أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-11-2016
12327
التاريخ: 2-2-2017
3387
التاريخ: 14-1-2017
3587
التاريخ: 8-11-2016
14613
|
استخدم الرواة مصطلحات مثل (صَنَمْ) و(وَثَنْ) و(نَصْب) في حديثهم عن الديانة الوضعية في شبه جزيرة العرب ولكل من هذه المصطلحات دلالة لغوية أوردها اللغويون وشرحوا معانيها غير انهم لم يقدموا فروقاً جوهرية في المعنى ولم يستطيعوا تقديم تفسيرات عميقة لها خاصة فيما يتعلق بالمصطلحين (صنم) و(وثن) . كذلك لم يظهر في الكتابات القديمة حتى الآن ما يعين في التفريق بينهما مع أنه من الصعب القبول بفكرة اشتراكهما في الدلالة فوجودهما يعني أن هناك شيئان احتاج الإنسان إلى مصطلحين للتدليل على كلٍ منهما أو ظاهرتين بغض النظر عن تشابههما وان القدماء عندما وضعوا هذه المصطلحات إنما وضعوها نتيجة الحاجة في توصيف وتسمية الأشياء . وعلى العكس من مصطلحي صنم ووثن فأن اللغويين والمفسرين والمؤرخين الأوائل ميزوا المصطلح نصب .
لقد وردت جميع هذه المفردات في الشعر العربي القديم (1), وأشار لها القرآن وأعطى صورة واضحة لبعضها (2) والراجح ان هذه المفردات من القدم بحيث لم تستوعبها مصادر العصر اللاحق للعصر الذي وُضعت فيه هذه المصطلحات فلما جاء الإسلام كان التفريق بينها مسالة غير ذات أهمية ، وربما لأن الأشياء التي تدل عليها لم تعد على قدر من الأهمية أو التعقيد بحيث تحتاج التمييز . وقد حاول المؤرخون المحدثون تقديم فروق لتحديد تمايز المصطلحين
اعتماداً على تبريرات وفرضيات معينة وضعوها هم أو التزموا بها (3) .
الصنم :
الصنم مفرد جمعه أصنام وقيل أنه تطور لغوي لمفرد شمن (4) . وشمن وشنم من المفردات التي وردت في النقوش اليمنية (5) . وحسب ابن سيده الصنم شيئاً يصنع من خشب أو يصاغ من فضة أو نحاس . وقيل الصنم كل ما أتخذ إلهاً من دون الله . وقيل هو ما كان جسماً أو صورة فأن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن . قال ابن الأعرابي الصنمة والصنمة الصورة التي تعبد . وقال ابن عرفة ما اتخذوه من الهة ولم يكن صورة فهو وثن فإذا كان له صورة فهو صنم أي صورة بلا جثة وقيل العكس . والصنم الصورة بلا جثة ومن العرب من جعل الوثن المنصوب صنماً . قال الحسن الصنمة الداهية وقال الأزهري أصلها صلمة (6) . وهي مؤنث صلم وهو اله أشتهر عند أهل تيماء بتأثير النفوذ البابلي في عهد نبونائيد (555-539 ق. م) الذي سكن المنطقة . كما أشتهر عند الثموديين الذين سكنوا تيماء فيما بعد (7) . وورد في النقوش اليمنية بصيغة (صلمن) (8) .
الوثن :
وَثَنَ أقام وثَبُتَ أو رَكَدَ . والوثن الدائم الإقامة . وقيل الوثن هو الصنم ما كان . وقيل الصنم الصغير . قال ابن الأثير الوثن كل ماله جثة معمولة من جواهر الأرض أو من خشب أو الحجارة كصورة الأدمي تعمل وتنصب
فتعبد (9) . وقد يطلق الوثن على غير الصورة والجمع أوثان . ووثن أثن على إبدال الهمزة والواو . قال الأزهري قال شمر الأوثان عند العرب كل تمثال من خشب أو حجارة أو ذهب أو فضة أو نحاس أو نحوهما ، وكانت العرب تنصبها وتعبدها ، وكانت النصارى نصبت الصليب وهو كالتمثال تعظمه وتعبده ، ولذلك سماه الأعشى وثناً . قال وقال عدي بن حاتم قدمت على النبي وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال لي الق هذا الوثن عنك أراد به الصليب (10) .
وقد وردت كلمة وثن في النقوش اليمنية ، ففي أحد نصوص المسند ذكر : " وليذبحن وثنن درا بخر فم ذبصم صححم أنثيم وذكرم " . أي وليذبح للوثن مرة في السنة ذبحاً صحيحاً أنثى أو ذكراً (11) نخلص من هذا الاستعراض إلى عدم وجود ما يدل على فرق بين المفردين فالبعض جعلها واحد ، والبعض فرق بينهما . وظهر الارتباك عند اللغويين وخالفهم بعض المؤرخين والمفسرين ، وثمة إشارة مهمة أوردها جواد علي ولم يتعمق في دراستها فهو يرى أن الفرق بين المصطلحين يرجع إلى اصل قبلي ، فبعض القبائل استعملت المفرد وثن والبعض الآخر استعملت المفرد صنم فلما جمع علماء اللغة مفردات اللغة من البدو وقع هذا التباين والاختلاف في تفسير الكلمتين (12) . ومع أن هذا لا ينفي وجود دلالتين غير أننا في هذه الحالة مطالبين بالبحث في الظروف التي تجعل القبائل تختلف في استخدام المفردات التي استخدمتها للتدليل على معبوداتها وما إذا كان الخلاف ناتجاً عن طبيعة المعبود أو الظرف الموضوعي للقبيلة ؟ غير أن عدم وجود دراسة انثروبولوجية للقبائل العربية يجعل من الصعب الخوض في بحث هذا الجانب من الموضوع . ويبقى البحث في هذا الموضوع مهماً إلى أن نتوصل استنتاجاً أو من خلال معلومات جديدة تنفع في تحديد الدلالة اللغوية لكل من المصطلحين ولصفات كل منهما
والأرجح أن كلمة وثن هي الأقدم والقول بالديانة الوثنية معناها الديانة الوضعية الأولى التي كانت تطلق على الآلهة الشركاء لله من دون خصائص أو صفات بمعنى آخر أن الديانة الوثنية هي الديانة التي كانت تهتم بالكتلة من دون التشريح الذي يوضح الصفة فهي الحجر الذي كان يعبد وهي الشجر أو أي مسمى أخر أي أنها ترتبط بالحالة البدائية . وقد استمر المفرد قيد الاستخدام حتى في المراحل الأولى التي انتقل فيها الإنسان في التأليه والعبادة من الكتلة إلى الشكل بغض النظر عن دقة التشريح . وأن استمرار البدائية في بعض القبائل يفسر استمرار استخدام هذا المفرد حتى بعد شيوع استخدام المفرد صنم ، الذي يرتبط ظهوره بتطور نظرة الإنسان إلى الكتلة وهو التطور الذي دفعه إلى نحت الحجارة ونصبها في مكان معين فأصبحت صنماً أي بدأت الكتلة تأخذ ملامح أو صفات وخصائص فتطورت الحجارة إلى تمثال منحوت بمستوى من التشريح يكفي للإيضاح الصفة أو الخاصية . وقاد هذا التطور إلى نصب التمثال في مكان محدد أي تقلص الحيز الجغرافي من العام المطلق إلى المحدود. وربما تكون هذه النقلة رافقت الاستقرار في المجتمع البدوي والانتقال من البداوة إلى التحضر وتعود فكرة المكان المخصص للإله لهذه الانتقالة ، ومنها ظهرت فكرة البيت عندما ظهرت الحاجة إلى حماية الإله ، ومع تطور المعتقدات الدينية مفهوماً ومضموناً وطقوس عبادة ، ومع تقدم فن تشريح التمثال اصبح هناك تمييزاً بين اله متنقل يحمله الإنسان معه ليواكب ظاهرة الحراك الاجتماعي ، وإله ثابت منصوب (13) في حيز جغرافي لا يتغير ، له بيت واضح المعالم ومن هنا أيضاً يمكن القول بظهور فكرة البيت العتيق (14) وهي دلالة على قدمه وقدم التحول من العبادة المتنقلة إلى الاستقرار وظهور فكرة الحيز المقدس (الحرم) .
أطلقت كلمة صنم على جميع تماثيل الآلهة في وقت متأخر لأنها اكتسبت كل الخاصية التي أوحى بها التطور في المعتقدات الدينية وأصبحت عبادة الأصنام تطغى على عبادة الأوثان لكنها لم تلغها . ويتضح لنا من دراسة جدول (4) ما يعزز هذه الفرضية حيث لم يبق الا وثن واحد وهو ذات ودع والسبب على ما يبدو أن هذا الإله فقد ميزته ولم يتطور فبقى على حاله حجراً في الأرض أو أحجار معلقة على الكعبة (15) فأجمع علماء اللغة على أنه وثن فيما اختلفت الروايات في بعض الآلهة الأخرى مثل اللات وكسعة وهي مسألة تحتاج إلى دراسة أعمق وفي موضوع اللات تحديداً فأن قسماً ممن كان يعبدها بقى يطلق عليها اسم وثن بينما أطلقت عليها القبائل الأخرى صفات وخصائص جعلت منها صنماً منصوباً بغض النظر عن دقة التعبير في الشكل الخارجي .
النصب :
النَّصْب والنُّصُبُ كل ما عبد من دون الله . والأنصاب حجارة كانت حول الكعبة تنصب فيهل عليها ويذبح لغير الله . وأنصاب الحرم حدوده والنصبة السارية وقوله تعالى " والأنصاب والازلام " وقوله وما ذبح على النصب . الأنصاب الأوثان . وعند القتيبي النصب الصنم أو الحجر وكانت الجاهلية تنصبه تذبح عنده فيحمر للدم ومنه حديث أبي ذر في إسلامه قال فخرت مغشياً عليَّ ثم ارتفعت كأني نَصبُ أحمر يريد أنهم ضربوه حتى أدموه فصار كالنصب المحمر بدم الذبائح (16) وعند المفسرين هي حجارة حول الكعبة تعبد ويذبح عليها (17) . ولم يختلف الرواة والإخباريون مع المفسرين فابن الكلبي يصفها بأنها حجر أمام الحرم وأمام غيره مما استحسن ، يطوفون حوله كطوافهم بالبيت ، وكانوا ينحرون ويذبحون عند كلها ويتقربون إليها (18) . وفي رواية أخرى كان للعرب حجارة غير منصوبة يطوفون بها ويعترون (19) عندها يسمونها الأنصاب (20) ويمكننا ان نستنتج ان النُصب في الأصل هي حجارة استُخدمت لتحديد حدود الحرم فهي أشبه بأحجار حدود المدن السومرية وبمرور الزمن أصبحت لها قدسية موازية لقدسية الإله نفسه .
الوثنية في شبه الجزيرة العربية :
يمكن القول أن الوثنية هي بداية المعتقدات الدينية البدائية عندما أعتقد الإنسان بالوهية الأشياء المادية والظواهر الكونية التي لم يألفها أو يفهمها وعندما ارتبطت بعض الأشياء المادية (الحجارة) خاصة ببعض الظواهر الكونية غير المدركة كالشهب والنيازك أو مقذوفات البراكين . اصبح ثمة اعتقاد بأن الإله يمكن أن يحل في شيء مثل الحجارة ثم تطورت الفكرة إلى إمكانية الحلول في الأشجار أو المياه … وفي الحياة العربية نقف على روايات حاول المهتمون بدراسة المعتقدات الدينية أن يفسروا بها وثنية العرب . الاعتقاد الأساس لدى هؤلاء أن الدين كان في البدء التوحيد ثم نشأت الوثنية ، وقد ارتبط التوحيد بالنبي إبراهيم وابنه إسماعيل في مكة حيث (البيت العتيق) فلما بدأ أبناء إسماعيل حراكهم الاجتماعي أخذوا يحملون معهم حجارة من حجارة مكة حباً بها وتعظيماً للبيت . فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة . وهكذا حتى استبدلوا ديانة النبي إبراهيم والنبي إسماعيل بالحجارة فأنتقلوا إلى الوثنية (21) .
تهمل هذه الرواية المدة بين بدء الخلق والنبي إبراهيم وكأنها كانت من دون دين . وإذا وضعنا المعلومات الآثارية والتاريخية جانباً التي تؤكد وجود ديانة مبكرة سبقت إبراهيم الخليل فأن القرآن الكريم يضعنا أمام ديانة شغلت تلك المدة حتى مجيء النبي إبراهيم . وقد تفسر الرواية الأنفة الذكر رجوع أبناء إسماعيل عن التوحيد لكنها بالتأكيد لا تفسر لنا التطور العام للمعتقدات الدينية .
كانت الوثنية عند العرب قديمة قدم نشأتهم ، مع أن الروايات ربطت بينها وبين عمرو بن لحي، وهو ربط لا يدل على معرفة دقيقة بنشأة المعتقدات الدينية. يرى ابن الكلبي ان ظهور الأصنام قديم يرتبط بأبناء آدم وأنه نتج عن تقدير الأبناء لإبائهم وان الأصنام الخمسة الأولى إنما ترتبط بخمسة أقوام صالحين (22) كان قوم نوح يعبدونها وانها كانت بشاطئ جدة ، ثم يتحدث عن مرحلة ثانية من الوثنية ترتبط بأبناء مدركة فهذيل بن مدركة أول من اتخذ الأصنام من ولد إسماعيل ، وإلى خزيمة بن مدركة تعود عبادة هبل حتى انه عُرف بهبل خزيمة (23) ويبدو ان المقصود هنا (الأصنام) أما الوثنية بمعنى عبادة الحجر فأنها قديمة في أبناء إسماعيل (24) .
ثم يتحدث عن مرحلة ثالثة من الوثنية ترتبط بعمرو بن لحي الخزاعي وكان كاهناً له رؤى من الجن أخبره بمكان الأصنام وطلب إليه إخراجها ودعوة العرب إلى عبادتها (25) فقصد بها الحج ووزعها على العرب فاستجاب له عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحارث بن قضاعة فدفع إليه ود فأخذه إلى وادي القرى فوضعه في دومة الجندل وسمى ابنه عبد ود ، وأجابه الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر فدفع إليه سواعاً فوضعه في رهاط ببطن نخلة ، وأجابه أنعم بن عمرو المرادي فدفع له بيغوث تعبده مذحج ، وأجابه مالك بن مرثد بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان فدفع له يعوق فوضعه في خيوان لتعبده همدان ، وأجابه معد يكرب الرعيني فدفع له نسر لتعبده حمير فوضعه في بلخع (26) .
ومع ان عبادة هذه الأصنام استمرت إلى الإسلام إلا ان ابن الكلبي في رواية أخرى له يشير إلى أن العرب لم يكونوا يرون في الأصنام الخمسة التي دفعها لهم عمرو بن لحي ما كانوا يرونه في العزى واللات ومناة ويضع العزى في موقع متقدم على الجميع نظراً لأجماع العرب عليها . ويفسر هذا التباين في الاهتمام بقدم الأصنام الخمسة وحداثة الثلاثة الأخيرة (27) فكأنه يتحدث عن مرحلة جديدة في الوثنية ترتبط بما تلا سقوط اليمن بدليل ان الذين عبدوها هم عدنانيون أولاً وقحطانيون عاشوا خارج اليمن مثل الازد وقضاعة ولخم وغسان (28) .
ان هذه المراحل في تطور الوثنية يعني ان الدين الأول كان هو الوثنية وان دين إبراهيم الخليل (التوحيد) كان الدين الثاني ولم يُنهِ الوثنية على العكس نجد أبناؤه هم الذين أعادوها .
تشير الروايات : " أن النبي إسماعيل بن إبراهيم لما سكن مكة وولد له بها أولاد كثير حتى ملأوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهم بعضاً فتفسحوا في البلاد والتماس المعاش . وكان الذي سلخ بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجراً من حجارة الحرم تعظيماً للحرم وصبابة بمكة فحيثما حلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمناً منهم بها وصبابة بالحرم وحباً له وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل . ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم وانتجثوا ما كان يعبد قوم نوح منها على أرث ما بقي فيهم من ذكرها " (29) .
شغلت الديانة الوضعية العقل والفكر منذ البداية . وكانت الغالبة على هواجسه منذ أدرك الإنسان الأول ضعفه إزاء المخلوقات التي حوله ووسط ظواهر لا يدركها . فاعتقد بضرورة إرضائها بتقديم القرابين لها . ولا يبدو آدم في القصة الدينية قد اكتملت لديه مفهوم فكرة التوحيد فهو على عكس مقتضيات التوحيد لم يلتزم بما بُلَّغ به ، وحاول التجاوز على الحدود التي رسمت له ، فقصة الشجرة وطلب الخلود والمُلك ، هي نوع من الشك في خاصية من خصائص الذات الإلهية ومحاولة مشاركته في هذه الخاصية ، مما وضعه تحت طائلة العقاب (30) ويستمر سلوك مخالفة أوامر الله في أولاده فقتل قابيل لأخيه هابيل كان بدافع الحسد لأن الله تقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربانه (31) وتبقى مغريات الحياة التي عاشها أولاد قابيل تغري ذرية شيت (32) وتبدو نزعة الشك مسيطرة حتى أن النبي نوح دعا ربه : " لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً " (33) . بعدما عجز عن إقناع قومه بالايمان بالله . وأمام هذا العجز يقف الشرك قوة مضادة لها حسابها . اقتضت الاستجابة لدعاء النبي نوح ليكون قومه عبرة للأقوام والأجيال اللاحقة لكن دون جدوى . فحسب القرآن الكريم : " حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا أحمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل " (34) . فهؤلاء الناجون الذين كان يفترض بهم تأسيس مرحلة جديدة من الحياة يسود فيها الإيمان بالله خالية من الشرك نجدهم وذريتهم من بعد يرجعون عن دين آبائهم ويتخذوا تماثيل الصالحين آلهة (35) . وهكذا يبقى الشرك هو معادل اعتقادي ويبقى المؤمنون هم الفئة القليلة التي تعي ما يدور حولها وتواصل التفكير في المسألة . وتعكس لنا قصة النبي إبراهيم هذا الأمر بوضوح . ويبدو أن إبراهيم الذي نشأ في عائلة دينية (36) أدرك معنى التوحيد إدراكاً جوهرياً . وحسب القرآن الكريم فقد وضع إدراكه في شكل تقاليد وممارسات حياتية يومية (37) . لقد جاء هذا الإدراك بعد ترددٍ كشفه الحوار العقلي لإبراهيم مع الكون كما عرضه القرآن الكريم ، وكان حواره محاكمة للمعتقدات الدينية حتى عصره بصفته معنياً بها وفي ذات الوقت بحث عن البرهان الذي ينقل إيمانهم من الفرضية إلى اليقين .
__________________________
(1) عبيد بن الأبرص :
فتبدلوا اليعبوب بعـد إلههـم صنماً فقـروا ياجديلة واعذبوا
ذكر فضالة بن عمير بن الملوح الليثي يوم الفتح :
أوما رأيت محمداً وجنوده
لرأيت نور الله أصبح بينا
بالفتح يوم تكسر الأصنام
والشرك يغشى وجهه الاظلام
الأعشى :
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه ولا تعبـد الأوثان والله فاعبـد
زهير ابن أبي سلمى :
نزل عنها وأوفى رأس مرقبه كمنصب العتر دمى رأسه النسك
(2) وردت لفظة صنم في القرآن الكريم في خمس آيات : قال : " وإذ قال إبراهيم لأبيه أزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين " سورة الأنعام ، الآية 74 . قال تعالى : " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال أنكم قوم تجهلون " . سورة الأعراف ، الآية 138 . قال تعالى : " وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً وأجنبني وبني أن نعبد الأصنام " سورة إبراهيم ، الآية 35 . قال تعالى : " تالله لاكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " . سورة الأنبياء ، الآية 57 . قال تعالى : " قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين ". ووردت لفظة وثن في القرآن الكريم ثلاث مرات : قال تعالى :" فاجتنبوا الرجس من الأوثان وأجتنبوا قول الزور " . سورة الحج ، الآية 30 . قال تعالى : " إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون أفكاً أن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً فأبتغوا عند الله الرزق وأعبدوه واشكروا له وإليه ترجعون " . سورة العنكبوت ، الآية 17 . قال تعالى : " وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " . سورة العنكبوت ، الآية 25 . وردت لفظة نصب في القرآن الكريم ثلاث مرات : قال تعالى : " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يأس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم وأخشون " . سورة المائدة ، الآية 3 . قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فأجتنبوه لعلكم تفلحون " . سورة المائدة ، الآية 90 . قال تعالى : " يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون " . سورة المعارج ، الآية 43 .
(3) كرنكو ، الصنم ، دائرة المعارف الإسلامية ، ترجمة محمد ثابت افندي وآخرون ، (مصر : الابشيهي ، 1933) ، 14/356 ؛ علي ، المفصل ، 6/71 ، 73 – 74 .
(4) ابن منظور ، لسان ، 12 / 349 .
(5) علي ، المفصل ، 6 / 72 .
(6) ابن منظور ، لسان ، 12/340 ، 349 ، 13/442 ، الزبيدي ، تاج ، 8/371 ؛ الربايعة ، عبادة ، ص 44 .
(7) خان ، الأساطير ، ص 112 ؛ علي ، المفصل ، 6/ 72 ؛ طلفاح ، الآلهة ، ص 77 وما بعدها .
(8) وهي بمعنى صنم وتمثال ومثال . (صلمن ذ صرفن وصلمنن ذ ذهبن) أي تمثال من فضة وتمثالان من ذهب . علي ، المفصل ، 6 / 72 . وبمعنى صورة رجل أو تمثال رجال أو تمثال امرأة . أ. ف.ل بيستون وآخرون ، المعجم السبئي ، (لوفان الجديدة : دار نشريات بيترز ، 1982) ، ص 143 ، 172.
(9) ابن منظور ، لسان ، 13/ 442 .
(10) ابن منظور ، لسان ، 13/ 442 ـ 443 ؛ الربايعة ، عبادة ، ص 44.
(11) علي ، المفصل ، 6 / 73 . وتحديداً عند السبأيين كانت بمعنى حجر الحدود أو نصب . بستون ، المعجم ، ص 166 ؛ فاروق إسماعيل ، اللغة اليمنية القديمة ،
(تعز : دار الكتب العلمية ، 2000) ، ص 250 .
(12) علي ، المفصل ، 1/ 74 .
(13) ابن منظور ، لسان ، 12 / 349 .
(14) الحموي ، معجم البلدان ، 4 / 617 .
(15) ابن منظور ، لسان ، 8 / 386 - 387 .
(16) ابن منظور ، لسان ، 1 / 758 - 760 . ويبدو ان هذه التعابير كانت مستخدمة لدى أهل اليمن . انظر بيستون ، المعجم ، ص 99 ؛ إسماعيل ، اللغة ، ص 247 ؛ الربايعة ، عبادة ، ص 44 .
(17) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ) ، جامع البيان في تفسير القرآن ، ط 3 ، (بيروت : دار المعرفة ، 1978) ، 6 / 48- 49 .
(18) ابن الكلبي ، الأصنام ، ص 33 .
(19) العتيرة : الشاة ذبحها وهي أول ما ينتج كانوا يذبحونها لآلهتهم والعتيرة التي كانت تعترها الجاهلية هي الذبيحة التي كانت تذبح للأصنام ويصب دمها على رأسها .
ابن منظور ، لسان ، 4 / 537 .
(20) ابن الكلبي ، الأصنام ، ص 42 .
(21) ابن الكلبي ، الأصنام ، ص 46 .
(22) المصدر نفسه ، ص 13 ، 50 - 51 .
(23) ابن الكلبي ، الأصنام ، ص 9 ، 27 ، 28 ؛ ابن هشام ، السيرة ، 1 / 102 .
(24) ابن الكلبي ، الأصنام ، ص 6 ؛ ابن هشام ، السيرة ، 1 / 101 .
(25) ابن الكلبي ، الأصنام ، ص 8 ، 54 .
(26) ابن الكلبي ، الأصنام ، ص 55 - 58 ؛ انظر لوحة رقم (10) .
(27) المصدر نفسه ، ص 27 .
(28) انظر جدول رقم (1) ، الآلهة تسلسل (48) ، (63) ، (68) .
(29) ابن الكلبي ، الأصنام ، ص 6؛ الأزرقي ، تاريخ ، 1 / 116 ؛ ابن هشام ، السيرة ، 1 / 101 ؛ أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774هـ) ، البداية والنهاية ، تقديم محمد عبد الرحمن المرعشلي ، ( بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1977) ، 2 / 156 ؛ تقي الدين محمد بن أحمد الحسيني الفاسي المكي (ت 832هـ) ، العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ، تحقيق محمد عبد القادر أحمد عطا ، (بيروت : دار الكتب العلمية ، 1998) ، 1/298 ؛ محمود شكري الآلوسي البغدادي ، بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب ، تصحيح محمد بهجت الاثري ، ط 2 ، (بيروت : دار الكتب العلمية ، 1314هـ) ، 2/200 ؛ الحوت ، المثيولوجيا ، ص 27 .
(30) سورة الأعراف ، الآية 19- 27 ؛ أحمد بن اسحاق بن جعفر بن وهاب بن واضح اليعقوبي البغدادي (ت 292هـ) ، تاريخ اليعقوبي ، تعليق خليل منصور ، (بيروت : دار الكتب العلمية ، 1999) ، 1/ 7؛ الطبري، تاريخ ، 1/106 ما بعدها .
(31) سفر التكوين ، 4 :1-9 ؛ الطبري ، تاريخ ، 1 / 138 .
(32) اليعقوبي ، تاريخ ، 1 / 13 ؛ الطبري ، تاريخ ، 1 / 166 وما بعدها .
(33) سورة نوح ، الآية 26 ؛ الطبري ، تاريخ ، 1 / 179 وما بعدها ؛ أيضاً ، التفسير ،29 / 62 – 63 .
(34) سورة هود ، الآية 40 .
(35) سورة نوح ، الآية 23 ؛ الطبري ، تفسير ، 29 / 62 .
(36) كان أبوه كبير الكهنة وأخوه توفي وهو يطفئ النار التي اشتعلت في المعبد ؛ انظر الحوت ، المثيولوجيا ، ص 25 .
(37) سورة البقرة ، الآية 125 ، 158 ؛ سورة آل عمران ، الآية 97 ؛ سورة المائدة ، الآية 97 ؛ سورة الحج ، الآية 29 ؛ سورة الأنفال ، الآية 35 ؛ سورة قريش ، الآية 3 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|