المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8127 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

المتغيرات الهامة لنظرية التميز- 1- النظام السياسي - الاقتصادي
18-7-2022
فيروس موزايك الخوخ
21-6-2018
الجليكوز أمينو جليكانات (Glycosaminoglycans)
20-7-2021
نفي الصفة الأجنبية عن قواعد الإسناد
26-3-2017
أنواع الأعمال الإنشائية
2023-05-17
Making statements more precise
16-3-2022


الاتيان بالمأمور به على وجهه هل يقتضى الاجزاء ام لا؟  
  
751   11:36 صباحاً   التاريخ: 25-8-2016
المؤلف : السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي
الكتاب أو المصدر : أجود التقريرات
الجزء والصفحة : ص 194- 207.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016 806
التاريخ: 26-8-2016 872
التاريخ: 25-8-2016 705
التاريخ: 4-9-2016 597

وقبل الخوص في المقصود ينبغى تقديم امور:

(الاول) أن الاقتضاء المبحوث عنه في المقام هو بمعنى العلية والسببية ولذا نسبه المتأخرون من المحققين إلى الاتيان دون الامر خلافا للمتقدمين حيث نسبوه إلى نفس الامر.

(الثاني) ان المراد من لفظ على وجه المأخوذ قيدا في عنوان البحث هو اتيان المأمور به جامعا لجميع ما اعتبر فيه عقلا وشرعا لا خصوص قصد الوجه فانه غير معتبر عند اكثر الفقهاء ولم يعتبره من اعتبره الا في خصوص العبادات في فرض امكان قصد الوجه فلا وجه لأخذه في العنوان الاعم من التوصليات والتعبديات ومما يمكن فيه قصد الوجه وما لا يمكن فيه ذلك (الثالث) ان الفرق بين مسئلتنا ومسألة المرة والتكرار هو ان النزاع في تلك المسألة انما هو في تشخيص المأمور به وانه هل هو العمل المكرر أو الواحد واما النزاع في هذه المسألة فهو في اجزاء الاتيان بالمأمور به عن الاعادة والقضاء وعدمه.

فالمسألة الاولى متكفلة لتشخيص المأمور به وهذه المسألة متكفلة لأجزاء الاتيان بالمأمور به وعدمه بعد الفراغ عن تعينه وبعبارة اخرى إذا بنينا على التكرار ولو ما دام العمر فلا اشكال في ان الامر ينحل باعتبار تعدد متعلقه في الخارج فيقع النزاع في ان الفعل الاول المتعلق للأمر الاول هل يجزى عن التعبد به ثانيا اولا إذا عرفت ذلك فاعلم انه لا اشكال في ان الاتيان بكل مأمور به واقعى اولى أو ثانوي أو ظاهري يجزى عن امره والمخالف على تقدير وجوده شاذ لا يعبأ به ضرورة ان الاتيان بكل مأمور به يفي بالغرض الداعي إلى الامر به فيكون بقاء الامر بعد حصول الغرض بلا موجب وهو محال نعم يمكن تبديل الامتثال بامتثال آخر في مقام الثبوت (1) الا انه يحتاج إلى دليل في مقام الاثبات كما ثبت في تبديل الصلاة الفرادى بالصلاة جماعة أو تبديل صلاة المأموم أو الامام بالصلاة اماما ولم يثبت في غير ذلك واما الامر بإعادة صلاة الآيات ما دامت الآيات باقية فليست من باب تبديل الامتثال بالامتثال بل من باب استحباب الاعادة في نفسها ما دامت الآية باقية بعد سقوط الامر الوجوبي بامتثاله والحاصل ان رفع اليد عما وقع وجعل غيره مكانه وان كان ممكنا في حد نفسه الا انه ما لم يكن هناك دليل دال عليه لا يمكن الالتزام به وانما الاشكال في ان الاتيان بالمأمور به الاضطراري اعني به المأمور به بالأمر الواقعي الثانوي أو الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري هل يجزى عن الامر الواقعي اولا اما اجزاء الاتيان بالمأمور به الاضطراري عن الواقعي فلا كلام فيه ايضا بحسب الفتاوى الفقهية وانما وقع الكلام فيه علميا في المسألة الاصولية وكيف كان فالكلام تارة في اجزاء المأمور به بالأمر الاضطراري عن القضاء واخرى عن الاعادة كما أن الكلام يقع تارة في اجزاء المأمور به الظاهري عن الواقعي إذا انكشف الخلاف يقينا واخرى في اجزائه عنه إذا انكشف الخلاف بحجة معتبرة فهنا اربع مسائل اما المسألة الاولى وهى ان الاتيان بالمأمور به الاضطراري هل يجزى عن قضاء المأمور به الواقعي الاولى فيما إذا ارتفع العذر بعد خروج الوقت اولا فالحق فيها الاجزاء لان القضاء تابع لفوت الفريضة في الوقت بملاكها حتى تكون مشمولة لأدلة وجوب القضاء وحينئذ فالقيد المتعذر في تمام الوقت اما ان يكون دخيلا في ملاك الواجب ولو حين التعذر كالطهور على الاطلاق فلا يمكن الامر بفاقده  في الوقت واما ان لا يكون له دخل في ذلك حين تعذره كالطهارة المائية كما هو المفروض فلا تكون الفريضة فائتة بملاكها حتى يجب قضاؤها وبالجملة صدق الفوت بعد فرض الاتيان بالفاقد في الوقت يستلزم دخل القيد المتعذر في الملاك وهو يستلزم عدم الامر بفاقده في الوقت فالأمر بالفاقد في الوقت وايجاب قضاء الواجد في خارج الوقت متناقضان (2) ولا فرق فيما ذكرنا بين ان تكون هناك مصلحة لزومية اخرى قائمة بنفس القيد بما هو قيد أو تكون المصلحة اللزومية منحصرة في مصلحة نفس الفريضة التي للقيد دخل فيها على تقدير التمكن منه ضرورة ان مصلحة القيد اللزومية على تقدير ثبوتها انما تترتب عليه حال كونه قيدا للفريضة فإذا فرض سقوط الامر بالفريضة لقيام مصلحتها بالفاقد فلا يمكن استيفاء مصلحة القيد اصلا ولو كانت لزومية واما ايجاب الفعل في خارج الوقت بعنوان آخر غير القضاء فهو وان كان ممكنا الا انه اجنبي عما نحن فيه وهو البحث عن الوجوب بعنوان القضاء التابع لفوت الفريضة في الوقت.

واما المسألة الثانية وهى ان الاتيان بالمأمور به الاضطراري هل يجزى عن الاعادة فيما إذا ارتفع العذر قبل خروج الوقت اولا فالحق فيها الاجزاء ايضا.

(وبيانه) ان المكلف اما ان يكون متمكنا من الطهارة المائية في تمام الوقت اولا يكون متمكنا منها كذلك أو يكون متمكنا في بعضه دون الاخر لا اشكال في التخيير العقلي بين الافراد الطولية في الشقين الاولين وأما الاخير فبما ان ملاك التخيير هو تساوى الافراد في الملاك فلا يحكم العقل فيه بالتخيير ولا يجوز الاتيان بالفرد الفاقد قطعا فإذا ثبت جواز البدار مع اليأس أو الظن أو القطع مع فرض ارتفاع العذر بعد الامتثال فأما ان يكون جواز البدار حكما ظاهريا طريقيا أو واقعيا وعلى الاول فيبتنى القول بالأجزاء بعد ارتفاع العذر على القول به في مسألة انكشاف الخلاف بعد الاتيان بالمأمور به الظاهري ولا يكون له مساس بما نحن فيه وعلى الثاني فلا ريب في ان وجود الامر الواقعي بعد قيام الضرورة والاجماع على عدم وجوب صلاتين على المكلف في يوم واحد يكشف عن ان الفعل الفاقد في حال الاضطرار ولو مع عدم استدامة العذر يكون وافيا (3) بتمام الملاك و يكون في هذ الحال في عرض الافراد الواجدة واقعا فلا محالة يترتب عليه الاجزاء وتكون الاعادة بعد استيفاء الملاك بتمامه من باب الامتثال بعد الامتثال فقياس ما نحن فيه على دفع بدل الحيلولة الواجب في ظرف عدم التمكن من اداء اصل المال الذى لا ينافي وجوب اداء اصله عند التمكن غريب فان تعذر خصوصية مال المالك وكونها متعلقة للغرض اوجب تكليفا آخر بدفع بدله حتى لا يكون المالك ممنوعا عن ماله بالكلية بخلاف ما نحن فيه فان تعذر القيد اوجب الغاء قيديته وكون الفاقد نفس المأمور به اذلو لم تلغ القيدية حال الاضطرار لما امكن الامر بالفاقد في تلك الحال اصلا فمقامنا ومقام بدل الحيلولة متعاكسان واما المسألة الثالثة وهى ان الاتيان بالمأمور به الظاهري هل يجزى عن التعبد بالأمر الواقعي اعادة وقضاء إذا انكشف الخلاف بعد ذلك يقينا فقد ادعى جماعة فيها الاجماع على عدم الاجزاء وجعلوا الاجزاء وعدمه من فروع مسألة التصويب والتخطئة هو الحق فان الحكم الواقعي بناء على القول بالتخطئة كما هو الصواب لم يتغير عما كان عليه بقيام الطريق على خلافه غاية الامر ان الشارع جعل الطريق حجة شرعا وقطعا تنزيلا فبما انه في فرض مخالفة القطع للواقع لا يمكن الحكم بالإجزاء كما سنشير إليه لبقاء الواقع وملاكه على ما كانا عليه كان الامر كذلك في فرض مخالفة القطع الجعلي للواقع نعم إذا فرض استيعاب الجهل لتمام الوقت لا يكون تارك الواجب الواقعي مستحقا للعقاب لاستناده إلى حجة شرعية معذرة في فرض الخطأ ولا فرق فيما ذكرنا بين الموضوعات والاحكام فان الواقع كما عرفت في كلا الفرضين باق على حاله ولم يؤت بما يتدارك به ملاكه ولا بين القول بالطريقية والقول بالسببية فان السببية بالمعنى الذى يقول به المعتزلة وهو ان يكون قيام الامارة موجبا لحدوث المصلحة في مؤداها وان كانت مستلزمة للإجزاء الا ان لازم القول بها هو القول بالتصويب المجمع على بطلانه واما السببية بالمعنى الاخر وهو الوجه الثالث الذى افاده العلامة الأنصاري (قدس سره) فهي على فرض الالتزام بها غير مستلزمة للأجزاء اصلا كما يظهر وجهه في المسألة الرابعة فتوهم ان القول بالسببية مطلقا ملازم للقول بالأجزاء ناش من خلط السببية على رأى المعتزلة بالسببية التي ذهب إليها بعض الامامية (هذا) بالنسبة إلى الامارات المؤدية إلى خلاف الحكم الواقعي وأما الامارات المؤدية إلى خلاف الموضوعات الواقعية فالالتزام فيها بالسببية على رأى المعتزلة وان لم يكن فيه محذور التصويب المجمع على بطلانه لأنه مختص بالأحكام ولا يعم الموضوعات الخارجية الا ان ظاهر ادلة حجيتها هي الطريقية كما هو المفروض في الامارات المتعلقة بالأحكام فان ادلة كلتا الطائفتين بلسان واحد فيكون عدم الاجزاء فيها ايضا على طبق القاعدة كما عرفت بقى الكلام في حال الاصول العملية كأصالة الاباحة والطهارة بل واستصحابيهما وان مقتضى القاعدة في فرض المخالفة فيها هل هو الاجزاء أو عدمه (ربما يقال) ان لسان ادلتها هو تنزيل المشكوك منزلة المتيقن وترتيب آثاره عليه فتكون لا محالة حاكمة على الادلة الدالة على اشتراط الصلاة بالطهارة مثلا ودالة على ان الشرط اعم من الطهارة الواقعية والظاهرية فانكشاف الخلاف لا يكشف عن عدم وجود الشرط حين العمل حتى لا يحكم بالأجزاء وذلك لفرض ان الشرط اعم من الواقعية والظاهرية وان العمل واجد للطهارة الظاهرية ويرد عليه:

(اولا) ان الحكومة عند هذا القائل لابد وان تكون بمثل كلمة اعني واردت واشباه ذلك و  لأجله لم يلتزم بحكومة ادلة نفى الضرر على ادلة الاحكام الواقعية ولا بحكومة الادلة الاجتهادية على الاصول العملية و من الواضح عدم تحقق الحكومة بهذا المعنى في المقام.

(وثانيا) ان وجود الحكم الظاهري لابد وان يكون مفروغا عنه (4) حين الحكم بعموم الشرط الواقعي للطهارة الواقعية والظاهرية أو بعمومه للإباحة كذلك ومن الواضح ان المتكفل لإثبات الحكم الظاهري ليس الانفس دليل قاعدة الطهارة أو اصالة الاباحة فكيف يمكن ان يكون هو المتكفل لبيان كون الشرط اعم من الواقعية والظاهرية منهما.

(وثالثا) ان الحكومة في المقام وان كانت مسلمة الا انها لا تستلزم تعميم الشرط واقعا فان الحكومة على قسمين (قسم) يكون الدليل الحاكم في مرتبة الدليل المحكوم ولا يكون الشك في المحكوم مأخوذا في الدليل الحاكم كقوله (عليه السلام) لاشك لكثير الشك الحاكم على ادلة الشكوك في الصلاة فلا محالة يكون الدليل الحاكم موجبا لعموم الدليل المحكوم أو مخصصا له بلسان الحكومة ويسمى هذا القسم حكومة واقعية (وقسم آخر) يكون الشك في المحكوم مأخوذا في الدليل الحاكم فلا محالة يكون الدليل الحاكم متأخرا عن المحكوم لأخذ الشك فيه موضوعا في الدليل الحاكم فيستحيل كونه معمما أو مخصصا له في الواقع فتكون حكومته ظاهرية لا محالة ويترتب على ذلك جواز ترتيب آثار الواقع ما لم ينكشف الخلاف فإذا انكشف الخلاف ينكشف عدم وجدان العمل لشرطه ويكون مقتضى القاعدة هو عدم الاجزاء كما في الامارات وإذا انقسمت الحكومة إلى قسمين مختلفين في الاثر فإثبات الاجزاء يتوقف على اثبات كون الحكومة في المقام واقعية مع انها مستحيلة ضرورة انه اخذ الشك في موضوع ادلة الاصول ومعه تكون الحكومة ظاهرية وغير مستلزمة للإجزاء قطعا.

(ورابعا) ان الحكومة المدعاة في المقام ليست الا من باب جعل الحكم الظاهري (5) وتنزيل المكلف منزلة المحرز للواقع في ترتيب آثاره وهذا مشترك فيه بين جميع الاحكام الظاهرية سواء ثبتت بالأمارة ام بالأصل محرزا كان ام غير محرز بل الأمارة اولى بذلك من الاصل فان المجعول في الامارات انما هو نفس صفة الاحراز وكون الامارة علما تعبدا واما الاصول فليس المجعول فيها الا التعبد بالجري العملي وترتيب آثار احراز الواقع في ظرف الشك كما يظهر ذلك في محله انشاء الله تعالى.

(وخامسا) ان الحكومة لو كانت واقعية فلابد من ترتيب جميع آثار الواقع (6) لا خصوص الشرطية فلا بدوان لا يحكم بنجاسة الملاقي لما هو محكوم بالطهارة ظاهرا ولو انكشف نجاسته بعد ذلك ولا اظن ان يلتزم به احد واما المسألة الرابعة وهى ان الاتيان بالمأمور به الظاهري هل يجزى عن التعبد بالأمر الواقعي اعادة أو قضاء إذا انكشف الخلاف بعد ذلك بحجة معتبرة اولا فلا يبعد عدم الخلاف في عدم الاجزاء فيها بالإضافة إلى الموضوعات الخارجية كما إذا قامت بينة على حصول الطهارة لماء كان متيقن النجاسة وبعد الوضوء به قامت بينة اخرى على جرح شهود الطهارة وعليه فعلى القائل بالأجزاء في خصوص الاحكام ابداء الفرق بين الموضوعات والاحكام واما بالنسبة إلى الاحكام فهناك نزاع مهم بين العلماء ومن موارده عدول المجتهد عن رأيه السابق الناشئ من خطائه في الاستفادة أو من اعتماده على اصل لفظي أو عملي لم يظفر برافعه اما لعدم الظفر بذاته أو لعدم تمامية حجيته عنده في الزمان السابق أو من اعتماده على دليل لم يظفر بمعارضه على الوجهين المذكورين في الرافع.

(والحق) في المقام هو القول بعدم الاجزاء بعد وضوح خروج القسم الاول عن موضوع الكلام ودخوله في تبدل الحكم العقلي وذلك فانه لم يقم دليل على حجية الاستفادة بما هي حتى يكون من باب تبدل الحكم الظاهري الشرعي بل الدليل انما دل على حجية الظاهر مثلا وبعد انكشاف الخلاف يعلم انه لم يكن هناك ظاهر اصلا بل كان تخيل الظهور فهو من باب تبدل الحكم العقلي الذى لم يلتزم احد فيه بالإجزاء.

(وتوضيح المقام) ان القائل بالإجزاء انما ذهب إليه بتوهم ان الحكم الشرعي يتبدل بتبدل لرأى نظير الملكية المتبدلة بالبيع والشراء فالمجتهد في زمان اجتهاده الاول لم يكن مكلفا الا بالعمل على طبق اجتهاده كما انه في الزمان الثاني لا يكلف الا بالعمل على طبق اجتهاده الثاني (ويرد عليه) ان التبدل اما ان يدعى في الحكم الواقعي اوفى حجية مدرك الفتوى الاولى اوفى احراز الحجة أما التبدل في الحكم الواقعي فلا اشكال في بطلانه لأنه يستلزم التصويب المجمع على بطلانه وكذلك التبدل في الحجية فان تقديم الحجة الفعلية ورفعها لحجية المدرك السابق اما ان يكون بالحكومة أو بالورود وعلى كل تقدير فالمدرك السابق لم يكن حجة شرعية في نفس الامر والواقع مع وجود الحاكم أو الوارد بل الحجة في الواقع انما كانت ذاك الحاكم أو الوارد غاية الامر ان حجية داك الحاكم أو الوارد لم تكن محرزة سابقا وصارت محرزة لاحقا فالتبدل انما هو في الاحراز ومن الواضح ان الاحراز ليس الا طريقا محضا إلى الواقع فإذا انكشف الخلاف وخطأ الاجتهاد الاول كان حاله حال انكشاف الخلاف في الامر العقلي في عدم الاجزاء ومنه ظهران ما ذكره بعض القائلين بالإجزاء من ان الاجتهاد الاول كالاجتهاد الثاني فلا وجه لرفع اليد عن الاول بالثاني واعادة الاعمال الواقعة على طبق الاجتهاد الاول في غاية الفساد فان المفروض ظهور بطلان الاجتهاد الاول بالثاني وكشفه عن عدم حجية المدرك الاول واقعا وبقاء الحكم الواقعي على ما هو عليه فلا محيص عن القول بعدم الأجزاء وبالجملة ليس حال انكشاف الخلاف في الدليل الظني الاكحال انكشاف الخلاف في الد ليل القطعي فكما انه لا معنى للقول بان القطع الاول كالقطع الثاني فلا وجه لرفع اليد عن الاول بالثاني كذلك الحال فيما نحن فيه ولكن الذى يقتضيه (النظر الدقيق) هو التبدل في المرتبة الثانية اعني بها مرتبة الحجية الا انه مع ذلك لابد من القول بعدم الاجزاء ايضا.

(وتوضيحه) ان حقيقة الحكم الظاهري ليس عبارة عن جعل حكم آخر في قبال الواقع والالزم التصويب وعدم وجود حكم واقعى مشترك بين الجاهل والعالم بل حقيقته هو حكم الشارع وجعله ما لم يكن محرزا للواقع وجدانا محرزا له تعبدا كما في الامارات او جعله التعبد بترتيب آثار الاحراز مع الشك في موارد الاصول فجميع الاحكام الظاهرية ترجع إلى التصرف في مرتبة الاحراز ولذا ذكرنا سابقا ان اصالة الطهارة حاكمة على الادلة الواقعية بالحكومة الظاهرية لا الواقعية فصفة المحرزية المجعولة لموضوعاتها وان كانت ثابتة في مقام الجعل واقعا الا انها لا تتحقق خارجا ولا تتصف الموضوعات بها في مقام الفعلية الا بعد احراز المكلف لهذا الجعل وموضوعه فحال الجعل في المقام في ترتب الاثر عليه حال العقود فكما ان نتيجتها كالملكية مثلا وان كانت منشأة بفعل احد المتعاقدين كالبائع مثلا الا انها لا تتحقق في الخارج الا بقبول المشترى كذلك الحجية أي جعل الشارع صفة المحرزية لشيء لا تتحقق في الخارج الا بوصول هذا الجعل وموضوعه إلى المكلف وليس حالها حال الاحكام الواقعية التي تتحقق في الخارج بنفس الانشاء سوء علم به المكلف ام لم يعلم به ولا يتوقف وجودها على ازيد من الانشاء كما في الايقاعات ولا يتفاوت الحال فيما ذكرنا وهو ان الحجية لا تتحقق الا بالوصول بين ان نقول بتعلق الجعل الحجية كما هو الحق وان نقول بكونها منتزعة من الاحكام التكليفية فان النزاع في متعلق الجعل لا ربط له بما ذكرناه من توقف تحقق الحجية في الخارج على الوصول إلى المكلف فإذا ثبت توقف تحقق الحجية على الوصول فالدليل الذى كان سندا للمجتهد في الزمان الاول لعدم العثور على ما كان مقد ما عليه كان متصفا بالحجية حقيقة مثلا إذا ورد عام ولم يثبت مخصصه فبما ان صفة الحجية ليست متحققة في الخاص قبل وصوله فالعام متصف بالحجية في ظرف عدم وصول التخصيص وبعد وصوله يتبدل الحجة فيكون الخاص حجة دون العام لكن صحة هذا المبنى لا تستلزم القول بالأجزاء فان المفروض عدم التبدل في الحكم الواقعي غاية الامران سند الاجتهاد السابق كان حجة في الزمان الاول قبل وصول رافعها ومتصفا بصفة المحرزية ومن المعلوم انه لا يزيد المحرز الجعلي على المحرز الوجداني في انه إذا انكشف خطأه وبقاء الواقع على حاله فلابد من الاتيان به اعادة أو قضاء لان المفروض عدم الاتيان لا بالواقع ولا بما يكون مسقطا له وبدلا عنه ولا فرق فيما ذكرناه بين القول بالطريقية والقول بالسببية والموضوعية اذلو بنينا على السببية فانما نلتزم بها على الوجه الثالث الذى أفاده العلامة الأنصاري (قدس سره) في تصوير السببية وحاصله أن يكون قيام الامارة موجبا لتدارك المقدار الفائت من مصلحة الواقع بسبب العمل بتلك الامارة مثلا إذا قامت الامارة على وجوب صلاة الجمعة فتارة ينكشف خلافها ووجوب صلاة الظهر واقعا بعد مضى وقت الفضيلة للصلاة فالمقدار الفائت هي مصلحة اول الوقت فقط فالمتدارك بالأمارة لابد وان يكون هي تلك المصلحة المذكورة واما مصلحة اصل الصلاة وكونها في الوقت فلم تفت فلابد من الاعادة وأخرى ينكشف الخلاف بعد مضى الوقت بتمامه فالمقدار الفائت والمتدارك هي المصلحة الوقتيه لكن مصلحة نفس صلاة الظهر التي لا دخل للوقت فيها قابلة للاستيفاء بعد خروج الوقت حال انكشاف الخلاف وسقوط الامارة عن الحجية فلا موجب للالتزام بتداركها بالعمل بتلك الامارة فلابد من التدارك بالقضاء وثالثة لا ينكشف الخلاف إلى الا بد فيكون الفائت والمتدارك تمام المصلحة وبالجملة ان امكننا دفع شبهة ابن قبة في جعل الامارات على الطريقية فنلتزم بهذا والا فبالسببية بهذا المعنى لا بالمعنى الذى التزم به المعتزلة وهو الوجه الثاني الذى ذكره العلامة الأنصاري (قدس سره) في معنى السببية وحاصله ان يكون قيام الامارة موجبا لحدوث مصلحة في مؤديها غالبة على مصلحة الواقع فان السببية بهذا المعنى وان كانت مستلزمة للإجزاء الا انها مستلزمة للتصويب واختصاص الحكم الواقعي بغير من قامت عنده الامارة على خلافه.

(والحاصل) انه بناء على اصول الامامية إذا فرضنا استنباط حكم من مقدمات كلها كانت حجة شرعية (ومع) ذلك ظهر بعد ذلك خلاف الاستنباط الاول من دليل أقوى (فلا) محيص عن القول بعدم الاجزاء في مورده لان ما كان حجة حدوثا من قبل الشارع فهو انما ينفع في ترتب الاثار عليه بقاء في ما إذا كان باقيا على الحجية ايضا بعدم انكشاف خلافه مثلا إذا سئل المصلى جمعة في يوم الجمعة عن سبب اجتزائه بها عن صلاة الظهر فلا محالة يجيب بقيام الحجة عنده على وجوب صلاة الجمعة (وكذلك) لو سئل عن سبب اجتزائه بها عن قضاء صلاة الظهر بعد خروج الوقت فله التمسك بقيام الحجة على وجوب صلاة الجمعة واما إذا انكشف الخلاف وسقط مدرك فتواه السابقة عن الحجية فلا ينفعه الجواب بقيام الحجة عنده في زمان ما كما في القطع الوجداني بعينه هذا مع ان الفرض المزبور ممنوع كلية فانه لابد في استنباط أي حكم كان من اعمال الظنون الاجتهادية الثابتة حجيتها من طريق العقل فيكون انكشاف الخلاف حينئذ في الحكم العقلي ولاريب حينئذ في عدم الاجزاء ولو بنينا على الاجزاء في الاحكام الا ظاهرية الشرعية. واستدل القائلون بالإجزاء بوجوه:

(الاول) ان عدم الاجزاء في موارد الاوامر الشرعية الظاهرية مستلزم للحرج نوعا فيكون منفيا شرعا (وفيه ان) الاستدلال بنفي الحرج في امثال المقام ناشئ من خلط موضوع الحكم بداعي جعله (وتوضيحه) ان الحرج أو الضرر قد يكون داعيا للشارع إلى جعل حكم من الاحكام كالحكم بطهارة الحديد وخيار الشفعة الناشئين عن لزوم الحرج والضرر في فرض عدمهما ولو كان ذلك بحسب غالب الاشخاص فالحكم يكون ثابتا على وجه الاطلاق وغير مقيد بالحرج أو الضرر الشخصيين ولا بأس بكون شيء داعيا وحكمة لجعل حكم لا يدور ذلك الحكم مدار لكن ذلك ليس الا شأن الشارع لا المجتهد والفقيه فانه ليس بجاعل الاحكام حتى يفتى في موضوع بحكم كلى   لأجل الضرر أو الحرج النوعي بل شأنه الافتاء على طبق استنباطه الاحكام من المدارك الشرعية وقد يكون الحرج أو الضرر موضوعا للحكم كما في قوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] فانه بعد حكومته على سائر الادلة في قوة ان يقول ان الاحكام المجعولة الشرعية ترتفع في مورد الحرج وبما ان القضايا المتكلفة لبيان الاحكام الشرعية من قبيل القضايا الحقيقية فالأحكام تتعدد بتعدد موضوعاتها فأي موضوع كان الحكم فيه حرجيا يرتفع حكمه والا فلا فالنزاع في هذا المقام في ان الحرج أو الضرر المنفيين نوعيان أو شخصيان مما لا معنى له (7) لعل هذا الاشتباه انما نشأ من استعمال كلمة لا ضرر في اخبار الشفعة مع الغفلة عن ان كونه في مقام داعيا وحكمة لا ربط له بما إذا كان موضوعا للحكم إذ معه لا يعقل الا كون الضرر شخصيا لما ذكرناه من لزوم تعدد الاحكام بتعدد موضوعاتها هذا مضافا إلى ان الضرر في مقام الحكومة لو كان نوعيا للزم القول بعدم وجوب القضاء مطلقا لا في خصوص انكشاف مخالفة الاحكام الظاهرية كما هو واضح واما توهم ان خيار الغبن الذى افتى به الاصحاب حكم كلى مدركه ادلة نفى الضرر مع ان ترتب الضرر على لزوم العقد نوعي لا شخصي فمد فوع بأن الدليل على خيار الغبن انما هو بناء المتعاقدين في غير المعاملات المحاباتية على حفظ مالية ماليهما من تبدل شخص المال وهو الذى عليه يدور نظام العالم فكون مالية مال كل منهما بمقدار مالية مال الآخر شرط ضمني في العقد وتخلفه يوجب الخيار والاستدلال عليه بحديث لا ضرر انما هو من باب تكثير الادلة لا من جهة كونه هو المدرك للفتوى ومع قطع النظر عن بناء المتعاقدين لا يمكن التمسك لإثبات الخيار المزبور بحديث لا ضرر كما هو الحال في المعاملات المحاباتية هذا مع ان الضرر في تمام المعاملات الغبنية شخصي فلا ربط له بأمثال ما نحن فيه اصلا.

(الثاني) ما اشرنا إليه من ان الاجتهاد الثاني كالاجتهاد الاول فلا وجه لرفع اليد عنه به وقد ظهر جوابه مما ذكرناه فلا نعيد.

(الثالث) ماعن صاحب الفصول (قدس سره)  من ان القضية الواحدة لا تتحمل اجتهادين وفيه انه لم يظهر معنى معقول لهذا الاستدلال اصلا فان مؤدى الاجتهاد بعد فرض كونه حكما كليا غير مختص بزمان خاص ان اراد انه لا يتحمل اجتهادين من شخص واحد في زمان واحد فهو مسلم لكنه اجنبي عن المقام وان اراد انه لا يتحمل اجتهادين في زمانين فهو بديهى البطلان. (الرابع) ان تبدل الاجتهاد وقيام حجة اخرى على خلاف الحجة السابقة ليس الا نظير النسخ فانه بوصول الحجة الثانية ينقضي زمان الحجة الاولى فهى إلى زمان الحجة الثانية كانت حجة واقعية لما ذكرناه من ان الحجية ليس لها مرتبتان واقعية وظاهرية بل حقيقتها متقومة بالوصول ومن الواضح انه لا معنى للحجية الا الاكتفاء عن الواقع بالعمل بما هو حجة في مقام الامتثال وحيث أن المفروض ثبوت الحجية لها في الزمان الاول والعمل على طبقها فلابد من الاكتفاء بموافقتها وان ارتفعت حجيتها بعد انكشاف الخلاف (وفيه) ما عرفت من انه بناء على اصول المخطئة وعدم تغير الحكم الواقعي بقيام الحجة على خلافه لا يكون حال الحجة الشرعية المتصفة بصفة الحجية سابقا الاكحال الاحراز الوجداني فكما انه لا معنى لتوهم الاجزاء فيه بعد انكشاف الخلاف وبقاء الواقع كذلك لا معنى لتوهم الاجزاء بموافقة الحجة الشرعية التى جعلت محرزة للواقع تعبدا بعد انكشاف خلافها بقيام حجة اقوى عليه (هذا) كله فيما يقتضيه الاصل الاولى في المقام والا فربما يدعى الاجماع على الاجزاء اعادة وقضاء عند تبدل الحكم الظاهري اجتهادا أو تقليدا والتحقيق ان هناك ثلاثة مقامات:

(المقام الاول) الاجزاء في العبادات الواقعة على طبق الاجتهاد الاول عن الاعادة والقضاء. (الثاني) الاجزاء في الاحكام الوضعية فيما لم يبق هناك موضوع يكون محلا للابتلاء كما إذا بنى على صحة العقد الفارسي اجتهادا أو تقليدا فعامل معاملة فارسية ولكن المال الذى انتقل إليه بتلك المعاملة اتلفه أو تلف عنده.

(الثالث) الاجزاء في الاحكام الوضعية مع بقاء الموضوع الذى يكون محلا للابتلاء كبقاء المال بعينه في الفرض السابق وكما إذا عقد على امرأة بالعقد الفارسي وكانت محل الابتلاء له بعد انكشاف الخلاف.

اما المقام الاول فلا اشكال في أنه القدر المتيقن من مورد الاجماع (8).

وأما المقام الثالث : فلا اشكال في خروجه عن مورده فتوى جماعة فيه بالأجزاء انما هو لا   لأجل ذهابهم إلى كون الاجزاء هو مقتضى القاعدة الاولية لأجل الاجماع على ذلك.

واما المقام الثاني ففي شمول الاجماع له اشكال بل منع وان كان لا يبعد انعقاد الاجماع على عدم التبعة في الافعال الصادرة على طبق الاجتهاد الاول سواء كانت التبعة هي الاعادة والقضاء أو الضمان فيشمل المقام الثاني ايضا لكنه مجرد نفى العبد (وشمول) معقد الاجماع له في غاية الاشكال ان لم نقل بانه ممنوع فلا بدمن التأمل و التتبع التام بقي هناك امور الاول ما اشرنا إليه من أن مقتضى القاعدة الاولية هو عدم الاجزاء في الموضوعات كالأحكام وأن الالتزام بالأجزاء مطلقا يستلزم القول بالتصويب والتصويب في الموضوعات وان لم يقم اجماع على بطلانه الا انه خلاف ظواهر الادلة المثبتة للأحكام لموضوعاتها الواقعية كما انه خلاف ظواهر ادلة الطريق المجعولة فانها ظاهرة في الطريقية المحضة وعلى تقدير ضيق الخناق ولزوم الالتزام بالسببية فلا ملزم للالتزام بأزيد من وجود المصلحة لسلوكية التى لا تستلزم الاجزاء كما عرفت نعم لو قام دليل بالخصوص على الاجزاء فلابد من رفع اليد عن مقتضى القاعدة الاولية كما دل الدليل عليه عند انكشاف الخلاف بعد حكم الحاكم في باب القضاء في الجملة الثاني انه لا فرق في كون عدم الاجزاء هو مقتضى القاعدة الاولية بين المجتهد والمقلد فإذا كان مقتضى التقليد الثاني هو بطلان الاعمال الواقعة على طبق التقليد الاول فلابد من ترتيب الاثر فعلا على طبق الحجة الفعلية (وتوهم) ان حجية فتوى المجتهد في حق المقلد من باب السببية والموضوعية لا الطريقية ولذا يجب الرجوع إلى الاعلم الحى ولو فرضنا مخالفة فتواه للمشهور بين المتقدمين والمتأخرين مع ان طريقيتها للواقع اضعف من فتوى المشهور بالضرورة (مدفوع) بأن عدم ايجاب الطريق للظن بالواقعة احيانا مع اشتماله على خصوصية موجبة لتعينه لا ينافي طريقيته كما في حجية الظواهر فان حجيتها غير مقيدة بالظن بالوفاق ولا بعدم الظن بالخلاف مع انها من باب الطريقية قطعا (هذا) مع انك قد عرفت انه لو ضاق بنا الخناق فلا نلتزم بأزيد من المصلحة السلوكية التي لا تستلزم الاجزاء وبالجملة المدار في الاجزاء وعدمه على موافقة حكم الله الواقعي وعدمها بناء على اصول المخطئة ولا فرق بين ان يكون الطريق المعمول به ناظرا إلى الواقع ابتداء كما في الطرق التي يستعملها المجتهد وان يكون ناظرا إلى طريق الواقع فيكون طريقا للطريق كما في فتوى المجتهد بالإضافة إلى المقلد الثالث ان الاجزاء لو قيل به في الاحكام الظاهرية الشرعية لبعض الوجوه المذكورة فلا يتوهم القول به في الحكم العقلي اصلا سواء كان منشأه القطع بالحكم الشرعي أو احد الظنون الاجتهادية أو اجراء البراءة العقلية والسر في ذلك ان القائل بالإجزاء في الاحكام الظاهرية الشرعية انما قال به لذهابه إلى السببية على رأى المعتزلة فان بعض الامامية قد اختار مذهبهم فيها وهذا في الاحكام العقلية مفقود قطعا وانما الثابت فيها هي المعذورية وعدم استحقاق العقاب على مخالفة الواقع على تقدير عدم التقصير في المقدمات والا فلا يرتفع استحقاق العقاب ايضا ولذا لا شبهة في استحقاق الكفار للعقاب مع ان اكثر هم قاطعون بمذهبهم الا ان قطعهم بذلك انما نشأ من التقصير في المقدمات الموجبة لقطعهم فلا يكون عذرا لهم في عدم استحقاق العقاب. الرابع انه لا فرق فيما ذكرناه من كون عدم الاجزاء هو مقتضى القاعدة الاولية بين اختلاف الحجة بالنسبة إلى شخص أو شخصين كما إذا فرضنا اختلاف المجتهدين في الفتوى فلا يجرى فتوى احدهما بالنسبة إلى الآخر أو لمقلديه ولا فرق في ذلك بين المعاملات وابواب الطهارات والنجاسات وابواب العبادات إذا كان احدهما محلا لابتلاء الآخر مثلا إذا كان احد الشخصين يرى جواز العقد بالفارسي وطهارة العصير العنبي وعدم جزئية السورة للصلاة فلا يمكن لمن لا يرى تلك الامور ان يكون احد طرفي العقد معه اوان يعامله معاملة الطاهر في فرض العلم بملاقاته للعصير أو يقتدى به في الصلاة أو يستأجره لها مع فرض تركه للسورة فالمسألة في جميع ذلك محل اشكال لعدم تمامية الاجماع على الاجزاء مع كون عدمه مقتضى القاعدة واشكل الجميع هو باب الطهارة والنجاسة الا ان يقال بكون الغيبة من المطهرات ولو مع اعتقاد الغائب لنجاسته كما افتى به صاحب الجواهر (قدس سره) ومال إليه سيد اساتيذنا المحقق الشيرازي (قدس سره) وقد نقل الاستاذ دام ظله انه كان يفتى به شفاها.

_________________

 

1 - قد عرفت فيما تقدم ان الاتيان بالمأمور به في الخارج لا ينفك عن ترتب الغرض عليه الداعي إلى طلبه وايجابه وعليه فلا يبقى مجال للامتثال ثانيا وما دل على جواز اعادة الصلاة جماعة أو اماما محمول على استحباب الاعادة في نفسها والامر بجعلها فريضة في بعض الروايات محمول على قصد القضاء بها كما صرح به في بعضها الاخر .

2 - لا يخفى انه يمكن ان تكون الصلاة مع الطهارة المائية مشتملة على مصلحتين ملزمتين أو على مصلحة واحدة ملزمة باعتبار ذاتها وباعتبار مرتبتها ايضا وان تكون الصلاة مع الطهارة الترابية حال فقدان الماء مشتملة على احدى المصلحتين أو على ذات تلك المصلحة الواحدة لا على مرتبتها مع امكان استيفاء الباقي من المصلحتين أو مرتبتها وعليه فالفاقد للماء في الوقت يؤمر بالصلاة لئلا تفوت المصلحة الالزامية من جهة الوقت ومع ذلك يؤمر بالقضاء في خارج الوقت لفرض امكان تدارك الفائت من المصلحة الالزامية فلا مناقضة بين الامر بالفاقد في الوقت والامر بالقضاء للواجد في خارج الوقت ثبوتا نعم ثبوت القضاء في خارج الوقت خلاف ظواهر الادلة الدالة على قيام الطهارة الترابية مقام الطهارة المائية وعلى تقدير عدم الدليل في مورد فوجوب القضاء لابد في ثبوته من قيام الدليل عليه ومجرد الاحتمال لا يكفى في ثبوته بعد كونه خلاف الاصل هذا كله بناء على دوران وجوب القضاء مدار فوت الملاك واما بناء على ان موضوعه هو فوت الفريضة الفعلية ولو كانت غير واصلة إلى المكلف في وقتها فلا يحتمل وجوب القضاء في مفروض الكلام اصلا إذا لمفروض ان الوجوب لم يكن متعلقا الا بالفعل الاضطراري ظاهرا أو واقعا فلم تفت الفريضة كى يجب قضائها .

3 - جواز البدار واقعا بعد قيام الاجماع على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد وان كان يكشف عن وفاء العمل الاضطراري بتمام ما هو الملزم من ملاك الفعل الاختياري الا انه يختص بموارد قيام الاجماع ولا يعم غيرها من موارد الاتيان بالمأمور به الاضطراري فلا بد فيها من اقامة دليل آخر على الاجزاء وبما انه لم يحرز في تلك الموارد وفائه بتمام الملاك فلا يكون الاجزاء قطعيا فان كان لدليل الامر بالفعل الاضطراري اطلاق يقتضى جواز الاكتفاء به في مقام الامتثال ولو كان الاضطرار مرتفعا بعده فهو المرجع و الا فأصالة البراءة تقتضي عدم وجوب الاعادة فمقتضى القاعدة هو الاجزاء في موارد الامر الاضطراري مطلقا .

 

4 - الحكم بكون الشرط اعم من الواقع والظاهر وان كان يستلزم كون وجود الحكم الظاهري مفروضا عنه حين الحكم بعموم الشرط الا ان المدعى في المقام هوان جعل الطهارة الظاهرية يستلزم ترتب احكام الطهارة الواقعية التي من جملتها شرطيتها للصلاة مثلا على الطهارة الظاهرية فالمحكوم به انما هي الطهارة الظاهرية لا كون الشرط اعم من الواقع والظاهر واما عموم الشرط فهو من لوازم جعل الطهارة ظاهرا فلا محذور من هذه الجهة في دعوى كون الشرط اعم من الواقع والظاهر فتدبر جيدا .

5 - الحكومة المدعاة في موارد جعل الطهارة أو الاباحة الظاهرية المترتب عليها عموم الشرط انما هي من جهة ان المجعول في تلك الموارد بنفسه حكم شرعي وهذا المعنى مفقود في موارد الامارات إذا المجعول في تلك الموارد ليس الا جعل لطريقية والحكم بثبوت الواقع عند قيام الامارة عليه فإذا قامت الامارة على وجود الشرط واقعا ثم انكشف خلافها بعد ذلك فالعمل المأتى به على طبق تلك الامارة ينكشف كونه فاقدا لشرطه فلا يبقى مجال للقول بإجزائه عن الواقع وعليه فلا وجه لما افيد في المتن من كون ملاك القول بعموم الشرط مشتركا فيه بين موارد الاصول وموارد الامارات فضلا عن كون موارد الامارات اولى بذلك .

 

6 - ولازم ذلك هو الالتزام بطهارة المغسول بماء محكوم بالطهارة ظاهرا وبصحة الوضوء أو الغسل به ولو انكشف نجاسة ذلك الماء بعد ذلك واقعا وكذلك لا زمه الالتزام بملكية الثمن واقعا للبائع المالك المثمن بحكم الاستصحاب ولا يظن بفقيه ان يلتزم بشيء من ذلك وبالجملة إذا كان جعل الطهارة الظاهرية موجبا لأعمية الشرط واقعا بدعوى ان الحكم بالطهارة ظاهرا يستلزم ثبوت احكام الطهارة الواقعية للطهارة الظاهرية فلا وجه لتخصيص ذلك بشرطية الطهارة للصلاة بل لابد من الالتزام به بالقياس إلى جميع الاثار الثابتة للطهارة الواقعية وكذلك الالتزام بترتيب احكام الملكية الواقعية على الملكية المستصحبة وامثال ذلك و كل ذلك واضح البطلان

 

7- لا يخفى ان ما افاده شيخنا الاستاذ (قدس سره) من التفرقة بين كون الضرر أو الحرج داعيا إلى جعل الحكم على موضوعه وكونه بنفسه موضوعا للحكم المجعول وان كان متينا جدا الا انه لا ينافى امكان اخذ الضرر أو الحرج النوعي موضوعا لحكم من الاحكام ومع ذلك لا تخرج القضية عن كونها حقيقية نعم ان ادلة نفى الضرر والحرج ظاهرة في نفى الضرر والحرج الشخصيين فالأشكال انما هو في مقام الاثبات دون مقام الثبوت فلا وجه لما افيد في المتن من عدم تعقل اخذ الضرر أو الحرج النوعي موضوعا للحكم الشرعي .

8 - الظاهر انه ليس في شيء من المقامات الثلاثة اجماع تعبدي والقائل بالأجزاء انما ذهب إليه لدلالة الدليل عليه باعتقاده وعليه فلا مقتضى لرفع اليد عن ما تقتضيه القاعدة الاولية من لزوم الاعادة والقضاء في العبادات بعد انكشاف الخلاف ولزوم ترتيب جميع آثار انكشاف الخلاف في المعاملات ولابد في القول بالأجزاء من دلالة دليل عليه وقد عرفت انه لا دليل عليه نعم بناء على ما هو التحقيق عندنا من شمول حديث (لا؟ عاد) لموارد الجهل عن قصور لا يجب اعادة الصلاة عند انكشاف مخالفة المأتى به للواقع في غير الخمس المذكورة في الحديث وفى غير ما ثبت فيه عدم الاجزاء بدليل خاص فالأصل الاولى وان كان يقتضى عدم الاجزاء الا ان الاصل الثانوي يقتضى الاجزاء ما لم يثبت عدمه بدليل خاص .




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.