أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-2-2022
1959
التاريخ: 29-12-2022
1649
التاريخ: 27-3-2019
2018
التاريخ: 3-2-2022
2429
|
الإنسان عنصر أصيل مِن عناصر هذا الكون ، ونمط مثالي رفيع بين أنماطه الكثُر ، بل هو أجلّها قدراً ، وأرفعها شأناً ، وذلك بما حباه اللّه عزّ وجل ، وشرّفه بصنوف الخصائص والهِبات التي ميّزته على سائر الخلق : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } [الإسراء : 70].
وكان مِن أبرز مظاهر العناية الإلهيّة بالإنسان ، ودلائل تكريمه له : أنْ استخلفه في الأرض واصطفى مِن عيون نوعه وخاصّتهم رُسُلاً وأنبياءً ، بعثهم إلى العباد بالشرائع والمبادئ الموجِبة لتنظيم حياتهم ، وإسعادهم في عاجل الدنيا وآجل الآخرة .
ولكنّ أغلب البشر ، وا أسفاه ! تستعبدهم الأهواء والشهَوات ، وتطفي عليهم نوازع التنكّر والتمرّد على النُظُم الإلهيّة ، وتشريعها الهادف البنّاء ، فيتيهون في مجاهل العصيان ويتعسّفون طُرُق الغواية والضلال ، ومِن ثمّ يعانون ضروب الحيرة والقلق والشقاء ، ولو أنّهم استجابوا لطاعة اللّه تعالى ، وساروا على هدي نظمه ودساتيره ، لسعدوا وفازوا فوزاً عظيماً : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الأعراف : 96].
أرأيت كيف انتظم الكون ، واتّسقت عناصره ، واستتبّ نظامه ملايين الأجيال والأحقاب ؟! بخضوعه للّه عزَّ وجل ، وسيره على مقتضيات دساتيره وقوانينه ؟!.
أرأيت كيف ازدهرت حياة الأحياء ، واستقامت بجريها على وفق مشيئة اللّه تعالى ، وحكمة نظامه وتدبيره ؟!! .
أرأيت كيف يُطبِّق الناس وصايا وتعاليم مخترعي الأجهزة الميكانيكيّة ليضمنوا صيانتها واستغلالها على أفضل وجه ؟!.
أرأيت كيف يخضع الناس لنصائح الأطباء ، ويعانون مشقّة العلاج ومرارة الحمية ، توخّياً للبرء والشفاء ؟!.
فلِمَ لا يطيع الإنسان خالقه العظيم ، ومدبّره الحكيم ، الخبير بدخائله وأسراره ، ومنافعه ومضارّه ؟!.
إنّه يستحيل على الإنسان أنْ ينال ما يَصبو إليه مِن سعادة وسلام ، وطمأنينة ورخاء ، إلاّ بطاعة اللّه تعالى ، وانتهاج شريعته وقوانينه .
أنظر كيف يشوّق اللّه عزّ وجل ، عباده إلى طاعته وتقواه ، ويحذّرهم مغبّة التمرّد والعصيان وهو الغنيّ المُطلق عنهم .
قال تعالى : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب : 71].
وقال سُبحانه : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء : 13].
وأمّا التقوى ، فقد علّق اللّه خير الدنيا والآخرة ، وأناط بها أعزَّ الأماني والآمال ، وإليك بعضها:
1 - المحبّة مِن اللّه تعالى ، فقال سُبحانه : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة : 4].
2 - النجاة مِن الشدائد وتهيئة أسباب الارتزاق ، فقال : {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق : 2].
3 - النصر والتأييد ، قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } [النحل : 128].
4 - صلاح الأعمال وقبولها ، فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب : 70، 71]
وقال : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة : 27] .
5 - البشارة عند الموت ، قال تعالى : {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [يونس : 63، 64].
6 - النجاة من النار ، قال تعالى : {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم : 72].
7 - الخلود في الجنّة ، قال تعالى : {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران : 133] .
فتجلّى مِن هذا العرض ، أنّ التقوى هي الكنز العظيم ، الحاوي لصنوف الأماني والآمال الماديّة والروحيّة ، الدينيّة والدنيويّة .
حقيقة الطاعة والتقوى :
والطاعة : هي الخضوع للّه عزّ وجل ، وامتثال أوامره ونواهيه .
والتقوى : مِن الوقاية ، وهي صيانة النفس عمّا يضرّها في الآخرة ، وقصرها على ما ينفعها فيها .
وهكذا تواترت أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) حاثّة ومرغّبةً على طاعة اللّه تعالى وتقواه ومحذّرة مِن عِصيانه ومخالفته .
قال الإمام الحسن الزكي ( عليه السلام ) في موعظته الشهيرة لجُنادة : ( اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً ، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة ، وهيبةً بلا سلطان ، فاخرج مِن ذُلّ معصية اللّه إلى عزِّ طاعة اللّه عزَّ وجل ) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( اصبروا على طاعة اللّه ، وتصبّروا عن معصية اللّه ، فإنّما الدنيا ساعة ، فما مضى فلستَ تجد له سروراً ولا حزناً ، وما لم يأتِ فلستَ تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها ، فكأنّك قد اغتبطت ) (1) .
وقال ( عليه السلام ) : ( إذا كان يوم القيامة يقوم عنُقٌ مِن الناس ، فيأتون باب الجنّة فيضربونه ، فيُقال لهم : مَن أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل الصبر ، فيُقال لهم : على ما صبرتم ؟ فيقولون : كنّا نصبر على طاعة اللّه
ونصبر عن معاصي اللّه . فيقول اللّه عزَّ وجل : صدقوا ، أدخلوهم الجنّة ، وهو قول اللّه عزّ وجل : {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر : 10] (2) .
وقال الباقر ( عليه السلام ) : ( إذا أردت أنْ تعلم أنّ فيك خيراً ، فانظر إلى قلبِك ، فإنْ كان يُحبُّ أهل طاعة اللّه عزّ وجل ، ويَبغض أهل معصيته ففيك خير ، واللّه يُحبُّك .
وإنْ كان يَبغض أهل طاعة اللّه ، ويُحِبّ أهل معصيته فليس فيك خير ، واللّه يبغضك ، والمرء مع مَن أحب )(3) .
وقال ( عليه السلام ) : ما عرَف اللّه مَن عصاه ، وأنشد :
تَعصي الإله وأنتَ تُظهر حُبّه هـذا لعمرك في الفِعال iiبديعُ
لـو كان حُبّك صادقاً iiلأطَعته إنّ الـمحبّ لِمن أحبّ iiمطيع
وعن الحسن بن موسى الوّشا البغدادي قال : كنت بخُراسان مع عليّ بن موسى الرضا ( عليه السلام ) في مجلسه ، وزيد بن موسى حاضر ، وقد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم ويقول : نحن ونحن ، وأبو الحسن مُقبلٌ على قومٍ يحدّثهم ، فسمِع مقالة زيد ، فالتفت إليه .
فقال : ( يا زيد ، أغرّك قولُ بقّاليّ الكوفة ، إنّ فاطمة أحصنت فرجها ، فحرّم اللّه ذرّيتها على النار ، واللّه ما ذلك إلاّ للحسن والحسين ، وولد بطنها خاصّة ، فأمّا أنْ يكون موسى بن جعفر يطيع اللّه ، ويصوم نهاره ، ويقوم ليله ، وتعصيه أنت ، ثمّ تجيئان يوم القيامة سَواء ، لأنتَ أعزّ على اللّه منه ! إنّ عليّ بن الحسين كان يقول : ( لمُحسِننا كِفلان مِن الأجر ، ولمُسيئنا ضِعفان مِن العذاب ) .
قال الحسن بن الوشّا : ثمّ التفت إليّ وقال : يا حسن ، كيف تقرأون هذه الآية ؟ : {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود : 46].
فقلت : مِن الناس مَن يقرأ : ( عَمِلَ غيرَ صالح ) ، ومنهم مَن يقرأ : ( عَمَلَ غيرَ صالح ) نَفاهُ عن أبيه .
فقال ( عليه السلام ) : ( كلا لقد كان ابنه ، ولكن لمّا عصى اللّه عزَّ وجل ، نفاه اللّه عن أبيه كذا مَن كان مِنّا ولم يُطِع اللّه فليس منّا ، وأنت إذا أطَعت اللّه فأنت منّا أهل البيت ) .
وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) على الصفا فقال : يا بني هاشم ، يا بني عبد المُطّلب ، إنّي رسول اللّه إليكم ، وإنّي شفيقٌ عليكم ، وإنّ لي عملي ، ولكلِّ رجلٍ منكم عمله ، لا تقولوا إنّ محمّداً منّا وسنُدخَل مُدخله ، فلا واللّه ما أوليائي منكم ولا مِن غيركم ، يا بني عبد المطّلب ، إلاّ المتّقون ، ألا فلا أعرفكم يوم القيامة ، تأتون تحملون الدنيا على ظهوركم ، ويأتي الناس يحملون الآخرة ، ألا إنّي قد أعذرت إليكم فيما بيني وبينكم ، وفيما بيني وبين اللّه تعالى فيكم ) (4).
وعن جابر قال : قال الباقر ( عليه السلام ) : ( يا جابر ، أيكتفي مَن انتحل التشيّع ، أنْ يقول بحبّنا أهل البيت ؟! فو اللّه ما شيعتنا إلاّ مَن اتّقى اللّه وأطاعه - إلى أنْ قال : فاتّقوا اللّه واعملوا لما عند اللّه ، ليس بين اللّه وبين أحدٍ قرابة ، أحبّ العباد إلى اللّه تعالى وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته .
يا جابر ، واللّه ما يُتَقرّب إلى اللّه إلاّ بالطاعة ، ما معنى براءة من النار ، ولا على اللّه لأحدٍ مِن حجّة ، مَن كان للّه مطيعاً فهو لنا وليّ ، ومَن كان للّه عاصياً فهو لنا عدوّ ، وما تُنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورَع ) (5) .
وعن المفضّل بن عُمر قال : كنت عند أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) فذكرنا الأعمال ، فقلت أنا : ما أضعف عملي .
فقال : ( مه ؟! استغفر اللّه ) .
ثمّ قال : ( إنّ قليلَ العمل مع التقوى خيرٌ مِن كثيرٍ بلا تقوى ) .
قلت : كيف يكون كثير بلا تقوى ؟.
قال : ( نعم ، مثل الرجل يطعم طعامه ، ويرفق جيرانه ، ويوطئ رحله ، فإذا ارتفع له الباب مِن الحرام دخل فيه ، فهذا العمل بلا تقوى , ويكون الآخر ليس عنده شيء ، فإذا ارتفع له الباب مِن الحرام لم يدخل فيه ) (6).
قال الشاعر :
لـيس من يقطع طريقاً ii بطلا إنّـما مَـن يـتّق اللّه ii البطل
فـاتق الـلّه فـتقوى اللّه ii ما جاورت قلب امرئ إلا وصل .
_____________________
الوافي : ج 3 , ص 63 , عن الكافي .
البحار : م 5 , ص 2 , ص 49 عن الكافي .
البحار : م 15 , ج 1 , ص 283 , عن علل الشرائع والمحاسن للبرقي والكافي .
الوافي : ج 3 , ص 60 , عن الكافي .
الوفي : ج 3 , ص 60 , عن الكافي .
6- الوافي : ج 3 , ص 61 , عن الكافي .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|