المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16652 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


قضية التكرار  
  
4548   03:12 مساءاً   التاريخ: 5-11-2014
المؤلف : فضل حسن عباس ، سناء فضل عباس
الكتاب أو المصدر : اعجاز القران الكريم
الجزء والصفحة : , ص221-228.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / الإعجاز البلاغي والبياني /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-11-2014 2400
التاريخ: 5-11-2014 3352
التاريخ: 5-11-2014 2152
التاريخ: 5-11-2014 3975

أننا نجد في النظم مواضع متشابهة سماها بعض الباحثين تكرارا ، والحق أن هذه الموضوعات ذات صلة وثيقة بالإعجاز فالناظرون في كتاب الله تعالى من اجل تلاوته وتدبره ، أو بهدف التشكيك والطعن ، يجدون لأول وهلة أن هناك قضايا قد ذكرت أكثر من مرة ، وفي أكثر من موضع كالقصص ، وموضوعات العقيدة ، وبعض الجمل والآيات وسموا ذلك تكرار .

ومع إجماعهم على هذه التسمية إلا أنهم اختلفت فيه مذاهبهم وتعددت مشاربهم ، وتلك طبيعة في أحوال الناس ، بل هي سنة من سنن الله في هذا المجتمع البشري ، فالكثرة الكثيرة من هؤلاء مسلمين كانوا أم غير مسلمين ، رأوا أن في هذا التكرار سحر بيان ، وتثبيت بنيان فعدوه بلاغة وإعجازا ووجدوا يفه منهجا قويما ، وهدفا عظيما من مناهج التربية وأهدافها ، وحاولوا أن يبرهنوا على ذلك ببراهين مما عرفته العرب في كلامهم شعر ونثرا ، وأن يقيموا علهي الأدلة مما قرره علماء النفس وعلماء الاجتماع وأساطين التربية ذوو الاختصاص في فن الإعلام والدعاية.

وفئة قليلة عميت أو تعامت هيمن عليها الحقد ، فعدت هذا مثلبة ومطعنا في كتاب الله ، وهؤلاء لم يظهروا إلا بعد أن فسد الذوق البياني ، وضعفت السليقة العربية ، ولذا راينا أن أباطيل أولئك لم تظهر مبكرة ، فلم نسمع شيئا من أعداء القرآن ، الذين كانوا ذوي سلائق سليمة في اللغة بل على العكس  من ذلك ، وجدنا أن هذا القرآن يملكن عليهم كل شيء ، وإن لم يؤمنوا به ، هذه الأباطيل – إذن – ظهرت فيما بعد ، حينما فسد المزاج اللغوي ، واجتمع الطاعنون على دين الله من كل صوب، وتألبوا حسدا علهي ، فبدا الحديث عن شبهة التكرار، فكان لا بد من أن يشمر العلماء عن سواعد الحد ليردوا الى النحور الظالمة الحقد . ولا نود أن نطيل الحديث معك عن آراء العلماء قديما وحديثا ، ولكننا نوجز لك القول :

ذهب كثير من العلماء الى ان التكرار في القرآن الكريم إنما يذكر لتأكيد ما يريد القرآن تقريره في النفوس ، فإذا أردت أن تقرر شيئا في النفوس فينبغي أن تكرره ، ومن هنا قالوا إن آيات العقيدة قد كررت في كتاب الله لتثبت العقيدة في النفوس ، وكذلك القصة القرآنية ، كذلك بعض الجمل القرآنية ، ومع إجلالنا وتقديرنا لأولئك العلماء ، لكن الذي نطمئن لتقريره بعد تدبر  لكتاب الله ، وإنعام النظر وإجالة الفكر ، وإطالة الوقوف مع آيات الكتاب أن لا تكرار البتة في كتاب الله تبارك وتعالى .

والموضوع متشعب الاطراف متعدد الجوانب ، لا نستطيع أن نجمع مسألته ونضمها بعضها الى بعض في هذا الكتاب ، لكننا نقف نحن وأنتم بعض الوقفات ، فمما قيل إنه قد كرر في كتاب الله :

1. آيات العقيدة .

2. القصص القرآني .

3. بعض الجمل والآيات .

أما الآيات العقيدة فالمتدبر لها ، يجد أنها خالية من التكرار ، لأن كل موضع قررت فيه العقيدة ، نجد فيه معنى ومعلما وفائدة ، لا نجده في الموضع الآخر ، وأنقل هنا كلمة جيدة في هذا الموضوع لحجة الإسلام والإمام الغزالي ، وهو يتحدث عن أسماء يوم القيامة وما فيها من أهوال ، يقول وقد وصف الله بعض دواهيها : القيامة واكثر أساميها ، لنقف بكثرة اساميها على كثرة معانيها ، فليس المقصود بكثرة الاسامي تكرير الأسامي والألقاب ، بل الغرض تنبيه أولي الألباب ، فتحت كل اسم من اسما القيامة  سر ، وفي كل نعت من نعوتها معنى ، فاحرص على معرفة معانيها (1).

أما عدم التكرار في القصة القرآنية فهو أوضح وأظهر ، وهذا ما ذهب إليه كثير من العلماء ، وإن الذي يتدبر القصة القرآنية في جميع فصولها والمواضع التي ذكرت فيها يطمئن كل الطمأنينة بأن لا تكرار في القصص القرآني ، ولقد استولت على هذه الفكرة ردحا من الزمن ، فكانت نتيجة ذلك هذا الكتاب الذي وفق الله تبارك وتعالى لكتابته (القصص القرآني إيحاؤه ونفحاته) فهو يعالج هذه القضية ، ونتيجة هذه الدراسة أن لا تكرار في القصة القرآنية ، وهذا ما سبقني إليه كثير من العلماء والمحققين . يقول الأستاذ سيد قطب يرد القصص في القرآن في مواضع ومناسبات ، وهذه المناسبات التي سياق القصص من أجلها ، هي التي تحدد مساق القصة و الحلقة التي تعرض منها ، والصورة التي تأتي عليه والطريقة التي تؤدي بها  تنسيقا للجو الروحي والفكري ، والفني الذي تعرض فيه ، وبذلك تؤدي دورها الموضوعي ، وتحقق غايتها النفسي و وتلقى إيقاعها المطلوب .

ويحسب الناس أن هناك تكرارا في القصص القرآني ، لأن القصة  الواحدة يتكرر عرضها في سور شتى ، ولكن النظرة الفاحصة تؤكد أنه ما من قصة أو حلقة من قصة قد تكررت في سورة واحدة ، ومن ناحية القدرة الذي يساق وطريقة الأداء في السياق ، وإنه حيثما تكررت حلقة كان هناك جديد تؤديه ينفي حقيقة التكرار (2).

ولنضرب لكم مثلا بقصة واحدة من قصص القرآن الكريم ، وهي قصة آدم عليه الصلاة والسلام : يقول الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق (إنها – إي قصة آدم – وردت في ست سور ، في البقرة ، والأعراف ، والحجر ، والإسراء ، والكهف ، وطه (3) ففي سورة البقرة القصة في سياق تذكير الناس بنعمة الله ، والعجب من أنهم يكفرون به ، فكانت القصة تدور على هذا التذكير من جعل آدم خليفة وتعليمه الأسماء كلها .

وفي سورة الأعراف ودرت هذه القصة في سياق أن الناس قليلا ما يشكرون الله ، الذي مكنهم في الأرض ، وجعل لهم فيها معايش ، ولذلك أسهمت القصة في موقف إبليس من الإنسان .

وفي سورة الحجر وردت قصة آدم في سياق فتنة الناس ، ولذلك كان الإسهاب فيها في واقعة إبليس وعدائه لآدم وذريته (4)

أما الادعاء بوجود تكرار في آيات وألفاظ من كتاب الله ، فلا صحة له ، ونذكر لك بعض هذه الآيات التي ادعي أن فيها تكرارا ، مناقشين لها ، لتدرك ، أن كتاب الله خال من شبهة التكرار .

1. قال تعالى في شأن تحويل القبلة {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } [البقرة : 144]  وبعد هذه الآية يقول ربنا تبارك وتعالى { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [البقرة : 149 ، 150].

هذه الآيات الكريمة حينما يقرؤها القارئ  ، يجد أن الامر بتولية الوجه شطر المسجد الحرام قد ذكر أكثر من مرة ، فيذهب الكثيرون الى أن ذلك للتأكيد .

ولكننا حينما ننعم النظم نجد أن الآيات الكريمة لم تذكر للتأكيد فحسب ، وإنما كان لكل واحدة منها غرضها الذي تؤديه ، وغايتها التي تقصد إليها ، فنحن نعلم خطورة قضية القبلة ، من حيث إنها جاءت تلبية لرغبة النبي (صلى الله عليه واله) ومن حيث ما فيها من استقلال شخصية المسلمين في عبادتهم ، ولقد كان تحويل القبلة من بيت المقدس الى الكعبة أول نسخ في الإسلام لذا وجدنا هذه العناية في شأن هذا التحويل ، ومع ذلك كان لكل آية مغزى خاص بها .

فالآية الاولى جاءت تبين للنبي (صلى الله عليه واله) والمؤمنين ، إن هذه القبلة التي تمنيتموها – ورغبتم فيها – وقد علم الله ذلك منكم – أجابكم الله لما طلبتم ، وأما الآية الثانية فلقد كان الأمر فيها لبيان قضية أخرى ، وهي أن هذه القبلة التي أمركم الله أن تتحولوا إلهيا لن تنسخ أبدا وهي القبلة الباقية ، وأما الآية الثالثة فجاءت تبين أن الهدف من هذا الامر بالتحول الى القبل ، من أجل أن تقطعوا دابر كل قول فلا يبقى للناس عليكم حجة .

وهكذا – إذن – نجد أن أمر التكرار لا يستقيم مع غاية الآيات الكريمة ، وإنما اخترنا ذلك القول ، عللنا كل أمر بما يناسبه أخذا من الآيات نفسها ، فالأمر الاول بالتولية شطر المسجد الحرام جاء عقب قوله تعالى : {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } [البقرة : 144] وأما الامر الثاني فقد جاء بعده قوله سبحانه (وإنه للحق من ربك) ومعنى هذه الجملة الكريمة أنه حق ثابت لن ينسخ أبدا أما الآية الثالثة فالأمر فيها ظاهر ، فلقد ذكر عقب {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } [البقرة : 150]

2. في سورة آل عمران ذكرت هذه العبارة الكريمة ويحذركم الله نفسه مرتين متجاورتين : اولا : في {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران : 28]

 وثانيا : في قوله تعالى : {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } [آل عمران : 30]

الناظر في السياق يجد أن كلا من التحذيرين جاء عقب قضية خطيرة مهمة ، جاء الاول بعد نهي المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أوليا وهي قضية عني بها القرآن الكريم بعامة وعنيت بها سورة آل عمران بخاصة وما أصاب المسلمين اليوم من ضعف وخور وهزال  ما هو إلا بسبب هذه الموالاة ، وجاء الآخر في سياق مشهد من مشاهد يوم القيامة ، فالتحذير الأول فيترتب عليه العذاب الدنيوي من تفرق وتمزق وذلة ومسكنة ، أما التحذير فيترتب عليه العذاب ألأخروي {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [الزمر : 26]

3. ومن أقوى ما تمسك به القائلون بالتكرار سورة الكافرون بسم الله الرحمان الرحيم {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } السورة الكريمة عدا  البسملة ست آيات ، أولاها خطاب للنبي (صلى الله عليه واله) فيها نداء للكافرين وهي (قل يا أيها الكافرون) وآخر آية حكم ونتيجة وهي (لكم دينكم ولي دين) وما بين هاتين الآيتين آيات أربع يمكن أن نقسمها من حيث المعنى الى مجموعتين ، المجموعة الأولى (لا أعبد ما تعبدون) ، (ولا أنا عابد ما عبدتم) فالآيتان الكريمتان الى أن الرسول لا يعبد ما يعبده الكافرون ، والمجموعة الثانية (ولا أنتم عابدون ما أعبد) وهما الآيتان الثالثة والخامسة ، وهما تنفيان عبادة المشركين لما يعبد الرسول عليه الصلاة والسلام .

والذين ذهبوا الى التكرار قالوا إنه للتأكيد ، وممن ذهب الى هذا القول ودافع عنه ، واستدل بأقوال العرب وبما جاء من أشعارهم الفراء ، ولكن الجمهور من العلماء ذهب الى غير هذا ، ذهبوا الى عدم التكرار في السورة الكريمة ، وهؤلاء اختلفوا فيما بينهم في تفسير الآيات تفسيرا يبعد القول بالتكرار .

ولا أود أن أقحمك أيها القارئ الكريم في كل ما ذكروه ، فأدخلك في متاهات قد يصعب عليك الخروج منها ، وتمييز بعضها عن بعض و ولكنا نود أن نسلك بك إن شاء الله تعلى مسلكا لا وعورة فيه ، غير حزن ولا متعرج ، وجميل بنا أن نعرف السياق الذي جاءت الآيات الكريمة فيه ، والسبب الذي نزلت من أجله .

فقد ذكر ابن جرير وغيره أن المشركين ومنهم الوليد بن المغيرة طلبوا من النبي عليه الصلاة والسلام أن يهادنهم ، أن يعبد آلهتهم ويعبدوا إلهه فأبى عليهم النبي (صلى الله عليه واله) ذلك ، ونزلت السورة الكريمة ، على هذا فإن ما نرجحه في تفسير الآيات الكريمة ونستأنس له بقول الحذاق الجهابذة من العلماء ، من عدم التكرار في السور الكريمة ما يلي وبالله التوفيق : -

قال لهم النبي (صلى الله عليه واله) { يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ  } أي لا يمكن أن أعبد في مستقبل الأيام معبوداتكم الفاسدة ، كيف وقد أكرمني الله بالنبوة وهداني الصراط المستقيم ؟ وأنتم تعلمون أنه قبل أن يكرمني الله بالوحي ما عبدت آلهتكم ، فكيف ترجون مني أن أعبدها اليوم أو أعبدها فيما بعد ؟ أما أنتم فلا يمكن أن تعبدوا الله الذي أعبده – والسورة خطاب لقوم علم الله أنهم لا يؤمنون وبخاصة بعد أن استحكم بيني وبينكم العداء ، فأنتم ما عبدتم الله الذي دعوتكم لعبادته يوم أن كنت تعدونني فيما بينكم الصادق الأمين ، وقبل أن يحدث بيني وبينكم ما يعكر الصفو .

والخلاصة أن كل آية من المجموعتين جاءت على صورة الدعوى ، وجاءت الآية الثانية على صورة الدليل ، فكأن كلا من الآيتين دعوى ودليلها ، فالدعوى في المجموعة الأولى (لا أعبد ما تعبدون) أي لا يمكن أن أجيبكم الى ما طلبتم فأعبد آلهتكم ، والدليل على هذه الدعوى (ولا أنا عابد ما عبدتم) أي قبل أن يكرمني الله بالوحي ما عبدتم آلهتكم ، فهل يعقل أن أعبدها الآن أو بعد الآن ؟ وأما الدعوى في المجموعة الثانية فهي (ولا أنتم عابدون ما أعبد) أي لا يمكن أن تصدقوا فتعبدوا الله الذي أعبده وقد حدث يبني وبينكم ما حدث ، ودليل هذه الدعوى (ولا أنتم عابدون ما أعبد) أي حينما دعوتكم لأول وهلة وأنتم لم تجربوا علي كذبا ، وعلمتم أن لا مطمع لي في شيء فلم تجيبوني فكيف تجيبونني اليوم ؟

الآيات الأربع – إذن – اثنتان منهما تشكلان الدعوى ، عدم استجابة كل من الفريقين للآخر و والآيتان الأرخيان كل منهم برهان على الدعوى التي تلائمها . للصواب وراجين من الله كذلك أن نكون قد بينا لك المقام ووضحناه أيما توضيح والله يجز سيدنا محمد (صلى الله عليه واله) خير ما يجزي نبيا عن أمته وآل سيدنا محمد .

ونكتفي بما ذكرناه والحق أن قضية التكرار تستحق كتابا خاصا ، نرجو أن يظهر قريبا إن شاء الله .
__________________
1. إحياء علوم الدين (4 / 516).
2. في ظلال القرآن (1/64) الطبعة الخامسة سنة 1386 هـ - 1967م .
3. ولم يذكر سورة ص ، وسورة ص جاءت في عنوان خصومة قريش للنبي (صلى الله عليه واله) حينما عجبوا أن جاءهم نذير منهم ، وعجبوا أن جعل الآلهة إلها واحدا ، وطلب بعضهم من بعض أن أمشوا وأصبروا على آلهتكم بدأت القصة فيها بهذه التسلية للنبي (صلى الله عليه واله) بعد قوله {إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ } [ص : 70 ، 71] .
4. مجلة لواء الإسلام ، العدد السابع ، السنة الرابعة ، ص 537 – 554 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .