسألة ، الاتجاه الأول اعتبر وفود بعض الدول بموجبه إن عدم تقادم هذه الجرائم يعد قاعدة عرفية وان الاتفاقية لن تعدو أن تكون كاشفة ، أي أنها لم تنشئ قاعدة جديدة واستند هذا الاتجاه إلى الحجج التالية لتأييد وجود قاعدة عرفية ، إن القانون الدولي الذي ينص على قمع هذه الجرائم لا يشير إلى أي سقوط بالتقادم ويتعين اذاً اعتبار التقادم استثناء لا يوجد سوى في القانون العادي ، ولا يمكن من ثم وضع التقادم موضع التنفيذ، ويمضي البعض في القول إن قمع هذه الجرائم ينبغي أن يكون محكوماً فيما يتعلق بأي سقوط بالتقادم بالنظام القانوني الذي ينبع منه ، وهو القانون الدولي أما الاتجاه الثاني فقد رفضت الدول الأخرى بموجبه الإقرار بان عدم تقادم الجرائم المذكورة هي قاعدة عرفية.(13). ويبدو لي انه من الصعب تأييد الرأي الأول القائل بوجود قاعدة عرفية بخصوص عدم تقادم الجرائم الدولية الخطيرة قبل اتفاقية عام 1968، والسبب في ذلك إن الوثائق والاتفاقيات الدولية لم تشر مطلقاً إلى هذه المسألة، وبذلك لم يكن هناك أي ذكر لعدم تقادم الجرائم الدولية حتى تكرر الدول في تعاملها الدولي النص على ذلك ويتولد الشعور بالالتزام بهذا التكرار فيتحقق بذلك ركنا القاعدة العرفية (المادي / التكرار، والمعنوي / الشعور بالالتزام) هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ما يؤكد عدم وجود قاعدة عرفية بهذا الصدد ما ورد في ديباجة اتفاقية عام 1968 من أن (إخضاع جرائم الحرب وضد الإنسانية لقواعد القانون الداخلي المتصلة بتقادم الجرائم العادية يحول دون ملاحقة ومعاقبة المسؤولين عنها) وهذا يعني انه لم يكن وجود لأي قاعدة دولية اتفاقية أو عرفية قبل ذلك يلزم الدول بعدم إخضاع هذه الجرائم لقوانين التقادم ، ولكن يمكن القول أن بعد هذه الاتفاقية ( اتفاقية1968) أصبحت هذه الجرائم متعلقة بالقواعد الآمرة للقانون الدولي وبالتالي لا يسري عليها مبدأ التقادم فيجوز للدول ممارسة الاختصاص العالمي عليها بغض النظر عن زمان ومكان ارتكابها(14). ومن الجدير بالذكر أن من الوثائق الدولية والتي تنصب في خانة القانون الدولي الجنائي وتمنع التقادم في الجرائم التي تنتهك حقوق الإنسان ، مجموعة المبادئ المصاغة في تقرير السيد (جوانيه) إلى اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان (المدنية والسياسية) من العقاب ، تطبيقاً لقرار اللجنة الفرعية 1996/119(15). حيث جاء فيه (لا يسري التقادم خلال الفترة التي لا توجد فيها سبل تظلم فعالة سواء فيما يتعلق بالملاحقة أو العقوبات ، ولا يسري التقادم على الجرائم الخطيرة بموجب القانون الدولي وغير القابلة للتقادم بحكم طبيعتها ، ولا يمكن الاحتجاج بالتقادم في الدعاوى المدنية أو الإدارية التي يرفعها الضحايا للمطالبة بجبر الضرر الملحق بهم)(16).

- مبدأ عدم التقادم في النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة :

لقد كان النظام الأساسي اكثر وضوحاً من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1968 والاتفاقية الأوروبية لعام 1974 إذ انه قرر عدم تقادم كل الجرائم الخاضعة لاختصاص المحكمة وهي (جرائم الحرب والإبادة وضد الإنسانية) ثم جريمة العدوان التي لم تشر الاتفاقيتان السابقتان إليها ، وبذلك عالج النظام الأساسي النقص الموجود في الاتفاقيتين ، فقد نصت المادة (29) من النظام الأساسي على  (لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم أياً كانت أحكامه) ، ومن خلال تحليل المادة (29) يمكن استنتاج أمرين : الأول – إن هذه المادة  منعت سقوط كل الجرائم الخاضعة لاختصاص المحكمة بالتقادم وبذلك وضع حداً للخلاف حول مدى خضوع جريمة العدوان للتقادم ، والثاني – إن المادة (29) منعت التقادم بنوعيه إذ أشارت نهاية المادة إلى عدم الأخذ بالتقادم(اياً كانت احكامه) وهذا يعني عدم سقوط الجريمة سواء بتقادم الدعوى القضائية أم بتقادم العقوبة ، وذلك لخطورة هذه الجرائم التي لا يجوز أن تسقط بالتقادم لأي سبب ولكي لا يتخذ المتهمون ارتكابها الاختفاء عن الأنظار خلال مدة التقادم سبباً أو عذراً للتهرب من المساءلة الجنائية وتفادي العقاب . ولكن قد يثار التساؤل التالي حول التقادم في النظام الأساسي وهو (إن الاختصاص الزمني للمحكمة لا يسري إلا على الجرائم التي وقعت أو التي ترتكب بعد بدء نفاذ النظام الأساسي)(17). ولكن ما هو الوضع بالنسبة لبقية الجرائم المرتكبة قبل نفاذ النظام الأساسي في 1/7/2002 هل يعني ذلك أنها سقطت بالتقادم ؟ في البداية يمكن القول إن عدم خضوع الجرائم المرتكبة قبل نفاذ النظام الأساسي لاختصاص المحكمة يقلل من فاعلية المحكمة ويدل على تأثير الاعتبارات السياسية في النظام الأساسي(18). إلا انه ووفقاً للرأي الراجح فان ذلك لا يعني إن هذه الجرائم قد سقطت بالتقادم ، إذ تبقى هذه الجرائم ومرتكبوها يستحقون العقوبة ولكن هناك جهة قضائية أخرى غير المحكمة الدولية تنظر فيها وهي المحاكم الوطنية عن طريق ممارسة الاختصاص العالمي الشامل(19). ومع تأييدنا لهذا الرأي ، إلا إننا كنا نأمل أن يتم تأكيد ذلك في النظام الأساسي للمحكمة وفي المادة (11) بالذات ، إذ إن هذه المادة أوضحت فقط أن اختصاص المحكمة الزماني قاصر على الجرائم المرتكبة بعد نفاذ النظام الأساسي ، إلا أنها لم توضح ما هو الحكم بالنسبة للجرائم المرتكبة قبل هذا النفاذ ، ولاشك أن عدم توضيح موقف المحكمة من الجرائم السابقة على نفاذ نظامها الأساسي قد يكون له نتائج خطيرة،لان الدول التي قد ارتكبت هذه الجرائم سوف تفسر أن سكوت النظام الأساسي عن ذلك يعني تقادم الجرائم المذكورة،لذلك فأننا نقترح أن يتم إضافة فقرة جديدة إلى المادة (11) تنص على ما يلي : (3-لا يترتب على الأحكام السابقة في الفقرتين (1و2) سقوط الجرائم المرتكبة قبل نفاذ النظام الأساسي بالتقادم،بل يبقى اختصاص النظر فيها قائماً للمحاكم الوطنية أو المحاكم الدولية الجنائية الخاصة). وقد يقول البعض إن المادة (29) قد نصت على مبدأ عدم التقادم ، إلا انه يمكن الرد على هذا القول بأن المادة المذكورة جاءت بصيغة تدل وفقاً للتفسير القانوني السليم على أنها لا تشمل الجرائم المرتكبة قبل نفاذ النظام الأساسي ، إذ أنها نصت على انه (لاتسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم اياً كانت احكامه)،وكما هو معلوم واستناداً إلى المادة(11) فان الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة هي المرتكبة بعد نفاذ النظام الأساسي فقط .

___________________

1- انظر : القاموس القانوني ، وضع : د. إبراهيم نجار ود. احمد زكي بدوي ويوسف شلالا ، مكتبة لبنان ، (د.ت) ، ص226.

2- انظر : د. محمد زكي أبو عامر ، قانون العقوبات ، القسم العام ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية، 1986 ، ص ص 597-598.

3- ديباجة الاتفاقية الخاصة بعدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لعام 1968. 

4- الوثيقة المرقمة (XXIII)  A / RES/2391 الجمعية العامة . 

5- انظر : د. حسنين عبيد ابراهيم صالح، الجريمة الدولية، دراسة تحليلية تطبيقية، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الاولى،1979، ص143. 

 6- See : European Convention on the non-applicatity of statutory limitation to crimes against humanity and war crimes : strasbourg 25-1-1974, European treaty series. No. 82. 

7- تنص المادة (6) من الاتفاقية على : (1- يمكن لآي دولة متعاقدة وفي أي وقت من خلال إعلان موجه إلى الأمين العام للمجلس الأوروبي أن توسع من نطاق هذه الاتفاقية لتشمل أي انتهاكات منصوص عليها في الفقرة (3) المادة (1) من هذه الاتفاقية) . 

8-See : damocle’s, Laperescription en droit international./ http://www.  damocles. Org/ article. Ph p3/ id-article = 4300. P3.

9- انظر : د. احمد أبو الوفا ، الفئات المشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني ، ضمن كتاب القانون الدولي الإنساني ، مصدر سابق ، ص180. 

10-  انظر : د. عبد الوهاب حومد ، التعاون الدولي لمكافحة الجريمة ، مجلة الحقوق والشريعة ، العدد الأول، السنة الخامسة ، كلية الحقوق والشريعة ، جامعة الكويت ، 1981 ، ص ص 137-138.

11- انظر في تحليل التزامات الدول بموجب هذا النص : د. عبد الكريم علوان خضير ، الوسيط في القانون الدولي العام ، الكتاب الثالث ، حقوق الإنسان ، عمان ، الطبعة الأولى ، 1997 ، ص25.

12- انظر : المستشار شريف عتلم ، تطبيق القانون الدولي الإنساني على الأصعدة الوطنية ، ضمن كتاب القانون الدولي الإنساني ، مصدر سابق ، ص313.

13- المصدر السابق ، ص313. 

14- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، مصدر سابق ، ص1003.

15- تقرير السيد (جوانيه) الوثيقة (E/CN. 4 / sub. 2/ 1997/ 20/ Rev1) والموجودة على شبكة الانترنت على الموقع التالي : http:// www. unhchr. Ch/ html/ 50 th/ 50 anniv. Htm.  

16- انظر : المبدأ (24) من تقرير السيد جوانيه ، مصدر سابق ، ص26. 

17-  انظر : المادة (11) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة . 

18- سنوضح ذلك عند شرح تأثير الاعتبارات السياسية على عمل المحكمة في الفصل الخامس . 

19-  انظر : د. فؤاد عبد المنعم رياض ، محاكمة أعداء الإنسانية ، مجلة الإنساني ، تصدر عن لجنة الصليب الأحمر ، العدد الواحد والعشرون ، صيف 2002 ، ص43. 

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .