أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-9-2016
2558
التاريخ: 12-9-2016
2957
التاريخ: 11-9-2016
4134
التاريخ: 12-9-2016
2142
|
ان تناول قضية الكتابة عن السومريين لدى اي مؤرخ لا يمكن ان تتم معالجتها تاريخيا فيما يعرف بعصر الاسرات السومرية المبكر دون تناول نقطتين رئيسيتين قبلهما. الأولى وتعرف بالمسألة السومرية Sumerian Problem، والثانية وتخص مسألة الاساس الاسطوري للأسرات السومرية ولسوف نحاول في هذا الفصل معالجة هاتين المسألتين وفق مقتضى الحال في هذه الدراسة، قبل ان نشرع في تناول عصر الاسرات السومرية المبكر (فجر الأسرات السومرية) تمييزا له عن عصر الاحياء السومري.
أولا- المسألة السومرية :
لعبت الاستكشافات الآثرية – ولا تزال – دوراً بالغ الأهمية في كشف تعاظم دور السومريين في تاريخ حضارة الرافدين بخاصة ومنطقة الشرق الادنى القديم بعامة، ولعل أهم نقطة تتعلق بفهم دورهم وعطائهم الحضاري بالمنطقة هي مسألة اصولهم الأولى والمكان الذي قدموا منه اذا سلمنا بكونهم مهاجرين غير اصلاء بالمنطقة او قبلنا بعكسه من حيث كونهم من سكان العراق القدماء.
والواقع ان تناول هذه القضية يستند على اسس ثلاث في معالجتها؛ اولها لغوي والثاني إنثروبولوجي والثالث أثري. وهي أسس لم تنته بالباحثين لرأي حاسم. بل جعلت جل نتائجهم مجرد إفتراضات غير يقينية، ولسوف نوغل من جانبنا في المسألة بغاية الرفق مستلهمين مقولة احد اعلام حضارة الرافدين.
(هنري فرانكفورت H. Frankfort) اذ يذكر في هذا الصدد (ان المناقشة المسهبة لهذه المشكلة يمكن تماما ان تتحول في النهاية إلى ملاحقة وهم لا وجود له مطقا).
وبادئ ذي بدء، يمكن القول ان مسمى (السومريون) مشتق من الاسم القديم للقسم الجنوبي من العراق (سومر (شومر) بما يفيد سكنى هؤلاء الاقوام هنا المنطقة تحديدا، تمييزا لهم عن الأكديين الذين قطنوا منطقة أكد في وسط العراق مشكلين ثاني المجموعات التي وصلت العراق في وقت مبكر. وهي مجموعة (الساميون) (الجزريون) النازحة من الجزيرة العربية. وبجانب هاتين المجموعتين مجموعة ثالثة مجهولة الهوية اسما وموطناً تفرق أفرادها في شتى أرجاء المنطقة وقد عاشت تلك الاقوام نفس النمط السياسي وتمثلت ذات التأثيرات البيئية على ظروفها الاقتصادية ونتاجها الحضاري دون تمايز في هذا الصدد . بيد أنه منذ اكتشاف الفرق الهائل بين السومريين والساميين لغويا في منتصف القرن الماضي، وجهود العلماء لم تتوقف عن كشف مزيد من الفروق المستقاة من دراسة النصوص والمدونات بكلتا اللغتين. بحيث خلصوا في النهاية إلى ان الحد الفاصل بين سكان العراق القدماء استند على اللغة أكثر من اي اعتبار آخر؛ السومريين خاصة بالمجموعة الأولى، والسامية للمجموعة الثانية، في حين تأكد العلماء يقينيا من وجود المجموعة الثالثة التي لا تنتمي لكلتا المجموعتين السابقتين نظرا للعثور على مدونات تحمل اسماء وكلمات ليست بالسومرية ولا بالسامية.
ولقد عزز الاساس اللغوي، ما توصل إليه العلماء في الاساس الثاني اي الانثروبولوجي؛ حيث تبين عدم وجود ثمة صفات تشريحية لجماجم القبور السومرية تجعل منهم عنصرا جنسيا متميزاً.
فالجماجم بشكلها الطولي او المفلطح تشير إلى امتزاج العنصر الاريني مع مثيله من حوض البحر المتوسط. اما التماثيل المنحوتة سواء لأشخاص سومريين او ساميين أظهرت شكل الأنف اما كبيرا او مستقيما قصيرا والعيون واسعة والجبهة مسطحة مع أعناق تميل إلى الغلظة.
اما الاساس الثالث وهو الاساس الاثري فقد أفاد في محاولة التعرف على أمرين، أصولهم الأولى وتاريخ قدومهم أو ظهورهم بالمنطقة. وكلاهما تكتنفه صعوبة بالغة لا سيما مسألة التاريخ التي يختلف فيها العلماء اختلافا بينا نابع من اختلاف طرائقهم في تحديد زمن كل حضارة في عصور ما قبل التاريخ فضلا عن تداخل مظاهر اللقى الاثرية في بعضها الآخر حسبما أسلفنا.
ومن ثم، فقد تبنى احد الآراء كون هؤلاء الأقوام قد استوطنوا وادي الرافدين خلال العصور الوركاء في حين يرجع بها البعض إلى عصر العبيد، واستنادا على أن ظهور الكتابة السومرية على الاختام الإسطوانية والمنحوتات وان رجعت إلى عهد الوركاء، فان هذا لا يعني ان اللغة السومرية اذتها كانت مستخدمة قبل تلك الفترة وهي وجهة نظر لها وجهاتها على اساس ان التعبير اللغوي يسبق دوما ترجمته الرمزية.
ويعزز هذا الافتراض الذي يربط بين وجود السومريين وعصر حضارة العبيد، تطور صناعة الفخار في فترة عصر الوركاء الذي لا يعني كونه اشارة إلى انه قد تم بفعل الغزو الأجنبي وليست محض تطور محلي خالص ... بل إن هذا الفخار أيضاً قد تعود بنا دراسته إلى اعتبار سكان العبيد وكأنهم قد وفدوا من إيران او على الاقل من شمال العراق في شكل استعمار بدائي فرض نفسه على السكان الاقدمين. واستنادا على دراسة الفخار أيضاً في موقع أريدو يمكن ان نستقي نتيجة مؤداها رجوع السكان الأوائل في جنوب العراق إلى العبيد والى حضارة تل حلف الشمالية بما يعني كونهما فرعين لأصل واحد وهؤلاء الأخارى، اي الحلفين، يمكن ان يرجعوا بدورهم لعصر حضارتي جرمو وحسونة ... وهكذا نجد القضية تدفعنا للوراء في دهاليز مراحل ما قبل التاريخ بتعقيداتها ومشكلاتها الخاصة.
ومن خلال الأدلة الأثرية أيضاً تذهب بناء الآراء حول موطن السومريين وأصولهم هذه المرة إلى حوض وادي السند حيث هاجرت منه أقوام كانت على درجة معينة من التحضر وانهم عبروا ايران والخليج العربي إلى القسم الجنوبي من العراق حوالي 3000 سنة قبل الميلاد ويستند اصحاب هذا الرأي على النمط الفني لبعض القطع الاثرية ومادة صناعتها التي ترجعها لحوض السند. بل ويرجع البعض هذه العلاقة بين المنطقتين إلى عصر حضارة الوركاء استنادا على نمط بناء المعابد المدرجة المستخدمة آنذاك والمعروف باسم الزقورات والدال على اصل هؤلاء الجبلي وتحديدا في المناطق الجبلية الشرقية لإيران.
كذلك فان التراث الديني الاثري والنص انما يتخذه البعض كدليل على ما يسرقونه من آراء في هذا الصدد. فاستمرار التقاليد الدينية عبر حضارتي العبيد والوركاء امر له دلالته الهامة. ذلك ان وجود طبقة سميكة من عظام الاسماك معطى معابد حضارة العبيد في أريدو تقطع بأن الاله المعبود هناك لم يكن سوى أله الماء السومري (انكي).
أما المثال الخاص بالتراث الديني فيذهب في احدى الأساطير السومرية إلى كون السومريين قد جاءوا عن طريق البحر في عصور سحيقة كان الناس فيها – حسب الاسطورة – يمشون على اربع. وانهم استقروا في دلمون (البحرين على الارجح). والتي وصفتها الاسطورة بالبكورة في مظاهر الحياة اذ (لم يكن ينعق فيها غراب اسود، ولا يفترس اسد، ولا يعتدي ذئب على حمل، ولا تحني الحمامة رأسها، ولا توجد أرملة فيها ولا مرض ولا شيخوخة ولا نواح ولا بكاء ....).
بيد ان نقص المياه فيها دفع الآلهة إلى تزويدها بينابيع المياه التي حولتها جنة خضراء ... ورغم ذلك فقد نزح هؤلاء شمالا باتجاه القسم الجنوبي نحو الرافدين دون سبب واضح في الاسطورة. وهذا القسط بالطبع هو بلاد سومر.
ومما لا شك فيه ان استعراض القضية على النحو سالف الذكر، يبين مدى تعقيدها وبذكرنا مقولة هنري فرانكفورت التي سقناها بداية. بيد انه في المجمل يمكن القول ان معظم الآراء انما ترجع وجود السومريين إلى حضارة عصر العبيد او الوركاء. وانهم وان كانوا يمثلون الامتداد الطبيعي لمدنيات عصور ما قبل التاريخ الاخرى. فان استقرارهم انما يرجع في الغالب فيما بين 4000-3000 ق.م. وان كونهم مزيج من شعوب المنطقة قد جعل نتاجهم الحضاري مزيجا من العناصر الاجنبية والمحلية وجعل من لغتهم فرعا من مجموعة لغوية كبيرة غطت كل منطقة غربي آسيا بل ربما امتدت لأبعد من ذلك.