أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-9-2016
549
التاريخ: 4-9-2016
539
التاريخ: 18-8-2016
569
التاريخ: 4-9-2016
736
|
اعلم أنّ المباح يطلق على معان :
منها المأذون فيه شرعا، مباحا كان ، أو واجبا ، أو مندوبا ، أو مكروها.
ومنها ما لا يمتنع عقلا ، لازما كان ، أو راجحا ، أو متساوي الطرفين.
ومنها ما استوى فيه الطرفان شرعا ـ وهو الذي عدّ من الأحكام الخمسة، وقسيما للواجب ـ أو عقلا ، كأفعال غير العقلاء.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه نقل عن بعض الاصوليّين القول بكون المباح جنسا للواجب (1) ؛
مستدلاّ بأنّ حقيقة المباح المأذون فيه في الفعل (2) ، وهو حاصل في الواجب.
وأورد عليه ابن الحاجب : بأنّ حقيقته ليس ما ذكر فقط ، بل هو جنسه ، وفصله « مساوي الطرفين » وهو لم يوجد في الواجب (3).
وغير خفيّ أنّ العاقل لا يقول : إنّ المباح الذي هو من أقسام الحكم وقسيم للواجب جنس له ، فالظاهر بل الجزم أنّ غرض القائل من المباح الذي جعله جنسا للواجب ، هو المباح بالمعنى الأوّل الذي ذكرناه ، والمورد حمل المباح في كلامه على المعنى الثالث. وليت شعري ما الداعي له مع أنّه عدّ المعنى الأوّل من جملة معاني المباح؟
إذا عرفت ذلك تعلم أنّه إذا اطلق المباح في كلام الشارع وغيره يكون مشتركا بين المعاني المذكورة ، إلاّ أنّ المتبادر والفرد الأظهر منها المعنى الثالث منها ، فيجب الحمل عليه. وكذا الأمر في الأيمان ، والتعليقات ، وأمثالهما.
ثمّ الحقّ أنّ الإباحة حكم شرعي، كما ذهب إليه القوم أجمعون (4).
وخالف بعض المعتزلة وقال : الإباحة ما لا منع في فعله وتركه ، وهذا ثابت في الأفعال قبل بعثة الشرع ، فلا معنى لكونه حكما شرعيّا (5).
والجواب: أنّ الإباحة قسمان : أحدهما شرعيّة (6) ، وهو ما تعلّق خطاب الشرع بكونه مباحا. وثانيهما غير شرعيّة (7) ، وهو الذي كان ثابتا للأفعال قبل بعثة الرسل ، والإباحة التي من الأحكام الشرعيّة هو القسم الأوّل دون الثاني ؛ فإنّه ليس إباحة شرعيّة.
تذنيـــــــــــب:
أجمع القوم على أنّ المباح أي ما استوى فيه الطرفان موجود وليس بمأمور به ؛ لأنّ الأمر طلب وهو يستلزم الترجيح ، وما استوى فعله وتركه ليس فيه ترجيح.
وأنكر الكعبي المباح بالمعنى المذكور وقال : كلّ مباح إمّا واجب بعينه ، أو مقدّمة له ، وهي أيضا واجبة.
واستدلّ على وجوبه : بأنّه إمّا عين ترك الحرام ، كإطباق الفم ، فإنّه ترك القذف. أو مقدّمة لتركه ، كالكلام وإطباق الفم لترك شرب الخمر ؛ فإنّه لا يتمّ إلاّ بهما أو بأمثالهما من الامور المباحة ، وترك الحرام وما لا يتمّ ترك الحرام إلاّ به واجب (8).
وقد ذكر القوم لإبطال استدلاله وجوها :
منها : أنّه يلزم أن يكون واجب ـ كالصلاة مثلا ـ حراما ، إذا صار فعلها سببا لترك واجب ؛ لأنّ سبب الحرام حرام ، فيكون الشيء الواحد حراما واجبا (9).
ولا يخفى ما فيه ؛ لإمكان أن يلتزمه بالاعتبارين.
ومنها : أنّ المسلّم وجوب المقدّمة الشرعيّة دون العقليّة والعاديّة (10).
ولا يخفى ما فيه أيضا ؛ لما سيجيء (11).
ومنها : أنّ قوله : « المباح [ ما ] لا يتمّ الواجب (12) إلاّ به » غير مسلّم ؛ لأنّه غير معيّن ؛ لإمكان الحصول (13) بغيره (14).
وفيه : أنّ هذا ينفي الوجوب العيني ، ويثبت التخييري (15) ، وهو كاف.
ويمكن أن يحرّر هذا الجواب بوجه لا يرد على القوم شيء ، بأن يقال : إذا بني الأمر على وجوب المقدّمات الشرعيّة والعقليّة ، فلا بدّ أن يقال : إذا كان شيء حراما وكان واجب الترك ، لا يتحقّق هذا الترك إلاّ في ضمن واحد من الامور المباحة ، وليس واحد منها معيّنا له ، بل كلّ واحد منها يصلح له ، فالمقدّمة للترك أمر كلّي مشتمل على أفراد كثيرة ، وكلّ واحد منها مباح عينا ، وإن كان فردا لمفهوم كلّيّ هو واجب يمكن أن يتحقّق في ضمنه ، وبذلك يكون من أفراد الواجب التخييري. وغرض القوم ليس إلاّ إثبات المباح عينا ، ولا يضرّهم اتّصافه بالوجوب من جهة اخرى ، سيّما وقد بلغت كثرة الأفراد لأكثر المقدّمات الواجبة إلى حدّ اضمحلّ الوجوب بالنسبة إلى كلّ فرد منها.
هذا ، وفوق ذلك كلام ، وهو إنّ كلّ واحد من الامور المباحة ليس في كلّ وقت من أفراد الواجب التخييري ، بل إذا حصل به ترك الحرام. فكلّ واحد منها مباح عينا ، وقد يتّصف بالوجوب باعتبار عارض ، وهذا جائز ؛ فإنّ القبيح قد يصير حسنا وبالعكس بسبب خارج ، فالمباح الذي حصل به ترك الحرام يكون واجبا من هذه الجهة ، فإذا تعرّض بعده لمباح آخر ـ لم يحصل به ترك الحرام ، ولكن كان بحيث لو لم يعمل المباح الأوّل لحصل ترك الحرام به ـ لا يكون واجبا ، مثلا إذا أطبق الفم لترك شرب الخمر ، يكون واجبا من باب المقدّمة. ثمّ إذا وضع اليد على الفم لا يكون واجبا ؛ لعدم كونه من المقدّمة.
ويعلم من هذا أنّ هذه المباحات لا تتّصف بالوجوب إذا لم يكن فعلها لأجل ترك الحرام ، بل فعلت في وقت لم يسبق بإرادة الحرام ، بل لم يخطر بباله أيضا. كيف؟ وفي هذه الحالة (16) ليست مقدّمات للواجب الحقيقي ؛ لأنّ عدم الحرام ـ من دون كفّ النفس عنه وقصد استمراره مع خطورة بالبال ـ لا يتّصف بالوجوب ، وإلاّ لزم أن يثاب كلّ إنسان في كلّ وقت بعدم صدور كلّ محرّم عنه ، وهو باطل ، فجميع المباحات مباحة عينا في كلّ وقت ، ومن شأنها أن تتّصف بالوجوب باعتبار عارض ، وقد تتّصف بالفعل إذا حصل العارض ، كما أنّ من شأن جميع القبائح أن تتّصف بالحسن في بعض الأوقات بسبب عارض ، وقد تصير حسنة بالفعل وبالعكس، وليس حال أفراد الواجب التخييري كذلك ، بل هي متّصفة بالوجوب مع قطع النظر عن عارض وسبب خارجي ، فتأمّل.
ثمّ فوق هذا أيضا كلام ، وهو أنّ شيئا من المباحات ليس مقدّمة لترك الحرام ، ولا فردا منه ؛ لأنّ الترك هو الكفّ ، ولا دخل له بالأمور المباحة. نعم ، هي مقارنة له كباقي الأحكام. مثلا ترك الحرام هو الكفّ عن شرب الخمر ، ولا دخل له بإطباق الفم أو الكلام أو أمثالهما.
فإذا حصل منع النفس عن الشرب حصل ترك الحرام، ولا يتوقّف على شيء من حالات الفم. نعم ، يقارن الترك بعض هذه المباحات ، إلاّ أنّه لا يتوقّف عليها ، فأحسن التدبّر.
___________
(1) راجع الإحكام في أصول الأحكام 1 : 170.
(2) في « ب » : « العمل ».
(3) حكاه عنه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 170.
(4) راجع الإحكام في أصول الأحكام 1 : 168.
(5) حكاه عنهم الآمدي في المصدر.
(6 و 7) كذا في النسختين ، والصحيح « شرعي ».
(8 ـ 10) حكاهم الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 168 ـ 169.
(11) أي في مقدّمة الواجب راجع ص 134 وما بعدها.
(12) والمراد به هو ترك الحرام.
(13) أي حصول الواجب وهو ترك الحرام.
(14) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 169.
(15) في « ب » : « التخيير».
(16) أي حالة عدم اقتران فعل المباح بإرادة الحرام.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
خدمة لأهالي النجف الاشرف .. العتبة العلويّة المقدّسة تبادر بحملة خدمية لمختلف الدوائر والمؤسّسات الإنسانية في المحافظة
|
|
|