المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7457 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الصحيح والأعمّ  
  
1295   10:41 صباحاً   التاريخ: 29-8-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 1ص 104.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016 1989
التاريخ: 11-6-2020 1472
التاريخ: 29-8-2016 2021
التاريخ: 30-8-2016 1317

هو من أهمّ المباحث الاُصوليّة لما فيها من آثار عمليّة، ولا بدّ فيه من تقديم اُمور قبل الورود في أصل البحث:

الأمر الأوّل: في عنوان البحث فقد عنونه المحقّق الخراساني(رحمه الله) هكذا: «وقع الخلاف في أنّ ألفاظ العبادات أسام لخصوص الصحيحة أو للأعمّ منها».

ولكن يرد عليه:

أوّلا: أنّ موضوع الصحيح والأعمّ لا يختصّ بالعبادات بل يشمل ألفاظ المعاملات أيضاً مثل لفظ النكاح والطلاق والبيع، بل ويشمل غيرهما كالألفاظ الموضوعة لموضوعات الأحكام نظير لفظ الدينار والحلّة في باب الديّة، فيقع النزاع في أنّ الدينار مثلا هل وضع للصحيح منه أو للأعمّ؟

وثانياً: يستشمّ من تعبيره بالأسامي من أنّ النزاع يدور مدار القول بالحقيقة الشرعيّة مع أنّ من المعلوم عدم اختصاصه به.

وعنونه بعض الأعلام بأنّ «ألفاظ العبادات والمعاملات هل تكون أسامى للصحيحة أو للأعمّ».

ويرد عليه: أيضاً الإشكال الثاني ممّا أُورد على المحقّق الخراساني(رحمه الله)، وكذلك الأوّل بالنسبة إلى غير العبادات والمعاملات كما لا يخفى.

وقال بعض الأعاظم في مقام بيان عنوان البحث: «الأصل في استعمالات الشارع لألفاظ العبادات ماذا؟».

ويرد عليه:

1 ـ بعض ما مرّ كما هو ظاهر،

 2- أنّ لازم قوله «استعمالات الشارع» تحديد دائرة النزاع بالألفاظ المستعملة في لسان الشارع مع أنّ النزاع كلّي يجري بالنسبة إلى مطلق الألفاظ سواء كانت مستعملة في لسان الشارع أم لا، وإن كان الغرض من هذا البحث الحصول

على كيفية استعمالات الشارع فحسب نظير البحث في سائر المباحث اللّفظيّة كمبحث الأوامر والنواهي فإنّ النزاع فيها يكون في مطلق صيغة الأمر أو صيغة النهي مثلا، من أي مولى صدرت، ولكن الغرض منه هو الحصول على كيفية دلالة صيغة الأوامر والنواهي الصادرة من ناحية الشارع.

وثالثاً: إنّ قوله «ماذا؟» كلمة مبهمة لا تبيّن المراد من البحث وإنّه من جهة الصحيح والأعم أو الحقيقة والمجاز أو جهات اُخرى.

فالأولى أن يقال: «إنّ ألفاظ العبادات والمعاملات وغيرهما بمقتضى الوضع الشرعي أو اللغوي أو القرينة العامّة هل هي للصحيح أو للأعمّ منه؟» فإنّه لا يرد عليه شيء ممّا ذكر كما لا يخفى.

الأمر الثاني: في أنّه لا فرق في جريان النزاع بين القول بثبوت الحقيقة الشرعيّة وعدمه وبين أن تكون الألفاظ مجازات في المعاني الشرعيّة أو حقائق لغويّة فيها (كما قال بعض بعض) أو حقائق لغويّة في المعاني واللغويّة كما يحكى عن الباقلاني.

وذلك لأنّ المعنى الحقيقي أو المجازي هنا يشتمل على أجزاء وشرائط على كلّ حال ويتصوّر فيها الصحيح والفاسد فيجري النزاع فيها حتّى على القول بأنّ الصّلاة في استعمالات الشرع مثلا يراد منها الدعاء فإنّه لا إشكال في أنّ هذا الدعاء في هذه الاستعمالات مقيّد بقيود خاصّة فيتصوّر فيها الصحيح والأعمّ، والجامع للشرائط والأجزاء أو الفاقد لبعضها.

الأمر الثالث: في معنى الصحّة والفساد وإنّه ما هو المقصود منهما؟ ونكتفي ببيان معنى الصحّة حتّى يعرف معنى الفساد أيضاً فإنّ الأشياء تعرف بأضدادها.

وقد ذكر لها معان مختلفة، فقال بعض أنّها بمعنى اسقاط الإعادة والقضاء، وهذا منسوب إلى الفقهاء، وقال بعض آخر أنّها بمعنى موافقة الأمر، وهو منسوب إلى المتكلّمين، ولا يخفى عدم تماميّة شيء منهما بل كلّ من الفقيه والمتكلّم فسّر الصحّة وفقاً لمسلكه الخاصّ، فالفقيه حيث يبحث عن الإعادة والقضاء في باب العبادات فسّرها بإسقاطها مع أنّه لا يصدق في أبواب المعاملات، والمتكلّم حيث إنّه يبحث في علم الكلام عن مسائل المعاد وعن الثواب والعقاب، وهما يترتّبان على موافقة الأمر ومخالفته، فقد فسّر الصحّة بالموافقة، وفي الواقع أنّهم أخذوا بلوازم الصحة المطلوبة لهم. والمحقّق الخراساني(رحمه الله) فسّرها بالتماميّة وهو أيضاً غير تامّ لأنّه مبهم لم يعيّن فيه حيثيّة التماميّة وجهتها، فهل المراد التماميّة من ناحية الأجزاء أو من جهة الأجزاء والشرائط، أو من جهات اُخرى؟

والتعريف الرابع ما هو المعروف بين من تأخّر عن المحقّق المذكور، وهو تعريفها بالجامعية للأجزاء والشرائط.

ولنا تعريف خامس يكون أقرب إلى الواقع وهو أن يقال: إنّ الصحيح ما يترتّب عليه جميع الآثار المطلوبة منه (أي الآثار الكاملة) وبتعبير آخر الشيء الصحيح هو ما يكون واجداً للخاصّية المترقّبة منه، والفاسد هو ما يكون فاقداً لها.

بيان ذلك: إنّ المركّبات على قسمين: حقيقة واعتباريّة، فالمركّب الحقيقي ما يكون بين أجزائه ربط خارجي حقيقي كبدن الإنسان وجسم الشجر، والمركّب الاعتباري ما لا يكون كذلك بل اعتبر نحو ربط بين أجزائه المتشتّة في الخارج كالصّلاة والعقود، وحيث إنّ مدار البحث في الصحيح والأعمّ هو المركّبات الاعتباريّة في الغالب فلابدّ لنا من تعيين معيار الوحدة وسبب الارتباط فيها، ولا إشكال في أنّ عامل الوحدة في المركّبات الاعتباريّة إنّما هو تأثير الأجزاء المختلفة المتشتّة في أثر واحد أو آثار معيّنة.

إذاً ينبغي لنا أن نأخذ هذا المعنى في تفسير الصحّة حتّى يكون التعريف تعريفاً مطابقاً لما في الواقع ومساعداً للاعتبار وطبيعة الحال، ولذلك نقول: الصحيح ما يترتّب على تركيب أجزائه وانسجامها الأثر المطلوب المترتّب منه فالصلاة المركّبة من الركوع والسجود والتكبير والتسليم مع الطهارة واستقبال القبلة أمر وحداني في نظر الشارع المقدّس يراد منه تحقيق أثر خاص عند اجتماعها سواء كان النهي عن الفحشاء والمنكر أو غيره، وهكذا الصّيام وغيره.

إن قلت: من أين نفهم أنّ هذا المركّب يحقق الأثر المطلوب منه؟ فلا سبيل إليه إلاّ من طريق جامعيّته للأجزاء والشرائط فمآل الأمر إلى ما جاء في التعريف الرابع.

قلنا: محلّ البحث في المقام إنّما هو مقام الثبوت، والمعيار فيه هو ترتّب الأثر المرغوب، نعم في مقام الإثبات قد لا نعلم بذلك ولا طريق لنا إليه إلاّ من ناحية الجامعية للأجزاء والشرائط. وهذا شيء آخر لا دخل له بأصل المعنى.

ثمّ إنّه ينبغي أن يعلم أنّ الصحّة والفساد أمران إضافيّان، فيختلف شيء واحد صحّة وفساداً بحسب الحالات المختلفة الطارئة عليه، فيكون تامّاً بحسب حالة وفاسداً بالنسبة إلى حالة اُخرى كالصّلاة الرباعيّة، فإنّها صحيحة بالنسبة إلى الحاضر وفاسدة للمسافر إلى غير ذلك من الأمثلة.

الأمر الرابع: بناءً على تعريف الصحّة بالجامعيّة هل تكون الشرائط أيضاً داخلة في المسمّى عند الصحيحي أو لا؟

لا إشكال في دخول الأجزاء في المسمّى عنده، وأمّا الشرائط فهي على ثلاثة أقسام:

أحدها: ما أخذ في المأمور به كالطهارة والاستقبال.

ثانيها: ما لم يؤخذ في المأمور به ولكن نفهمه من الخارج من دليل العقل وإن كان أخذه في المأمور به شرعاً أيضاً ممكناً ولكنّه لم يؤخذ، فلا يلزم من أخذه محذور، مثل شرط عدم ورود النهي وعدم الابتلاء بالضدّ.

ثالثها: ما لا يمكن أخذه في المأمور به شرعاً نحو قصد القربة على قول المشهور من استلزام أخذه الدور المحال (وسيأتي في مبحث التوصّلي والتعبّدي إن شاء الله أنّ المختار إمكان أخذه بلا محذور فانتظر) وقد ذهب شيخنا الأعظم الأنصاري(رحمه الله) (بناءً على ما حكي عن تقريراته) إلى عدم أخذ جميع هذه الأقسام في المأمور به عند الصحيحي، فصحيح هو ما كان تامّ الأجزاء، ولا يلاحظ الشرائط مطلقاً وذلك لتأخّرها عن الأجزاء رتبة فإنّ الأجزاء بمنزلة المقتضي للأثر، والشرائط معدّات لها فلا يمكن أخذها في المسمّى في عرض الأجزاء.

لكنّه ممّا لا يمكن المساعدة عليه، لأنّ تأخّر الشرائط عن الأجزاء بحسب الوجود لا ربط له بمقام التسمية، فإنّه لا مانع في هذا المقام من الجمع بين لحاظ المتقدّم في الوجود ولحاظ المتأخّر فيه ثمّ وضع الاسم عليهما معاً كما لا يخفى.

وهذا بالنسبة إلى القسم الأوّل من الشرائط أمر واضح، أمّا القسم الثاني فقد يقال أنّه حيث لم يؤخذ في المأمور به في لسان الشارع فلا يصحّ أخذه في المسمّى أيضاً، لأنّ أخذه في المسمّى مع عدم كونه مأموراً به يستلزم تعلّق أمر الشارع بما ليس مأموراً به.

ولكن يرد عليه أنّ عدم الأخذ في المأمور به وإطلاقه بحسب الظاهر لا يلازم عدم الأخذ في المسمّى والمأمور به بحسب الواقع، لأنّ إطلاقه الظاهري مقيّد في الواقع بدليل العقل، فالمأمور به واقعاً مقيّد بعدم ورود النهي عنه مثلا، لعدم جواز اجتماع الأمر والنهي على الفرض بحكم العقل، فالقسم الثاني يرجع إلى القسم الأوّل بحسب الواقع، وعليه فلا وجه لما ورد في المحاضرات من أنّ دخل هذا القسم في المسمّى واضح البطلان.

كما يظهر منه ضعف ما أفاده في تهذيب الاُصول حيث قال: «بعد ما عرفت من أنّ الموضوع له ليس عنواني الصحيح والأعمّ يمكن أن يقال إنّ الشرائط ليست على نسخ واحد بل بعضها من قيود المسمّى بحيث ينحلّ المسمّى إلى أجزاء وتقيّدات، وبعضها الآخر من شروط تحقّق المسمّى خارجاً، ولا دخالة له في الماهيّة، أو من موانع تحقّقه في الخارج من دون أن يكون عدمه دخيلا في الماهيّة أيضاً، ولا يبعد أن يكون ما يأتي من قبل الأمر من شروط التحقّق، كما أنّ الشرائط العقليّة مثل عدم ابتلائه بالضدّ وعدم كونه منهيّاً عنه من قبيل نفي موانع التحقّق فهما غير داخلين في الماهيّة وخارجان عن محلّ البحث والنزاع ... والمسألة بعد لا تخلو عن غموض وإشكال»(1).

أقول: الظاهر أنّه لا فرق بين هذه الأقسام أيضاً (قيود الماهية وشروط تحقّقها في الخارج) لا سيّما بعد ما عرفت من أنّ الموضوع له على القول بالصحيح هو المؤثّر للآثار المطلوبة، ومن الواضح أنّ انعدام كلّ واحد من هذه الشرائط يوجب نفي الأثر فلا يكون مصداقاً للصحيح، فالصلاة الفاقدة لقصد القربة أو المنهي عنها لبعض الجهات لا يترتّب عليها ما هو المقصود منها، فلا تسمّى صلاة شرعاً فلا يبقى وجه للفرق بين شروط الوجود والماهيّة، بل قصد القربة من مقدّمات العبادة، فأخذها فيها أظهر من كلّ شرط وجزء.

وإن شئت قلت: إنّ القسم الثاني والثالث في الحقيقة يرجعان إلى القسم الأوّل، مثلا إن

قصد القربة في القسم الثالث وإن كان لا يمكن أخذه في المأمور به شرعاً على مذاق القائلين به إلاّ أنّه لا إشكال في أنّه متبادر من العبادة وبه قوامها، فكيف لا يكون داخلا في مسمّاها؟ كما أنّ عدم الابتلاء بالمزاحم وعدم ورود النهي عنها (وبعنوان كلّي عدم المانع) في القسم الثاني يرجعان إلى قصد القربة ومحكومان بحكمه.

نعم يمكن أن يقال إنّ الشرائط مختلفة بحسب دخلها في التأثير بالقوّة أو بالفعل، مثلا إذا صنع الطبيب معجوناً من عشرة أجزاء وسمّاها بالسقمونيا، فكان من شرائط تأثيره بالقوّة أن يكون مائعاً مثلا، فإذا يبس بطل تأثيره فيقال إنّه فاسد، فالأجزاء العشرة كلّها داخلة في المسمّى على قول القائلين بالصحّة، كما أنّ اشتراط كونه بحال الميعان أيضاً داخل في مسمّى الصحيح لعدم الأثر في جامده.

ولكن هناك شرائط لفعليّة تأثيره مثل لزوم شربه قبل الغذاء أو بعده، كما أنّ هناك موانع من تأثيره بالفعل مثل الاجتناب عن بعض الأغذيّة كالملح والدسوم واللحوم مثلا، ولا شكّ أنّ أمثال هذه الاُمور من الشرائط والموانع خارجة عن مسمّى ذاك المعجون وإن كانت دخلية في فعليّة تأثيره.

ولكن الظاهر أنّ الطهارة والاستقبال وقصد القربة وعدم الابتلاء بالضدّ وأمثال ذلك كلّها من القسم الأوّل، ولا نجد في العبادات مصداقاً للقسم الثاني، اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ الإيمان شرط لصحّة العمل ولكن ليس دخيلا في مسمّى الصّلاة والصّيام والحجّ، فتدبّر جيّداً.

الأمر الخامس :

تصوير القدر الجامع من أهمّ المقدّمات وله دور رئيسي في حلّ مشكلة مبحث الصحيح والأعمّ.

لا إشكال في أنّ ألفاظ العبادات والمعاملات كالصّلاة والبيع ليست من المشترك اللّفظي بالنسبة إلى أفرادها ومصاديقها الكثيرة بل إنّها من قبيل المشترك المعنوي ، وحينئذٍ لا يخفى لزوم تصوّر قدر جامع لأفرادها ومصاديقها حتّى يوضع اللّفظ بإزائه ، كما لا إشكال في أنّ الصحيحي والأعمّي فيه سيّان ، ولذلك وقع كلّ منهما في حيص وبيص لوجود إشكالين في بيان القدر الجامع :

الإشكال الأوّل : كثرة أفراد العبادات والمعاملات واختلافها من حيث أجزائها وشرائطها.

الإشكال الثاني : صحّة صدق كلّ واحد من أسامي العبادات والمعاملات على كلّ فرد منها ، فيصحّ إطلاق اسم الصّلاة مثلاً على فاقد كلّ جزء وعلى واجده ، وهو يستلزم كون كلّ جزء جزءً عند وجوده ، وعدم كونه جزءً عند فقدانه ، فيستلزم كونه مقوّماً للصّلاة عند وجوده ، غير مقوّم لها عند عدمه ، ولازم هذا تبدّل الماهية ، أي تفاوت الأفراد في الماهية ، وهو مانع عن تصوير جامع بينها كما لا يخفى ، وبعبارة اخرى : الصّلاة التي يؤتى بها عن قيام أو مع الركوع والسجود يكون القيام والركوع والسجود أجزاءً لها ، ولكن إذا أتى بها عن جلوس ومع الايماء أو بلا إيماء عند عدم القدرة عليه لا تكون هذه الامور جزءً لها ، وهذا ممّا لا يقبله العقل ولا يمكن معه أخذ الجامع بين هذه الأفراد.

وسيوافيك إنّ كلّ واحد من الصحيحي والأعمى يتّهم صاحبه بعدم تصويره ووجدانه قدراً جامعاً مع أنّ له دوراً رئيسيّاً في حلّ المسألة كما أشرنا إليه.

إذا عرفت هذا.

فنقول : قد ذكر في كلمات الصحيحيين عناوين مختلفة للقدر الجامع فنذكرها أوّلاً ثمّ نبحث عمّا ذكره الأعمّي :

أحدها : ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمه ‌الله قال : « لا إشكال في وجوده ( القدر الجامع) بين الأفراد الصحيحة وإمكان الإشارة إليه بخواصّه وآثاره ، فإنّ الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثّر الكلّ فيه بذاك الجامع ، فيصحّ تصوير المسمّى بلفظ الصّلاة مثلاً بالناهية عن الفحشاء وما هو معراج المؤمن ونحوهما ـ ثمّ قال ـ في جواب بعض الإشكالات إنّ الجامع إنّما هو مفهوم واحد ( بسيط ) منتزع عن هذه المركّبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات ».

أقول : يرد عليه :

أوّلاً : أنّ أساس كلامه في المقام قاعدة الواحد ، وفيها ما مرّ من اختصاصها عند القائلين بها بالواحد الحقيقي البسيط من جميع الجهات ، فلا تجري في الماهيّات الاعتباريّة مثل الصّلاة والصّوم التي تكون وحدتها اعتباريّة.

ثانياً : أنّه خلاف الوجدان والمتبادر العرفي ، لأنّه إذا اطلقت الصّلاة لا ينسبق إلى الذهن إلاّ تلك الأركان أو الأعمال المخصوصة والمركّب الخارجي من الأجزاء ، لا الأمر البسيط المذكور في كلامه.

ثانيها : ما ذكره المحقّق النائيني رحمه ‌الله بعد اشكاله على جميع ما ذكره الأعمّي والصحيحي وحاصله : إنّ القدر الجامع في الصّلاة مثلاً هو المرتبة العليا من مراتبها ، وأمّا إطلاقها على المراتب الدانيّة فإمّا أن يكون بنوع من الادّعاء والتنزيل ، أي تنزيل الفاقد منزلة الواجد ، فإطلاق الصّلاة على صلاة من يأتي بها جالساً يكون بتنزيلها منزلة صلاة القائم ، أو لاكتفاء الشارع بها عن الصّلاة الكاملة كما في صلاة الغريق ، وهذا لا يختصّ بالصحيحي بل هو عند الأعمّي كذلك ، فإنّ القدر الجامع عنده أيضاً هو المرتبة العليا من الصّلاة وإطلاقها على الفاسد منها يكون بتنزيله منزلة الصحيح (2). ( انتهى ).

ويرد عليه : أوّلاً : أنّ المرتبة العليا أمر مجهول مبهم ، فهل هي الصّلاة الرباعيّة أو الثلاثيّة أو الثنائيّة؟ فإنّ المرتبة العليا في كلّ واحد منها غيرها في الآخر.

وثانياً : أنّه أيضاً خلاف الوجدان والمتبادر العرفي ، لأنّ إطلاق الصّلاة على المأتي بها جالساً إطلاق حقيقي ، فهي صلاة حقيقة لا مجازاً وادّعاءً.

وثالثاً : إنّه يستلزم عدم ترتّب ثمرة إمكان التمسّك بالإطلاق وعدمه على النزاع بين الصحيحي والأعمى ، وهذا ممّا لا يلتزم به المشهور ، فتأمّل.

ثالثها : ما ذكره بعض الأعلام من أنّ الجامع هو مرتبة من الوجود ، المحدود من طرف القلّة بكونه جامعاً للأركان كلّها ، والملحوظ من طرف الزيادة بنحو اللابشرط بحيث يشمل الأقلّ والأكثر.

توضيح كلامه : إنّ الجامع بين الأفراد الصحيحة ليس جامعاً مقوليّاً ولا جامعاً عنوانيّاً بل هو جامع وجودي ، أمّا عدم كونه جامعاً مقوليّاً فلكون الصّلاة مثلاً من مقولات مختلفة ، فإنّ بعض أجزائها نحو الأذكار من مقولة الكيف المسموع ، وبعضها الآخر نحو الركوع والسجود من مقولة الوضع وهكذا ، وحيث إنّ المقولات من الأجناس العالية لا جنس فوقها فلا يمكن تصوّر جامع بينها ، وأمّا عدم كونه جامعاً عنوانيّاً نحو عنوان « الناهي عن الفحشاء والمنكر » فلأنّه خلاف الوجدان حيث إنّ الوجدان حاكم على أنّ الصّلاة اسم لنفس الأجزاء لا لعنوان الناهي فلابدّ من جامع وجودي وهو في الصّلاة مثلاً مرتبة من الوجود شاملة لأركان الصّلاة من جانب القلّة وتكون بنحو اللابشرط من جانب الكثرة.

ثمّ أورد على نفسه :

أوّلاً : بأنّ لازم هذا وجود قدر جامع في الأركان مع أنّه لا جامع فيها أيضاً فإنّه لا جامع مثلاً بين الانحناء من حال القيام والايماء بالنسبة إلى الركوع.

وثانياً بأنّ لازم كون الجامع المذكور لا بشرط في جانب الكثرة صدق الصّلاة على الصّلاة الفاسدة من ناحية غير الأركان أيضاً ، وهو مخالف للقول بالصحيح.

وتخلّص عن الأوّل بأنّ المراد من الأركان نفس الأركان وأبدالها ، وعن الثاني بإضافة قيد «مع كونه مقروناً بالخصوصّيات والإضافات من جانب الشارع ».

هذا تمام ما أفاده قدس ‌سره الشريف في هذا المقام.

لكن يرد عليه :

أوّلاً : أنّ الجامع هذا يستلزم عدم كون الصّلاة مثلاً من الماهيّات المتساوية نسبتها إلى الوجود والعدم ( لكونها مقيّدة بالوجود على الفرض ) فلا يصحّ قولك : « لم يتحقّق اليوم صلاة » مع أنّه واضح البطلان فتأمّل.

وثانياً : أنّ معنى اللابشرط في كلامه أن يكون الجزء عند وجوده داخلاً في المسمّى وعند عدمه خارجاً عنه ، وهو خلاف ما قرّر في محلّه من أنّ معنى اللابشرط في ماهيّة بالنسبة إلى أمر عدم مزاحمته في صدق تلك الماهية لا كونها جزءً للماهية عند وجوده ، مثلاً إذا قلنا : « صدق مفهوم زيد على مصداقه يكون لا بشرط من حيث كون عمرو معه وعدمه » ليس معناه إنّه إذا كان عمرو معه صدق اسم زيد على كليهما بل معناه إنّه لا يزاحم صدق زيد على ذاك الشخص بعينه ، مع أنّ من الواضح أنّ غير الأركان إذا وجدت كان من أجزاء الصّلاة وداخلاً في مصداقه.

وثالثاً : سلّمنا ، ولكنّه مختصّ بالماهيات التي تعلّقت على خصوصيّاتها ومزاياها أوامر من جانب الشارع وصدر من جانبه بيان فيها ، فلا يجري في أبواب المعاملات والموضوعات المخترعة العرفيّة مع أنّه لا إشكال في أنّ النزاع بين الصحيحي والأعمى جارٍ فيها أيضاً.

رابعها : ما ذهب إليه في تهذيب الاصول وإليك نصّ كلامه : « إنّها ( أي المركّبات الاعتباريّة) وضعت لهيئة خاصّة مأخوذة على نحو اللابشرط فانيّة فيها موادّها الخاصّة من ذكر وقرآن وركوع وسجود تصدق على الميسور من كلّ واحد ، وهيئتها صورة إتّصالية خاصّة حافظة لمادّتها أُخذت لا بشرط في بعض الجهات » (3).

ويرد عليه أيضاً :

أوّلاً : أنّ هذا الجامع مبهم جدّاً ، بل مبهم في مبهم كما لا يخفى فكيف يمكن تصوّره ووضع اللفظ له؟

وثانياً : ما مرّ آنفاً بالنسبة إلى قيد اللابشرط في مقام ردّ كلام بعض الأعلام من أنّ حيثية لا بشرط في ماهية بالنسبة إلى أمر معناها عدم مزاحمته في صدق تلك الماهية لا كونها جزءً لها كما مرّ بيانه.

خامسها : ما ذكره في هامش أجود التقريرات وحاصله : إنّه لا بدّ في تسميّة كلّ شيء من الرجوع إلى مخترعه ، وهو في ما نحن فيه الشارع المقدّس الذي قال : « الصّلاة أوّلها التكبير وآخرها التسليم » وقال أيضاً : « الصّلاة ثلثها الركوع وثلثها السجود وثلثها الطهور » فما اعتبره الشارع في هذه الرّوايات يكون من أجزاء المسمّى وأمّا غير ذلك من الأجزاء والشرائط فيكون المسمّى بالنسبة إليها على نحو اللابشرط (4).

أقول : قد ظهر ممّا ذكرنا كلّه ضعف كلامه أيضاً ، حيث يرد عليه أوّلاً : ما مرّ في تفسير حيثية لا بشرط.

وثانياً : أنّ هذا الجامع أيضاً لا يتصوّر في المخترعات العرفيّة التي ليس لها مخترع خاصّ حتّى نرجع إليه في التسمية.

وثالثاً : أنّ لازم كلامه بطلان صلاة من لم يأت بالتسليم سهواً لأنّ المفروض في كلامه إنّ التسليم جزء للمسمّى فلا تكون صلاة من لم يأت بالتسليم صلاة وهو أوّل الكلام ، وبعكسه من ترك القيام مطلقاً حتّى القيام المتّصل بالركوع ، إلاّ أنّ صلاته باطلة وإن كان ساهياً.

_________________________
1. تهذيب الاُصول: ج1، ص51، طبع مهر.

2. راجع أجود التقريرات : ج 1 ، ص 43.

3. تهذيب الاصول : ج 1 ، ص 57 طبع مهر.

4. هامش أجود التقريرات : ج 1 ، ص 40.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها الخاصة بالامتحانات النهائية
المجمع العلمي يستأنف برنامج (عرش التلاوة) الوطني
أرباح مصرف الراجحي ترتفع إلى 4.4 مليار ريال في الربع الأول
الأمانة العامة للعتبة العبّاسية تشارك في مُلتقى أمناء العتبات المقدّسة داخل العراق