أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2021
3528
التاريخ: 20-6-2016
1969
التاريخ: 23-10-2014
2074
التاريخ: 2024-06-11
637
|
كان العرب ـ الذين نزل القرآن الكريم على النبي (صلى الله عليه وآله) في حوزتهم ـ يعتقدون في الله أنّه خالق ، مدبر للعالم :
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف : 87] .
ولكنّهم افترضوا ـ لضعف تفكيرهم ، وبُعد عهدهم من النبوّة والأنبياء ـ وجود وسطاء وهميّين بينهم وبين الله تعالى ، وزعموا لهؤلاء الوسطاء الذين تخيلوهم قدرة على النفع والضر ، فجسدوهم في أصنام من الحجارة ، وأشركوا هذه الأصنام مع الله في العبادة ، والدعاء حتى تطورت فكرة الوساطة في أذهانهم إلى الاعتقاد بإلوهية الوسطاء ، ومشاركة تلك الأصنام لله في تدبير الكون :
{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [الزمر : 3].
وكادت تمحى بعد ذلك فكرة التمييز بين الوسطاء والله تعالى ، وسادت الوثنية بأبشع أشكالها ، وانغمس العرب في الشرك وعبادة الأصنام ، وتأليهها ، فكان لكل قبيلة أو مدينة صنم خاص ، بل كان لكل بيت صنم خصوصي ، فقد قال الكلبي :
(كان لأهل كل دار من مكّة صنم في دارهم يعبدونه فإذا أراد أحدهم السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسّح به ، وإذا قدم من سفر كان أوّل ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسّح به أيضاً) (1) ، وقد كان في جوف الكعبة وفي فنائها ثلاثمائة وستّون صنماً.
وأدّى الأمر بالعرب إلى تقديس الحجارة بصورةٍ عامّة ، وإسباغ الطابع الإلهي عليها ، ففي صحيح البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال :
)كنّا نعبد الحجر ، فإذا وجدنا حجراً هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر ، فإذا لم نجد حجراً جمعنا جثوة من تراب ثمّ جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثمّ طفنا به) (2).
وقال الكلبي :
(كان الرجل إذا سافر فنزل منزلاً أخذ أربعة أحجار فنظر إلى أحسنها فاتخذه ربّاً وجعل ثلاث أثافي لقدره وإذا ارتحل تركه)(3).
ولم يقتصر العرب على عبادة الأحجار ، بل كان لهم آلهة شتّى ، من الملائكة والجن والكواكب ، فكانوا يعتقدون أنّ الملائكة بنات الله ، واتخذوا من الجن شركاء له وآمنوا بقدرتهم وعبدوهم :
{يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ : 40 ، 41].
ويروى عن حمير عبادة الشمس ، وعن كنانة عبادة القمر ، وعن لخم وجذام عبادة المشتري ، وعن أسد عبادة عطارد ، وعن طي عبادة سهيل (4).
وكان في العرب يهود ونصارى إلى جانب تلك الكثرة من المشركين ، ولكن اليهودية والنصرانية لم يكن بإمكانها أنْ تصنع شيئاً بعد أن منيت هي نفسها بالتحريف والزيغ ، وأصبحت مجرد شعارات وطقوس ، وبعد أن امتزجت المسيحية العالمية بوثنية الرومان ، وأضحت لوناً من ألوان الشرك؛ فلم تكن النصرانية أو اليهودية في بلاد العرب الا نسختين من اليهودية في الشام ، والنصرانية في بلاد الروم والشام ، تحملان كل ما منيت بها هاتان الديانتان من نكسات وزيف.
وهذه الصورة العامة عن الوثنية والشرك في بلاد العرب ، تكفي لكي نتصور ما بلغه الإنسان الجاهلي من ضعة ، وميوعة ، وتنازل عن الكرامة الإنسانية ، حتى أصبح يدين بعبادة الحجر ، ويربط وجوده وكل آماله وآلامه بكومة من تراب.
وما من ريب في أنّ عبادة الأصنام ، والإحساس بالعبودية والذلّة بين يديها ، والسجود أمامها ، كلّ ذلك يترك في النفس من الآثار الروحيّة والفكرية ما يفقد الإنسان كرامته ، ويجمّد فيه طاقاته المتنوعة ، ويجعله أقرب للخضوع والخنوع والاستسلام ، لكلّ قوّة أو قوى ما دام يستسلم لأخس الكائنات وأتفهها.
ولم يكن وضع العقيدة والعبادة ، في سائر أرجاء العالم أحسن حالاً منه في بلاد العرب ، لأنّ الوثنيّة بمختلف أشكالها كانت هي المسيطرة ، إمّا بصورةٍ صريحة ، كما في الهند والصين وإيران ، أو بصورة مبطّنة ، كما في أوروبّا المسيحية التي تسلّلت فيها وثنية الرومان إلى النصرانية وشوّهت معالمها.
والعبادة للأصنام ، أو للملوك ، ولأرباب الأديان ، كانت في كلّ مكان ، فلا تجد إلاّ إنساناً يعبد نظيره أو ما هو أخس منه من الكائنات ، أو إنساناً يزعم لنفسه العبادة والحقّ الإلهي في الطاعة والسيادة.
في هذا الجو الوثني المسعور ، جاء القرآن الكريم ليرتفع بالإنسان من الحضيض الذي هوى إليه ، ويحرّره من أسر الوثنيّة ومهانتها ، ومختلف العبوديات المزيّفة التي مُني بها ، ويركّز بدلاً منها فكرة العبودية المخلصة لله وحده لا شريك له ، ويعيد للإنسان إيمانه بكرامته وربّه.
فانظروا إلى هذه النصوص القرآنية التالية ، لتجدوا كيف يؤكّد القرآن فكرة العبادة لله وحده ، ويهيب بالإنسان إلى التحرّر من كلّ عبادةٍ سواها :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج : 73 ، 74].
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ...} [آل عمران : 64].
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [التوبة : 31].
وقد استطاع القرآن أن ينتصر على الوثنيّة وألوانها المختلفة ، ويصنع من المشركين أُمّةً موحّدة تؤمن بالله ، لا إيماناً نظريّاً فحسب بل إيماناً يجري مع دمائها وينعكس في كلّ جوانب حياتها.
وقد كان لهذا الإيمان الذي زرعه القرآن في النفوس ، مثل فعل السحر؛ فما يدخل في قلب الإنسان إلاّ حوّله إنساناً آخر ، في مشاعره وعواطفه وقوّة نفسه ، وعظمة أهدافه ، وإحساسه بكرامته؛ وفي المثالين التاليين نستطيع أن نتبيّن ذلك بوضوح.
1ـ عن أبي موسى قال : (انتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلسه ، وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن يساره والقسّيسون جلوس سماطين وقد قال له عمرو وعمارة : إنّهم لا يسجدون لك ، فلمّا انتهينا ، بدرنا من عنده من القسّيسين والرهبان : اسجدوا للملك ، فقال جعفر : لا نسجد إلاّ لله عزّ وجلّ) (5).
2ـ أرسل سعد قبل القادسيّة ربعي بن عامر رسولاً إلى رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرهم ، فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق والزرابي الحرير ، وقد جلس على سريرٍ من ذهب وعليه تاجه المزيّن باليواقيت واللآلئ الثمينة ، ودخل ربعي بثياب صفيقة ، وترس وفرس قصيرة ، ولم يزل راكبها حتّى داس بها على طرف البساط ، ثمّ نزل وربطها ببعض تلك الوسائد ، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه.
فقالوا له : ضع سلاحك
فقال : إن تركتموني هكذا وإلاّ رجعت ، فقال رستم : ائذنوا له.
فأقبل يتوكّأ على رمحه ، فقال له : ما جاء بكم
فقال : الله أبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام (6).
هكذا استطاع القرآن عن طريق زرع الإيمان بالله ، وتربية المسلمين على التوحيد ، والشعور بالعبودية لله وحده ، استطاع عن هذا الطريق أن يجعل من أُولئك الذين كانوا يخضعون للحجارة ، ويدينون بسيادتها أُمّة موحّدة لا تخضع إلاّ لله ، ولا تتذلّل لقوّةٍ على وجه الأرض ولا تستكين لجبروت الملك وعظمة الدنيا ، ولو في أحرج اللحظات وتمتد بأهدافها نحو تغيير العالم ، وهداية شعوب الأرض إلى التوحيد والإسلام ، وإنقاذها من أسر الوثنيّة ، ومختلف العبوديات للآلهة المزيّفة والأرباب المصطنعة.
______________
(1) الأصنام للكلبي : 33.
(2) صحيح البخاري 5 : 216.
(3) الأصنام : 33.
(4) الأصنام : 22 للكلبي .
(5) البداية والنهاية 3 : 89.
(6) البداية والنهاية 7 : 46.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|