المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



الوجوب الغيري لمقدمات الواجب  
  
1135   01:45 مساءاً   التاريخ: 25-8-2016
المؤلف : محمد باقر الصدر
الكتاب أو المصدر : دروس في علم الاصول
الجزء والصفحة : ح3 ص 223.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2016 744
التاريخ: 26-8-2016 6425
التاريخ: 26-8-2016 814
التاريخ: 3-8-2016 722

تعريف الواجب الغيري:

...ان المكلف مسؤول عن مقدمات الواجب من قبل نفس الوجوب المتعلق بها، لأنه يحرك نحوها تبعا لتحريكه نحو متعلقه، وهذه المسؤولية في حدودها العقلية متفق عليها باعتبارها من شؤون حكم العقل بلزوم الامتثال، وانما وقع الكلام في دعوى الوجوب الشرعي للمقدمة.

فالمشهور بين الاصوليين هو ان ايجاب الشيء يستلزم ايجاب مقدمته فتتصف المقدمة بوجوب شرعي غير انه تبعي ، اما بمعنى انه معلول لوجوب ذي المقدمة، او بمعنى ان الوجوبين معا معلولان للملاك القائم بذي المقدمة، فهذا الملاك بنفسه يؤدي إلى ايجاب ذي المقدمة نفسيا، وبضم مقدمية المقدمة يؤدي إلى ايجابها غيريا وعلى كلا الوجهين فالتلازم بين الوجوبين محفوظ. ويعرف هؤلاء القائلون بالملازمة الواجب الغيري بانه ما وجب لغيره او ما وجب لواجب آخر ، والواجب النفسي بانه ما وجب لنفسه او ما وجب لا لواجب آخر، وعلى هذا الاساس يصنفون الواجبات في الشريعة إلى قسمين: فالصلاة والصيام والحج ونحوها واجبات نفسية ، والوضوء والغسل وطي المسافة واجبات غيرية.

وقد لوحظ عليهم ان الصلاة ونحوها من الواجبات لم يوجبها الشارع الا لما يترتب عليها من الفوائد والمصالح وهي مغايرة وجودا لتلك الفوائد والمصالح، فيصدق عليها انها وجبت للغير، وهذا يعني ان كل هذه الواجبات تصبح غيرية ولا يبقي في نطاق الواجب النفسي الا ما كانت مصلحته ذاتية له كالإيمان بالله سبحانه وتعالى.

واجاب هؤلاء على الملاحظة المذكورة بان الصلاة وان كانت واجبة من اجل المصلحة المترتبة عليها الا ان هذا لا يدرجها في تعريف الواجب الغيري، لان الواجب الغيري ليس كل ما وجب لغيره بل ما وجب لواجب آخر، والمصلحة الملحوظة في ايجاب الصلاة ليست متعلقا للوجوب بنفسها فلا يصدق على الصلاة انها وجبت لواجب آخر.

فان سألت كيف لا تكون تلك المصلحة واجبة مع ان الصلاة الواجبة انما اوجبت من أجلها؟

كان الجواب ان الايجاب مرجعه إلى الاعتبار والجعل الذي هو العنصر الثالث من عناصر تكوين الحكم في مقام الثبوت، وغاية الواجب انما يجب ان تكون مشاركة للواجب بدرجة اقوى في عالم الحب والارادة لان حبه انما هو لأجلها لا في عالم الجعل والاعتبار.

لان الجعل قد يحدد به المولى مركز حق الطاعة على نحو يكون مغايرا لمركز حب الاصيل لما تقدم في بداية هذه الحلقة من ان المولى له ان يحدد مركز حق الطاعة في مقدمات مراده الاصيل بجعل الايجاب عليها لا عليه، فتكون هي الواجبة في عالم الجعل دونه.

وعلى هذا فاذا جعل الشارع الايجاب على الصلاة ابتداء وحددها مركزا لحق الطاعة، ولم يدخل المصلحة المنظورة له في العهدة كانت الصلاة واجبا نفسيا لا غيريا، لأنها لم تجب لواجب آخر وان وجبت لمصلحة مترتبة عليها وخلافا لذلك الوضوء فانه وجب من اجل الصلاة الواجبة فينطبق عليه تعريف الواجب الغيري

خصائص الوجوب الغيري:

ولا شك لدى الجميع في ان الوجوب الغيري للمقدمة - إذا كان ثابتا - فهو لا يتمتع بجملة من خصائص الوجوب النفسي ويمكن تلخيص احوال الوجوب الغيري فيما يلي:

اولا: انه ليس صالحا للتحريك المولوي بصورة مستقلة، ومنفصلة عن الوجوب النفسي بمعنى ان من لا يكون بصدد التحرك عن الوجوب النفسي للحج لا يمكن ان يتحرك بروحية الطاعة، والاخلاص للمولى عن الوجوب الغيري لطي المسافة لان ارادة العبد المنقاد التكوينية يجب ان تتطابق مع ارادة المولى التشريعية ، ولما كانت ارادة المولى للمقدمة في إطار مطلوبية ذيها، ومن اجل التوصل اليه، فلابد ان تكون ارادة العبد المنقاد لها في اطار امتثال ذيها.

وثانيا: ان امتثال الوجوب الغيري لا يستتبع ثوابا بما هو امتثال له وذلك لان المكلف ان اتى بالمقدمة بداعي امتثال الواجب النفسي كان عمله بداية في امتثال الوجوب النفسي، ويستحق الثواب عندئذ من قبل هذا الوجوب، وان اتى بالمقدمة وهو منصرف عن امتثال الواجب النفسي فلن يكون بإمكانه ان يقصد بذلك امتثال الوجوب الغيري لما تقدم من عدم صلاحية الوجوب الغيري للتحريك المولوي.

وثالثا: ان مخالفة الوجوب الغيري بترك المقدمة ليست موضوعا مستقلا لاستحقاق العقاب، إضافة إلى ما يستحق من عقاب على مخالفة الوجوب النفسي ، وذلك لان استحقاق العقاب على مخالفة الواجب انما هو بلحاظ ما يعبر عنه الواجب من مبادئ وملاكات تفوت بذلك ، ومن الواضح ان الواجب الغيري ليس له مبادئ وملاكات سوى ما للواجب النفسي من ملاك فلا معنى لتعدد استحقاق العقاب.

ورابعا: ان الوجوب الغيري ملاكه المقدمية وهذا يفرض تعلقه بواقع المقدمة دون ان يؤخذ فيه اي شئ اضافي لا دخل له في حصول ذي المقدمة.

ومن هنا كان قصد التوصل بالمقدمة إلى امتثال المولى والتقرب بها نحوه تعالى خارجا عن دائرة الواجب الغيري لعدم دخل ذلك في حصول الواجب النفسي فطي المسافة إلى الميقات كيفما وقع وباي داع اتفق يحقق الواجب الغيري، ولا يتوقف الحج على وقوع هذا الطي بقصد قربي. وهذا معنى ما يقال من ان الواجبات الغيرية توصلية.

مقدمات غير الواجب:

كما تتصف مقدمات الواجب بالوجوب الغيري عند القائلين بالملازمة، كذلك تتصف مقدمات المستحب بالاستحباب الغيري لنفس السبب.

واما مقدمات الحرام فهي على قسمين:

احدهما: ما لا ينفك عنه الحرام ويعتبر بمثابة العلة التامة، او الجزء الاخير من العلة التامة له، كإلقاء الورقة في النار الذي يترتب عليه الاحتراق.

والقسم الآخر: ما ينفك عنه الحرام، وبالإمكان ان يوجد ومع هذا يترك الحرام.

فالقسم الاول من المقدمات يتصف بالحرمة الغيرية دون القسم الثاني، لان المطلوب في المحرمات ترك الحرام وهو يتوقف على ترك القسم الاول من المقدمات، ولا يتوقف على ترك القسم الثاني ومقدمات المكروه كمقدمات الحرام.

الثمرة الفقهية للنزاع في الوجوب الغيري:

ومسألة الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته على الرغم من كونها من المسائل الاصولية العريقة في علم الاصول قد وقع شئ من التحير لدى باحثيها في ثمرتها الفقهية. وقد يبدو لأول نطرة ان ثمرتها اثبات الوجوب الغيري وهو حكم شرعي نستنبطه من الملازمة المذكورة ، ولكن الصحيح عدم صواب هذه النظرة، لان الحكم الشرعي الذي يبحثه علم الفقه - ويطلب من علم الاصول ذكر القواعد التي يستنبط منها - انما هو الحكم القابل للتحريك المولوي الذي تقع مخالفته موضوعا لاستحقاق العقاب ، وقد عرفت ان الوجوب الغيري - على تقدير ثبوته - ليس كذلك فهو لا يصلح ان يكون بنفسه ثمرة لهذه المسألة الاصولية وافضل ما يمكن ان يقال بهذا الصدد تصوير الثمرة كما يلي:

أولا: انه إذا اتفق ان اصبح واجب علة تامة لحرام وكان الواجب اهم ملاكا من الحرام، فتارة ننكر الملازمة، واخرى نقبلها، فعلى الاول يكون الفرض من حالات التزاحم بين ترك الحرام وفعل الواجب، فنرجع إلى قانون باب التزاحم، وهو تقديم الاهم ملاكا ولا يسوغ تطبيق قواعد باب التعارض، كما عرفنا سابقا، وعلى الثاني يكون دليل الحرمة ودليل الوجوب متعارضين، لان الحرمة تقتضي تعلق الحرمة الغيرية بنفس الواجب، ويستحيل ثبوت الوجوب والحرمة على فعل واحد، وهذا يعني ان التنافي بين الجعلين، وكلما كان التنافي بين الجعلين دخل الدليلان في باب التعارض وطبقت عليه قواعده بدلا عن قانون باب التزاحم.

ثانيا: انه إذا اتفق عكس ما تقدم في الثمرة السابقة فاصبح الواجب صدفة متوقفا على مقدمة محرمة كإنقاذ الغريب إذا توقف على اجتياز الارض المغصوبة، فلا شك في ان المكلف إذا اجتاز الارض المغصوبة وانقذ الغريق لم يرتكب حراما، لان الحرمة تسقط في هذه الحالة رعاية للواجب الاهم ، واما اذا اجتاز الارض المغصوبة ولم ينقذ الغريق فقد ارتكب حراما اذا انكرنا الملازمة، وكذلك إذا قلنا بان الوجوب الغيري يختص بالحصة الموصلة من المقدمة ولم يرتكب حراما إذا قلنا بالملازمة، وان الوجوب الغيري لا يختص بالحصة الموصلة، اما انه ارتكب حراما على الاولين فلان اجتياز الارض المغصوبة حرام في نفسه ولا يوجد ما يحول دون اتصافه - في حالة عدم التوصل به إلى الانقاذ - بالحرمة، واما انه لم يرتكب حراما على الاخير فلان الوجوب الغيري يحول دون اتصافه بالحرمة.

شمول الوجوب الغيري:

قام القائلون بالملازمة بعدة تقسيمات للمقدمة، وبحثوا في ان الوجوب الغيري هل يشمل كل تلك الاقسام أولا؟ ونذكر فيما يلى اهم تلك التقسيمات:

التقسيم الاول: تقسيم المقدمة إلى داخلية وخارجية، ويراد بالداخلية جزء الواجب، وبالخارجية ما توقف عليه الواجب من اشياء سوى اجزائه، وقد وقع البحث بينهم في ان الوجوب الغيري هل يعم المقدمات الداخلية او يختص بالمقدمات الخارجية، فقد يقال بالتعميم، لان ملاكه التوقف، والواجب كما يتوقف على المقدمة الخارجية يتوقف ايضا على وجود جزئه، إذ لا يوجد مركب الا إذا وجدت اجزاؤه.

ويقال في مقابل ذلك بالاختصاص ونفي الوجوب الغيري عن الجزء، اما لعدم المقتضى له او لوجود المانع وبيان عدم المقتضى ان يقال: ان التوقف والمقدمية يستبطن المغايرة بين المتوقف والمتوقف عليه لاستحالة توقف الشيء على نفسه، والجزء ليس مغايرا للمركب في الوجود الخارجي فلا معنى لاتصافه بالوجوب الغيري. وبيان المانع بعد افتراض المقتضى ان يقال إن الجزء متصف بالوجوب النفسي الضمني، فلو اتصف بالوجوب الغيري لزم اجتماع المثلين، فان قيل يمكن ان يفترض تأكدهما وتوحدهما من خلال ذلك في وجوب واحد فلا يلزم محذور، كان الجواب ان التأكد والتوحد هنا مستحيل، لان الوجوب الغيري اذا كان معلولا للوجوب النفسي كما يقال فيستحيل ان يتحد معه وجودا لاستحالة الوحدة بين العلة والمعلول في الوجود.

التقسيم الثاني: تقسيم المقدمة إلى مقدمة واجب، ومقدمة وجوب، ولا شك في ان المقدمة الوجوبية كما لا يكون المكلف مسؤولا عنها من قبل ذلك الوجوب على ما تقدم، كذلك لا يتعلق الوجوب الغيري بها لأنه من معلول للوجوب النفسي أو معه فلا يعقل ثبوته الا في فرض ثبوت الوجوب النفسي، وفرض ثبوت الوجوب النفسي يعني ان مقدمات الوجوب قد تمت ووجدت فلا معنى لإيجابها.

التقسيم الثالث: تقسيم المقدمة إلى شرعية وعقلية وعلمية.

والمقدمة الشرعية ما أخذها الشارع قيدا في الواجب، والمقدمة العقلية ما يتوقف عليها ذات الواجب تكوينا، والمقدمة العلمية هى ما يتوقف عليها تحصيل العلم بالإتيان بالواجب، كالجمع بين اطراف العلم الاجمالي.

ولا شك في ان الوجوب الغيري لا يتعلق بالمقدمة العلمية لأنها مما لا يتوقف عليها نفس الواجب، بل احرازه، كما لا شك في تعلقه بالمقدمة العقلية إذا ثبتت الملازمة، وانما الكلام في تعلقه بالمقدمة الشرعية، إذ ذهب بعض الاعلام كالمحقق النائيني (رحمه الله) إلى ان المقدمة الشرعية كالجزء تتصف بالوجوب النفسي الضمني، وعلى هذا الاساس انكر وجوبها الغيري، ودعوى الوجوب النفسي للمقدمة الشرعية تقوم على افتراض ان مقدميتها بأخذ الشارع لها في الواجب النفسي، ومع اخذها في الواجب ينبسط عليها الوجوب، ونرد على هذه الدعوى بما تقدم من ان اخذها قيدا يعني تحصيص الواجب بها وجعل الامر متعلقا بالتقيد فيكون تقيد الفعل بمقدمته الشرعية واجبا نفسيا ضمنيا لا القيد نفسه، فان قيل إن التقيد منتزع عن القيد، فالأمر به امر بالقيد كان الجواب ان القيد وان كان دخيلا في حصول التقيد لأنه طرف له، لكن هذا لا يعني كونه عينه بل التقيد بما هو معنى حرفي له حظ من الوجود والواقعية مغاير لوجود طرفيه، وذلك هو متعلق الامر النفسي ضمنا، فالمقدمة الشرعية إذن تتصف بالوجوب الغيري كالمقدمة العقلية إذا تمت الملازمة.

تحقيق حال الملازمة:

والصحيح انكار الوجوب الغيري في مرحلة الجعل والايجاب مع التسليم بالشوق الغيري في مرحلة الارادة.

اما الاول فلان الوجوب الغيري إن اريد به الوجوب المترشح بصورة قهرية من قبل الوجوب النفسي، فهذا غير معقول، لان الوجوب جعل واعتبار، والجعل فعل اختياري للجاعل ولا يمكن ترشحه بصورة قهرية وان اريد به وجوب يجعل بصورة اختيارية من قبل المولى، فهذا يحتاج إلى مبرر ومصحح لجعله، مع ان الوجوب الغيري لا مصحح لجعله لان المصحح للجعل - كما تقدم في محله - اما إبراز الملاك بهذا اللسان التشريعي، واما تحديد مركز حق الطاعة والادانة، وكلا الامرين لا معنى له في المقام، لان الملاك مبرز بنفس الوجوب النفسي، والوجوب الغيري لا يستتبع إدانة ولا يصلح للتحريك، كما مر بنا فيلغو جعله.

واما الثاني فمن اجل التلازم بين حب شئ وحب مقدمته، وهو تلازم لا برهان عليه، وانما نؤمن به لشهادة الوجدان، وبذلك صح افتراض الحب في جل الواجبات النفسية التي تكون محبوبة بما هي مقدمات لمصالحها وفوائدها المترتبة عليها ولو انكرنا الملازمة بين حب الشيء وحب مقدمته لما امكن التسليم بمحبوبية هذه الواجبات النفسية.

حدود الواجب الغيري:

وفي حالة التسليم بالواجب الغيري في مرحلتي الجعل والحب معا او في احدى المرحلتين على الاقل، يقع الكلام في ان متعلق الوجوب الغيري هل هو الحصة الموصلة من المقدمة او طبيعي المقدمة.

قد يقال بان المسألة مبنية على تعيين الملاك والغرض من الواجب الغيري، فان كان الغرض هو التمكن من الواجب النفسي فمن الواضح ان هذا الغرض يحصل بطبيعي المقدمة ولا يختص بالحصة الموصلة، فيتعين ان يكون الوجوب الغيري تبعا لغرضه متعلقا بالطبيعي ايضا، وان كان الغرض حصول الواجب النفسي فهو يختص بالمقدمة الموصلة ويثبت حينئذ اختصاص الوجوب بها ايضا تبعا للغرض، وفي المسألة قولان، فقد ذهب صاحب الكفاية وجماعة إلى الاول، وذهب صاحب الفصول وجماعة إلى الثاني.

ويمكن ان يبرهن على الاول بان الوجوب الغيري لو كان متعلقا بالحصة الموصلة إلى الواجب النفسي خاصة لزم ان يكون الواجب النفسي قيدا في متعلق الوجوب الغيري والقيد مقدمة للمقيد، وهذا يؤدي إلى ان يصبح الواجب النفسي مقدمة للواجب الغيري.

ويمكن ان يبرهن على الثاني، بان غرض الوجوب الغيري ليس هو التمكن بل نفس حصول الواجب النفسي، لان دعوى ان الغرض هو التمكن ان اريد بها ان التمكن غرض نفسي فهو باطل بداهة وخلف ايضا لأنه يجعل المقدمة موصلة دائما لعدم انفكاكها عن التمكن الذي هو غرض نفسي مع اننا نتكلم عن المقدمة التي تنفك خارجا عن الغرض النفسي، وان اريد بها ان التمكن غرض غيري فهو بدوره طريق إلى غرض نفسي لا محالة، اذ وراء كل غرض غيري غرض نفسي، فان كان الغرض النفسي منه حصول الواجب النفسي ثبت ان هذا هو الغرض الاساسي من الواجبات الغيرية والا تسلسل الكلام حتى يعود اليه لا محالة، فالصحيح اذن اختصاص الوجوب بالحصة الموصلة، ولكن لا بمعنى اخذ الواجب النفسي قيدا في متعلق الوجوب الغيري كما توهم في البرهان على القول الاول، بل بمعنى ان الوجوب الغيري متعلق بمجموعة المقدمات التي متى ما وجدت كان وجود الواجب بعدها مضمونا.

مشاكل تطبيقية:

استعرضنا فيما سبق اربع خصائص وحالات للوجوب الغيري وتنص الثانية منها على ان امتثال الوجوب الغيري لا يستتبع ثوابا، وتنص الرابعة منها على ان الواجب الغيري توصلي، وقد لوحظ ان ما ثبت من ترتب الثواب على جملة من المقدمات كما دلت عليه الروايات، ينافي الحالة الثانية للوجوب الغيري، وان ما ثبت من عبادية الوضوء والغسل والتيمم واعتبار قصد القربة فيها ينافي الحالة الرابعة له.

والجواب اما فيما يتصل بالحالة الثانية فهو انها تنفي استتباع امتثال الوجوب الغيري بما هو امتثال له للثواب، ولا تنفي ترتب الثواب على المقدمة بما هي شروع في امتثال الوجوب النفسي، وذلك فيما اذا اتى بها بقصد التوصل بها إلى امتثاله، وما ثبت بالروايات من الثواب على المقدمات يمكن تطبيقه على ذلك.

واما فيما يتصل بالحالة الرابعة فانها في الحقيقة انما تنفي دخول اي شئ في دائرة الواجب الغيري زائدا على ذات المقدمة التي يتوقف عليها الواجب النفسي، فاذا كان الواجب النفسي متوقفا على ذات الفعل امتنع اخذ قصد القربة في متعلق الوجوب الغيري لعدم توقف الواجب النفسي عليه، واذا كان الواجب النفسي متوقفا على الفعل مع قصد القربة تعين تعلق الوجوب الغيري بهما معا، لان قصد القربة في هذه الحالة يعتبر جزء ا من المقدمة، وفي كل مورد يقوم فيه الدليل على عبادية المقدمة نستكشف انطباق هذه الحالة عليها.

فان قيل أليس قصد القربة معناه التحرك عن محرك مولوي لإيجاد الفعل، وقد فرضنا ان الامر الغيري لا يصلح للتحريك المولوي، كما نصت عليه الحالة الاولى من الحالات الاربع المتقدمة للوجوب الغيري فما هو المحرك المولوي نحو المقدمة. كان الجواب ان المحرك المولوي نحوها هو الوجوب النفسي المتعلق بذيها، وهذا التحريك يتمثل في قصد التوصل، هذا إضافة إلى امكان افتراض وجود امر نفسي متعلق بالمقدمة، احيانا بقطع النظر عن مقدميتها، كما هو الحال في الوضوء على القول باستحبابه النفسي.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.