أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-7-2020
1634
التاريخ: 5-9-2016
1013
التاريخ: 5-9-2016
2270
التاريخ: 6-9-2016
960
|
الإجماع المحصّل أحد مصادر التشريع عند أهل السنّة بما هوهو لا بما هو كاشف عن حجّة شرعية، كما عليه الإمامية، وقد اختلفت كلمة الأُصوليّين في تعريفه.
فعرّفه الغزالي بقوله: إنّه اتّفاق أُمّة محمّد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بعد وفاته في عصر من العصور على حكم شرعي.(1)
وعلى هذا التعريف لا يكفي اتّفاق المجتهدين، بل يجب اتّفاق جميع المسلمين في عصر من العصور، وهو أمر نادر الوقوع.
وعرّفه الآخرون: باتّفاق أهل الحلّ والعقد على حكم من الأحكام، أو اتّفاق المجتهدين من أُمّة محمّد في عصر على أمر.
المهم في المقام هو الوقوف على وجه حجّية الإجماع عند أهل السنّة أوّلاً، وعند الشيعة ثانياً، فانّ الإجماع عند الطائفة الأُولى بما هوهو دليل شرعي يُضفي على الحكم صبغة الشرعية فهو في عرض الكتاب والسنّة والعقل.
أمّا الإجماع عند الطائفة الثانية فهو عندهم حجّة لأجل كشفه عن قول المعصوم أو دليل معتبر، ولأجل إيقاف القارئ على موقف الطائفتين من الإجماع، نوضح الموضوع إجمالاً.
موقف أهل السنّة من الإجماع المحصَّل:
إذا اتّفق المجتهدون من أُمّة محمّد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في عصر من العصور على حكم شرعي، يكون المجمع عليه حكماً شرعياً واقعياً عند أهل السنّة ولا تجوز مخالفته، وليس معنى ذلك انّ إجماعهم على حكم من تلقاء أنفسهم يجعله حكماً شرعياً، بل يجب أن يكون إجماعهم مستنداً إلى دليل شرعي قطعي أو ظنّي، كالخبر الواحد والمصالح المرسلة والقياس والاستحسان.
فلو كان المستند دليلاً قطعياً من قرآن أو سنّة متواترة يكون الإجماع مؤيداً و معاضداً له; ولو كان دليلاً ظنياً كما مثلناه، فيرتقي الحكم حينئذ بالإجماع من مرتبة الظن إلى مرتبة القطع واليقين.
ومثله ما إذا كان المستند هو المصلحة أو دفع المفسدة، فالاتّفاق على حكم شرعي استناداً إلى ذلك الدليل يجعله حكماً شرعياً قطعياً، كزيادة أذان لصلاة الجمعة في عهد عثمان لإعلام الناس بالصلاة كي لا تفوتهم، حتى صار الأذان الآخر عملاً شرعياً إلهياً وإن لم ينزل به الوحي.(2)
وعلى ذلك فقد أعطى سبحانه للإجماع واتّفاق الأُمّة منزلة كبيرة على وجه إذا اتّفقوا على أمر، يُصبح المجمع عليه حكماً شرعياً قطعياً كالحكم الوارد في القرآن والسنّة النبويّة، ولذلك قلنا بأنّ الإجماع عندهم من مصادر التشريع.
ثمّ إنّهم استدلّوا على ما راموه بوجوه:
منها: قوله سبحانه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 115]
وجه الاستدلال انّه سبحانه ابتدأ كلامه بجملتين شرطيّتين:
أ. (ومن يشاقق الرَّسول بعد ما تبيّن له الهدى) .
ب.(و [من]يتّبع غير سبيل المؤمنين) .
ثمّ إنّه سبحانه جعل لهما جزاءً واحداً وهو قوله: (نولّه ما تولّى...) فإذا كانت مشاقّة اللّه ورسوله حراماً كان اتّباع غير سبيل المؤمنين حراماً مثله بشهادة وحدة الجزاء، فإذا حرم اتّباع غير سبيلهم، فاتّباع سبيلهم واجب إذ لا واسطة بينهما. ويلزم من وجوب اتّباع سبيلهم كون الإجماع حجّة، لأنّ سبيل الشخص ما يختاره من القول أو الفعل أو الاعتقاد.(3)
يلاحظ عليه أوّلاً: أنّ الوقوف على مفاد الآية يتوقّف على تبيين سبيل المؤمن والكافر أي سبيل لا من يشاقق ومن يشاقق ـ في عصر الرسول الذي تحكي الآية عنه ـ ، فسبيل المؤمن هو الإيمان باللّه وإطاعة الرسول ومناصرته، وسبيل الآخر هو الكفر باللّه ومعاداة الرسول ومشاقّته، فاللّه سبحانه يندّد بالكافر ويذكر جزاءه بقوله: (نولّه ما تولّى ونصله جهنم) ويكون جزاء المؤمن بطبع الحال خلافه.
وعلى ضوء ذلك يكون المراد من اتّباع سبيل المؤمنين هو إطاعة الرسول ومناصرته، ومن سبيل غيرهم هو معاداة الرسول ومناقشته فأي صلة للآية بحجّية اتّفاق المؤمنين على حكم من الأحكام.
وبعبارة أُخرى: أنّ الموضوع للجزاء في الآية مركّب من أمرين:
أ .معاداة الرسول.
ب. سلوك غير سبيل المؤمنين.
فَعَطَفَ أحدهما على الآخر بواو الجمع وجَعَلَ سبحانه لهما جزاءً واحداً وهو قوله:(نولّه ماتولّى ونصله جهنّم) .
وبما انّ معاداة الرسول وحدها كافية في الجزاء وهذا يكشف عن انّ المعطوف عبارة أُخرى عن المعطوف عليه، والمراد من اتّباع غير سبيل المؤمنين هو شقاق الرسول ومعاداته وليس أمراً مغايراً معه كما حسبه المستدل.
وثانياً: أنّ سبيل المؤمنين في عصر الرسول هو نفس سبيل الرسول، فحجّية السبيل الأوّل لأجل وجود المعصوم بينهم وموافقته معه فلا يدلّ على حجّية مطلق سبيل المؤمنين بعد مفارقته عنهم.
ومنها: قوله سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]
وجه الاستدلال: انّ الوسط من كلّ شيء خياره، فيكون تعالى قد أخبر عن خيرية هذه الأُمّة، فإذا أقدموا على شيء من المحظورات لما وُصِفُوا بالخيرية فيكون قولهم حجة.
يلاحظ عليه: أنّ وصف جميع الأُمّة بالخير والعدل مجاز قطعاً، فإنّ بين الأُمّة من بلغ في الصلاح والرشاد إلى درجة يُستدرُّ بهم الغمام، وفي الوقت نفسه فيها من بلغ في الشقاء إلى درجة خضّب الأرض بدماء الصالحين والمؤمنين، ومع ذلك كيف تكون الأُمّة بلا استثناء خياراً وعدلاً، وتكون بعامة أفرادها شهداء على سائر الأُمم، مع أنّ كثيراً منهم لا تقبل شهادتهم في الدنيا فكيف في الآخرة.
يقول الإمام الصادق ـ عليه السَّلام ـ في تفسير الآية: «فإن ظننت انّ اللّه عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين، أفترى أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر، تُطلب شهادته يوم القيامة وتقبل منه بحضرة جميع الأُمم الماضية؟!».(4)
وهذا دليل على أنّ الوسطية وصف لعدة منهم، ولمّا كان الموصوف بالوسطية جزءاً من الأُمّة الإسلامية صحّت نسبة وصفهم إلى الجميع، نظير قوله سبحانه: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} [المائدة: 20] فقد وصف عامّة بني إسرائيل بكونهم ملوكاً، مع أنّ البعض منهم كان ملكاً.
وإذا كانت الوسطية لعدّة منهم دون الجميع، يكون قولهم هو الحجّة كما يكونوا هم الشهداء يوم القيامة لا جميع الأُمّة وإنّما نسب إلى الجميع مجازاً. وأمّا من هو هذه العدّة فبيانه على عاتق التفسير.
ومنها: ما روي عن النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم : «انّ أُمّتي لا تجتمع على ضلالة». ورواه أصحاب السنن.(5)
يلاحظ عليه: أوّلاً :أنّ الحديث مع أنّه روي في غير واحد من السنن ضعيف السند .
قال الشيخ العراقي في تخريج أحاديث تفسير البيضاوي: «جاء الحديث بطرق في كلّها نظر».(6)
وقد قمنا بدراسة هذا الحديث وتحليله في رسالة (7) جمعنا فيها أسانيده وخرجنا بحصيلة انّ جميع تلك الأسانيد ضعيفة، مضافاً إلى أنّ الحديث خبر واحد لا يحتجّ به في الأُصول.
ثانياً: أنّ الوارد في الحديث هو عدم الاجتماع على «الضلالة» لا عدم الاجتماع على «الخطأ»، فيكون الحديث ناظراً إلى مسائل العقيدة التي هي مدار الهداية والضلالة لا إلى الفروع، فلا يوصف المصيب فيها بالهداية والمخطئ بالضلالة.
ثالثاً: أنّ المصون من الضلالة هي الأُمّة بما هي أُمّة لا الفقهاء فقط ولا أهل العلم ولا أهل الحل والعقد، وعلى ذلك ينحصر مفاد الحديث بما اتّفقت عليه جميع الأُمّة في مجال العقائد والأُصول والفروع.
إلى هنا تمّ ما استدلّ به أهل السنّة على حجّية الإجماع وكونه من مصادر التشريع بما هوهو، وقد عرفت قصور أدلّتهم عن إثبات مرامهم فهلمّ معي ندرس مكانة الإجماع عند الشيعة.
_____________
1. المستصفى:1/110.
2. الوجيز في أُصول الفقه لابن وهبة:49.
3. الوجيز:49.
4. البرهان في تفسير القرآن:1/160.
5. ابن ماجه: السنن:2، الحديث 3950; الترمذي: السنن:4، برقم 2167; أبو داود: السنن:4، برقم 4253; مسند أحمد:5/145.
6. سنن ابن ماجه:2/1303.
7. لاحظ كتاب «رسائل و مقالات»: ج2./194 ـ 209
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|