المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6857 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
نظريات التعلم / الدرس الثاني
2024-12-19
نظريات التعلم / الدرس الأول
2024-12-19
العدد الأمثل من نباتات الرز بوحدة المساحة
2024-12-19
طرق العلاج والوقاية من الجُبن
2024-12-19
دوافع الجُبُن
2024-12-19
الآثار السلبية للجُبن في حركة الحياة الفردية والاجتماعية
2024-12-19

صيغ الإقرار
2024-06-04
أصناف المستحقين
5-10-2018
شروط الصوم
6-12-2016
ومن يتق الله يجعل له مخرجاً
21-8-2017
Preparation and uses of Silver Nitrate
28-12-2018
أقل الامرين احوط وأولى
4-6-2019


العصر الاشوري الحديث  
  
2052   06:22 مساءً   التاريخ: 12-1-2017
المؤلف : عبد العزيز صالح
الكتاب أو المصدر : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق
الجزء والصفحة : ص503-518
القسم : التاريخ / الامبراطوريات والدول القديمة في العراق / الاشوريون /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-1-2017 3603
التاريخ: 24-10-2016 1762
التاريخ: 24-10-2016 1662
التاريخ: 26-10-2016 4280

 

اكتفت آشور بحدودها الضيقة تحت ضغط الآراميين حتى تزعمها أشوردان "932 - 912ق. م"، فنهضت في عهده، وتأهبت لمكافحة الآراميين شرقًا وغربًا. ثم اشتدت عزائمها في عهد ولده أداد نيرارى الثاني "911 - 890ق. م" الذي علت شهرته على شهرة أبيه، ووصفت نصوصها الآراميين حينذاك بأنهم أهل براري(1). ويبدو أن أولئك الآراميين الشرقيين وإن أخذوا بحضارة بلاد النهرين واطمأن بعضهم إلى حياة الاستقرار والزراعة، واستطاعوا أن يرهبوا دولة آشور فترة طويلة وكادوا يسيطرون على مسالك تجارتها، إلا أنهم ظلوا متخلفين حضاريًّا إلى حد ما، وظلوا يؤثرون النظام القبلي والتركز في إمارات منفصلة عرفت كل منها -كما مر بنا- باسم بيت كذا وبيت كذا، فشجع تفرقهم الآشوريين على الاستمرار في محاولة إخضاعهم كلما توفر لهم زعيم يستثير همهم، وهكذا تتبعوهم عامًا فعامًا في عهد أداد نيراري في منطقة طور عابدين حيث توزعت إمارات خوريزانا وجيدرا ونصيبينا، وفي وادي الخابور.

وبعهد هذا الملك أداد نيراري، بدأ عصر جديد طويل عرف اصطلاحًا باسم العصر الآشوري الحديث، أو عصر الاتساع الآشوري الكبير، وقد استمر نحو ثلاثة قرون من 911 إلى 612ق. م، وشهد مرحلتين عظيمتين من مراحل القوة والازدهار والتوسع توسطتهما فترة ركود وساعد آشور على التوسع في المرحلتين أن أغلب شعوب الشرق القديمة مصر وبابل وإلام، كانت قد بلغت دور شيخوختها، وأن الجماعات المستحدثة في الشرق بقيت على تفرقها ولم تلم شملها، فانفسخ السبيل أمام آشور لتصول وتجول فيه حيث شاءت.

المرحلة الأولي:

وبدأ المرحلة الأولى أداد نيراري كما ذكرنا، ولم يتجه فيها إلى فتوح بعيدة، وإنما عمل على تثبيت قواعد حكمه واسترجاع الإشراف الفعلي لدولته على تخومها الغربية حول نهري الفرات والخابور، وإشعار أهل هذه التخوم، والآراميين منهم بخاصة، بسلطانه. ثم اتجه إلى تأمين حدوده الجنوبية، ولما تعارض سلطانه فيها مع سلطان بابل العجوز حاربها مرتين وغلبتها جيوشه في المرتين، وأتى نصره عليها بمعاهدة حدودية اعترفت بسيادته على أرض السواد من الخابور في الغرب إلى ما يجاور بغداد الحالية في الجنوب الشرقي.

وسار خلفه توكلتي نينورتا الثاني "890 - 884ق. م" الذي تميزت حوليات حروبه بما ذكرته من التفاصيل اليومية، على سياسته في إرهاب الآراميين، فكان من ضحاياهم في عهده قبيلة "بيت زماني" التي اتخذت أميدي حاضرة لها "وهي ديار بكر الحالية". وتتبعت جيوشه قبائلهم الجنوبية في وسط العراق وفيما بين دور كوريجالزو "عند أبواب بابل" حتى سيبار(2)، ثم اتجهت حروبه إلى الشمال بغية إرهاب الجماعات الجبلية والوصول إلى حدود يسهل احتلالها أو يسهل الدفاع عنها حسب مقتضيات الظروف.

ومنذ ذلك الحين اتجهت سياسة آشور إلى مثل ما سنه لها تيجلات بيليسر ابتداء من عصرها الوسيط من حيث توطيد سلطان الدولة على حدودها الغربية وإرهاب بابل من حين إلى آخر، وإخضاع القبائل الجبلية في الشمال الشرقي، ومحاولة السيطرة الكاملة على الطرق التجارية والحربية التي تتجه غربًا إلى الشام حيث المجد وحيث وفرة المنتجات وحيث المخارج البحرية. وشمالًا بغرب إلى جبال طوروس وآسيا الصغرى، مع محاولة إضعاف الفروع الآرامية الغربي التي استمرت في شرق سوريا وفي أوساطها وامتد نفوذها إلى موانيها البحرية.

وتميز من كبار القائمين على تنفيذ هذه السياسة في آشور ملكها آشور ناصربال الثاني "833 - 859ق. م" وكان من وجهة نظر المصالح الآشورية أعظم شخصية ضارية وضاربة في المرحلة الأولى من عصرها الحديث.

وقد ورث عن أسلافه الأقربين جيشًا محنكًا وسنة ثبتها هو وخلفاؤه، وهي: اضرب قبل أن تُضرب. وهاجم قبل أن تُهاجم، واجعل تنكيلك بأقرب خصومك عبرة يخشاها بقية أعداءك(3). وبهذا استمر زحف الجيوش الآشورية، التي استمدت قوتها من تعاون المقاتلين على ظهور الخيل فيها مع الرماة والمشاة المدججين بالسلاح، واستخدام أدواته حصار ناجعة كانت منها الكباش أو الثيران التي تقوم مقام الدبابات وهي ذات ست عجلات ومقدمة مدببة يبدو أنها كانت تدفع بقوة من بعيد لتنقب الحصون وتدكها، وأخرى كانت تقوم مقام العربات المصفحة يستتر الجنود فيها وينقبون الحصون وهم في مأمن من سهام العدو، وأبراج متنقلة ليصعد الرماة في داخلها إلى مستوى أسوار العدو، وما يشبه الخراطيم لإطفاء النيران التي يصبها العدو على آلات الحصار. وكان إخضاع الجيوش الآشورية لكل منافس من منافسيها يوسع من حدود دولتها، فتنساق بهذا إلى أعداء ومنافسين جدد ما يتطلب منها تكرار الإجراء نفسه. ويبدو أن إحاطة آشور بالأعداء والمنافسين من كل جانب قد زكى فيها مر العصور على روح التحدي وإظهار العنف في المعاملة وقسوة الانتقام، والرغبة في إشاعة الرهبة حولها وتعويض قلة أعداد أهلها.

أكدت نصوص آشور ناصر بال أنه تلقى جزى الخاتيين، وبلغ جبال لبنان، وغمس أسلحته في بحر أمورو العميق "أي البحث المتوسط" وتلقى الجزى من المواني والجزر "الفينيقية" الكبيرة: صور وصيدا وجبيل، ومحلاتا، ومايزا، وأمورو، وأرواد التي في البحر، وأنه صعد جبال لبنان، وجلب "وجلب رجاله" أخشاب الأرز والصنوبر من جبال خامانا "أي أمانوس" لمعابد سين وشمش ربي النور، ولاستخدامها في قصره. وامتازت الروايات التي أثبتت على لسانه في حولياته بحيوية فياضة وتفاصيل ممتعة ظهرت بوادرها في حوليات أبيه كما أشرنا، ويقول فيها. أرسلت إلى كذا، وجعلت كذا على يساري, وعبرت نهر أورانتو مثلًا "أي نهر العاصي" وقضيت الليل على ضفافه واحتفلت بعيد كذا في قصر كذا .... (4)، وغالبًا ما كان يفخر بعبوره نهر الفرات في قمة فيضانه مع جيشه الكبير على ناقلات، وأصبح مثل هذا الفخر عبارة تقليدية رددتها نصوص خلفائه. وسجلت مناظر عهده عبور الفرات هذا، فصورت نقل العربات على العابرات، وسباحة الجند بجانبها، واستعانتهم على تعويمها بقرب منفوخة من جلود الماعز، وصورت نقل الملك بعربته في قارب خاص، وسباحة الخيول طليقة أو النهر أو مع إمساك جنود القوارب بإعانتها(5).

وصبغت نصوص هذا الفاتح الآشوري حروبه وانتصاراته بطابع القسوة الشديدة فتحدثت عن أن رجاله كانوا يسلخون جلود كبار الأعداء أحياء ويثبتوتها على آثارهم وأبواب عاصمتهم بالمسامير، وكانوا يعذبون بعضهم على الخوازيق ويقطعون أيديهم ويجمعون جماجمهم في أكوام، ثم يحرقون مئات الأسرى ولا يستثنون النساء، ويجدعون أنوف آخرين ويصلمون آذانهم ويبترون أصابعهم ويفقئون أعينهم، وإن لم تمنع أمثال هذه المعاملة آشور ناصر بال من أن يشيد بفضل أربابه في تأييده، ويكرر اهتمامه بتقديم القرابين إليهم وحرصه على تخصيص أخشاب أرز جبال أمانوس لإبهاء احتفالات معابدهم.

ولسنا مضطرين بطبيعة الحال إلى التسليم بحرفية هذين الضدين من المعلومات، ففي كل منهما مبالغة، مبالغة في تصوير القسوة لتكون عبرة، ومبالغة في تصوير التقوى للتغطية على الأخطاء. وما ينطبق من حكمنا هذا على نصوص آشور ناصر بال ينطبق على نصوص غيره من الملوك القدماء.

ويفهم من حوليات هذا الملك أن عملية توطين الآشوريين في المدن المفتوحة ليصبحوا سادتها والمنتفعين بخيراتها وليخمدوا نشاط زعمائها ويكونوا عيونًا عليهم لدولتهم، قد سبقت عهده؛ إذ تحدث أحد نصوصه عن أن جماعة منهم توطئوا في منطقة جبلية شمالية قد أخذهم الغرور وابتغوا أن يتسعوا لحسابهم في المناطق القريبة منهم فعاملهم بقسوة لا تقل عن معاملته لأعدائه الأجانب(6). وترك أخيرًا ملكًا موطدًا وترك معه قصرًا عظيمًا في كالح "نمرود" التي اهتم بها اهتمام شلما نصر الأول من قبله ويبدو أنها كانت تعتبر مصيفًا ملكيًّا(7)، ولا تزال بقايا قصره فيها من أروع المصادر لفن النقش في عهده مما سنعود فيما بعد إلى ذكره.

استفاد شلما نصر الثالث "شلمانواشاريدو" "859 - 824ق. م" من جهود أبيه آشور ناصر بال وحمية دولته، واستطاع أن يسود غرب آسيا من الخليج العربي حتى جبال أرمينيا، ومن الحدود الميدية حتى سواحل البحر المتوسط(8). ولم يكن أقل اعتزازًا بجبروته من أبيه، فوصفته نصوصه بأنه الأفعوان الكبير أوشوم جال(9) وكان لقب الأفعوان الكبير يوصف به الأرباب وتلقب به حمورابي ثم انتحله الملوك الآشوريون، ولعل فيه بعض الشبه بالصل الملكي المصري، وأنه طحن أعداءه جميعًا كما لو كانوا من صلصال. وأنه المقتدر الذي لا يعرف الرحمة في الحروب ... إلخ. وقد ساعدته الظروف فتدخل في مشكلات عرش بابل، ولم يكن ذلك بغير ثمن لصالحه وصالح دولته، فقد أصبحت له اليد العليا على صاحب عرشها بعد أن ناصره، وسمح له ذلك أن يتعداها بجيوشه إلى كلديا حتى الخليج العربي ويتلقى هدايا ملوكها "أو جزاهم على حد تعبير نصوصه" وقد روت قوله عنها: "هبطت إلى كلديا وقهرت مدنها وسرت حتى البحر الذي يسمونه البحر المالح "الخليج العربي"، وتلقيت في بابِل جزية أديني بن داكوري من الفضة والذهب وخشب أوشو العاج ... " وصور فنانوه جزية بيت داكوري هذه يحملها أهلها بين صفوف النخيل ويشرف عليها حراسه وكتبته. وسجلوا صورها على أبواب قصره المكسوة بصفائح البرونز في يلاوات(10).

وروت نصوصه في اتجاهه بجيوشه ناحية الشمال، أنه اكتسح أرض "مات" خاتي كلها وجعلها تلالًا خربة كأنما اكتسحها فيضان. ولعلها أرادت بمات خاتي هذه أطراف العراق القريبة من آسيا الصغرى، أو المناطق التي انتشر بقايا الحيثيين القدماء فيها بعد أن شتتهم أعداؤهم حول قرقيش (11)، وكان أبوه قد ادعى قتالهم أيضًا. واعتز شلما نصر بزيارته منابع دجلة في الشمال، وقالت نصوصه على لسان: "وبلغت منبع دجلة بحيث ينبع الماء، وغمست سلاح آشور في مياهه ... ، وأقمت حفلًا سعيدًا، وأمرت "بنقش" نصب باسمي وصورتي". وصور الفنانون هذه الزيارة على أبواب قصره، وهي زيارة اعتبرها L.W.King لأحد روافد دجلة العليا المسمى بالكاليم سو (12). وعلى مقربة من هذه النواحي، ذكرت نصوصه حملة له على أورارتو "أورارتي"، وهو اسم أطلقه الآشوريون فيما يحتمل على المنطقة التي سماها أهلها بياينياس شمال آشور وفيما يتركز حول بحيرة فان الحالية وجبال أرارات شرق آسيا الصغرى، وكانت النصوص الآشورية قد بدأت ذكرها منذ عهد شلما نصر الأول في القرن الثالث عشر ق. م، ولكنها زادت في عهد سميه شلما نصر الثالث فذكرت ملكًا من ملوكها، ثم عادت بعد فترة فذكرت اسم سيدوري قائد أورارتو، وهو اسم ذكرته أقدم نقوش الأورارتيين أنفسهم بلفظ "ساردوري"، ويبدو أن شلما نصر قد أحرز بجيوشه نصرًا هناك مما خلع عليه شيئًا من القداسة وسمح لفنانه بأن ينقش ما يصور تقديم القربان لصورته على سفح جبل قريب من بحيرة فان(13).

وكانت لشلما نصر، أو لجيوشه بمعنى أصح، قصة طويلة مع سوريا، امتازت نصوصه عنها بتضمينها عدة أسماء لا تزال حية في أسماء مدتها ومواقعها مع تحريفات وتصحيحات يسيرة مثل أسماء: خالمان عن حلب، وأماة عن حماة، ودمشقي عن دمشق، وخاوراني عن حوران، وأرانتو عن نهر الأورنت "العاصي"، وخمري عن عمري، وقرقرة عن قرقر، وعمون ... وما إليها. غير أن الأهم من ذلك هو تضمينها اسم أريبو أو عريبو بمعنى العرب، وأعراب البادية بخاصة، لأول مرة في النصوص القديمة المعروفة، واسم جنديبو تحريفًا لاسم أمير عربي يدعى جندب أو جندبة، واسم أخابو تحريفًا للاسم العبري أخأب أو أحأب.

وتجرأ شلما نصر على مهاجمة دمشق، أكبر الإمارات الأرامية العربية، بعد أن أرهب هو وأبوه الإمارات الأرامية الأخرى التي توزعت بين الفرات وبين قلب الشام ولكن دمشق لم تكن صيدًا سهلًا على الرغم من طول منافساتها مع جيرانها من الأراميين والعبرانيين، فعزمت على الوقوف في وجه جبروت الآشوريين، وجمع أميرها أداد إدري "هداد عذيري؟ " الأحلاف حوله من أهل الشام ومن العرب أو الأعراب ومن العبرانيين الذين تناسى معهم ضغائنهم القديمة في سبيل مواجهة عداء الغزو الآشوري العنيف، وخف بهم إلى قرقر حيث ضم إليه أميرها وجيشه.

وعبرت نصوص شلما نصر عن لقائه "أو لقاء قواته" مع أولئك الأحلاف بتعبيرات مسرفة ولكنها طريفة ولا بأس من الاستشهاد ببعضها كنموذج لأمثالها. فقد روت على لسانه ما يقول: " .... حينما اقتربت من حلب خالمان خشي "أهلها" الحرب وارتموا على قدمي، فتلقيت جزاهم فضة وذهبًا وضحيت أمام أداد حلب، ورجعت من حلب وبلغت مدينتي إرهوليني الحموي، فهاجمتها وهاجمت عاصمته أرجانا واستولت على جزاه وممتلكاته وحرقت قصوره، ثم واصلت المسيرة إلى قرقرة فدمرتها ومزقتها وحرقتها وكان "أميرها" قد استنجد بألفين ومائتي عجلة حربية، وألف ومائتي فارس وعشرين ألفًا من مشاة أداد إدري الأموري "الإمريشو أو الإمريشي"، وسبعمائة عربة فارس وعشرة آلاف من مشاة إرهوليني الحموي، وألفي عربة وعشرة آلاف من مشاة أخاب وأرض إسرائيل "؟ "  Akha-Ab-Bu Mat Siri-La-A-A  وخمسمائة جندي من قوى، وألف جندي من مصرى، ... وألف "راكب" جمل من جنديبو الأريبي "أي جندب أو جندبة العربي"، و .... ألف من بأسا بن روهوبي العموني ... ، "وكلهم" اثنا عشر ملكًا تأهبوا لملاقاتي في معركة حاسمة، فقاتلتهم بقوات آشور العظيمة التي هيأها لي مولاي آشور، وبالأسلحة التي قدمها لي مرشدي نرجال ... ، وأوقعت بهم الهزيمة بين مدينتي قرقرة وجيلزاو، وذبحت ألفًا وأربعمائة من جنودهم بالسيف، وانحططت عليهم انحطاط أداد حين يرسل عواصفه الممطرة مدرارًا، وبعثرت جثثهم "في كل مكان"، وملأت السهل كله بهم، وأجريت دماءهم ... ، وضاق السهل عن نزول أرواحهم "إلى العالم السفلي"... ، وجعلت جثثهم معبًرا لي على نهر الأرانتو "الأورنت" ...

وهكذا أكد شلما نصر انتصاره على خصومه الأراميين وحلفائهم في موقعة قرقر حوالي عام 833ق. م ولكن كانت هذه من المرات النادر بمحض الصدفة التي سجل الأراميون فيها وجهة نظرهم في مواجهة آشور، وقد أكدوا فيما سجلوه عنها أنهم أحرزوا فيها نصرًا كبيرًا. ولن نملك إزاء تضارب المصدرين إلا أن نفترض أن موقعة قرقرة لم تكن حاسمة أي طرف من الطرفين، لا سيما وأن الكتبة الآشوريين قد أعادوا ذكر انتصار ملكهم وتغنوا به مرارًا وتكرارًا في نقوش قصوره وعلى العمد والنصب، وذلك مما يعني تكرار حروب الأراميين معه، أو هو يعني تقديرهم الكبير لقوة الأراميين وحلفائهم واعتبار النصر عليهم، أي نصر، كسبًا كبيرًا ومجدًا عظيمًا. ويبدو أن الحلف الذي استشهدنا بروايته عن شلما نصر، لم يكن الحلف الوحيد الذي نجح الأراميون في تكوينه على الرغم من انسلاخ أخأب الإسرائيلي وقومه عنهم، فقد تحدثت النصوص الآشورية عن تحالف أداد إدري مع أمير حماة واثني عشر ملكًا نسبتهم إلى ساحل البحر حينًا، وإلى ساحل البحر الأعلى والبحر الأسفل حينًا آخر، وضمت إليهم كل ملوك خاتي مرة ثالثة، ثم جعلتهم خمسة عشر ملكًا مرة رابعة. وتبارى الكتبة الآشوريون في تضخيم أعداد قتلى خصومهم الأراميين فيما بين العام السادس والعام الرابع عشر من حكم ملكهم، فتارة هم ألف وأربعمائة، وتارة خمسة وعشرون ألفًا، وتارة عشرون ألفًا وخمسمائة، وتارة عشرون ألفًا وتسعمائة ... إلخ. وعلى أية حال فلم تهن عزيمة دمشق ومن بقي على الولاء لحلفها إلا بعد أن مزقتها الأطماع الداخلية، فاغتيل أداد إدري، وولي بعده حزائيل، وكان ذا كفاية حربية مثله، وإن كانت النصوص الآشورية قد ادعت أنه مجهول الأب.

وروى شلما نصر قصته مع هذا الأمير الجديد قائلًا: "وهلك أداد إدري، وأصبح حزائيل أميرًا على دمشق ... وفي العام الثامن عشر من حكمي عبرت الفرات للمرة السادسة عشرة وكان حزائيل الأموري "خزائيل الأمريشو" قد اطمأن إلى جيشه الكثيف وتحصن في جبل سنر "سا-ني-رو" المواجه للبنان فقاتلته وأنزلت به الهزيمة وقتلت 16000 من رجاله بالسيف، واستولت على 1211 عربة، و470 جوادًا، وسيطرت على معسكره ولكنه فر بنفسه فتتبعته إلى دمشق عاصمته وقطعت بساتينها ... ، وواصلت المسيرة حتى جبال حوران "شادي مات خاوراني" مدمرًا وممزقًا ومحرقًا مدنًا لا عد لها ومستوليًا على أسلاب لا حصر لها ... ، ووصلت حتى جبال بعلي رأسي بجانب البحر وأقمت هنا نصبًا بصورتي، وتلقيت حينذاك جزى أهل صور وصيدا وياهو بن "أو أمير" عمري.

ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة بين الآشوريين وبين حزائيل، وإنما تكرر لقاؤهما مرات وكانت إحدى هذه المرات في العام الحادي والعشرين من حكم شلما نصر. وترتب على إضعاف دمشق أخيرًا ما يسر للآشوريين بسط سلطانهم على الإقليم الواقع شماليها والممتد فيما بين الفرات وبين البحر المتوسط.

وروى ملكهم هذا الأمر بأسلوبه فقال في نصوصه: "اكتسحت مدن أرض أمورو العليا فكانت تلالًا في مهب الريح العاصمة وسرت منتصرًا على طول شاطئ البحر الكبير"(14). ويبدو أن مواني فينيقيا آثرت السلامة حرصًا على أمنها التجاري، فراسلت شلما نصر بهدايها واحتراماتها، وإن كان فنانوه قد اعتبروا هذه الهدايا جزى وأسلابًا، فصورا على أبواب قصره هيئة ميناء صور فوق جزيرة صخرية وسط البحر تنتقل منها قوارب الجزى حتى الشاطئ حيث يساعد على رسوها رجال يجرونها بحبال، ثم صوروا حمولتها تنقل تحت إشراف الحرس الآشوري إلى حيث يستقبلها الملك بنفسه(15). وهناك نحت الآشوريون لملكهم نصبًا تاريخيًّا في سفح جبل يجاور نهر الكلب قرب بيروت، إلى جانب لوحة تاريخية ضخمة للفرعون المصري رمسيس الثاني(16). ثم ضمن الفنانون أغلب أحداث عصرهم نقشًا وتصويرًا على عمود أسود ذي أربعة أوجه يقل قطره إلى أعلى على هيئة جسم المسلة، لولا أن قمته شكلت على هيئة ثلاث درجات صغراها هي أعلاها "على عكس المسلات المصرية المدببة الطرف"، وشغلوا وجوهها الأربعة بنقوش وصور قليلة البروز للغاية، ووزعوا مناظرهم عليها في أربع وعشرين لوحة ضمنوها صور الأسلاب والغنائم والجزى وخضوع الأعداء، وعندما أرادوا أن يعبروا عن خضوع إسرائيل لملكهم صوروا ملكها ياهو بن عمري "وهو في الواقع ليس من بيت عمري وإنما ولاه الكهنة بعد انهيار بيت عمري" ساجدًا بين يدي الملك ويشرف عليه من عل رمز المعبود آشور ورمز المعبود شمش، وكأن خضوعه لم يكن للملك وحده وإنما لأربابه أيضًا. وتضمنت مناظر الغنائم وحدات تقليدية من حملة الجزى وبيئات الصيد، ومن أطرافها تصوير جمال ذات سنامين "من بكتريا"، وفيلة من منطقة مصرى في سوريا، وقردة بوجوه بشرية مفتعلة(17).

نهاية مرحلة:

ادعت نصوص شلما نصر الثالث فيما ادعته، أنه قاد اثنتين وثلاثين حملة خلال فترة حكمه التي امتدت خمسة وثلاثين عامًا ولكن نشبت في نهاية عهده فترة ضعف بدأت بخروج ولده عليه بسبب ما هضمه حقه في ولاية العهد وتخطيه إياه إلى أخيه الأصغر شمشي أداد الخامس، ثم حدوث حرب أهلية استمرت نحو ست سنوات. وظلت آشور نحو ثلاثة أرباع القرن من الزمان "824 - 745ق. م" تتلقى ضربات جيرانها الآراميين والبابليين والميديين والسوريين والفلسطينيين والعبرانيين حينًا، وتضربهم حينًا آخر، ولكن بغير نتائج حاسمة لها أو لجيرانها. وظل ملوكها يدعون أنهم تلقوا خضوع أمراء أركان الدنيا الأربعة من مشرق الشمس عند البحر الكبير إلى مغرب الشمس عند البحر الكبير، ولكن بغير دليل صحيح بل حدث على العكس من ذلك وفي عهد شمشي أداد الخامس بالذات أن تجرأ أهل أورارتو "أرارات وبحيرة فان" فاتجهوا جنوبًا بشرق حتى الحدود الآشورية وسجلوا هناك نصبًا بانتصارهم لكل من لغتهم الخاصة وباللغة الآشورية وفرضوا الجزية على ميليتيا أو ملاطية الحالية وما يجاورها.

واحتفظت روايات المؤرخين الإغريق فيما سمعوه عن هذه الفترة وقصة محورة لملكة أطلقوا عليها اسم "سميراميس" تحريفًا فيما يبدو للاسم الآشوري "سمورمات" أو "شميران" وكانت وصية على ولدها أداد نيراري الثالث من زوجها شمشي أداد الخامس رووا أنهم سمعوا أسطورة تقول بأن أمها كانت آلهة تعبد في عسقلان قرب البحر ويرمز لها بصورة نصفها سمكة ونصفها حمامة ولما ولدت ابنتها على هيئة بشرية سوية تركتها للحمام يرعاها، فلهذا سميت محبوبة "رمات" والحمام "سمو" ثم عثر عليها كبير رعاة ملك آشور ورباها وتزوجها حاكم نينوى "أونيس" ولكن ملك آشور العظيم "نينوس" طمع فيها وأجبر زوجها على التخلي عنها فانتحر، ولجأت هي إلى الحيلة تنتقم له ولنفسها، فمكرت بالملك الغاضب وطلبت منه أن يعهد إليها بالعرش والسلطان خمسة أيام فرضي واستغلت هي سلطانها المؤقت وأمرت بسجن الملك ثم قتلته واستأثرت بالعرش بعده أكثر من أربعين عامًا.

أما من حيث الواقع فقد استطاع أداد نيراري الثالث "810 - 783ق. م" بعد أن صلب عوده وانتهت وصاية أمه عليه أن يحافظ على القليل الباقي من إرث أجداده وساعده الحظ فهادته أو تمسحت بسلطانه الأسمى بعض إمارات فلسطين ومنها منطقة إيدوم، ويبدو أن غيرتها من جارته دمشق قد رمتها في أحضانه، وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هي أن زادت العزلة على دمشق وزادت وهنًا على وهن، وفي هذه الظروف روى كتبت الملك الآشوري أنه أخضع أرض أمورو وأرض عمري وإيدوم وفلسطين "بالاستو، بالاشتو"، وأن ملك دمشق اضطر إلى أن يعتبر نفسه تابعًا له وقدم له جزاه في قصره بدمشق. ويبدو أن مهادنة دمشق له كان لها ظل من الحقيقة فعلًا منذ عام 802ق. م(18).

أما في الشرق والشمال فكان أهم ما تضمنته نصوص أداد نيراري الثالث هذا من أسماء الأقوام التي تلقى جزاها "أو وصلته متاجرها وهداياها بمعنى أصح" اسم أرض الماذيين وفارس "باراسو"، وسوف يكون لهؤلاء وهؤلاء على الترتيب أثر وأي أثر في مستقبل آشور البعيد ومستقبل بلاد النهرين كلها.

ولكن ما لبثت الفتن الأهلية أن عادت بعد عهده، ومزقت وحدة آشور وأضعفت هيبتها، فأفلت منها ما كان قد هادنها أو والاها من بلاد الشام، وتراجعت الجيوش الآشورية مدحورة أمام تقدم نفوذ سارديوس وأرجستوس حاكمي أورارتو، وابتدأت أسباب التقارب بين البطائح الجبلية الشمالية والشمالية الشرقية وبين الماذبين، وانتهزت بابل المغلوبة على أمرها الفرصة فاستعادت انفصالها عن العجلة الآشورية، وإن ظلت على حالها من الضعف القديم.

وفي حمأة هذه المشكلات الداخلية والخارجية سجلت النصوص الآشورية حدوث كسوف كلي للشمس وافق عام 763ق. م، ورتبت عليه ما شاءت من تعليقات عقائدية وخرافية(19). وفي هذه الظروف كذلك طويت صفحة المرحلة الأولى من العصر الآشوري الحديث.

مرحلة الأمجاد الأخيرة من العصر الآشوري الحديث:

بدأت المرحلة الثانية للتوسع الآشوري الحديث في عام 745ق. م بولاية تيجلات بيليسر الثالث، الذي ذكرته النصوص البابلية باسم "بولو". ويحتمل الاسمان أكثر من تفسر واحد، فقد يكون اسم بولو هو اسمه الشخصي ويدل بهذا على أنه لم يكن من صلب البيت الحاكم أصلًا، وإذا صح هذا أمكن افتراض أنه كان من قادة الجيش نظرًا لما تجلى من مهاراته الحربية فيما بعد، ولما اعتلى العرش تيمن باسم الفاتح القديم تيجلات بيليسر وتسمى باسمه، أو يكون اسم بولو مجرد مرادف بابلي اخترعه البابليون له لغرض ما في نفوسهم.

وأراد الحاكم الجديد تيجلات بيليسر أن يثبت قوة شخصيته وأن ينتشل آشور من وهدتها، فاتجه بفتوحه إلى حيث اعتاد الملوك العظام من قبله، وبدأ ببابل القريبة منه فهيمن عليها بعد مشقة وعهد بأمرها إلى صنيعة له يدعى نابو نصر، ثم اتجه بجيوشه إلى سوريا وبعد حروب عامين استعاد أغلبها للنفوذ الآشوري وأراد أن يعقب على ذلك بمواجهة سارديوس أمير أورارتو، ولكن دمشق التي خضعت له على مضض أعلنت ثورة عنيفة ضده عام 739ق. م، فأصبح يضرب بجيوشه في الجبهتين واستطاع أن يوهن أورارتو، ولكنه كان أكثر ضرابًا في الشام، وذكرت نصوصه من بلدانها إلى جانب الأسماء القديمة التي رددتها نصوص أسلافه، أسماء عسقلان ومؤاب وغزة التي لجأ حاكمها إلى مصر. ثم تدخل في مشكلات العبرانيين... عليهم هوشع ملكًا بعد أن خلعوا ملكهم، وجعله صنيعة له بينهم(20).

والتفت الرجل إلى بابل مرة أخرى، وكانت قد شهدت تنافسًا مسلحًا على عرشها، بعد وفاة نابو نصر العميل الآشوري فيها. وظهر من أشد المتنافسين على حكمها مردوك أباب إدين الثاني الذي ذكرته التوارة باسم مرداك بالادان. فانحطت جيوش تيجلات على المتنافسين وأجبرت مردوك أباب إدين على الفرار، وخضعت بابل للحكم الآشوري المباشر، ثم تقلد تيجلات تاجها وخلع على نفسه ألقاب ملوكها ولا سيما لقب ملك سومر وأكد، في عام 729 أو 728ق. م.

واتبع تيجلات بيليسر أربع وسائل لتثبيت قبضته على أطراف دولته وممتلكاتها، وهي: تعيين حكام آشوريين على مدنها الكبيرة دون الاكتفاء بحكامها المحليين، وإيفاد مندوبين فوق العادة لتفقدها وتنفيذ مطالب دولته منها، وربما كان من أولئك المندوبين من يلقبون بلقب رابشاق الذي ذكرته بعض قصص التوارة(21)، وفرض عبادة الرباب الشوريين على بعض أهل المدن العنيدة "مثل غزة" ثم تشريد أغلب أهل المناطق المفتوحة الخطرة، وتهجير أغلب الأيدي العاملة منهم إلى بلاد أخرى بعيدة عنها، حتى لا تقوم لبلادهم قائمة، مع إحلال غيرهم من مناطق بعيدة محلهم حتى يضغطوا على السكان الأصليين أو يظلوا بينهم أغرابًا مستضعفين، وتهجير بعض آخر إلى دولة آشور نفسها حتى يظلوا تحت إشراف حكامها وحتى يمكن استغلالهم في خدمتها استغلالها مباشرًا، فضلًا عمن يستعبدون منهم استعبادًا تامًّا عند خاصة أهلها.

وكان من هذا القبيل أن أمر في عامه الثالث بتجهيز ثلاثين ألفصا وثلاثمائة شخص من سكان المنطقة السورية التي تمتد بين حماة وبين البحر إلى منطقة تسمى كو ... ، وتهجير 1223 آخرين إلى منطقة تدعى الأبا(22) ويبدو أنه أحل محلهم سكانًا جلبهم رجاله من منطقة لولومو في جبال زاجوراس ومن ناييري قرب بحرية فان. وهجر بأمره في عام آخر عدد كبير من أهل "بيت خومريا"(23) أي أرض عمري في منطقة العبرانيين، إلى آشور. بل وروت نصوصه أنه هجر بأمره أكثر من مائة ألف من أنصار... في بابل نفسها بعد أن أخضعها لحكمه المباشر.

ومن أهم ما يرتبط بعهد تيجلات بيليسر، من وجهة النظر العربية، هو صدام جيوشه مع قبائل عربية كثيرة انتشرت على الطريق التجاري القديم في شمال شبه الجزيرة العربية بين البحر الأحمر وبين العراق. وذكرت نصوصه أسماء فريدة نتناولها في بحثنا لتاريخ شبه الجزيرة العربية فيما بعد، ومنها اسمان لمملكتين أطلقت على كل منها لقب "ملكة أريبي" وهما: زبيبي "تحريفًا فيما يبدو عن زبيبة" وقد ذكرت أنها أدت الجزية لآشور واعترفت بالطاعة لملكها، ثم سمسي "تحريفًا عن شمس" وذكرتها النصوص الآشورية في مناسبتين: مناسبة أدت الجزية فيها للملك الآشوري في بداية عهدها، ومناسبة أخرى قلبت له فيها ظهر المجن ونقضت إيمانها بالمعبود شمش، على حد تعبير النصوص الآشورية، فساعدت الأراميين أعداءه، وتركت رجالها يتعرضون لقوافله، فحاربها الآشوريون حتى أجبروها على الفرار وضيقوا على كثير من أعوانها حتى أهلكهم الجوع، فاضطرت إلى الإذعان وتأدية الجزية، ولكن الملك الآشوري لم يطمئن إلى إخلاصها فعين رقيبًا أو قيمًا على بلادها، ولقبه بلقب "قيبو" ليشرف على توجيه سياستها ويكتب إليه عن أمرها(24). ولم يكتف الآشوريون بأن يسجلوا نصرهم على الملكة شمس بالكتابة وحدها وإنما سجلوه تصويرًا ورمزا أيضًا "راجع فيما بعد". وأدرك تيجلات بيليسر أن أعراب الصحراء لن يتمكن منهم غير واحد منهم، فاستمال إليه بعض شيوخهم، وعين الشيخ أدبئيل مشرفًا على منطقة تدعى مصرى(25) يبدو أنها كانت قريبة من الحدود المصرية الشمالية الشرقية عند أطراف سيناء الشمالية الشرقية.

ولم يسلم أهل الشام للآشوريين وملكهم تيجلات بيليسر تسليمًا مطلقًا، وإنما انبعثت ثوراتهم من حين إلى آخر، وظلت مصر ملجأ للفارين من وجهه، مثل هانو أمير غزة "خانونو الخزاتي" وزادت هذه الثورات بعد وفاته، فثارت صور ضد ولده شلما نصر الخامس "727 - 722ق. م" واستعصمت بجزيرتها وأسوارها. وتطلع العبرانيون إلى عون مصر فأعانتهم، ولهذا امتد حصار جيشه لعاصمتهم السامرة "سامرينا" ثلاث سنين دون جدوى، في نفس الوقت الذي استنفذت فيه قوى بقية جيوشه في الشام في إخضاع صور. ولم تكن بابل أقل ضيقًا بالحكم الآشوري، فاستغل الأراميون الكلدانيون تذمرها وسعوا إلى استعادة عرشها.

وترتب على ذلك كله أن عرش آشور لم يستمر في أسرة تيجلات بيليسر الثالث غير جيلين, انتقل منها في عام 721ق. م إلى أسرة شروكين الثاني أو سرجون الثاني على حد شهرته في الكتب التاريخية، وهو رجل لم يكن أقل كفاية من سميه شروكين الأكدي القديم.

كان من المشكلات التي واجهت سرجون الثاني في بداية عهده أن انتهز مردوك أبال إدين كبير بيت باكين الكلداني فترة البلبلة التي صحبت تغير الآشورية المالكة، فاستعان بقوات عيلامية على استرداد سلطانه على بابل، وهزم الجيوش الآشورية بمعاونتهم وأعلن نفسه ملكًا في نفس العام الذي اعتلى فيه سرجون عرش آشور أو بعده بعام واحد. وتحالف روزاس ملك أورارتو "وخليفة سارديوس" مع الماذيين في إيران في جانب، ومع الفريجيين في آسيا الصغرى "أو الموشكيين على حد تعبير النصوص الآشورية" في جانب آخر، وبدأ الأحلاف يعملون لحسابهم ويحطمون من بقي على الولاء لآشور من جيرانهم. وانحل الحصار الآشوري من حول السامرة واندلعت نيران الثورة في بقية بلاد الشام ابتداء من غزة حتى حماة وأرواد، وعاونتها مصر هنا وهناك.

وأجل سرجون أمر بابل وأورارتو وآسيا الصغرى والماديين أيضًا، وبدأ بفلسطين فأخضعها بجيوشه وأتم فتح السامرة العاصمة الشمالية للعبرانيين وخربها وشرد أهلها وأنهى استقلال دولتها، مما سنعود إلى تفصيله والتعليق عليه بعد قليل. ثم أخذ يضرب بقواته شمالًا وشرقًا، ضد أهل أورارتو، وضد الماذيين، الذين روى أنه أسر ملكهم دايوكو، وضد أهل إقليم كيليكيا "خيلاكو" الذين حرضهم ضده ميداس الفريجي "أو مينا ملك موشكى".

وفرغ سرجون أخيرًا لمشكلة بابل بعد هزيمة جيوشه فيها باثني عشر عامًا أمام الكلدانيين والعيلاميين "الإلاميين". فانفرد بالكلدانيين الذين تركهم حلفاؤهم العيلاميون لمصيرهم، واسترجع التاج، وفر مردوك أبال إدين أمامه إلى الجنوب وأخذ معه أشراف بابل رهائن ليساوم بهم حين الحاجة. أما بابل نفسها فقد سلكت سبيل المدن المغلوبة على أمرها، ففتحت أبوابها لسرجون المنتصر، واعتبرته محررها، واستبدلت السيادة الآشورية بالسيادة الآرامية في عام 710ق. م. ولم يطل الصراع بين الآشوريين وبين الآراميين بعدها، فاجتاحت جيوش سرجون جنوب العراق وشردت بعض أهل بيت باكين وأحلت محلهم أسرى من أهل الجبال الشماليين، ولكن سرجون عفا عن زعيمهم مردوك أبال إدين واعتبره حاكمًا محليًّا في أرض الجنوب، سواء لإرضاء الآراميين. أو لإظهار نفسه بمظهر المترفع عن ملاحقته بعد أن أفقده عزه وشهرته.

وكانت لجيوش آشور في عهد سرجون جولات مع قبائل عربية، ذكرت نصوصه منها قبائل تمودي والسبئيين ومملكة سمسي مما سنعود إلى مناقشته في تفصيل عند معالجتنا لتاريخ شبه الجزيرة العربية.

واتبع سرجون طريقة تيجلات بيليسر في معاملة المدن المغلوبة، وهي تهجير عتاة أهلها وإحلال غيرهم محلهم ... هذا الإجراء الأخيرة في عهده أكثر مما وضح في عهد أسلافه، وكان يتخير "عن طريق أعوانه" المهجرين الجدد من مناطق متباعدة حتى لا تتحد كلمتهم عليه، ويتخير من صفوف المبعدين إلى آشور مشاة وفرسانًا يلحقهم بحرسه الخاص أحيانًا ليزيد ارتباطهم بشخصه بعد أن فقدوا ارتباطهم بوطنهم، ومن ذلك على سبيل المثال أن روت نصوصه أنه عمل على تهجير 27.290 من أهل السامرة العبرانيين إلى مناطق أخرى بعيدة مثل حران وضفاف الخابور وأطراف ماذي، وعمل على إسكان قوم آخرين مكانهم، بعد أن أمر بإعادة بناء السامرة إلى أفضل مما كانت عليه، وعين عليها حاكمًا جديدًا يؤدي الجزية إليه، وظل يرسل إلى أرضهم من شاء تهجيره من مشاغبي أهل البلاد الخاضعة، فأرسل إليها 715 من عرب البادية و709 من البابلين العصاة. وفعل بالمثل مع منطقة حماة، وتخير من أسراها 600 فارس من ذوي الدروع الجلدية والحرب وضمهم إلى حرسه الملكي، وهجر مكانهم إلى حماة 6300 آشوري. ويبدو أنه استن أوضاعًا خاصة للبلاد التابعة له عبرت عنها عبارات مختلة وردت على لسانه في سياق نصوصه، مثل قوله عن أهل أشدود "واعتبرتهم رعايا آشوريين وحملوا نيري" ومثل قوله عن مستوطنين آشوريين في قرقميش "وفرضت نير مولاي آشور فوق رقابهم"(26) أكثرت نصوص سرجون من ترديد أخبار انتصاراته على عدد ممن أسلفنا ذكرهم من خصومه العتاة لا سيما حكام حماة وقرقميش وأشدود وغزة، وقائد مصري دعته باسم سيبئه"؟ " فضلًا عن أراميي بابل وأمراء أورارتو. ولن نناقش هنا مدى الصحة في أخبار هذه الانتصارات ما دمنا لا نملك دليلًا للأسف على نقضها، فيما خلا حديثه عن مصر من بينها، ولكن حسبنا مما سنذكره عنها ما تنم عنه من صور الغليان في عهده وما تدل عليه من أن اتساع رقعة الدول كان يقتضي عينًا ساهرة على الدوام، وأن شعوب المدن المتحضرة في الهلال الخصيب لم تتقبل التوسع الآشوري راضية، وأن النجاح في بسط النفوذ عن طريق القوة الباطشة شيء، واستقرار أمور الدولة بعد اتساعها شيء آخر. وإن كان مما يعترف به لسرجون بالذات أنه كان سريع التصرف في مواجهة المشاكل ومتاعب الحروب، وأنه كان حريصًا على بث عيونه في أنحاء دولته ليكتبوا له باستمرار عما يجري فيها وما يتوقعونه منها. وتضمنت النصوص الآشورية أخبارًا طريفة عن أولئك الخصوم لا بأس من الاستشهاد ببعضها. فقد بلغ من حقدها على حاكم حماة أن اعتبرته حيثيًّا سوقيًّا ملعونًا مغتصبًا للعرش، وما ذاك إلا أنه حرض مدن أرواد وسميرا ودمشق والسامرة ضد الآشوريين وكون حلفًا يشبه حلف قرقر القديم، بل واتخذ قرقر بالذات مركزًا لنشاطه العسكري. ويحتمل أن مصر أيدته وعاونته. وعندما انتصر الآشوريون عليه سلخوا جلده. ووصفت النصوص الآشورية حاكم قرقميش بالوصف نفسه، فاعتبرته حيثيًّا خائنًا للعهود، وما ذاك إلا لأنه تعاون مع ميداس الفريجي "مينا الموشكي" على تحرير بلديهما من تدخل النفوذ الآشوري. واعتبرت النصوص نفسها أهل أشدود في فلسطين حيثيين أيضًا، وما ذاك إلا لأنه ملكهم امتنع عن دفع الجزية وحرض جيرانه على أن يفعلوا فعلته، فعزله سرجون وولى أخاه الصغير على عرشه، ولكن أهل أشدود كالوا له الصاع صاعين، فعزلوا صنيعته وطردوه وأمعنوا في مضايقته، وعينوا رجلًا من غير الأسرة المالكة؛ اعتبرته المتون الآشورية "إيونيا"(27) مغتصبًا للعرش وغير أهل له، ثم روت على لسان سرجون أنه جن جنونه عندما سمع بخبره، فلم ينتظر تجييش جيوشه وركب عربة مدنية وهرع بها هو وحرسه الخاص على حده قوله، واتجه فورًا إلى أشدود، ففزع الإيوني ولجأ إلى الحدود المصرية. وحاصر سرجون المدينة حتى سلمت له هي وجيرانها فغنم منهم ونهب وسبى وعين حاكمًا آشوريًّا على منطقتها ونقل إليها مهجرين من المناطق الشرقية واعتبرهم رعايا آشوريين(28). ولم تبرأ رواية سرجون عن كل ذلك من ادعاء وتهويل، فقد ذكرت رواية آشورية أخرى أن أهل أشدود حصنوا مدينتهم ضده وأحاطوها بخندق عميق يزيد عمقه عن عشرة أمتار، وراسلوا مصر وأمراء جنوب فلسطين وبعض جزر البحر، فخرج سرجون إليهم بجيش كثيف عبر به الدجلة والفرات إبان اشتداد فيضانهما الربيعي(29). وذلك مما يعني أنه لم يفلح في هجومه بحرسه الخاص الذي قص قصته في روايته السابقة، فارتد عن المدينة وعاد إلى بلده واستعان عليه ببقية جنده.

وكانت لسرجون قصة قصيرة مع مصر ذكرنا طرفًا منها في سياق التاريخ المصري "ص291، 293" حين استجابت مصر لنداء هانو حاكم غزة الذي لجأ إليها منذ عهد تيجلات بيليسر، وساعدته على تكوين حلف يناهض الآشوريون، وعهدت بمعاونته إلى قائدها ونائب ملكها، الذي أطلقت المصادر الآشورية عليه اسم "سيبئه"(30) ولقب تورنان "أوتورتانو، أوتارتانو"، وهو لقب عسكري وإداري كبير(31) ويبدو أنه كان يقيم في رفح. ولم تذكر المصادر المصرية شيئًا عن هذه الحادثة، ولكن الآشوريين رووا أنهم انتصروا على الحلف وأسروا حاكم غزة(32) ثم زادوا على ذلك فرووا أن الملوك المصريين النوبيين الذين ولوا عرش مصر في ذلك الحين "أولئك الذين لم يتعودوا أن يسألوا عن صحة أجداد سرجون" "اعتدادًا بأنفسهم واستهانة بالآشوريين" آثروا عدم الاصطدام به وتركوا الإيوني حاكم أشدود الهارب لمصيره(33).

وأضافت المصادر الآشورية اسمين أثارًا مشكلة عويصة، فروت أن ملكها تلقى جزى برءو "بوعو" ملك مصرو(34)، كما روت أنه تلقى اثني عشر جوادًا كبيرًا لا مثيل له هدية من شيلخيني "أوشلكاني" ملك مصرى، وأشارت معها إلى ما سمته باسم مدينة نخل مصر(35). ويبدو أن هذه الأسماء لم تكن لها صلة بمصر بمعناها المعروف حيث ذكرت النصوص الآشورية ذكرت اسم برءو "برعو" ملك مصر ومع رؤساء البادية مثل سمسي ملكة أريبي، وبثع أمر السبئي، وذلك مما قد يعني أن منطقة مصر كانت من مناطق البادية أيضًا، ويغلب على الظن أنها كانت قريبة من البحر الأحمر ومن الحدود المصرية وأنها نفس المنطقة التي روى شلما نصر من قبل أنه عين عليه الشيخ البدوي ادبئيل. أما اسم برءو فقد يكون تحريفًا لاسم شيخها البدوي في عهده. أو تكون تبعيتها القديمة لمصر قد أغرت الكتبة الآشوريين على اعتبار جزاها من جزى الفرعون المصري نفسه، وكان لقب ينطق في اللغة المصرية برعو فعلًا "وذلك على نحو ما اعتبروا جزى أو هدايا" ... العربية القريبة من حدودها والمتعاملة مع دولة سبأ من جزى الدولة السبئية الجنوبية البعيدة عنها تضخيمًا منهم لشأن ملكهم وامتداد سطوته ولو من قبيل المجاز". أما شيلخيني أو شلكاني ملك مصرى، فقد يكون اسمه تحريفًا لاسم عربي مثل سلحان، كما رأى الباحث ريكمان(36)، وليس اسًما لفرعون مصري كما ظن فيدنر(37) لا سيما إذا أضفنا أن مصر لم تشتهر بتربية الخيول الكبيرة التي أشارت إليها نصوص سرجون، وإنما كانت جيادها صغيرة الحجم نسبيًّا على الرغم من تهجينها بسلالة ليبية في العصور المتأخرة.

ويبقى اسم محل مصر، وهذا قد يترجم بمعناه الآشوري بمعنى قناة مصر، أو سيل مصر، ويدل بذلك على جزء من وادي العريش، أو جزء من خليج السويس، كما رأى بعض الباحثين، أو يدل على وادٍ قريب من رفح كما نم عن ذلك نص آخر(38)، أو يكون له بعض الصلة باسم قرية تخل الخالية في شبه جزيرة سيناء.

وكان أشد سرور سرجون من أمجاد عهده، هو سروره بولاء بعض حكام جزيرة قبرص له ورضاهم بإقامة نصب نقشت عليه صورته في جزيرتهم(39). وعبرت نصوصه عن هذه الحال بأسلوبها المبالغ، فروت أن ملكها أخضع سبعة ملوك من إقليم إيا في قبرص "إيادنانا" وسط البحر الغربي على مسافة سبعة أيام، وعلى مبعدة لم يسمع عنها أسلافه ... (40). ولم تكن آشور بالدولة البحرية التي تستطيع أن تمد نفوذها على قبرص بمجهود يمينها كما ادعت نصوص سرجون، وإنما يبدو أن حكام صور وصيدا الفينيقيين أرباب الملاحة والتجارة، كان لهم نفوذ كبير على جزء من الجزيرة، فلما دانت مدينتاهم صور وصيدا لنفوذ سرجون، سارعوا بالتالي إلى إعلان ولائهم في الجزيرة له حتى لا يتصدى أعوانه لعرقلة نشاطهم التجاري على سواحل الشام وفيما بينها وبين قبرص.

واحتفظ عهد سرجون برسائل إدارية تكشف عن مدى سيطرة دولته على أتباعها. وكان يبث عيونًا عليهم يكتبون إليه عن مدى تقاربهم وتباعدهم، ويحرص على أن يتلقى تقارير عيونه أينما ارتحل في أنحاء دولته الواسعة. فحدث أن زار بابل مرة "في عام 713ق. م" وعهد إلى ولي عهده سينا خريب بتدبير أمور عاصمته، فأرسل ولده إليه يطمئنه على استقرار أمور الدولة، وبدأ رسالته بما يبدأ به التابع العادي رسالته، قائلًا له: "إلى الملك سيدي، من سينا خريب خادمك، سلامًا لملك مولاي، الأمن سائد في آشور وفي المعابد وفي حصون الملك كلها، فليسعد قلب الملك مولاي تمامًا"(41). وشفع سينا خريب رسالته بتقرير مندوبيه ورؤساء حاميات الحدود قرب دولة أورارتو، وتحدثت هذه التقارير عن اشتباكات بين الأراميين وبين السميريين، وانتصار الأخيرين فيها، كما تحدثت عن زيارات ملوك المنطقة "في الشمال والشمال الشرقي" وأمرائها بعضهم لبعض(42). وكان سرجون لا يريد تقارب هؤلاء بعضهم من بعض، فنمى إلى قصره ذات مرة أن ملك أورارتو وأمراءه سيخرجون بعدد من قواتهم العسكرية بحجة زيارة مدينة موتساتسير المقدسة، فكتب ناظر القصر "نيابة عن مولاه" إلى أمير هذه المدينة يبلغه استياء مولاه من سماحه لأولئك الحكام بدخول مدينته بجنودهم دون استئذانه، ولكن رد عليه أمير متساتسير بأنه لن يمانع في زيارة ملك آشور لمدينة بعسكره، فكيف يمنع ملك أورارتو عنها؟ (43).

وفي نهاية عهد سرجون بدأت نذر هجرة شعوبية عنيفة تمثلت في هجرة قبائل السميريين التي تدفقت بقضها وقضيضها على مملكة أورارتو وهزمت قواتها في عام 607ق. م واستمرت في تقدمها حتى لاقاها سرجون بجيشه في عام 705ق. م، ويبدو أنه قتل في المعركة أو اغتيل بعدها، ولكن بعد أن نجح جيشه في دفع السميريين ناحية الغرب فاندفعوا إلى آسيا الصغرى وهزموا في طريقهم جيش ميداس ملك فريجيا، "ميتا صاحب موشكى"، أحد أعداء الآشوريين الألداء، مما أدى به إلى الانتحار، وشيئًا فشيئًا أتى السميريون وحلفاؤهم التريرويون على مملكة فريجيا من أساسها(44).

تتابع من الملوك العظام من أسرة سرجون ثلاثة، وهم: سين أخي ريبا "705 - 681ق. م" الذي اعتادت بعض المؤلفات التاريخية على أن تذكره باسم سينا خريب أو سينا حريب، وآشور أخا دين "681 - 638ق. م" أو أسرحدون أو أسرهدون كما اعتادت بعض الكتب على تسميته، ثم آشور بانيبال "668 - 626ق. م" الذي ذكره الإغريق باسم ساردانا بالوس. وسوف نذكر أولهم باسمه الأكثر شيوعًا وهو سينا خريب لقربه من اسمه الأصيل.

واجهت أولئك الملوك العظام مشكلات ضخمة متعددة ظهرت بوادرها منذ عهد سرجون نفسه، وامتدت جذورها إلى ما قبل عهده. وتوفر لكل منهم أسلوبه الخاص في معالجتها بما يتفق مع إمكانيات دولته ومشاعره الخاصة واتجاهات السياسية في أيامه. وأهم هذه المشكلات هي:

1 - دولة بابل التي ظلت تأنف من الخضوع للآشوريين وظلت في الوقت نفسه مطمعًا للآراميين الكلدانيين.

2 - استمرار العداء بين الدولتين العنيفتين المتجاورتين، آشور وإلام "أو عيلام"، مع استخدام العيلاميين لكل من الكلدانيين والبابليين للقيام بدور مخلب القط في بعض مراحل هذا العداء(45).

3 - وقوف المصريين في وجه التوسع الآشوري في الشام، وتأييدهم للمناطق السورية والفلسطينية ضده، مع تذمر هذه المناطق تلقائيًّا مع طابع العنف والتعالي عند الآشورين.

4 - رغبة آشور في إجبار أعراب الصحاري والبوادي على الطاعة، مع تمرد هؤلاء الأخارى عليها على الرغم من قلة إمكانياتهم.

5 - اضطراب الأوضاع في الأطراف الشمالية لآشور وفي آسيا الصغرى نتيجة للنزعات الاستقلالية فيها وخشونة طباع سكان جبالها ونزول هجرات هنداوريية جديدة عليها.

___________

(1) Op. Cit 18, 31...

(2) Op. Cit, 31

(3) انظر جون هامرتون: تاريخ العالم - معرب بالقاهرة - الجزء الثاني - الخبر الثالث.

(4)  D.Luckenbill, Ancient Records, I, 476 F.

(5) W. Budge, Assyrian Sculptures In The Britsh Musum. Pls. Xxi A-B, Xxii A.

(6) ديلابورت: بلاد ما بين النهرين -ص418 - 419.

(7)  See, Iraq, 1950

(8) See Luckenbill,M A. R. 475, 57 F. Ernest Michel. "Die Assur-Texte. Salmanassars Iii. Die Welt Des Orients, 1947, 57 F.

(9) See, Anet, 276

(10) L.W. King, Bronze Reliefs from the Gates of Shalmaneser, London, 1915 Pl. 64

(11) Cf D. Luckenbill, Ancient Recodrs, I, 475; Ii, 616 F; Anet, 275

(12) L. W. King, Op Cit, 13

(13) B. Pritchard, the Ancient near East in Pictures, Fig. 155

(14)  L.W. King, Op. Cit, 23

(15) Ibid, Pl. 13

(16) B. Pritchard, Op. Cit, Fig. 103.

(17) Ibid, Fig. 100

(18)  D. Luckenbill, A.R. 734 F., 739 F. Anet. 281-282.

(19) انظر جون هامرتون: المرجع السابق.

(20) Anet, 284

(21) See For, "Rebshaq": W. Manitius, Za, Xxiv, 199 F; B.Meissner, Bobylonien and Assyrien I, 103.

(22) D. Luckenbill, Ancient Records, I, 770

(23) Ibid. 819.

(24) Luckenbill, Op. Cit, I, 777 F; Anet, 283, 284

 (25) Ibidem

(26)  Luckenbill, A.R., Ii, 8, 30; Anet, 284, 285, 286.

(27) For Jamani And Iodna As "Ionion" See, D.D Luckenbill. Za Xxviii "1913", 92 F

(28) Luckenbill, A. R. Ii, 30, 62, 79 F, Etc

(29) Ibid, 193 F.

(30) ورد هذا الاسم في سياق قصص من التوراة أيضًا "الملوك الثاني 17: 1 - 6" انظر ص291، وعن تحسين أصله المصري المحتمل، يراجع:

H.Kees, G.G. A. 1926, 426; J. Ranke, Keilschriftliches Material Zur Altaegyptischen Vokalisierung, 38 ;Helene Von Zeissl, Aethiopen And Assyren In Aegypten ... 1944, 18 F; See Also, Vetus Testamentum, 1952, 164-168; 1970, 116-118.

(31) Cf. A. Ungel, Zatw, 1932, 204 F.

(32) Luckenbill. A. R. Ii, 55.80

(33) Ibid 62.

(34) Ibidk, 18.

(35) See E.F. Weidner, A. F. O. Xiv "1941", 40 F

(36) Ryckmans, A.F.O. 1941, 54 F.

(37) Cf. E.F. Weidner, Op. Cit.

(38)  Op. Cit, 43 F.

(39) Winckler, Die Keilschrifttexte Sargons, I, Pls. 4-47.

(40) Luckenbill, Ancient Records, Ii, 99, 186.

(41) Harper, Assyrian And Babylonian Letters, No 197.

(42) Ibid, Nos 198, 492, 380.

(43) Ibid, No. 409.

(44) Layard, Monuments Of Nineveh, I, Pl. 25

(45) Harper, Op. Cit. 839.

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).