أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-5-2020
880
التاريخ: 1-8-2016
999
التاريخ: 1-8-2016
985
التاريخ: 1-8-2016
922
|
وقد استدل على الاستصحاب تارة بانه مفيد للظن بالبقاء، واخرى بجريان السيرة العقلائية عليه، وثالثة بالروايات.
اما الاول: فهو ممنوع صغرى وكبرى، اما صغرويا فلان افادة الحالة السابقة بمجردها للظن بالبقاء، ممنوعة. وانما قد يفيد لخصوصية في الحالة السابقة من حيث كونها مقتضية للبقاء والاستمرار. وقد يستشهد لإفادة الحالة السابقة للظن بنحو كلي بجريان السيرة العقلائية على العمل بالاستصحاب، والعقلاء لا يعملون الا بالطرق الظنية والكاشفة. ويرد على هذا الاستشهاد، ان السيرة العقلائية على افتراض وجودها، فالأقرب في تفسيرها انها قائمة بنكتة الالفة والعادة، لا بنكتة الكشف، ولهذا يقال بوجودها حتى في الحيوانات التي تتأثر بالألفة. واما كبرويا فلعدم قيام دليل على حجية مثل هذا الظن.
واما الثاني: ففيه ان الجري والانسياق العملي على طبق الحالة السابقة، وان كان غالبا في سلوك الناس، ولكنه بدافع من الالفة والعادة التي توجب الغفلة عن احتمال الارتفاع او الاطمئنان بالبقاء في كثير من الاحيان، وليس بدافع من البناء على حجية الحالة السابقة في إثبات البقاء تعبدا.
واما الثالث: اي الاخبار فهو العمدة في مقام الاستدلال: فمن الروايات المستدل بها صحيحة زرارة عن ابي عبدالله عليه السلام، حيث سأله عن المرتبة التي يتحقق بها النوم الناقض للوضوء فأجابه.
ثم سأله عن الحكم في حالة الشك في وقوع النوم إذ قال له: فان حرك في جنبه شئ ولم يعلم به، فكأن عدم التفاته إلى ما حرك في جنبه جعله يشك في انه نام فعلا أو لا فاستفهم عن حكمه، فقال له الامام (عليه السلام) ، لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجئ من ذلك امر بين والا فانه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك، ولكن ينقضه بقين آخر.
والكلام في هذه الرواية يقع في عدة جهات: الجهة الاولى: في فقه الرواية بتحليل مفاد قوله، " والا فانه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين بالشك ". وذلك بالكلام في نقطتين: النقطة الاولى: انه كيف اعتبر البناء على الشك نقضا لليقين مع ان اليقين بالطهارة حدوثا لا يتزعزع بالشك في الحدث بقاء، فلو ان المكلف في الحالة المفروضة في السؤال بني على انه محدث لما كان ذلك منافيا بتعينه لان اليقين بالحدوث لا ينافي الارتفاع، فكيف يسند نقض اليقين إلى الشك؟ والتحقيق ان الشك ينقض اليقين تكوينا إذا تعلق بنفس ما تعلق به اليقين، واما اذا تغاير المتعلقان فلا تنافي بين اليقين والشك، فيكون الشك ناقضا وهادما لليقين.
وعلى هذا الاساس نعرف ان الشك في قاعدة اليقين ناقض تكويني لليقين المفترض فيها لوحدة متعلقيهما ذاتا وزمانا، وان الشك في مورد الاستصحاب ليس ناقضا تكوينيا لليقين المفترض فيه لان احدهما متعلق بالحدوث، والآخر متعلق بالبقاء، ولهذا يجتمعان في وقت واحد.
ولكن مع هذا قد يسند النقض إلى هذا الشك، فيقال انه ناقض لليقين بإعمال عناية عرفية وهي ان تلغى ملاحظة الزمان فلا نقطع الشيء إلى حدوث وبقاء، بل نلحظه بما هو امر واحد، ففي هذه الملاحظة يرى الشك واليقين واردين على مصب واحد، ومتعلق فارد، فيصبح بهذا الاعتبار اسناد النقض إلى الشك، فكأن الشك نقض اليقين، وبهذا الاعتبار يرى ايضا ان اليقين والشك غير مجتمعين، كما هو الحال في كل منقوض مع ناقضه، وعلى هذا الاساس جرى التعبير في الرواية فاسند النقض إلى الشك ونهي عن جعله ناقضا.
النقطة الثانية: في تحديد عناصر الجملة المذكورة الواردة في كلام الامام (عليه السلام) فانها جملة شرطية، والشرط فيها هو ان لا يستيقن انه قد نام، واما الجزاء ففيه ثلاثة احتمالات: الاول: ان يكون محذوفا ومقدرا وتقديره فلا يجب الوضوء، ويكون قوله فانه على يقين الخ، تعليلا للجزاء المحذوف، وقد يلاحظ على ذلك انه التزام بالتقدير، وهو خلاف الاصل في المحاورة، والتزام بالتكرار لان عدم وجوب الوضوء يكون قد بين مرة قبل الجملة الشرطية، ومرة في جزائها المقدر.
وتندفع الملاحظة الاولى، بان التقدير في مثل المقام ليس على خلاف الاصل لوجود القرينة المتصلة على تعيينه وبيانه، حيث صرح بعدم وجوب الوضوء قبل الجملة الشرطية مباشرة. وتندفع الملاحظة الثانية بان التكرار الملفق من التصريح والتقدير ليس على خلاف الطبع، وليس هذا تكرارا حقيقيا، كما هو واضح، فهذا الاحتمال لا غبار عليه من هذه الناحية.
الثاني: ان يكون الجزاء قوله فانه على يقين من وضوئه، فيتخلص بذلك من التقدير، ولكن يلاحظ حينئذ انه لا ربط بين الشرط والجزاء، لوضوح ان اليقين بالوضوء غير مترتب على عدم اليقين بالنوم، بل هو ثابت على اي حال، ومن هنا يتعين حينئذ لأجل تصوير الترتب بين الشرط والجزاء ان يحمل قوله، فانه على يقين من وضوئه، على انه جملة انشائية يراد بها الحكم بانه متيقن تعبدا لا خبرية تتحدث عن اليقين الواقعي له بوقوع الوضوء منه فان اليقين التعبدي بالوضوء يمكن ان يكون مترتبا على عدم اليقين بالنوم لانه حكم شرعي خلافا لليقين الواقعي بالوضوء فانه ثابت على اي حال، ولكن حمل الجملة المذكورة على الانشاء خلاف ظاهرها عرفا.
الثالث: ان يكون الجزاء قوله ولا ينقض اليقين بالشك، واما قوله فانه على يقين من وضوئه فهو تمهيد للجزاء او تتميم للشرط. وهذا الاحتمال اضعف من سابقه، لان الجزاء لا يناسب الواو والشرط، وتتميماته لا تناسب الفاء. وهكذا يتبين ان الاحتمال الاول هو الاقوى، ولكن يبقى أن ظاهر قوله (فانه على يقين من وضوئه) كونه على يقين فعلي بالوضوء، وهذا انما ينسجم مع حمل اليقين على اليقين التعبدي الشرعي كما يفترضه الاحتمال الثاني، لان اليقين إذا حملناه على اليقين التعبدي الشرعي، فهو يقين فعلي بالوضوء، ولا ينسجم مع حمله على اليقين الواقعي، لان اليقين الواقعي بالوضوء ليس فعليا، بل المناسب حينئذ ان يقال فانه كان على يقين من وضوئه، فظهور الجملة المذكورة في فعلية اليقين قد يتخذ قرينة على حملها على الانشائية.
فإن قيل: أو ليس المكلف عند الشك في النوم على يقين واقعي فعلا بانه كان متطهرا، فلماذا تفترضون ان فعلية اليقين لا تنسجم مع حمله على اليقين الواقعي؟.
قلنا: إن اسناد النقض إلى الشك في جملة (ولا ينقض اليقين بالشك) انما يصح إذا الغيت خصوصية الزمان وجرد الشيء المتيقن والمشكوك عن وصف الحدوث والبقاء كما تقدم توضيحه، وبهذا اللحاظ يكون الشك ناقضا لليقين ولا يكون اليقين فعليا حينئذ.
ولكن الظاهر ان ظهور جملة (فانه على يقين من وضوئه) في انه جملة خبرية لا انشائية اقوى من ظهور اليقين في الفعلية، وهكذا نعرف ان مفاد الرواية انه اذا لم يستيقن بالنوم فلا يجب الوضوء، لانه كان على يقين من وضوئه، ثم شك ولا ينبغي ان ينقض اليقين بالشك.
الجهة الثانية: في ان الرواية هل هي ناظرة إلى الاستصحاب او إلى قاعدة المقتضى والمانع؟ فقد يقال ان الاستصحاب يتعلق فيه الشك في بقاء المتيقن وقد فرض في الرواية اليقين بالوضوء والوضوء ليس له بقاء ليعقل الشك في بقائه، وانما الشك في حدوث النوم وينطبق ذلك على قاعدة المقتضى والمانع، لان الوضوء مقتضى للطهارة والنوم رافع ومانع عنها، فالمقتضى في مورد الرواية معلوم والمانع مشكوك فيبني على اصالة عدم المانع وثبوت المقتضى - بالفتح -.
ويرد على ذلك ان الوضوء قد فرض له في الشريعة بقاء واستمرار، ولهذا عبر عن الحدث بانه ناقض للوضوء، وقيل للمصلي انه على وضوء وليس ذلك الا لافتراضه امرا مستمرا فيتعلق الشك ببقائه وينطبق على الاستصحاب. ونظرا إلى ظهور قوله: ولا ينقض اليقين بالشك في وحدة متعلق اليقين والشك يتعين تنزيل الرواية على الاستصحاب.
الجهة الثالثة: بعد افتراض تكفل الرواية للاستصحاب يقع الكلام في انه هل يستفاد منها جعل الاستصحاب على وجه كلي كقاعدة عامة، او لا تدل على اكثر من جريان الاستصحاب في باب الوضوء عند الشك في الحدث؟.
قد يقال بعدم الدلالة على الاستصحاب كقاعدة عامة لان اللام في قوله (ولا ينقض اليقين بالشك)، كما يمكن ان يكون للجنس فتكون الجملة المذكورة مطلقة، كذلك يحتمل ان يكون للعهد وللإشارة إلى اليقين المذكور في الجملة السابقة (فانه على يقين من وضوئه) وهو اليقين بالوضوء، فلا يكون للجملة اطلاق لغير مورد الشك في انتقاض الوضوء، واجمال اللام وتردده بين الجنس والعهد كاف في منع الاطلاق.
ويرد على ذلك اولا: ان قوله (فانه على يقين من وضوئه) مسوق مساق التعليل للجزاء المحذوف، كما تقدم، وظهور التعليل في كونه تعليلا بأمر عرفي، وتحكيم مناسبات الحكم الموضوع المركوزة عليه، يقتضي حمل اليقين والشك على طبيعي اليقين والشك، لان التعليل بكبرى الاستصحاب عرفي ومطابق للمناسبات العرفية بخلاف التعليل باستصحاب مجعول في خصوص باب الوضوء.
وثانيا: ان اللام في قوله (ولا ينقض اليقين بالشك) لو سلم انها للعهد والاشارة إلى اليقين الوارد في جملة (فانه على يقين من وضوئه) فلا يقتضي ذلك اختصاص القول المذكور بباب الوضوء، لان قيد من وضوئه ليس قيدا لليقين، حيث ان اليقين لا يتعدى عادة إلى متعلقه ب (من)، وانما هو قيد للظرف ومحصل العبارة انه من ناحية الوضوء على يقين، وهذا يعني ان كلمة اليقين استعملت في معناها الكلي، فإذا اشير اليها لم يقتض ذلك الاختصاص بباب الوضوء خلافا لما اذا كان القيد راجعا إلى نفس اليقين، وكان مفاد الجملة المذكور انه على يقين بالوضوء فان الاشارة إلى هذا اليقين توجب الاختصاص.
وعلى هذا فالاستدلال بالرواية تام، وهناك روايات عديدة اخرى يستدل بها على الاستصحاب، ولا شك في دلالة جملة منها.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|