المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



هل البحث في المشتق بحث عقلي أم بحث لغوي ؟  
  
1926   08:17 صباحاً   التاريخ: 1-9-2016
المؤلف : محاضرات السيد علي الحسيني السيستاني بقلم السيد منير السيد عدنان القطيفي
الكتاب أو المصدر : الـرافـــد فـي عــلـم الاصـول
الجزء والصفحة : ص 220-235.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /

البحث في المشتق هل هو بحث عقلي أم بحث لغوي فهنا نظريتان :

الأولى:

إن البحث في المشتق بحث عقلي فلسفي ، وذلك لأن مفهوم المشتق مفروغ عنه وهو الواجد للمبدأ بأي لون من ألوان الواجدية فلا نزاع في مفهومه .

وإنما النزاع في كون الموضوع المحمول عليه المشتق هل هو من مصاديق المشتق وأفراده مطلقاً حتى بعد انقضاء تلبسه بالمبدأ أو أنه من مصاديقه حين التلبس فقط ، فالبحث متعلق بمرحلة الصدق والفردية لا بمرحلة التشخيص اللغوي للمفهوم ، ولذلك يختص البحث بالقضايا والجمل الاسنادية لأنها تعبر عن مرحلة الصدق ولا ربط له بالمفردات ، إذن فالبحث في المقام تصديقي لا بحث تصوري في مفهوم المشتق .

وقد ذهب لهذه النظرية المحقق الطهراني صاحب المحجة والتبريزي في المشتقات والبهبهاني في المقالات والسيد البروجردي (1) وبعض الأعاظم(2) .

الثاني :

إن البحث في المقام حول ظهور لفظ المشتق في خصوص المتلبس بالمبدأ او الأعم ، فهو بحث لغوي حول مدلول كلمة معينة وأن هذا المدلول هل هو واسع يشمل المنقضي ام ضيّق فيختص بحين التلبس ، وهذا ما يسمى بالشبهة المفهومية الدائرة بين الأقل والأكثر كالنزاع في مفهوم الفاسق الخاص بمرتكب الكبيرة أو الشامل لها ولمرتكب الصغيرة، ومثله النزاع في الصحيح والأعم أيضا .

إذن البحث هنا بحث لغوي تصوري سواءاً كان هناك جملة اسنادية أم لا، وقد ذهب لهذا الرأي المحققون الثلاثة النائيني (3) والعراقي (4) والاصفهاني (5) وهو مختارنا أيضا(6) .

ونستعرض الأن النظرية الأولى وتقريبها وما يرد عليها من الملاحظات :

تقريبها: إن ما نتصوره من كلام المحقق الطهراني في المحجة أحد وجهين :

أ - إن الحمل على نوعين ، حمل مواطاة وحمل اشتقاق ، فاما حمل المواطاة فيعني الهوهوية بين الموضوع والمحمول والهوهوية تقتضي الاتحاد الوجودي بينهما، ومع حصول الاتحاد المذكور فالموضوع لابد وأن يكون من المصاديق الفعلية للمحمول ومن أفراده الحالية والا لم يصح حمل المشتق عليه ، إذ لا يصح أن يقال للسائل أنه ماء بعد تحوله بخاراً ، ولا يصح أن يقال للمائع أنه خل بعد تحوله خمراً .

فحمل المواطاة متقوم بالهوهوية الوجودية التي تعني كون الموضوع مصداقاً فعلياً للمحمول .

وأما حمل الاشتقاق فمعناه : حمل المبدأ على الذات التي تلبست به فليس معناه الهوهوية بين الطرفين ، إذ لا هوهوية بين المبدأ وبين الذات ولذلك لا يصح حمله عليها فلا يقال زيد جلوس الا مع التأويل ، بل معناه مجرد الانتساب أي انتساب هذا المبدأ إلى الذات .

وحينئذ يقع البحث في أن حمل الاشتقاق الراجع لمعنى الانتساب هل يعتبر فيه فعلية التلبس بالمبدأ حتى يصح الحمل أو يكفي مجرد ارتباط المبدأ بالذات في زمن من الأزمنة لصحة الحمل، فالنزاع عقلي في بحث فلسفي وهو بحث حمل الاشتقاق ، وبما أن حمل المشتق كقولنا زيد عالم من مصاديق حمل الاشتقاق لأن عنوان المشتق عنوان انتزاعي مأخوذ من المبدأ وهو العلم مثلاً ، فحمله في الواقع وعالم الثبوت هوحمل للمبدأ على الذات وإنما لعدم صحة حمل المبدأ على الذات صراحة فيحمل عليها بواسطة ذو فيقال زيد ذو علم أو بواسطة المشتق فيقال زيد عالم فالحمل لباً وثبوتاً للمبدأ .

وبما أن حمل المبدأ حمل اشتقاق فكذلك حمل المشتق المأخوذ منه ، ولأجل وجود الخلاف في بحث الاشتقاق وأنه هل يشترط فيه فعلية التلبس أم لا فيسري هذا الخلاف لصغرياته ومصاديقه ومن جملتها المشتق .

ب - إن الخلاف المذكور ليس كبروياً دائراً حول حمل الاشتقاق نفسه وإنما هو بحث صغروي أي في خصوص المشتق ، بمعنى أن حمل الاشتقاق يفترق عن حمل المواطاة افتراقاً جوهرياً ، فكما يختلفان في أن المحمول في حمل المواطاة عنوان مندمج مع عنوان الموضوع متحد به وجوداً كقولنا هذا حجر والمحمول في حمل الاشتقاق هو المبدأ المنفصل عن الذات مفهوماً ووجوداً ، بناءاً على تعدد الموجود خارجاً للجوهر والعرض ، فكذلك يختلفان في أن المعتبر في حمل المواطاة كون الموضوع من الأفراد الفعلية للمحمول ولا يعتبر ذلك في حمل الاشتقاق ، بل يكفي مجرد انتساب المبدأ للموضوع في زمان سابق .

فهذه الكبريات لا نزاع فيها، وإنما النزاع في الصغرى وهو المشتق نفسه وهل أنه مندرج في باب حمل المواطاة فلابد فيه من فعلية التلبس أم أنه مندرج في باب حمل الاشتقاق فلا يعتبر فيه الفعلية .

بيان ذلك : أن حمل الاشتقاق يعني حمل المبدأ على الذات ، وبما أنه لا يصح حمل المباين على مباينه فلابد من وسيلة لتصحيح الحمل وهو إما لفظ ذو فيقال زيد ذو علم وإما لفظ المشتق فيقال زيد عالم ، فإذا قيل زيد عالم فهنا توجد نظرتان :

1 -أن كلمة عالم عنوان حاك عن العلم مرشد إليه ولا موضوعية للفظة عالم أصلا، وحينئذ بما أن حمل المبدأ على الذات حمل اشتقاق وحمل الاشتقاق لا يعتبر فيه فعلية التلبس فلا يعتبر في حمل المشتق فعلية التلبس ، لأن حمل عالم عبارة أخرى عن حمل كلمة علم وهي المبدأ نفسه .

2 - أن نقول بان حمل عالم على الذات يعني تحقق حملين مندمجين أحدهما صريح والآخر ضمني ، فالضمني هو حمل المبدأ نفسه على الذات وهو حمل اشتقاقي لا يعتبر فيه فعلية التلبس، والصريح هو حمل عنوان عالم وهو عنوان متحد وجوداً مع الذات فحمله عليها حمل مواطاة، وبما أنه يعتبر في حمل المواطاة كون الموضوع فردا فعليا للمحمول فلابد من اعتبار ذلك أيضا في حمل المشتق ، خصوصاً وأنه عنوان انتزاعي ولا وجود للمنتزع الا بوجود مبدأ انتزاعه فإن وجوده بدونه من قبيل بقاء المعلول بلا علة .

إذن فالبحث صغروي حول عنوان المشتق وأنه مندرج تحت باب حمل المواطاة أم تحت باب حمل الاشتقاق .

وهذان هما الوجهان المتصوران في المقام لإثبات أن بحث المشتق بحث فلسفي يدور مدار الصدق والانطباق ، وهناك عدة اعتراضات على هذه النظرية بكلا تصويريها:

الأول :ما عن المحقق الاصفهاني في حاشيته على الكفاية، وملخصه أمران :

1 - إن الحمل الحقيقي هو حمل المواطاة لأن الحمل يعني الهوهوية بين الموضوع والمحمول ، الا أن الهوهوية إما مفهومية مع المغايرة الاعتبارية وإما مصداقية مع التغاير المفهومي ، وأما حمل الاشتقاق وهو حمل المبدأ على الذات الذي يتوصل له إما بلفظ ذو وإما بالوصف المشتق فهو حمل مجازي كما ذكر المحقق الطوسي في شرح الاشارات (7)، وليس حملاً حقيقياً حق يتصور النزاع فيه كما قرر في الوجه الأول .

2 - إن هذا الترديد والتشقيق ، وهو أن حمل كلمة عالم مثلاً على زيد إما حمل مواطاة فيعتبر فيه فعلية التلبس وإما حمل اشتقاق فلا يعتبر فيه ذلك ، ان كان تشقيقاً لنفس المبدأ أي أن حمل المبدأ على الذات يتصور فيه هذان الاحتمالان فليس هذا محل كلامنا، لأن كلامنا في المشتق لا في المبدأ . وان كان تشقيقاً للمشتق نفسه وأن حمل كلمة عالم - مثلا - يتصور فيها الاحتمالان ففيه : إن حمل المشتق حمل مواطاة بلا ريب ، لوجود الهوهوية والاتحاد الوجودي بين الذات والعناوين الاشتقاقية ولا يتصور في حمل المشتق رجوعه لحمل الاشتقاق أصلاً ، فلا يتم التصور الثاني للنظرية(8) .

ولكننا لا نوافق على هذا الاعتراض ، وذلك لأن مقصود المحقق الطهراني - كما يظهر لمن راجع كلامه - أن التشقيق والترديد للحمل لا للمحمول ، سواءاً كان مبدأ أم مشتقاً ، ولذلك صياغتان :

أ - إننا اذا قلنا زيد عالم فنتسائل ما هو المحمول هل هو المبدأ ولفظة عالم ما هي الا وسيلة لتصحيح الحمل ومفادها مفاد كلمة ذو، فمعنى الحمل حينئذٍ هو انتساب المبدأ للذات . وهذا ما نعبر عنه بحمل الاشتقاق الذي يكفي فيه - بناءاً على تسليم الكبرى - مجرد ارتباط الذات بالمبدأ في الزمان السابق وإن لم يكن هناك تلبس فعلي .

أم أن المحمول هو عنوان العالم فقط والمبدأ ما هو الا مصحح للانتزاع ، فإن العنوان الانتزاعي له منشأ انتزاع وهو ما يصح حمله عليه وهو الذات في المقام ومصحح انتزاع وهو المبدأ هنا ، فالمبدأ ليس دخيلاً في الحمل ولا جزءاً من المحمول وإنما هو مصحح الانتزاع فقط والا فالمحمول هو العنوان .

وبناءاً على ذلك فالحمل حمل مواطاة فيعتبر فيه فعلية التلبس ، مضافاً إلى أن عنوان المشتق عنوان انتزاعي ولا بقاء للعنوان الانتزاعي مع زوال مصحح انتزاعه .

إذن فهذا التسائل معقول ولا يرد عليه الاعراض المطروح من قبل المحقق الاصفهاني ، نعم قد يدعى أن الظاهر من حمل لفظة عالم - مثلاً - على زيد هو حمل عنوان المشتق لا حمل المبدأ المصحح له ، ولكن المفروض في كلام المحقق الطهراني أن البحث عقلي يدور مدار الحمل لا أنه بحث لغوي يدور مدار الظهور.

ب - إننا إذا قلنا زيد عالم فهنا لا يوجد حملان بالأصالة ، أحدهما مواطاة والآخر اشتقاق ، لتباين الحملين فلا يجتمعان في حمل واحد كما هو واضح لاستحالة اجتماع المتباينين ، ولكن يوجد هنا حملان ، أحدهما بالأصالة والأخر بالعرض ، فيوجد حمل لعنوان المشتق على الذات وحمل للمبدأ على الذات .

والسؤال حينئذٍ : أي الحملين بالأصالة؟

فإذا كان الحمل الأصيل هو للمبدأ فالمقصود مجرد الانتساب وهذا هو المعبر عنه بحمل الاشتقاق الذي لا يعتبر فيه فعلية التلبس ، وإن كان الحمل الأصيل للمشتق فالحمل حمل مواطاة وهو الذي يعتبر فيه فعلية التلبس .

إذن فتصور وجود حملين في القضية أمر معقول ، وبناءاً عليه فيصح التساؤل المذكور، وهذا هو مقصود المحقق الطوسي من المجاز في حمل الاشتقاق ، أي أن المحمول بالحقيقة في حمل المشتقات هو حمل المشتق - مثلاً - وهو حمل مواطاة ، والمبدأ المحمولي حمل الاشتقاق محمول على نحو المجاز، لا أن حمل الاشتقاق بتمام صوره حمل مجازي بل هو حمل حقيقي قصد منه بيان مجرد الانتساب والارتباط وهذا المدلول مدلول واقعي فالتعبير عنه بلفظ ذو تعبير حقيقي لا مجازي ، نعم ظاهر بعض كلمات الحكماء أن حمل الاشتقاق بتمام صوره حمل مجازي لأن حقيقة الحمل متقومة بالهوهوية والحاصل أن هنا حملين حملاً بالأصالة والاخر بالعرض وإن كان الظاهر.

في صورة حمل المشتق على الذات كون المحمول بالحقيقة هو عنوان المشتق والمبدأ محمولاً بالعرض والمجاز.

كما أن الظاهر أن الكبرى المذكورة في التصوير الأول للمحقق الطهراني متفق عليها في الفلسفة وهو أن حمل الاشتقاق لا يعتبر فيه فعلية التلبس ، وإنما النزاع في الصغرى وهي حمل المشتق لا في الكبرى فلا يتم التصوير الأول . الا أن التصوير الثاني معقول ولا يرد عليه اعتراض المحقق الاصفهاني (قدس سره ) .

الاعتراض الثاني :

ما طرحه المحقق النائيني (قدس سره ) في أجود التقريرات (9) ومحصله أمران :

أ - إن ما ذكره المحقق الطهراني من كون النزاع في المشتق متعلقاً بمرحلة الصدق والتطبيق مبني على مسلك السكاكي في بحث المجاز، حيث اختار رجوع المجاز للإسناد لا للكلمة .

بيان ذلك : أن المشهور ذهبوا لكون المجاز في الكلمة ، فإذا قلت رأيت أسداً يرمي فالتجوز في لفظ الأسد حيث أريد به الرجل الشجاع ، الا أن السكاكي ذهب إلى أن التجوز في إسناد لفظ الأسد للفظ يرمي لا في لفظ الاسد .

فبناءا على مسلك المشهور يكون الحقيقة والمجاز من عوارض الكلمة وصفاتها، وبناءاً على مسلك السكاكي يكونان من عوارض الاسناد .

وحينئذٍ فلابد لنا في بحث المشتق عندما نتكلم عن كون المشتق حقيقة في المتلبس ومجازاً في غيره أو كونه حقيقة في الأعم أن ننظر لمرحلة الاسناد والحمل ، حيث لا حقيقة ولا مجاز الا فيه ونفس الكلمة بما هي لا تكون لا حقيقة ولا مجازاً، فلا يصح البحث عن المدلول الحقيقي والمجازي للفظ المشتق ، بل يجب أن ينصرف البحث للإسناد وكونه حقيقياً أم مجازياً، إذن فما أفاده المحقق الطهراني يتفرع على مسلك السكاكي .

ب - بما أن الأساس لنظرية المحقق الطهراني هي نظرية السكاكي في باب المجاز فإذا بطل الأساس بطل ما تفرع عليه .

أما بطلان مسلك السكاكي فنقول في بيانه :

إن القضايا على قسمين :

1 - حقيقية .

2 - خارجية .

فاما القضايا الحقيقية فلا يتصور فيها التجوز في الصدق والتطبيق ، وذلك لأن القضية الحقيقية لا نظر فيها لعالم الصدق والتطبيق أبداً وإنما الموضوع فيها هو طبيعي العنوان بعد الفراغ عن صدقه وانطباقه على أفراده المفروضة الوجود ، فمثلاً إذا قلنا المستطيع يجب عليه الحج فمحصله : أن طبيعي المستطيع إذا فرض صدقه على فرد فيجب عليه الحج ، فالموضوع للقضية هو طبيعي العنوان وجهة التطبيق على الأفراد أخذت مفروضة الوجود مفروغاً عنها.

ولذلك قيل : بأن القضايا الحقيقية مرجعها لقضية شرطية مقدمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له .

اذن فما دامت جهة التطبيق جهة مفروضة ومفروغا عنها في القضايا الحقيقية فلا يمكن أن يكون المجاز فيها بلحاظ عالم التطبيق والإسناد .

وأما القضايا الخارجية فهي تنقسم بحسب مرحلة الصدق والانطباق إلى ثلاثة أقسام :

1 - ما يكون الصدق فيها حقيقياً بلا خفاء نحو الفرات ماء .

2 - ما يكون الصدق فيها حقيقياً مع نوع من الخفاء نحو« الكبريت ماء ».

3 - ما يكون الصدق فيها متوقفاً على التوسعة نحو زيد أسد، والتوسعة هنا إما في الموضوع وإما في المحمول واما في الاسناد، فاما التوسعة في الموضوع فهو إما بإرادة الحيوان المفترس من لفظ زيد وهذا استعمال لا مصحح له من وضع أو طبع ، وإما باعتبار زيد حيواناً مفترساً ثم يحمل عليه لفظ الأسد وهو تكلف لا حاجة له بعد التجوز في لفظ الأسد، أو في إسناده .

وأما التوسع في المحمول بان يراد بلفظ الأسد الرجل الشجاع فهذا هو مطلوبنا، وهو كون المجاز في الكلمة لا في الاسناد .

وأما التوسع في الاسناد فهو باطل ، إذ بعد المحافظة على مفهوم زيد ومدلوله بلا تجوز والمحافظة على مدلول الأسد بلا تجوز فحمل أحدهما على الأخر حمل للمباين على مباينه كحمل الحجر على الانسان وهو غلط وليس مجازاً ، فالتجوز في الاسناد لا وجه له بعد كون طرفي الاسناد متباينين .

والخلاصة : ان مسلك السكاكي وهو رجوع المجاز للإسناد لا للكلمة لا صحة له لا في القضايا الحقيقة ولا في القضايا الخارجية ، واذ بطل المسلك المذكور بطل ما تفرع عليه من كون بحث المشتق متعلقاً بالإسناد(10).

ولكننا لا نوافق على هذا الاعراض لوجوه :

أ ـ إن البحث في صدق المشتق على الموضوع واشتراطه بفعلية التلبس أو عدم اشتراطه لا يبتني على مسلك السكاكي في المجاز، فيمكن لنا القول بمسلك السكاكي ومع ذلك نرى ان مسألة المشتق مرتبطة بالظهور الفردي للكلمة لا بالإسناد .

بيان ذلك : أننا لو اخترنا أن المجاز في الاسناد لا في الكلمة كما قال به السكاكي فيمكن لنا مع ذلك اختيار المذهب المشهور في البحث حول المشتق ، وهو البحث حول مفهومه الافرادي وهل أنه واسع يشمل المنقضي عنه المبدأ أم ضيق خاص بالمتلبس ، ولا تنافي بين البحث عن المفهوم الافرادي للمشتق واختيار كون المجاز في الاسناد لا في الكلمة .

كما أنه يمكن اختيار كون المجاز مرتبطاً بالكلمة لا بالإسناد كما عليه المسلك المشهور ومع ذلك يصح البحث في اسناد المشتق وصدقه ، فيقال : بان الحقيقة والمجاز من أوصاف الكلمة نفسها ولكن المفروض المفروغية عن مدلول وصف المشتق وأن المراد به معلوم وهو الواجد للمبدأ في زمن من الأزمنة، فالبحث حينئذٍ ليس عن مدلوله لوضوحه وإنما البحث عن مرحلة الصدق والاسناد وانه هل يصح إسناده للمنقضي عنه المبدأ على نحو الحقيقة أم لا .

إذن فلا تلازم بين مسلك السكاكي في بحث المجاز وبين تعلق البحث في المشتق بمرحلة الصدق والاسناد، كما لا تلازم بين مسلك المشهور في بحث المجاز وبين تعلق البحث في المشتق بمفهومه الأفرادي .

ب - إن ما ذكره من عدم تصور المجاز في الاسناد في القضايا الحقيقية لعدم اشتمالها على جهة التطبيق والنظر للأفراد غير تام ، وذلك لأن القضايا الحقيقية لا تخلو عن جهة التطبيق .

بيان ذلك : ان الحمل على نوعين :

1 ـ حمل صريح. 2 ـ حمل ضمني .

ومقصودنا بالحمل الصريح ما كان هو المقصود الأساسي من الاسناد، والحمل الضمني ما كان مستبطناً في الحمل الصريح ، سواءاً ذكر الطرفان للحمل الضمني المستبطن أم لم يذكرا، فمثلاً إذا قلنا زيد عالم فهذا حمل صريح ، وإذا قلنا زيد العالم جاءني فالحمل الصريح هو حمل المجيء على زيد إذ هو المقصود الأساسي في الجملة والحمل الضمني هو حمل العلم عليه لرجوع الأوصاف للأخبار كرجوع الأخبار للأوصاف ، وكذلك إذا قلنا جاءني العالم فيوجد هنا حمل ضمني وهو حمل العالم على الفرد المعهود.

وإذا اتضح ذلك فنقول بان القضايا الحقيقية لا تشتمل على جهة التطبيق بلحاظ الحمل الصريح فيها ولكنها تشتمل على جهة التطبيق بلحاظ الحمل الضمني .

فمثلاً إذا قلنا كل مستطيع يجب عليه الحج فهنا إذا لاحظنا الحمل الصريح في الجملة وهو حمل الوجوب على المستطيع لا نرى نظراً لعالم التطبيق بل عالم التطبيق مفروغ عنه عند إرادة الحمل الصريح ، ومفاد الجملة حينئذٍ ما فرض مستطيعاً وجب عليه الحج بدون النظر للأفراد بل المنظور هو طبيعي العنوان المفروض صدقه وانطباقه على الأفراد، بينما إذ لاحظنا الحمل الضمني وهو حمل المستطيع على الموضوع الواقعي فهو حينئذٍ مشتمل على جهة التطبيق ، إذ المنظور هنا هو تطبيق عنوان المستطيع على الموضوع الواقعي فيمكن أن يكون هذا التطبيق حقيقياً ويمكن أن يكون مجازياً .

ومما يدل على اشتمال القضايا الحقيقية على جهة التطبيق قول المناطقة بأن الحمل في القضايا يرجع لعقدين ، عقد الوضع وعقد الحمل ، وأن عقد الوضع عبارة عن قضية حملية مستبطنة في القضية الأساسية ، وقد اختلف الفارابي والشيخ الرئيس فيه ، فقال الفارابي برجوع عقد الوضع للقضية الممكنة، فإذا قلت كل ج ب بالإمكان - مثلاً - فالمراد بعقد الوضع كل ما هو ج بالإمكان فهو ب بالإمكان ، لأن الامكان هو أعم الجهات فهو القدر المتيقن من الاسناد فترجع القضية في عقد الوضع إليه(11) .وقال الشيخ الرئيس برجوعها للقضية الفعلية(12) ، اي كل ما هو ج بالفعل فهو ب بالإمكان ، لأن الفهم العقلائي العام لباب القضايا مرتكز على الفعلية والاطلاق العام .

فهذا التحليل لموضوع القضية الحقيقية دليل على وجود حمل ضمني مشتمل على جهة التطبيق، بل المحقق النائيني نفسه كثيراً ما يقول بان القضايا الحقيقية راجعة لقضايا شرطية مقدمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول(13) له ، ومعلوم أن القضية الشرطية تنحل لقضيتين حمليتين تربطهما أداة الشرط ، فرجع الموضوع في القضايا الحقيقية إلى قضية حملية ناقصة، وهذا معنى الاشتمال على جهة التطبيق .

ج - بعد أن اتضح لنا اشتمال عقد الوضع في القضايا الحقيقية على جهة التطبيق فلا فرق بينها وبين القضايا الخارجية في ورود المجاز فيها، سواءاً رجع للمجاز في الكلمة أم رجع للمجاز في الاسناد ، فإن العنوان المذكور في الموضوع ان كان هو المراد بالإرادة الجدية كما هو مراد بالإرادة الاستعمالية فالإطلاق حقيقي ، وان لم يكن مراداً بالإرادة الجدية مع كونه مراداً بالإرادة الاستعمالية فالإطلاق مجازي .

مثلاً اذا قلنا كل أسد تحترم أقواله في الحرب فهنا يصح القول بان لفظ الأسد اما مستعمل في غير ما وضع له وهو الرجل الشجاع وهذا يعني رجوع المجاز للكلمة، وإما مطبق على الرجل الشجاع مع استعماله في مفهومه الحقيقي وهو الحيوان المفترس وهذا هو المجاز في الاسناد، وعلى كلا المسلكين فالمجاز متصور في القضايا الحقيقية كالقضايا الخارجية .

د - بالنسبة للقضايا الخارجية اذا قلنا زيد اسد فهنا لا يوجد توسعة في الموضوع لأنه تكلف لا حاجة له ، كذلك لا يوجد توسعة في المحمول بأن أريد به ما يشمل الرجل الشجاع وهو المسمى بالمجاز في الكلمة، باعتبار أننا لا نتصور هذا المعنى عند الإضراب أو النفي .

مثلاً إذا قلنا زيد شجاع بل أسد لوكان المراد بالأسد هنا الرجل الشجاع على نحو التوسعة في مدلول اللفظ لم يكن هناك وجه للترقي والاضراب أصلا، وكذلك إذا قلنا ما زيد شجاع لكنه أسد فلا نرى معنى للنفي والاثبات لو كان المراد بالأسد هو الرجل الشجاع .

فهذه الشواهد ونحوها - كما طرحناها في بحث المجاز - تدل على عدم رجوع المجاز لمدلول الكلمة، فتعين كون المجاز في الاسناد بعد استعمال كلا اللفظين المعبرين عن الموضوع والمحمول في معناهما الحقيقي .

وأما ما ذكره المحقق النائيني (قدس سره) بان لازم ذلك هو حمل المباين على المباين بعد احتفاظ كل منهما بمعناه الحقيقي المباين للآخر فهذا الحمل مجازفة وقضية كاذبة(14)، ففيه : إن الحمل ليس حملاً حقيقياً حتى يعد كذباً ومجازفة بل هو حمل مجازي راجع لإعطاء حد شيء لشيء اخر بهدف نقل التأثير الاحساسي من المشبه به للمشبه كما ذكرناه غير مرة .

فلا يوجد كذب ولا مجازفة أصلاً بل هو المناسب للبلاغة والتفنن الكلامي.

الاعتراض الثالث : وهو بعض الملاحظات التي نسجلها على مبنى المحقق الطهراني (قده) :

الأولى : ان البحث عن حمل المشتق وأنه مندرج في حل المواطاة أو مندرج في حمل الاشتقاق متأخر رتبة عن البحث في نفس مدلول المشتق ، إذ لا يصح الانتقال لعملية الحمل الا بعد معرفة طرفيه ، واذا كان البحث في مدلول المحمول وهو المشتق يغني عن البحث حول الحمل ونوعيته فلا مبرر للطفرة بالانتقال لما هو متأخر رتبة والبحث فيه ، مع أن البحث فيما هو متقدم رتبة مغني عنه.

بيان ذلك : ان النزاع في حمل المشتق على المنتفي عنه المبدأ إنما يصح بعد الفراغ عن معرفة مدلول المشتق نفسه.

ودعوى أن مدلوله واضح وهو الواجدية غير تامة ، لأن الواجدية غير واضحة سعة وضيقاً فهل المراد بها الواجدية الواسعة أم الواجدية الفعلية ، إذن فمفهومه غير واضح سعة وضيقاً فهل المراد به خصوص المتلبس أم الأعم ، ومع عدم تحديد مفهومه لا يصح الانتقال لمرحلة الحمل المتأخرة رتبة عن تحديد المفهوم.

وبعد تحديد المفهوم سعة أو ضيقا يكون البحث حول الحمل لغواً ، وذلك لأنه لو اخترنا أن مدلول المشتق يعني خصوص المتلبس فلا محالة يكون حمله على المنقضي عنه المبدأ مجازاً ، إما بنحو المجاز في الكلمة كما يراه المشهور وإما بنحو المجاز في الاسناد كما هو مسلك السكاكي ، ولو اخترنا أن مدلوله الأعم فيصح حمله حقيقة على المنقضي عنه المبدأ بلا حاجة للبحث في نوعية الحمل وكونه مواطاة أو اشتقاقاً ، فالبحث اللغوي في مفهوم المشتق يغني عن البحث الفلسفي في كيفية الحمل.

الثانية : أننا نلاحظ أن اختلاف الحمل من كونه حمل مواطاة أو اشتقاق متفرع على تحديد مفهوم المشتق أيضاً ، وذلك لأن مفهوم المشتق إذا كان عبارة عن عنوان انتزاعي والعنوان الانتزاعي لا وجود له بدون المبدأ المنتزع منه فحينئذٍ لا محالة يكون حمله على الذات حمل مواطاة فتعتبر فيه فعلية التلبس.

وإذا كان مفهوم المشتق عبارة عن المبدأ المنتسب فهو يقوم بنفس الدور الذي تقوم به لفظة ذو فيكون حمله على الذات حينئذٍ حمل الاشتقاق الذي يكفي فيه مجرد الانتساب ولو في زمان سابق فلا تعتبر فيه فعلية التلبس ، إذن النزاع في كيفية الحمل راجع في الواقع للنزاع في مفهوم المحمول ، إذ لو كان مفهومه المبدأ المنتسب لم يصح حمله على الذات حمل المواطاة إذ لا معنى للهوهوية التي هي مناط حمل المواطاة بين المبدأ والذات ، ولو كان مفهومه العنوان الانتزاعي لم يصح حمله على الذات حمل الاشتقاق لأن العنوان الانتزاعي متحد مع الذات وجوداً فبينهما هوهوية مصداقية فكيف لا يحمل على الذات حمل المواطاة ؟!

إذن فالبحث الفلسفي حول نوعية الحمل راجع للبحث اللغوي في مفهوم المحمول ، فلا موضوعية له مقابل البحث اللغوي.

الثالثة : أننا لو سلمنا جدلاً عدم ورود الملاحظة الأولى لعدم تقدم البحث حول مفهوم المشتق رتبة على البحث في كيفية حمله ، وسلمنا أيضاً عدم ورود الملاحظة الثانية لأن البحث في الحمل لا يتوقف على تحديد مفهوم المشتق ، فمع ذلك نرى بأن البحث حول الحمل لا يلغي البحث اللغوي حول مفهوم المشتق ولا يغني عنه.

وذلك لأننا لو اخترنا أن حمل المشتق على الذات هو حمل المواطاة لاتحادهما وجوداً وأن عنوان المشتق عنوان انتزاعي فإن هذا لا يرفع النزاع في سعة المدلول ، باعتبار أن العنوان الانتزاعي له منشأ انتزاع ومصحح انتزاع ، فالأول ما يحمل عليه العنوان حملاً هوهوياً وهو الذات في المقام ، والثاني ما كان له مدخلية في تحقق العنوان وصياغته وهو المبدأ.

ومصحح الانتزاع على قسمين :

١ـ ما يكفي حدوثه في الانتزاع فلا يدور المنتزع مداره حدوثاً وبقاءاً كعنوان الأم ، فإن مصححه إما انعقاد النطفة في الرحم وإما الولادة على الخلاف الفقهي في بحث أم الولد ، فإن عنوان الأم باق حتى بعد زوال مصححه.

٢ـ ما يدور مداره العنوان الانتزاعي حدوثاً وبقاءاً كالممتلئ ، فإن مصححه عنوان الامتلاء ومع زواله لا بقاء للعنوان الانتزاعي.

وإذا اتضح لنا اختلاف انحاء المصحح الانتزاعي صح لنا البحث في المشتق حتى بعد زوال مبدئه في أنه وإن كان محمولاً على الذات حمل المواطاة ولكن هل يدور صدقه الحقيقي مدار مصحح انتزاعه حدوثاً وبقاءاً أم لا.

وهذا بحث لغوي حول سعة المفهوم وضيقه وإن كان محمولاً حمل المواطاة على منشأ انتزاعه وهي الذات التي لا يصح انتزاعه بدونها ، لأن علاقة العنوان الانتزاعي بمنشأ انتزاعه كعلاقة المعلول بعلته بخلاف علاقته مع مصحح الانتزاع ، فلا وجه للخلط بين منشأ الانتزاع ومصححه والقول بأن العنوان الانتزاعي لا يصح اطلاقه بعد زوال مبدئه ، فإن ذلك غير تام لأن المبدأ مصحح انتزاع وليس منشأ له فلا يدور العنوان الانتزاعي مداره دائماً وجوداً وعدماً. هذا إذا اخترنا أن حمل المشتق على الذات حمل المواطاة.

أما لو اخترنا أن حمله على الذات حمل الاشتقاق الذي يعني مجرد انتساب المبدأ للذات لا الهوهوية بينهما كما في حمل المواطاة فمع ذلك لا يرتفع النزاع حول مفهوم المشتق نفسه ، فمثلاً إذا قلنا زيد ذو دار فلا ريب أن هذا الحمل حمل اشتقاق يعني مجرد انتساب الدار له ، ولكن ذلك لا يلغي البحث حول مفهوم ـ ذو ـ وأنه شامل حتى لما بعد انتقال الدار عن ملكه إلى ملك غيره أم لا.

وكذلك لو غيرنا كلمة ذو إلى ما يرادفها من المشتقات فقلنا زيد مالك دار وكان الحمل حمل الاشتقاق فيصح النزاع حينئذ حول سعة مفهوم مالك وأنه شامل لمرحلة ما بعد انتقال الدار عنه أم لا ، ويصح اختيار عدم ذلك وأنه موضوع للأخص لا للأعم.

إذن فتعيين نوع الحمل من مواطاة أو اشتقاق لا يلغي البحث اللغوي في مفهوم المشتق ومدلوله.

فالصحيح أن البحث في المشتق بحث لغوي حول سعة المفهوم وضيقه لا بحث فلسفي حول الحمل ونوعه.

وبناء على ذلك يتضح المراد من لفظ الحال وأن المراد بها حال التلبس ، لأن النظر نظر لغوي لمدلول المشتق في حد ذاته وإن لم يكن هناك أي اسناد ولا جملة ، وليس المراد بالحال حال الجري والنسبة الذي يتوقف على وجود جملة إسنادية ، فإن هذا التفسير للحال لا يتناسب الا مع كون البحث في المشتق بحثاً فلسفياً متعلقاً بمرحلة الصدق والنسبة ، مع أن البحث في المشتق في مرحلة أسبق من ذلك وهي البحث حول مفهوم المشتق نفسه.

_______________

(1) الحاشية على كفاية الأصول ، تقريرات البروجردي ا : 112 .

(2) تهذيب الاصول 1 : 98 - 100 .

(3) فوائد الاصول 1 : 82 و 93 و111 .

(4) أجود التقريرات 1 : 57 و 59 .

(5) مقالات الاصوليين : 56 - 57 .

(6) نهاية الدراية 1 : 68 .

(7) شرح الاشارات 1 : 30 -31 .

(8) نهاية الدراية 1 : 69 .

(9) اجود التقريرات 1 : 59.

(10) اجود التقريرات 1 : 59.

(11) فوائد الاصول 1 : 92 ، الكفاية : 53 .

(12) فوائد الاصول 1 : 92 ، الكفاية : 53..

(13) فوائد الاصول 1 : 177 ـ 178 .

(14) اجود التقريرات 1 : 60 .




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.