المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16458 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
شخصية الإمام الرضا ( عليه السلام )
2024-05-18
{ان رحمت اللـه قريب من الـمحسنين}
2024-05-18
معنى التضرع
2024-05-18
عاقبة من اخذ الدنيا باللعب
2024-05-18
من هم الأعراف؟
2024-05-18
{ان تلكم الـجنة اورثتموها بما كنتم تعملون}
2024-05-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (43) من سورة النساء  
  
23120   05:20 مساءً   التاريخ: 10-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النساء /


قال تعالى  : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً} [النساء  : 43]  .

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

لما أمر سبحانه في الآية المتقدمة بالعبادة  ، ذكر عقيبها ما هو من أكبر العبادات  ، وهو الصلاة  ، فقال  : ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة﴾  : أي لا تصلوا وأنتم سكارى  ، عن ابن عباس  ، وسعيد بن جبير  ، ومجاهد  ، وابن زيد  . وقيل  : معناه لا تقربوا أماكن الصلاة  : أي المساجد  ، للصلاة وغيرها  ، كقوله وصلوات  : أي مواضع الصلوات  ، عن عبد الله  ، وسعيد بن المسيب  ، والضحاك  ، وعكرمة  ، والحسن  ، ويؤيد هذا قوله  : ﴿وأنتم سكارى﴾  : أي نشاوى واختلف فيه على قولين (أحدهما) إن المراد به سكر الشراب  ، عن ابن عباس  ، ومجاهد  ، وقتادة  . قالوا  : ثم نسخها تحريم الخمر  ، وروي ذلك عن موسى بن جعفر عليه السلام  ، وقد يسأل عن هذا  ، فيقال  : كيف يجوز نهي السكران في حال السكر  ، مع زوال العقل ؟ وأجيب عنه بجوابين (أحدهما)  : إنه قد يكون سكران من غير أن يخرج من نقصان العقل إلى ما لا يحمل الأمر والنهي والآخر  : إن النهي إنما ورد عن التعرض للسكر في حالة وجوب أداء الصلاة عليهم ، وأجاب أبو علي الجبائي بجواب ثالث  ، وهو  : إن النهي إنما دل على أن إعادة الصلاة واجبة عليهم إن أدوها في حال سكر  . وقد سئل أيضا فقيل  : إذا كان السكران مكلفا  ، فكيف يجوز أن ينهى عن الصلاة في حال سكره  ، مع أن عمل المسلمين على خلافه ؟ وأجيب عن ذلك بجوابين أحدهما  : إنه منسوخ والآخر  : إنهم لم يؤمروا بتركها  ، لكن أمروا بأن يصلوها في بيوتهم  ، ونهوا عن الصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جماعته تعظيما له وتوقيرا القول الثاني  : إن المراد بقوله ﴿وأنتم سكارى﴾  : سكر النوم خاصة ، عن الضحاك ، وروي ذلك عن أبي جعفر عليه السلام ، ويعضد ذلك ما روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " إذا نعس أحدكم وهو يصلي ، فلينصرف ، لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري " .

{حتى تعلموا ما تقولون} : أي حتى تميزوا ما تقولون من الكلام . وقيل :

معناه حتى تحفظوا ما تتلون من القرآن . وقوله {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} في معناه قولان أحدهما : إن المراد به : لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إلا أن تكونوا مسافرين ، فيجوز لكم أداؤها بالتيمم ، وإن كان لا يرفع حكم الجنابة ، فإن التيمم وإن كان يبيح الصلاة ، فإنه لا يرفع الحدث ، عن علي عليه السلام ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد . والآخر : إن معناه : لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد ، وأنتم جنب ، إلا مجتازين ، عن جابر ، والحسن ، وعطاء ، والزهري وإبراهيم ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام . {وعابري سبيل} : أي مارين في طريق ، {حتى تغتسلوا} من الجنابة . وهذا القول الأخير أقوى لأنه سبحانه بين حكم الجنب في آخر الآية ، إذا عدم الماء ، فلو حملناه على ذلك ، لكان تكرارا . وإنما أراد سبحانه أن يبين حكم الجنب في دخول المساجد ، في أول الآية ، ويبين حكمه في الصلاة عند عدم الماء ، في آخر الآية .

{وإن كنتم مرضى} : قيل نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا ، ولم يستطع أن يقوم فيتوضأ ، فالمرض الذي يجوز معه التيمم ، مرض الجراح ، والكسر ، والقروح ، إذا خاف أصحابها من مس الماء ، عن ابن عباس ، وابن مسعود ، والسدي ، والضحاك ، ومجاهد ، وقتادة . وقيل : هو المرض الذي لا يستطيع معه تناول الماء ، ولا يكون هناك من يناوله ، عن الحسن ، وابن زيد ، وكان الحسن لا يرخص للجريح التيمم . والمروي عن السيدين الباقر والصادق عليه السلام ، جواز التيمم في جميع ذلك {أو على سفر} معناه : أو كنتم مسافرين ، {أو جاء أحد منكم من الغائط} ، وهو كناية عن قضاء الحاجة . قيل : إن (أو) ههنا بمعنى الواو كقوله سبحانه {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} بمعنى وجاء أحد منكم من الغائط ، وذلك لأن المجيء من الغائط ، ليس من جنس المرض والسفر ، حتى يصح عطفه عليهما ، فإنهما سبب لإباحة التيمم ، والرخصة ، والمجيء من الغائط ، سبب لإيجاب الطهارة {أو لامستم النساء} : المراد به الجماع ، عن علي عليه السلام ، وابن عباس ، ومجاهد ، والسدي ، وقتادة ، واختاره أبو حنيفة ، والجبائي . وقيل : المراد به اللمس باليد وغيرها ، عن عمر بن الخطاب ، وابن مسعود ، والشعبي ، وعطا ، واختاره الشافعي . والصحيح الأول ، لان الله سبحانه بين حكم الجنب في حال وجود الماء بقوله : {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} ثم بين عند عدم الماء حكم المحدث بقوله : {أو جاء أحد منكم من الغائط} ، فلا يجوز أن يدع بيان حكم الجنب عند عدم الماء ، مع أنه جرى له ذكر في الآية ، ويبين فيه حكم المحدث ، ولم يجر له ذكر ، فعلمنا أن المراد بقوله {أو لامستم} الجماع ، ليكون بيانا لحكم الجنب عند عدم الماء ، واللمس ، والملامسة ، معناهما واحد ، لأنه لا يلمسها إلا وهي تلمسه . ويروى أن العرب والموالي اختلفوا فيه ، فقالت الموالي : المراد به الجماع ، وقال العرب : المراد به مس المرأة ، فارتفعت أصواتهم إلى ابن عباس ، فقال : غلب الموالي : المراد به الجماع ، وسمي الجماع لمسا ، لان به يتوصل إلى الجماع ، كما يسمى المطر سماء .

وقوله {فلم تجدوا ماء} راجع إلى المرضى والمسافرين جميعا ، أي مسافر لا يجد الماء ، ومريض لا يجد من يوضؤه ، أو يخاف الضرر من استعمال الماء ، لان الأصل أن حال المرض يغلب فيها خوف الضرر من استعمال الماء ، وحال السفر يغلب فيها عدم الماء {فتيمموا} : أي تعمدوا ، وتحروا ، واقصدوا {صعيدا} قال الزجاج : لا أعلم خلافا بين أهل اللغة في أن الصعيد وجه الأرض ، وهذا يوافق مذهب أصحابنا في أن التيمم يجوز بالحجر سواء كان عليه تراب ، أو لم يكن {طيبا} : أي طاهرا ، وقيل : حلالا ، عن سفيان . وقيل : منبتا عن السبخة التي لا تنبت كقوله : {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه} {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} : هذا هو التيمم بالصعيد الطيب ، واختلف في كيفية التيمم على أقوال أحدها : إنه ضربة لليدين إلى المرفقين ، وهو قول أكثر الفقهاء ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وغيرهما ، وبه قال قوم من أصحابنا . وثانيها : إنه ضربة للوجه ، وضربة لليدين من الزندين ، وإليه ذهب عمار بن ياسر ، ومكحول ، واختاره الطبري ، وهو مذهبنا في التيمم ، إذا كان بدلا من الجنابة ، فإذا كان بدلا من الوضوء ، كفاه ضربة واحدة ، يمسح بها وجهه ، من قصاص شعره ، إلى طرف أنفه ، ويديه من زنديه إلى أطراف أصابعهما ، وهو المروي عن سعيد بن المسيب . وثالثها : إنه إلى الإبطين عن الزهري {إن الله كان عفوا} يقبل منكم العفو ، لان في قبوله التيمم بدلا من الوضوء ، تسهيل الأمر علينا . وقيل عفوا كثير الصفح والتجاوز {غفورا} كثير الستر لذنوب عباده .

وفي الآية دلالة على أن السكران لا تصح صلاته ، وقد حصل الأجماع على أنه يلزمه القضاء ، ولا يصح من السكران شيء من العقود ، كالنكاح ، والبيع ، والشراء ، وغير ذلك ، ولا رفعها كالطلاق ، والعتاق ، وفي الطلاق خلاف بين الفريقين ، فعند أبي حنيفة يقع طلاقه ، وعند الشافعي لا يقع في أحد القولين . فأما ما يلزم به الحدود والقصاص : فعندنا أنه يلزمه جميع ذلك ، فيقطع بالسرقة ، ويحد بالقذف والزنا ، لعموم الآيات المتناولة لذلك ، ولإجماع الطائفة عليه  .

________________

1 . تفسير مجمع البيان  ، ج3  ، ص 92-95  .

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير  هذه الآية (1) :

 

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ولا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} .

هنا مسائل :

1- ان هذا الخطاب موجه للمسلمين قبل تبيين الحكم بتحريم الخمر الذي تعرضت له الآيتان 90 و 91 من سورة المائدة ، والآية 32 من الأعراف معطوفة على الآية 219 من البقرة ، وذكرنا ذلك مفصلا في المجلد الأول من التفسير الكاشف ص 328 وما بعدها عند تفسير الآية 219 ، وفي الجزء الرابع من فقه الإمام جعفر الصادق ، باب الأطعمة والأشربة .

وتجدر الإشارة إلى ان النهي عن الصلاة حال السكر لا يدل على انه حلال في غير الصلاة - مثلا - إذا قلت : لا تنظر إلى النساء ، وأنت ماش في الطريق فلا يفهم من قولك هذا الإذن بالنظر إليهن في الصالونات . . وبكلمة ان الآية دلت على تحريم الصلاة حال السكر ، وسكتت عن حكم السكر في غير هذه الحال .

2- اختلفوا : هل المراد بالصلاة نفس الصلاة ، أو المسجد الذي تقع فيه الصلاة ، من باب اطلاق الحال على المحل ، والكائن على المكان ، ومنه اطلاق اسم القهوة على المكان الذي تشرب فيه ، وأكثر المفسرين على المعنى الأول ، وهو أظهر من إرادة المسجد .

3- اختلفوا أيضا : هل المراد بالسكر سكر الخمر ، أو سكر النوم والنعاس ؟

والظاهر من السكر الشراب ، لا النعاس .

4 - جاء على لسان بعض الرواة ان جماعة من الصحابة اجتمعوا عند أحدهم ، فصنع لهم طعاما وشرابا قبل أن يبين اللَّه حكم الخمر ، فأكلوا وشربوا ، فلما ثملوا جاء وقت الصلاة ، فقدموا أحدهم ليصلي بهم ، فخلط في صلاته ، وحرّف آية من القرآن .

وقد تتبع الشيخ محمد جواد البلاغي (2) في تفسيره آلاء الرحمن ، وأثبت كذب هذه الروايات بالأرقام ، وتتلخص نتيجة بحثه الدقيق بأن الترمذي روى ان صاحب الدعوة هو عبد الرحمن بن عوف ، وان عليا كان إمام الجماعة . . وروى أبو داود ان صاحب الدعوة رجل من الأنصار ، وكان عبد الرحمن من جملة المدعوين . .

وابن جرير الطبري قال في تفسيره ، والسيوطي في الدر المنثور : ان إمام الجماعة كان عبد الرحمن بن عوف . وفي الدر المنثور أيضا ان الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن وسعد ، وان صاحب الدعوة هو علي . وفي مسند أحمد والنسائي ان عمر قال : اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا ، فنزلت : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأَنْتُمْ سُكارى} .

وكما اضطربت الروايات في الداعي ، والإمام والمأموم كذلك تناقضت وتضاربت في الآية التي حصل فيها التحريف ، فرواية تقول : ان إمام الجماعة قال :

أعبد ما تعبدون . وثانية تقول : بل قرأ ليس لي دين . وكذلك اختلفت في زمن النزول وسببه . وفوق ذلك كله أثبت صاحب آلاء الرحمن ان الراوي الأول الذي قال : كان إمام الجماعة عليا ، أثبت انه خارجي ، ومن أعدى أعداء علي .

وعلى أية حال ، فإن صح ان جماعة من الصحابة شربوا ، وان إمامهم خلط في صلاته فإن هؤلاء هم الذين أشركوا باللَّه ، وعبدوا الأوثان ، وشربوا الخمر ، وأكلوا الحرام في الجاهلية التي نشأوا فيها ، وتربوا عليها . . وعلي بن أبي طالب ليس منهم ، لأنه نشأ وترعرع في حجر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، وهو الذي تولى تربيته وتهذيبه منذ نعومة أظفاره ، وصاغه كما يشاء ويريد .

وربّ قائل : ان قولك هذا من وحي العقيدة ، لا من وحي الواقع .

وأجيبه بأن الحكم الذي يعتمد على نشأة الشخص وتربيته هو من وحي الحق والواقع ، لا من وحي العاطفة والعقيدة .

{ولا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} . قيل : المراد بعابري سبيل المسافرون ، وان المعنى لا تقربوا الصلاة سكارى ، ولا جنبا إلا في حال السفر . .

ويلاحظ بأن الآية قد تعرضت لحكم المسافرين ، حيث جاء فيها {وإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ} . فإن فسرنا عابري سبيل بالمسافرين يلزم التكرار في كلام واحد بلا موجب . ثانيا : جاء في بعض الأحاديث تفسير {عابِرِي سَبِيلٍ} بالمرور في المسجد ، وانه يحرم على الجنب أن يدخل المسجد إلا عابرا ، ما عدا المسجد الحرام ، ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) ، حيث لا يجوز للجنب أن يدخلهما إطلاقا ، ولو عابرا .

وقالت المذاهب الأربعة : متى عمّ الماء جميع البدن تحقق غسل الجنابة من غير فرق بين الابتداء من أعلى أو من أسفل البدن .

وقسّم الإمامية غسل الجنابة إلى نوعين : ترتيب وارتماس . والترتيب عندهم أن يصب المغتسل الماء على جسمه صبا ، وأوجبوا في هذه الحال الابتداء بالرأس ، ثم بالجنب الأيمن ، ثم بالأيسر ، فلو قدم المؤخر ، أو أخّر المقدم بطل الغسل .

أما الإرتماس فهو غمس تمام الجسم تحت الماء دفعة واحدة ، كالغسل في البحر والنهر وما إليهما .

المريض والمسافر والتيمم :

{وإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيكُمْ} .

اضطربت أقوال المفسرين في هذه الآية ، حتى قال الشيخ محمد عبده :

« طالعت في تفسيرها خمسة وعشرين تفسيرا ، فلم أجد فيها غناء ، ولا رأيت قولا يسلم من التكلف » . وقال الألوسي في روح البيان : « ان هذه الآية من المعضلات » . وراجعنا نحن حوالي عشرين تفسيرا للسنة والشيعة ، وأكثر أصحابها نقل العديد من تفاسير الآية ، فرأينا الأمر كما قال الشيخ محمد عبده ، ولكن لم نر في الآية أية مشكلة أو معضلة ، كما رأى الألوسي . . وبعد وثوقنا من معناها ، وركوننا إلى المراد منها حاولنا إيضاحه بالأسلوب التالي :

لقد ذكر سبحانه في الآية أربعة أصناف ، وهم المرضى ، والمسافرون ، والذين جاؤوا من الغائط ، والذين لامسوا النساء ، وأوجب عليهم أن يلجئوا إلى التيمم عند عدم وجود الماء ، لأن الأمر بالتيمم وقع جوابا لفعل الشرط المتضمن للأصناف الأربعة .

ومن المتسالم عليه عند جميع المذاهب ان ظاهر القرآن لا يجوز الاعتماد عليه ، بخاصة في استخراج الأحكام الشرعية إلا بعد الرجوع إلى السنة النبوية ، لأنها أحد مصادر الشريعة ، كما أنها تفسير وبيان للقرآن بنص الآية 7 من سورة الحشر :

{وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا واتَّقُوا اللَّهً إِنَّ اللَّهً شَدِيدُ الْعِقابِ} .

وعليه ، فإذا لم يوجد في السنة النبوية ما يصرف لفظ الآية عن ظاهره وجب العمل به ، وإلا وجب العمل بما نستفيده من الكتاب والسنة مجتمعين ، لأنهما يصدران من معين واحد ، وهو الوحي .

ونتكلم فيما يلي عن كل واحد من الأصناف الأربعة الذين ذكرتهم الآية ، ومنه يتضح الجواب عن هذا التساؤل : هل في السنة النبوية ما يتنافى مع ظاهر الآية بالنسبة إلى كل واحد من هذه الأصناف ؟ .

1- المريض ، وظاهر الآية يدل على انه يتيمم إذا لم يجد الماء ، وقد أجمع الفقهاء على العمل بهذا الظاهر ، لأن الصحيح يتيمم مع عدم وجود الماء فبالأولى

المريض . . وإذا وجد المريض الماء ، وخاف الضرر من استعماله فهل يتيمم ، أو يستعمل الماء ، حتى مع خوف الضرر ؟ . وقد اتفق الفقهاء على ان المريض يتيمم مع وجود الماء إذا خاف من استعماله ، واستدلوا بحديث : « لا ضرر ولا ضرار » ، وبما روي ان بعض الصحابة أصابته جنابة ، وكان به جراحة عظيمة ، فسأل بعضهم ، فأمره بالاغتسال ، فلما اغتسل مات ، وحين سمع النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك قال : قتلوه قتلهم اللَّه . وعليه يكون قوله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُوا ماءً } قيدا لجميع الأصناف المذكورة في الآية ، دون استثناء .

هذا هو المعنى الذي دلت عليه عبارة الآية بالأصالة ، لا بالتبع ، أما المعنى الذي تدل عليه بالتبع لوجود ان الشرطية ، والمعبر عنه بلسان الفقهاء وعلماء الأصول بمفهوم الشرط ، أما هذا المعنى المفهوم بالتبع فإنه يوجب على كل واحد من الأصناف الأربعة أن يستعمل الماء إذا وجده ، ولا يجوز له التيمم بحال ، حتى ولو تضرر من استعماله . . ولكن قد علمت مما تقدم ان الفقهاء قد أجمعوا ، وان السنة النبوية قد دلت على ان المريض يتيمم مع وجود الماء ، وخوف الضرر من استعماله ، وعليه فلا بد من إخراج المريض من هذا المعنى المفهوم بالتبع ، وإبقاء الأصناف الثلاثة الذين يجب عليهم استعمال الماء بموجب هذا المفهوم التبعي ، إذا وجدوا الماء .

واختصارا ان الأصناف الأربعة يتيممون ، مع عدم الماء ، ما في ذلك خلاف ولا ريب ، أما مع وجود الماء فيستعمله من لا يخاف الضرر على نفسه من استعماله ، أما من مرض مرضا يخاف معه من استعمال الماء فيدعه ويتيمم .

2- المسافر ، وتدل الآية على انه يتيمم إذا لم يجد الماء ، سواء أكان سفره طويلا ، أم قصيرا ، وهذا محل وفاق عند الجميع ، ولكن اختلفوا في الحاضر غير المريض الذي لم يجد الماء : هل يتيمم ويصلي ، أو تسقط عنه الصلاة من الأساس ؟ .

قال أبو حنيفة : تسقط عنه الصلاة ، لأن ظاهر الآية ان التيمم يسوغ في السفر ، لا في الحضر .

واتفقت بقية المذاهب على ان فاقد الماء يجب عليه أن يتيمم ويصلي ، سواء

أكان مسافرا ، أم حاضرا ، لأن جواز التيمم في السفر لا يمنع من جوازه في الحضر . . وقد تواتر عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) : « ان الصعيد الطيب طهور المسلم ، وان لم يجد الماء عشر سنين » . . وقال أبو بكر المعروف بابن العربي في كتاب أحكام القرآن ج 1 ص 176 طبعة 1331 هـ : « ان أبا حنيفة كثيرا ما يترك الظواهر والنصوص للأقيسة » .

وتسأل : إذا كان كل من المسافر والحاضر سواء في الحكم ، من حيث وجوب استعمال الماء مع وجوده ، والتيمم مع عدمه ، فلما ذا نص القرآن على السفر بالذات ؟ .

وأجابوا بأن اللَّه سبحانه نص على السفر لأن الغالب فيه عدم وجود الماء ، أما عدم الماء في الحضر فنادر . . وهذا الجواب قول على اللَّه بالظن والاستحسان ، لأنه لا يستند إلى آية ، أو رواية متواترة ، أو حكم جازم من العقل . . ولذا نسكت عنه . .

3 – {أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ} . الغائط كناية عما يخرج من السبيلين ، وهو البول والعذرة والريح ، فمن خرج منه شيء من ذلك ، وأراد الصلاة فعليه أن يتوضأ ان وجد الماء ، ويتيمم ان فقده إجماعا وسنة .

4 – {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} . كناية عن الجماع ، ومن طريقة القرآن أن يكني عنه ، ولا يصرح ، ففي الآية 187 من البقرة : {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} . وفي الآية 222 منها : {ولا تَقْرَبُوهُنَّ} . وفي الآية 237 منها أيضا : {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} . وقال الشافعي : المراد بالمس في الآية مجرد إلصاق الجسم بالجسم .

ومهما يكن ، فان من أجنب ووجد الماء ، وأراد الصلاة فعليه أن يغتسل ، وان فقد الماء تيمم بدلا من الغسل ، وكل ما يوجب الوضوء يسميه الفقهاء الحدث الأصغر ، وكل ما يوجب الغسل يسمونه الحدث الأكبر .

{ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً } . الصعيد الأرض ، والطيب الطاهر ، وهذه الآية في معنى الحديث الشريف : « خلقت لي الأرض مسجدا وطهورا » .

{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيكُمْ} . اتفقت المذاهب كلها على ان التيمم لا يكون إلا في هذين العضوين . واختلفوا في تحديد ما يجب مسحه بالتراب من الوجه واليدين ، فقالت المذاهب الأربعة : يجب مسح جميع الوجه ، ويدخل فيه اللحية ، تماما كما هو الشأن في الوضوء . وقال الحنفية والشافعية : يجب مسح اليدين بالتراب إلى المرافق كالوضوء .

وقال الإمامية : يجب مسح بعض الوجه ، لا كله ، لأن الباء في قوله تعالى {بِوُجُوهِكُمْ} للتبعيض ، تماما كقوله : وامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ بالنسبة إلى الوضوء ، لأنها لو لم تكن للتبعيض تكون زائدة ، والأصل عدم الزيادة . وقالوا : يجب مسح الكفين فقط . . والتفصيل في كتاب الفقه على المذاهب الخمسة .

_____________________

1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 330-336 .

2. هو من كبار علماء الإمامية ، وكان دؤوبا صبورا على العلم والبحث والتأليف لا يفتر عنه ليل نهار ، وأتقن اللغة العبرية ، وعرف أسرار اليهودية ، ونشر الكثير من معايبها ، وله : الهدى إلى دين المصطفى ، وأعاجيب الأكاذيب ، والتوحيد والتثليث ، والرحلة المدرسية ، وغيرها ومن تنكره لذاته وأنانيته ، وانصرافه للَّه وحده كان لا يضع اسمه على كتاب أنفق في تأليفه زهرة حياته ، وحين سئل عن السبب قال : لعلي أخطأت في بعض ما قلت ، فيطعن الذي في قلبه مرض على الطائفة التي أنا منها بسببي .

توفي سنة 1352 هـ .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

قد تقدم في الكلام على قوله تعالى : { يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ } : [ البقرة : 219 ] ، أن الآيات المتعرضة لأمر الخمر خمس طوائف ، وإن ضم هذه الآيات بعضها إلى بعض يفيد أن هذه الآية : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا } الآية نزلت بعد قوله تعالى : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } : [ النحل : 67 ] ، وقوله : { قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ } : [ الأعراف : 33 ] ، وقبل قوله تعالى : { يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما } : [ البقرة : 219 ] ، وقوله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ } : [ المائدة : 90 ] ، وهذه آخر الآيات نزولا .

ويمكن بوجه أن يتصور الترتيب على خلاف هذا الذي ذكرناه فتكون النازلة أولا آية النحل ثم الأعراف ثم البقرة ثم النساء ثم المائدة فيكون ما يفيده هذا الترتيب من قصة النهي القطعي عن شرب الخمر على خلاف ما يفيده الترتيب السابق فيكون ما في سورة الأعراف نهيا من غير تفسير ثم الذي في سورة البقرة نهيا باتا لكن المسلمين كانوا يتعللون في الاجتناب حتى نهوا عنها نهيا جازما في حال الصلاة في سورة النساء ، ثم نهيا مطلقا في جميع الحالات في سورة المائدة ولعلك إن تدبرت في مضامين الآيات رجحت الترتيب السابق على هذا الترتيب ، ولم تجوز بعد النهي الصريح الذي في آية البقرة النهي الذي في آية النساء المختص بحال الصلاة فهذه الآية قبل آية البقرة ، إلا أن نقول إن النهي عن الصلاة في حال السكر كناية عن الصلاة كسلان كما ورد في بعض الروايات الآتية .

وأما وقوع الآية بين ما تقدمها وما تأخر عنها من الآيات فهي كالمتخللة المعترضة إلا أن هاهنا احتمالا ربما صحح هذا النحو من التخلل والاعتراض ـ وهو غير عزيز في القرآن ـ وهو جواز أن تتنزل عدة من الآيات ذات سياق واحد متصل منسجم تدريجا في خلال أيام ثم تمس الحاجة إلى نزول آية أو آيات ولما تمت الآيات النازلة على سياق واحد فتقع الآية بين الآيات كالمعترضة المتخللة وليست بأجنبية بحسب الحقيقة وإنما هي كالكلام بين الكلام لرفع توهم لازم الدفع ، أو مس حاجة إلى إيراده نظير قوله تعالى : { بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ } : الآيات [ القيامة : 20 ] ، انظر إلى موضع قوله : { لا تُحَرِّكْ } إلى قوله : { بَيانَهُ } .

وعلى هذا فلا حاجة إلى التكلف في بيان وجه ارتباط الآية بما قبلها ، وارتباط ما بعدها بها ، على أن القرآن إنما نزل نجوما ، ولا موجب لهذا الارتباط إلا في السور النازلة دفعة أو الآيات الواضحة الاتصال الكاشف ذلك عن الارتباط بينها.

قوله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } إلى قوله : { ما تَقُولُونَ } المراد بالصلاة المسجد ، والدليل عليه قوله : { وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ } ، والمقتضي لهذا التجوز قوله { حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ } إذ لو قيل : لا تقربوا المسجد وأنتم سكارى لم يستقم تعليله بقوله : { حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ } أو أفاد التعليل معنى آخر غير مقصود مع أن المقصود إفادة أنكم في حال الصلاة تواجهون مقام العظمة والكبرياء وتخاطبون رب العالمين فلا يصلح لكم أن تسكروا وتبطلوا عقولكم برجس الخمر فلا تعلموا ما تقولون ، وهذا المعنى كما ترى ـ يناسب النهي عن اقتراب الصلاة لكن الصلاة لما كانت أكثر ما تقع تقع في المسجد جماعة ـ على السنة ـ وكان من القصد أن تذكر أحكام الجنب في دخوله المسجد أوجز في المقال وسبك الكلام على ما ترى.

وعلى هذا فقوله : { حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ } في مقام التعليل للنهي عن شرب الخمر بحيث يبقى سكرها إلى حال دخول الصلاة أي نهيناكم عنه لغاية أن تعلموا ما تقولون وليس غاية للحكم بمعنى أن لا تقربوا إلى أن تعلموا ما تقولون فإذا علمتم ما تقولون فلا بأس.

قوله تعالى : { وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ } إلى آخر الآية سيأتي الكلام في الآية في تفسير قوله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ } : [ المائدة : 6 ] .

___________________________

1. تفسير الميزان ، ج4 ، ص  304-306 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

بعض الأحكام الفقهية :

تستفاد من الآية الحاضرة عدّة أحكام إسلامية هي :

١ـ حرمة الصّلاة في حال السكر ، أي لا يجوز للسكارى أن يقربوا الصّلاة لبطلان صلاتهم في حالة السكر ، وفلسفة ذلك واضحة ، فإن الصلاة حديث العبد إلى ربّه ومناجاته ودعاؤه ، ولا بدّ أن يتمّ كل هذا في حالة الوعي الكامل ، والسكارى أبعد ما يكونون عن هذه الحالة : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ}.

وهنا يمكن أن يطرح أحد سؤالا هو : أليس مفهوم الآية هو المنع من شرب المسكرات إذا بقي أثرها وسكرها إلى وقت الصلاة ، وهو ينطوي على دليل جوازه في سائر الحالات ؟

والإجابة على هذا السؤال تأتي ـ بإذن الله ـ مفصّلة عند تفسير الآية (٩٠) من سورة المائدة ، إلّا أن الجواب الإجمالي هو : إنّ الإسلام استخدم لتطبيق الكثير من أحكامه أسلوب «التغيير التدريجي» فمثلا مسألة تحريم تعاطي الخمور هذه طبقها الإسلام في مراحل ، فهو أوّلا أعطاه صفة المشروب الغير المحبّذ في قبال «الرزق الحسن» (كما في الآية (٦٧) من سورة النحل «ورزقا حسنا») ثمّ منع من الاقتراب إلى الصلاة إذا كان السكر الناشئ منها لا يزال باقيا (كما في الآية الحاضرة) ثمّ قارن بين منافعه ومضاره ورجحان مضاره ومساوئه ، كما في سورة البقرة الآية (٢١٩) ، وفي المرحلة الأخيرة نهى عن الخمر بصورة قاطعة وصريحة ، كما في سورة المائدة الآية (٩٠).

وأساسا ليس هناك من سبيل لتطهير المجتمع من جذور مفسدة اجتماعية أو خلقية متجذرة في أعماق المجتمع واقتلاعها من الجذور أفضل من هذا الأسلوب ، وأجدى من هذا الطريق ، وهو أن يهيأ الأفراد تدريجا ، ثمّ يتمّ الإعلان عن الحكم النهائي.

كما أنّه لا بدّ من الالتفات إلى نقطة مهمّة ، هي أنّ الآية الحاضرة لا تجيز بأي وجه من الوجوه شرب الخمر ، بل هي تتحدث فقط عن مسألة الاقتراب إلى الصلاة في حال السكر ، بينما التزمت الصمت بالنسبة إلى حكم شرب الخمر في غير هذا المورد حتى يحين موعد المرحلة النهائية للحكم.

هذا مع الالتفات إلى أنّ أوقات الصلوات الخمس خاصّة في ذلك الزمان الذي كانت العادة فيه إقامة الصلوات الخمس في أوقاتها ، بحكم أنّها كانت متقاربة كان الإتيان بالصلاة في حال الوعي يقتضي أن ينصرف الأشخاص عن تناول المسكرات في الفترات الواقعة بين أوقات الفرائض انصرافا كليا ، لأنّ السكر كان يستمر غالبا إلى حين حلول وقت الفريضة وعلى هذا كان الحكم المذكور في الآية الحاضرة أشبه بالحكم النهائي والتحريم الأبدي المطلق.

كما أنّ هناك موضوعا لا بدّ من التذكير به ، وهو أنّ الآية الحاضرة فسّرت في روايات عديدة في كتب الشيعة والسنة بسكر النوم ، يعني لا تقربوا الصلاة ما لم تطردوا النوم عن عيونكم كاملة لتعلموا ما تقولون.

ولكن يبدو للنظر أن هذا التّفسير مستفاد من مفهوم : {حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ} وإن لم يدخل في مصداق «السكارى» (2).

وبعبارة أخرى ، يستفاد من جملة : {حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ} المنع عن الصلاة في كل حالة لا يتمتع فيها الإنسان بالوعي الكامل ، سواء كان بسبب حالة السكر ، أو بسبب ما تبقى من النوم.

كما أنّه يستفاد من هذه الجملة أيضا أنّ الأفضل عدم إقامة الصلاة عند الكسل أو قلّة التوجه ، لأنّ الحالة السابقة توجد في هذه الصورة بشكل ضعيف ، ولعلّه لهذا السبب جاء في ما روي عن الإمام الباقر عليه ‌السلام من أنّه قال : «لا تقم إلى الصلاة متكاسلا ، ولا متناعسا ولا متثاقلا وقد نهى الله عزوجل المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى ...» (3).

٢ـ بطلان الصلاة في حال الجنابة الذي أشير إليه بعبارة {وَلا جُنُباً} ثمّ استثنى سبحانه من هذا الحكم بقوله : {إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ} أي إذا فقدتم الماء في السفر جاز لكم أن تقيموا الصلاة (شريطة أن تتيمموا كما يجيء في ذيل الآية).

غير أن هناك تفسيرا آخر جاء لهذه الآية في الروايات والأخبار (4) ، هو أنّ المقصود من الصلاة في الآية هو محل الصلاة ـ أي المسجد ـ أي لا تدخلوا المساجد وأنتم على جنابة ، ثمّ استثنى العبور في المسجد بقوله : {إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ} يعني يجوز لكم العبور في المسجد وأنتم على جنابة وإن لم يجز لكم المكث واللبث فيه.

ويستفاد من بعض الروايات أنّ جماعة من المسلمين ، وصحابة النّبي كانوا قد بنوا بيوتهم حول المسجد النّبوي بحيث تفتح أبوابها في المسجد ، فسمح لهم بأن يعبروا من المسجد وهم على جنابة دون أن يتوقفوا فيه.

ولكن لا بدّ أن ننتبه إلى أن هذا التّفسير يستلزم أن تكون لفظة الصلاة في الآية الحاضرة قد أتت بمعنيين : أحدهما الصلاة نفسها ، والآخر محل الصلاة ، لوجود بيان حكمين مختلفين في الآية : أحدهما المنع والنهي عن الاقتراب إلى الصلاة في حالة السكر ، والآخر الاجتناب عن دخول المساجد في حالة الجنابة (طبعا لا مانع ولا ضير في استعمال لفظة واحدة في معنيين أو أكثر كما قلنا في علم الأصول ، ولكنّه خلاف الظاهر ، وهو لا يجوز بدون قرينة ، نعم يمكن أن تكون الروايات المذكورة قرينة على ذلك).

٣ـ جواز الصلاة ، أو عبور المسجد بعد الاغتسال ، هو المبين بقوله : {حَتَّى تَغْتَسِلُوا}.

٤ـ التيمم لذوي الأعذار ، ثمّ تشير الآية إلى حكم التيمم لذوي الأعذار فتقول : {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ} وفي هذه العبارة من الآية قد اجتمعت ـ في الحقيقة ـ كل موارد التيمم ، فالمورد الأوّل هو ما إذا كان في استعمال الماء ضرر على البدن ، والمورد الآخر هو ما إذا تعذر على الإنسان الحصول على الماء (أم لم يمكن استعماله) وبقوله : {أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} إشارة إلى علل الاحتياج إلى التيمم وأسبابه ، ومعناه إذا أحدثتم حدثا أو جامعتم النساء {فَلَمْ تَجِدُوا ماءً} أي لم تقدروا على تحصيل الماء أو استعماله {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً}.

ثمّ أنّه سبحانه يبيّن طريقة التيمم بقوله : {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}.

ثمّ أنّه في ختام الآية يشير إلى حقيقة أنّ الحكم المذكور ضرب من التخفيف عنكم ، لأنّ الله كثير الصفح كثير الستر لذنوب عبادة (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً).

_____________________

(1) تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 140 -143 .

(2) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٤٨٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ٣ ، ص ١١٧١.

(3) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٤٨٣ ، وقد جاء نظير هذا المضمون في صحيح البخاري أيضا.

(4) وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٤٨٦.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



ستوفر فحوصات تشخيصية لم تكن متوفرة سابقا... تعرف على مميزات أجهزة المختبر في مستشفى الثقلين لعلاج الاورام في البصرة
بالصور: تزامنا مع ذكرى ولادة الإمام الرضا (ع).. لوحات مطرزة تزين الصحن الحسيني الشريف
بالفيديو: الاكبر في العراق.. العتبة الحسينية تنجز المرحلة الأولى من مدينة الثقلين لإسكان الفقراء في البصرة
ضمنها مقام التل الزينبي والمضيف.. العتبة الحسينية تعلن عن افتتاحها ثلاثة أجزاء من مشروع صحن العقيلة زينب (ع) خلال الفترة المقبلة