المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



تنبيــــهات البراءة  
  
699   08:04 صباحاً   التاريخ: 24-8-2016
المؤلف : الشيخ ضياء الدين العراقي
الكتاب أو المصدر : مقالات الاصول
الجزء والصفحة : ج2 ص 201.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / الاصول العملية / البراءة /

[1 - عدم ارتباط البراءة باستصحاب حال العقل] فمنها: إن مفاد قاعدة البراءة هو نفي الكلفة في مرتبة الشك [بالواقع] تارة بلسان نفي الإيجاب واخرى بلسان جعل الحلية - على أحد الوجهين - بلا ملاحظة الحالة السابقة فيها، ولا النظر إلى نفي التكليف واقعا فلا ترتبط هذه القاعدة بقاعدة الاستصحاب ولا قاعدة عدم الدليل دليل العدم . وحينئذ لا وجه للتفصيل فيها بين ما يعم به البلوى أم لا، علاوة [على] عدم دليل واف بمفاد القاعدة الثانية، كما لا يخفى. وحينئذ فتوهم السابقين من جعل أصل البراءة من مصاديق الاستصحاب ويعبرون عنه باستصحاب حال العقل منظور فيه. ولقد أجاد المحقق آقا جمال الخوانساري (1) حيث تنبه في زمانه [إلى] اختلاف القاعدتين وجعل أصل البراءة أصلا برأسه. هذا من مثله في زمانه تحقيق رشيق شكر الله سعيه.

[2 - يشترط في البراءة عدم وجود اصل حاكم عليها]:

ومنها: إن من شرائط كلية الاصول عدم وجود أصل حاكم [عليها] بل كون ذلك من الشرائط أيضا مسامحة في التعبير، إذ مع وجود الحاكم لا يبقى مورد [لجريانها]، وحينئذ فمن لوازم جريان أصالة البراءة عدم جريان أصالة الحرمة أو الحلية [فيها]. ومن نتائج ذلك عدم جريان أصالة الحل والبراءة في لحم شك بأنه مذكى أم لامع كونه في سوق مسلم أو بيد مسلم يعامل معه معاملة المذكى. وفي كفاية صرف يده لإثبات التذكية إشكال من دون فرق في ذلك بين كون الشك من جهة الشك في القابلية أم لا. وإن لم يكن في البين أمارة الحلية كما عرفت ففي جريان أصالة عدم التذكية مع الشك في القابلية تفصيل. فإن قلنا بأن القابلية مثل فري الأوداج [دخيلة] في تحقق التذكية وأن التذكية أمر معنوي كالطهارة فلا شبهة في جريان أصالة عدم التذكية حتى مع الشك في القابلية، وبه [تثبت] الحرمة. وإن قلنا بأن التذكية نفس فري الأوداج بشرائطه الاخرى وأن القابلية [دخيلة] في تأثيره: فإن كانت القابلية المشكوكة مسبوقة بوجودها - كما لو شك في أن الجلل في الحيوان مخرج له عن القابلية أم لا - فلا بأس حينئذ باستصحاب القابلية فيرتب عليه آثار وجود فري الأوداج وعدمه ولو بالأصل. وأما إن لم تكن مسبوقة بوجودها فلا شبهة حينئذ في عدم جريان أصالة عدم التذكية، إذ مع الجزم بوجودها لا أثر لها بلا إحراز قابلية المحل [المفروض] عدم طريق [لإحرازها]. وحينئذ: فإن كانت القابلية المزبورة من الجهات العارضة على الذات وغير مأخوذة فيها وقلنا أيضا بجريان الأصل في الأعدام الأزلية فلا بأس بجريان أصالة عدم قابلية الذات ولو [قبل] وجوده [فتثبت] به الحرمة أيضا، وإلا فلا مجرى لهذا الأصل أيضا. وحينئذ لا بأس بجريان أصالة الحلية في اللحم المزبور. كما أنه لو احرزت القابلية وشك في تأثير التذكية - علاوة [على] الطهارة - في الحلية أيضا أم لا ففي هذه الصورة أيضا لا بأس بجريان أصالة الحل لعدم أصل حاكم عليها. نعم لو شك حينئذ في ورود فري الأوداج بشرائطه عليه [كفت] في حرمته أصالة عدمه كما لا يخفى.

 [3 - الكلام في رجحان الاحتياط عقلا وشرعا]:

ومنها: أنه لا إشكال عندهم في رجحان الاحتياط عقلا، وإنما الكلام في [قابليته للرجحان] شرعا - المستلزم لحمل ما ورد من أوامر الاحتياط شرعا على الاستحباب المولوي - أو عدم [قابليته] له كي [يحمل] الأوامر المزبورة على الارشاد إلى حكم العقل. أقول: إن كان عنوان الاحتياط عبارة عن إتيان ما هو محتمل للوجوب فلا قصور في قابليته للاستحباب المولوي طريقيا أم نفسيا بلا مزاحمة مثل هذا الاستحباب في فرض المخالفة مع الواقع مع فعلية الواقع، نظرا إلى عدم اطلاق في خطابه الواقعي بنحو يشمل مرتبة الشك بنفسه بلا مانع لمجيء خطاب آخر في هذه المرتبة بنحو يقتضي ترخيصا [في] مخالفة الواقع في هذه الرتبة كما هو شأن الأوامر الطرقية، أو يقتضي محبوبيته على خلاف الواقع المستتبع لمنعه عن تأثير المصلحة رجحان العمل في جميع المراتب حتى مرتبة الشك بخطابه، إذ لا بأس به بعد كون المصلحة مقتضية لذلك لا [علة]، كما هو الشأن على الموضوعية في سائر الموارد. نعم بناء على هذا المعنى للاحتياط أمكن منع استقلال العقل في رجحانه وإنما يستقل برجحان إتيان الفعل بداعي احتمال وجوبه، إذ حينئذ يكون هذا العنوان مأخوذا فيه جهة النشو عن الداعي، فيكون العنوان بذاته في رتبة متأخرة عن الذات الموضوع للوجوب، لاختلاف الرتبة بين الذاتين [بكون] أحدهما موضوع الوجوب والآخر معلوله. وهذا بخلاف الفرض السابق، إذ الذات الواحد محفوظ في طي العنوانين، وحينئذ يكون مثل هذا الذات المتأخر عن الداعي مما ينطبق عليه عنوان الإطاعة أو الانقياد. وبهذه الجهة يصير موضوع حكم العقل بالحسن. وفي مثله لا مجال لتصرف الشارع فيه مولويا، فلا محيص من حمل أمره [على] الارشاد. وعليه فلا مجال لجعل النفي والاثبات في الرجحان الشرعي المولوي على منوال واحد، بل على المشي الأول لا محيص من حمل الأوامر الواردة على الرجحان المولوي، ولا معنى لرجحانه عقلا أيضا. وعلى المشي الثاني لا معنى لمولوية الأمر الشرعي، بل لا محيص - كأوامر الإطاعة والانقياد - [عن] الإرشاد. وعلى أي حال لا يفهم لمثل هذا العنوان في المسألة وجه صحيح، بل في الحقيقة فيه جهة خلط بين المسلكين. كما لا يخفى فتدبر. ثم إن الظاهر من عنوان الاحتياط - خصوصا بقرينة استقلال العقل بحسنه - هو العمل بداعي الاحتمال، لا صرف إتيان مشكوك [الوجوب]. وحينئذ كل ما ورد بلسان الأمر بالاحتياط لا بد من الحمل على الإرشاد إلى حكم العقل برجحانه. نعم في بعض الروايات لسان: من ترك الشبهات فهو لما استبان له [أترك] (2). وظاهره تعلق الأمر بعنوان مشتبه الحكم، بل ظاهر التعليل بالأتركية كونه مستحبا نفسيا - بملاحظة صيرورته عادة لترك المحرمات - لا طريقيا. اللهم إلا أن [يدعى] عدم تنافيه مع طريقية الأمر أيضا. ولقد تقدم في مبحث القطع تقديم الطريقية عند الدوران مع الموضوعية، إذ مع الطريقية لا يبقى إطلاق مصلحة الذات لمحبوبيته في جميع المراتب، لعدم التنافي بين المحبوبية والترخيص على خلافه لمصلحة في ترخيص العبد ولو للتسهيل عليه، بخلاف الموضوعية، فإنه عليها لابد من رفع اليد عن اطلاق اقتضاء المصلحة لمحبوبية الذات ولو في مرتبة الشك بخطابه كما لا يخفى. وعلى أي حال فظاهر الرواية إثبات الحكم لعنوان مشتبه الحكم . ولقد تقدم أن مثل هذا العنوان خارج عن مصب حكم العقل بالحسن واستحقاق المثوبة، فلا قصور حينئذ لمولوية حكمه ولو كان طريقيا. ومثل هذه الطائفة من الأخبار - قبال الطائفة السابقة - [الأخبار] الآمرة بعنوان الاحتياط (3)، فإنه بملاحظة حكم العقل بحسنه - لدورانه بين الاطاعة والانقياد - لا يبقى مجال لمولوية الأمر بالاحتياط، بل لابد وأن يكون لمحض الإرشاد - كسائر الأوامر الواردة بعنوان الإطاعة - كما هو ظاهر. وبالجملة كل مورد ورد الأمر بعنوان المشتبه فلا قصور في ظهور أمره [في المولوية]، بخلاف ما ورد الأمر بعنوان الاحتياط أو غيره الحاكي عن إتيان العمل بدعوة الأمر أو احتماله أو ما يساوق احتماله. [مفاد أخبار من بلغه ثواب] وربما [صارت] هذه الجهة - من اختلاف العنوان في مولوية الحكم به أو إرشاديته - منشأ للاختلاف فيما ورد في الأخبار بألسنة مختلفة، تارة: بلسان من بلغه ثواب على عمل فعمل رجاء ذلك الثواب وإن لم يكن كما بلغه، له مثل ذلك (4)، واخرى: بلسان فعمل التماس ذلك الثواب (5)، وثالثة: فعمل طلب قول النبي (6). وروح وجه اختلافهم في مضمون هذه الأخبار هو: أن الترغيب المستفاد من قوله: مثل ذلك الثواب - الذي هو بمنزلة الأمر بالعمل - هل هو متعلق بعنوان العمل البالغ فيه الثواب كي يكون نظير عنوان مشتبه الحكم الخارج عن مصب حكم العقل بالرجحان فيكون حينئذ مستحبا مولويا ولو طريقيا كما أشرنا إلى وجه [ترجيحها] على النفسية المحضة؟ أو أنه متعلق بالعمل المأتي [به] بداعي البلوغ ورجاء وجود الثواب واقعا كي لا يبقى مجال لإعمال الجهة المولوية، ويحمل على الإرشاد إلى حكم العقل. وحينئذ لنا أن نقول: إن الظاهر من قوله (عليه السلام): بلغه ثواب على عمل فعمل... [ترتب] العمل - بظهور فائه - على البلوغ، ولا يكون ذلك إلا بدعوته، فقهرا يصير هذا العمل المرغوب إليه الذي هو بمنزلة تعلق الأمر به في رتبة متأخرة [عن] العمل البالغ فيه الثواب، لأن هذا العمل مأخوذ في موضوع بلوغ الثواب، والعمل المصدر بفاء التفريع معلول البلوغ المزبور، فيصير المقام من قبيل: أردت الضرب فضربت حيث إن الضرب الأول موضوع الإرادة و[تحتها]، والضرب الثاني معلول الارادة و[فوقها]. ولازمه كون العمل الثاني مساوق عنوان الاحتياط الذي هو مساوق عنوان الطاعة أو الانقياد الذي يستقل العقل [بحسنه] وعدم صلاحية الأمر المتعلق به إلا للإرشاد. وبعد هذا البيان لا يبقى مجال توهم أن جهة البلوغ بالنسبة إلى العمل المرغوب إليه من الجهات التعليلية، وأن موضوع الترغيب هو ذات العمل لا العمل بعنوان الرجاء أو البلوغ، فيصير المقام من قبيل: من سرح لحيته فله كذا موضوعا لأمر مستحبي مولوي بلا جهة إرشاد فيه، إذ مجرد تعليله [بالبلوغ] والرجاء لا يضر بمعلولية العمل لهما، بملاحظة نشوه عن دعوتهما، وما هو مضر بمولوية أمره هو هذه الجهة، و[بها] يمتاز عن تسريح اللحية المأخوذ في موضوع الأمر بلا نشوه عن دعوة أمر ولا احتماله ورجائه. وحينئذ لا محيص من حمل الأمر في المقام على الإرشاد، ولا يبقى له مجال المولوية كما عرفت في شرح معنى الاحتياط على المختار. وحينئذ فلقد أجاد شيخنا العلامة حيث حمل هذه الأوامر [على] الإرشاد بلا شائبة المولوية فيها (7) وإن كان في وجهه نظر، بل عمدة الوجه ملاحظة النكتة الدقيقة في الفرق بين طولية العملين وبين طولية العنوانين الواردين على العمل الواحد المحفوظ في رتبة نفسه من [المعروضية] للعنوانين بلا شائبة المعلولية فيه وأنه أوجب الفرق في صلاحية الأمر بالعمل للمولوية أو عدم [صلاحيته] إلا للإرشاد. ولعمري إن غفلتهم عن هذه النكتة [أوقعتهم] في المقام وفي باب التجري والانقياد في حيص وبيص، وأخذوا بظهور الأمر في المقام وفي باب الاحتياط في المولوية ومنعوا في باب التجري أيضا سراية المبغوضية إلى نفس العمل بخيال [كونها موجبة] لانقلاب الواقع بمحض قيام طريق العبد على خلاف مرامه، وإلا فلو فتحوا البصر [رأوا] العمل الثاني في طول ما هو معروض طريقه لا يكاد حينئذ [يتوهم] سراية الأمر الواقعي عن معروضه إلى ما هو معلوله، فلا قصور لهذا المعلول أن يكون معروض بغض العقل أو حسنه بلا انقلاب الواقع بالنسبة إلى العمل المعروض عن حاله. ولئن شئت [قلت]: إن عمدة ما أوقعهم في هذه الغفلة أيضا خيالهم سراية الأمر والإرادات إلى الخارج، وفي الخارج ليس إلا وجود واحد، بلا تفكيك في الخارج بين المعروض والمعلول، وإنما هو من شؤون الاعتبارات الذهنية المحضة الخارجة عن مصب الأحكام طرا. وتوضيح فساد الوهم واختلال الخيال هو: أن من البديهي في كلية الصفات الوجدانية - من العلم والارادة والتمني والترجي وامثالها - استحالة تعلقها بالوجود الخارجي بما هو خارجي. كيف! والقطع المخالف للواقع أو الظن وغيره - بنظر القاطع - متعلق بالخارج ولا خارج في البين، كما أن التمني والترجي أيضا متعلقان - بنظر المتمني وغيره - [بالخارج] ولا خارج في البين، بل ربما يكون محالا كما في التمني. وهكذا في الارادة والكراهة، حيث إن الوجود الخارجي ملازم لسقوطهما، وإن شأن الإرادات تعلقها بالعمل قبل وجوده، مع أن المريد أيضا لا يريد إلا الوجود خارجا. وليس الجمع بين هذه الجهات إلا بدعوى أن ما هو معروض هذه الصفات هو الصور الذهنية لكن لا بما هو شيء في [حيال] ذاته، بل بما هو مرآة للوجود في عالم التصور بنحو لا يلتفت إلى [اثنينيتهما]، وهو الذي نعبر عنه بالوجود الخارجي الزعمي لا الحقيقي. ولذا صح دعوى أن صاحب هذه الصفات لا يرى إلا الوجود خارجا ومع ذلك لا وجود في البين في الخارج حين وجود هذه الصفات. وليس منشؤه إلا جهة المرآتية المزبورة الموجبة لاعتبار وحدة بينهما ربما أوجبت هذه الوحدة سراية الصفات من المرئي إلى المرآة وبالعكس وأن كل واحد [اكتسب] من غيره لونه. [فالوجود] الذهني بمرآتيته [للخارج اكتسب] لون المصلحة [فتعلقت] [ببركته] الإرادة [به]، والوجود الخارجي المرئي اكتسب من مرآته اتصافه بكونه مرادا ومعلوما مع أنه ليس [معروضهما] حقيقة، ولذا نقول في كلية هذه الصفات: بأن ظرف عروضها [الذهن] وظرف اتصافها [الخارج] قبال سائر الصفات الخارجية التي كان ظرف عروضها واتصافها [خارجي] كالحرارة والبرودة مثلا. وفي قبالهما صفات اخرى كان ظرف عروضها واتصافها [ذهني] كالكلية وأمثالها العارضة على المهيات في صقع الذهن ليس إلا. وحيث اتضحت هذه الجهات نقول: إن في كلية الخطابات أن ما هو معروض الخطابات ليس إلا نفس العنوان، وأن المعنون من وجوداتها [خارج] عن مصب عروضها، وعليه فلا بأس في لحاظ العنوانين طوليين - ذاتا - ويكون كل واحد متعلق حكم دون الآخر بلا سراية الحكم منهما إلى الخارج أصلا. وبالله عليك أن لا تأخذ من هذا البيان جواز اجتماع الأمر والنهي في مجمع واحد، إذ من البديهي أن الجهة المحفوظة في المجمع في عالم اللحاظ بعد ما كان في عرض عنوان الجامع بنحو قابل لإطلاق الجامع بنحو يشمل المجمع بماله من الجهة المتحدة مع الجامع ينتهي الأمر فيه بالآخرة إلى سراية الحكم من الجامع إلى المجمع. وأين هذا ومقامنا من استحالة سراية الحكم من العنوان المعروض إلى [المعنون]؟ ولقد طولنا الكلام في المقام من جهة تشريح هذه الدقيقة من الفكر الذي لم يسبقني إليه أحد، وهو نحو باب ينفتح به ألف باب، وتدبر فيه وكن من الشاكرين. [الاحتياط في العبادات] بقي الكلام خاتمة للمرام [في] جهة إشكال معروف في جريان الاحتياط في العبادات - بناء على احتياج العبادة إلى دعوة أمر جزمي في مقام التقرب بها - وإلا فبناء على الاكتفاء في التقرب بها بمجرد [إتيانها] بداعي [أمرها] المحتمل رجاءا فلا إشكال فيه لإمكان ذلك فيها ولو لم يكن الاحتياط فيها راجحا عقلا فضلا عن [رجحانه] شرعا. وحينئذ فقد يقال: إن الغرض من الاحتياط في العبادة هو الاحتياط في ذات العمل مع قطع النظر عن حيث عباديته وأن عباديته [تتحقق بإتيانه] بداعي رجحانه الجزمي عقلا. ودعوى منع صدق الاحتياط على هذا المقدار [صحيحة] لو كان الغرض منه إتيان الذات باحتمال وجوبه بلا ضم القربة الجزمية، إذ حينئذ لا يكون محرزا للواقع أصلا، ولا يحتمل الوجوب واقعا، لما حقق في محله أن الأمر الواقعي المتعلق بالذات لا يكون بنحو الإطلاق بل المتعلق هو الذات التوأم مع القربة. وأما لو كان المقصود إتيان الذات المحتمل وجوبه التوأم مع القربة الجزمية الحاصلة من قبل رجحان العمل عقلا فلا قصور فيه. وتوهم أن العقل لا يحكم إلا برجحان الاحتياط وحينئذ فصيرورته احتياطا بمثل هذا الرجحان دوري مدفوع: بأنه لا معنى للاحتياط إلا كونه محرزا للواقع، وهو الذي كان موضوع حكم العقل بالرجحان. ومن البديهي أن إتيان الذات المحتمل وجوبه محرز [لمرتبة] من العمل (8). وتتميمه ليس إلا بضم القربة الجزمية الحاصلة من قبل حكم العقل برجحان أي مرتبة من مراتب الاحتياط. نعم لو لم يحكم العقل إلا برجحان الاحتياط التام بتمام مراتبه صح ما افيد من الدور. ولكن عمدة الكلام فيه. نعم الذي يرد عليه هو: أن الرجحان الحاكم به العقل مساوق حكمه باستحقاق الثواب، وهذا المعنى يستحيل أن يترتب إلا [على القربة] الجزمية حسب الفرض، وحينئذ كيف يصير هذا المعنى علة للقربة والاستحقاق؟ وبعبارة اخرى حكم العقل بالاستحقاق لا يكون إلا في صورة قابلة [لترتبه] عليه، وهذه القابلية في الحقيقة من شرائط هذا الحكم، وكيف يعقل أن يصير معلوله؟ نعم لو كان الإتيان بداعي احتمال وجوبه موجبا لترتب مرتبة من الثواب وتكميله بإتيانه بداعي رجحانه عقلا ولو بنحو الداعي على الداعي كان لما افيد وجه. ولكن من التزم باحتياج العبادة إلى القربة الجزمية والرجحان الجزمي لا يلتزم بتحقق شيء من الرجحان والثواب بدونه، وعليه فلا محيص من الدور السابق، فتدبر. نعم الذي يسهل الخطب عدم احتياج العبادة إلى الأمر الجزمي في [التقرب بها] واستحقاق المثوبة [عليها]، فلا قصور للاحتياط حتى في العبادات أيضا. [الكلام في الفتوى بالاستحباب على مفاد أخبار من بلغه ثواب ] بقي في البين تنبيه آخر وهو: أنه بناء على حمل أخبار من بلغ على صورة دعوة البلوغ [المساوقة] لعنوان الاحتياط، الموجب لحمل الترغيبات - المساوقة للأمر - على الإرشاد لحكم العقل فلا إشكال في عدم المجال للفقيه أن يفتي بالاستحباب شرعا، بل ليس له إلا الإرشاد إلى رجحانه لمن وصل إليه الخبر الموجب لاحتماله الوجوب. وأما مع غفلته عن ورود رواية على وجوبه فليس له هذا الإرشاد إلا في فرض إبداء الاحتمال في حقه. وحينئذ ففي وجوب ذلك عليه نظر، لعدم دخوله في باب الإرشاد إلى الاحكام كي يجب عليه، كما لا يخفى. كما أنه لو بنينا على استفادة الاستحباب النفسي من الروايات المزبورة فليس للفقيه أيضا الفتوى بالاستحباب إلا لمن وصل إليه الخبر، كي يصدق في حقه البلوغ المساوق للوصول، فلا [تشمل] الروايات [من] غفل عن الروايات الواردة في الكتب كما لا يخفى. كما أنه لو بنينا على استفادة الاستحباب الطريقي: فإن كان ذلك أيضا ثابتا لعنوان من بلغ فليس للفقيه أيضا الفتوى بمثل هذا الاستحباب أيضا كالاستحباب النفسي. وأما لو كان ذلك راجعا إلى تتميم كشف الخبر الضعيف المنتج لحجية الخبر الضعيف في المستحبات - كما يومئ إليه كلماتهم من التعبير بعنوان التسامح في أدلة السنن في المقام - فأمكن أن يقال بأن دليل تتميم الكشف كسائر الأدلة والحجج في الأحكام شامل للفقيه، فله حينئذ كشف حكم غيره فيفتي به، كما هو الشأن في سائر الواجبات والمحرمات من دون احتياج إلى احتمال [بلوغ الخبر إلى المقلد]. نعم مع التفاته [إليه]: للمجتهد أيضا أن يفتي بالحكم الاصولي من حجية الخبر الضعيف، بناء على استفادة المجتهد من أدلة الأحكام عدم اختصاصها بالمجتهد. غاية الأمر يجزي فحصه عن فحص من عجز عن الفحص من العوام، وإلا فلو بنينا باختصاص أدلتها بخصوص من تمكن عن الفحص فليس للفقيه أيضا الفتوى بالحكم الاصولي بل لا محيص له إلا الفتوى بالحكم الفرعي بعد استنباطه عن دليله كما لا يخفى. ثم من نتائج الاختلاف في الإرشادية والمولوية في مضامين هذه الروايات أنه: على الإرشادية: لا قصور في شمولها لكل ما يوجب الاحتمال ولو بإلغاء الخصوصية الموردية، فلا بأس للشمول لفتوى الفقيه أو غيره مما يوجب احتمال التكليف في حقه. وأما على الاستحباب طريقيا أم نفسيا: ففي إلغاء الخصوصية الموردية من بلوغ الرواية إشكال، والقدر المتيقن صورة ورود الرواية، ولا [تشمل] فتوى الفقيه حينئذ. كما أنه على الإرشاد لا يكاد [يجرى] حكم الجزء شرعا على ما دلت الرواية على جزئيته، بخلافه على الاستحباب. وحينئذ فليس [لمسترسل] اللحية أخذ بلله للمسح على الإرشادية، بخلافه على الاستحباب، إذ الظاهر من دليله إثبات نحو [من] الاستحباب على طبق مضمون الرواية - طريقية أو موضوعية - فلو كان مضمون الرواية جزئية بلة اللحية باسترسالها في الوضوء يثبت بإخباره أيضا مثل هذا الاستحباب، كما هو الشأن في صورة استفادة الاستحباب النفسي المستقل لشيء. كما لا يخفى، فتدبر.

[4 - صور تعلق الأمر والنهي بالأفراد والطبيعة والكلام في جريان البراءة فيهما]:

ومنها: أن الأمر تارة يتعلق بالأفراد بنحو الاستغراق، واخرى بنحو الطبيعة السارية، وثالثة بنحو الطبيعة الصرفة. وعلى الأخير تارة يكون موضوع الخطاب - الذي هو متعلق معروضه - مما [انيط] به الأمر والخطاب، واخرى كان هو أيضا في حيز الخطاب بنحو يجب تحصيله مقدمة لمعروضه. فعلى الأول والثاني: لا شبهة في كون الخطاب انحلاليا موجبا لامتثالات عديدة وعصيانات متعددة، وفي مثله مهما شك في موضوع الخطاب يرجع الشك فيه إلى الشك في تكليف زائد عما علم. والمرجع فيه البراءة الأصلية من دون فرق فيهما بين كون الموضوع المزبور مما انيط به الخطاب أو كان ذلك أيضا في حيز الخطاب الموجب للزوم تحصيله مقدمة لمعروض التكليف في مورده، إذ قضية انحلال الخطاب فيهما يوجب الشك في الخطاب الزائد عما علم، والعقل في مثله يحكم بأن الاشتغال بقدر ما يثبت. وما لم يثبت من قبل المولى، فهو تحت البراءة الأصلية. وأما على الثالث: ففي فرض كون الموضوع المشكوك مما انيط به الخطاب فلا شبهة في جريان البراءة أيضا، للشك في التكليف من جهة الشك في شرطه. وأما في فرض كون الموضوع أيضا في حيز الخطاب - ولو مقدمة [لتحصيل] معروضه - [فالظاهر] أن الشك في الموضوع حينئذ من [قبيل] الشك في القدرة على شرط المكلف به لا التكليف، وفي مثله يستقل العقل بلزوم صيرورته بصراط تحصيله إلى [أن ينكشف] الخلاف ولا مجرى للبراءة عقلا ونقلا حينئذ، كما هو الشأن في كل مورد يرجع الشك في التكليف فيه إلى الشك في القدرة. وعمدة النكتة الفارقة بين التكليف بالطبيعة الصرفة في هذه الصورة - من فرض الموضوع أيضا في حيز التكليف حيث بنينا فيه على الاحتياط - [و] الفرضين السابقين حيث بنينا على البراءة فيهما مع الشك في الموضوع حتى في هذا الفرض [هي]: ان شأن التكليف بالطبيعة الصرفة كونها في حيز التكليف [قبل] الانطباق على الفرد في نظر الآمر، ولازمه جعله التطبيق في عهدة المأمور، والعقل حينئذ مستقل باشتغال ذمة العبد بتطبيق العنوان على مورده، ولازمه لزوم تحصيل الفراغ عما اشتغلت [به] الذمة مهما أمكن. ولذا نقول بأنه مع الشك في القدرة على التطبيق يجب صيرورته بصراطه إلى أن ينكشف الخلاف. وأما في الفرضين السابقين [فلا] شبهة في أن المولى في مقام تكليفه لاحظ الطبيعة منطبقة على [فردها] و[أوجبها] بنحو الاستغراق أو الطبيعة السارية، ففي هذه الصورة المتكفل لتطبيق الطبيعة في مقام تكليفه هو المولى بلا جعله التطبيق في عهدة عبده، وحينئذ لا يكون اشتغاله بتكليف المولى بنظر العقل إلا [بما] هو مفروغ التطبيق، وحينئذ فمع الشك في انطباق الطبيعة على المورد لم يحكم العقل باشتغال ذمته بمثله، لعدم إحرازه تطبيق مولاه على المورد، فيحكم بإجراء البراءة الأصلية كما لا يخفى. ومن هذا البيان ظهر الحال في صورة عدم كون معروض التكليف متعلقا بموضوع كالتكليف بالصلاة والصوم مثلا فإنه في هذه الصورة أيضا لابد من إجراء التفصيل السابق بين كون متعلق التكليف الطبيعة السارية بنحو يكون الخطاب انحلاليا أو صرف الوجود [فانه] على الأول عند الشك في وجود العنوان وانطباقه على المورد [يكون] مجرى البراءة، بخلاف الفرض الأخير، فإنه مع الشك في التطبيق يجب الاحتياط، بمعنى صيرورته بصراط التطبيق إلى أن ينكشف عجزه عنه لجريان النكتة السابقة [الفارقة] بين الفرضين في المقام. وعليه فيصح لنا دعوى أن الخطاب في كل مورد يكون انحلاليا [تكون صورة] الشك في انطباق العنوان على المورد حتى مع فرض كون الموضوع بجميع شؤونه في حيز الخطاب [داخلة] في مجرى البراءة الأصلية. وكل مورد لم يكن انحلاليا فلابد وأن يفصل بين كون موضوع الخطاب أيضا في حيز التكليف أم لا: فعلى الأول [تكون] صورة الشك في الانطباق موضوع حكم العقل بالاحتياط بمعنى صيرورته بصراط تطبيق الخطاب إلى أن ينكشف الخلاف. وعلى الثاني مع فرض الشك في الموضوع كان مجرى البراءة، للشك في ما انيط به التكليف، كما هو الشأن في كل ما شك في وجود شرط تكليفه، كما لا يخفى، هذا كله حال الأوامر. وأما النواهي فهي أيضا تجري فيها التقسيمات الآتية: من كون النهي متعلقا بالطبيعة السارية أو بصرف الوجود. وعلى كل تقدير: تارة يكون الخطاب متعلقا بموضوع خارج عن معروض النهي كشرب الخمر، واخرى لا يكون لمعروضه متعلق كالغناء. ثم في فرض وجود المتعلق تارة يكون الخطاب منوطا به واخرى لا يكون منوطا، بل المتعلق أيضا في حيز التكليف. فإن كان النهي متعلقا بالطبيعة السارية - كما هو الشأن في النواهي النفسية الشرعية طرا، وفي الغيرية غالبا - فالظاهر عند الشك في المصداق أن المجرى فيه البراءة في جميع هذه الصور من فرض الطبيعة السارية حتى فيما لا يكون له تعلق بأمر خارجي، لكون الخطاب فيه انحلاليا كما هو الشأن في الأوامر أيضا في هذا الفرض. وحينئذ لا ثمرة في هذا التشقيق إلا تكثير سواد. كما أنه إن كان النهي متعلقا بصرف الوجود [فالظاهر] أيضا عند الشك في المصداق كون المقام مجرى البراءة أيضا في جميع الصور حتى ما لا يكون له تعلق بأمر خارجي، نظرا إلى أن المقصود من النهي ترك المنهي عنه، ومن البديهي أن بسعة أفراد الطبيعي و[ضيقها] تتسع دائرة ترك الطبيعي و[تتضيق]، نظرا إلى أن ترك الطبيعي عين ترك أفراده لا أمر حاصل منها، كما أن [وجوده] عين وجود أفراده. ولازمه عند الشك في المصداق [أن] يرجع الشك إلى الشك [في] الترك [المنبسط] لترك المشكوك، ففي مثله يرجع الشك إلى التكليف بأمر مردد بين السعة والضيق، وفي مثله لا بأس بجريان البراءة عن التكليف بالترك الزائد المشكوك كما هو الشأن في باب الأقل والأكثر [الارتباطيين]. وفي هذا المقام [تفترق] النواهي عن الأوامر حيث إنه في صورة عدم تعلقه بموضوع أو تعلقه بنحو يكون المتعلق أيضا في حيز التكليف العقل مستقل [فيها] بعدم الاكتفاء بمشكوك المصداق، بل يلزم بتحصيل الفراغ اليقيني، لأن صرف الوجود أمر بحت بسيط لا ترديد فيه بين السعة والضيق. نعم لو كان الأمر بشيء منوطا بوجود المتعلق فمع الشك فيه نشك في توجه الخطاب فيرجع فيه إلى البراءة. نعم لو علم بوجود المنوط به في التكاليف الوجوبية أو التحريمية بلا شك في مصداقية شيء فمع القدرة على الامتثال إيجادا أم إعداما فلا إشكال في وجوبهما. وأما مع عدم القدرة على الامتثال المزبور مع فرض القدرة على تفويت المنوط به الأمر أو النهي فقد يختلج بالبال حكم العقل بإعدام الشرط لزوما، نظرا إلى حفظ المولى عن وقوعه في ضيق خناق فوت غرضه، فيجب تفويت الشرط كي لا يكون له في البين غرض، من دون فرق في ذلك أيضا بين الأوامر والنواهي. نعم لو فرض كون المتعلق في حيز التكليف ربما يفرق بين الأمر والنهي بأنه مع عدم المتعلق يجب إيجاده في الأوامر، وأما لو كان موجودا في النواهي لا يجب إعدامه ما دام اعدام نفس المنهي عنه كان مقدورا. وإنما يجب إعدام المتعلق في ظرف عدم القدرة على اعدام المنهي عنه. وعليه تكون هذه الجهة من الجهات الفارقة بين الأمر والنهي زائدا [على] الفرق بينهما من الجهة السابقة التي أشرنا [إليها] آنفا، فتدبر. كما أنه بالبيان المزبور سابقا في وجه الفرق أيضا يظهر النظر فيما أفاد استاذنا الأعظم (9) حيث سلك في النواهي المزبورة مسلك الأوامر بالمصير إلى حكم العقل بلزوم تحصيل عنوان ترك الطبيعة كإيجادها [غير] الحاصل إلا بترك المشكوك أيضا، غاية الأمر فرق بين الأوامر والنواهي بجريان أصالة بقاء الترك في النواهي دون الأوامر. وتوضيح النظر يظهر بالمراجعة إلى ما [بينا] في وجه الفرق بلا احتياج إلى التكرار. ثم إن في المقام كلاما لبعض الأعاظم من المعاصرين - على حسب تقرير تلميذه وفقه الله - ونشير إليه بنحو الاختصار توضيحا للجهات [الفارقة] بيننا وبينه فنقول: إن ملخص ما أفاد بطول بيانه بأن معروض التكليف لو لم يكن له تعلق بموضوع كالصلاة أو الغيبة كان المرجع فيه - بعد إحراز شرائط التكليف من البلوغ والقدرة - لزوم الإقدام بلا تصور شبهة موضوعية فيها، وإن كان له تعلق بأمر خارجي ففي كلامه وإن كانت صورة التفصيل بين كون المتعلق مما انيط به التكليف وبين كونه أيضا في حيز التكليف ولكن ما بين حكم صورة التفصيل المزبور، ثم ساق الكلام في التكاليف التحريمية المتعلقة بأمر خارجي، والتزم بأن التكليف فيها دائما يكون مشروطا بوجود المتعلق ويكون انحلاليا من هذه الجهة بمقتضى القضايا الحقيقية، ثم ساق الكلام إلى الفرق بين السالبة المحصلة والمعدولة: بأن في السلب المحصل يكون التكليف انحلاليا والمرجع فيه البراءة بخلاف المعدولة، إذ تمام النظر فيها إلى تحصيل العنوان من كونه لا شارب وأن ترك الأفراد من محققات حصول هذا العنوان. فالمرجع عند الشك في المحقق هو الاحتياط، هذا ملخص كلامه على ما فيه من الطول الممل (10).

أقول: لا يخفى ما فيه من الأنظار. منها: ما في جعله التكاليف التحريمية التي ليس لها تعلق بأمر خارجي كالغناء في سياق التكاليف الوجوبية كالصلاة مثلا، بكون المرجع فيها قاعدة الاشتغال. وتوضيح النظر يظهر مما بينا بأن المرجع في النواهي مطلقا - حتى ما كان متعلقا بصرف الوجود فضلا عن مثل النهي عن الغناء وأمثاله المتعلقة بالطبيعة السارية - عند الشك في مصداقية شيء للمنهي عنه هو البراءة بملاحظة انحلال تركه إلى ترك مرتبة ملازم لترك المشكوك أم لا؟ فقهرا يصير أمره مرددا بين الأقل والأكثر، والمرجع فيه هو البراءة، غاية الأمر الفرق بين صورة التعلق بالطبيعة السارية أو الصرفة رجوع ترك الطبيعة في الأول إلى الأقل والأكثر [الاستقلاليين] وفي الثاني رجوع تركه إلى الأقل والأكثر [الارتباطيين]، ولا فرق بينهما على المختار في جريان البراءة [عقليتها] و[نقليتها]، بل وعلى مختاره في جريان البراءة النقلية، كما لا يخفى. ومنها: ما في جعله النواهي المتعلقة بأمر خارجي بأنها دائما من باب إناطة التكليف بالأمر الخارجي ومن هذه الجهة يكون التكليف فيه انحلاليا. وتوضيح النظر فيه بما عرفت بأن التكليف في النواهي - بملاحظة كون المقصود فيها ترك الطبيعي المردد بين ما هو شامل للمصداق المشكوك وبين عدمه - دائما يكون انحلاليا، تعلق بأمر خارج أم لا، كان منوطا به أم لا. وهذه الجهة من الانحلال في ترك الطبيعي المردد بين الأقل والأكثر غير [مرتبطة] بالقضايا الحقيقية، حتى لو سلمنا جريانها في باب التكاليف، فضلا عما أوردنا عليه في بحث مقدمة الواجب من أن باب التكاليف طرا خارجة عن مصب القضايا الحقيقية، فراجع (11).

ومنها: ما أفاد في الفرق بين السالبة المحصلة والمعدولة بجعل الأول مجرى البراءة والأخير مجرى الاحتياط بملاحظة لزوم [تحصيل] عنوان كونه لا شارب . وتوضيح الفساد: بأن نفي الشرب بعدما كان عين نفي أفراده فلا شبهة في أنه بعين ترك الطبيعة مردد - بقلة الأفراد وكثرتها - بين الأقل والأكثر. وحينئذ فغاية فرق المعدولة والمحصلة هو كون مثل هذا العدم المردد بين الأقل والأكثر من قيود العنوان الذي هو كونه كذا في المعدولة ونفس عنوان المكلف به في المحصلة، ومن البديهي أنه لا فرق في جريان البراءة في مورد الشك بين كون نفس عنوان الموضوع مرددا بين الأكثر والأقل وبين كون قيده مرددا بينهما. وعلى أي حال لا مجال لإرجاع تروك الأفراد في المعدولة [إلى] محققات الموضوع المقيد بقيد سلبي، إذ هو فرع كون عنوان لا شارب من العناوين المترتبة على تروك الأفراد، وهو [مستتبع] لكون تروك الأفراد من أسباب عدم الطبيعة لا عينها، وهو غلط فاحش. ولقد [بسط] الكلام في هذا المقام في رسالته المستقلة (12) المكتوبة في اللباس المشكوك، و[فيها] كلمات اخرى أيضا تعرضنا [لها] نحن أيضا في رسالتنا فراجع ما فيها من قبيل هذه الكلمات بكثير، شكر الله سعيه وسعي مقرره وفقه الله تعالى.

_____________
(1) لم نعثر عليه.

(2) الوسائل 18: 118 الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 22 مع تفاوت في بعض الألفاظ

(3) انظر الوسائل 18: 111 الباب 12 من ابواب صفات القاضي.

(4) لم نعثر عليه بعينه في المجاميع الحديثية، نعم يقرب منه ما نقله في كنز العمال 15: 791، الحديث 43132. وانظر عدة الداعي: 13، أيضا.

 (5) الوسائل 1: 60 الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 7 مع اختلاف يسير.

(6) الوسائل 1: 60 الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 4 مع اختلاف يسير.

(7) انظر فرائد الاصول: 384، ورسالة التسامح في أدلة السنن للشيخ الأعظم: 14 - 15.

(8) الظاهر أنه يريد أن إتيان الذات حينئذ محرز لمرتبة من الاحتياط في العمل

(9) كفاية الاصول: 402.

 (10) فوائد الاصول 3: 391 - 395.

(11) راجع الجزء الأول من هذا الكتاب: 304

(12) أي المحقق النائيني في رسالته المسماة برسالة في اللباس المشكوك بغير المأكول. المطبوعة ضمن (منية الطالب) 2: 289.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.