المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

Relativistic Rocket
13-7-2016
Harmonic Expansion
4-5-2020
أنواع زوايا التصوير- الزوايا الذاتية
15/9/2022
هل يمكن لأكثر من نوع من الطفيليات من مهاجمة نفس الفرد العائل؟
29-3-2021
التجربة الدولية في استهداف التضخم وإجراءات التدخل
31-10-2016


شعراء الفخر  
  
10082   12:06 مساءاً   التاريخ: 4-7-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص210-218
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-28 259
التاريخ: 2024-01-08 1031
التاريخ: 2023-02-16 1404
التاريخ: 28/11/2022 1283

الفخر من أغراض الشعر العربي التي رافقته-مثل المدح-من قديم، و قد ظل الشعراء يتغنون به طوال العصور الإسلامية مجسّدين فيه دائما مثاليتهم الخلقية الفردية من الوفاء و المروءة و العزة و الكرامة و غير ذلك من الشّيم الرفيعة كما يتغنون عصبياتهم القبلية و القومية و بأسهم و شجاعتهم الحربية التي يسحقون بها أعداءهم. و أول ما يسوقه الرواة من أشعار الفخر في الأندلس يضيفونه إلى الأسرة الأموية و حكامها منذ القرن الثاني الهجري و خاصة على لسان الحكم الربضي (١٨٠-٢٠6ه‍) الذى استطاع بحزمه و مضائه و جلده أن يقضى قضاء مبرما على ثورة أهل الرّبض الجنوبي بقرطبة، مما جعله ينشد مبتهجا بعد تلك الوقعة(1):

رأبت صدوع الأرض بالسيف راقعا و قدما لأمت الشّعب مذ كنت يافعا (2)
فسائل ثغوري هل بها اليوم ثغرة أبادرها مستنضي السّيف دارعا (3)
و شافه على الأرض الفضاء جماجما كأقحاف شريان الهبيد لوامعا (4)
تنبّيك أنى لم أكن في قراعهم بوان و أنى كنت بالسيف قارعا
و مع تلك الأبيات أبيات أخرى يصور فيها رباطة جأشه في القتال و أنه لا ينكل عن الحرب و لا يتراجع حتى يذيق أعداءه الموت ناقعا. و يهتف شاب أموي متهور في عهد ابنه عبد الرحمن الأوسط يسمى بشر بن حبيب الملقب بدحّون أنه فوق الناس جميعا من بيته و غيره و أنه سيشعل الأرض و يضرمها بنيران الحروب، فيزجّ به عبد الرحمن في غياهب السجون ثم يعفو عنه و يرد إليه حريته.

و مرّ بنا في الفصل الأول كيف أن نيران فتنة هائلة بين المولدين و المسالمة و النصارى من جهة و بين العرب من جهة ثانية أخذت تتقد في نواح كثيرة بالأندلس لأواخر عهد الأمير محمد، و ظلت لعهد الأمير عبد اللّه (٢٧5-٣٠٠ ه‍) و قادها في نواحي مالقة عمر ابن حفصون و في نواحي بطليوس عبد الرحمن الجليقي و أخذ يطير من هذه الفتنة شرر كثير إلى إلبيرة في أوائل عهد الأمير عبد اللّه، و قاد العرب فيها يحيى بن صقالة و فتك به المولدون و النصارى، فقادهم سوار بن حمدون المحاربي القيسي، و ساعده الأيمن سعيد بن جودي و كان فارسا و شاعرا مجيدا، و واقع سوار جموع النصارى و المولدين ثأرا لابن صقالة سنة ٢٧6 و فتك بسبعة آلاف منهم، و تغنّى بهذه الوقعة سعيد بن جودي مفاخرا متوعدا و مهددا، و أخذ كثيرون من العرب من كورتي جيّان وريّة يتجمعون إلى سوار في حصن غرناطة، بينما لاذ المولدون و النصارى بعمر بن حفصون، و نشبت بين الفئتين معركة اندحر فيها النصارى و المولدون من أهل إلبيرة، و لسعيد بن جودي فيها قصيدة حماسية ملتهبة، و حانت بعدها للمولدين و المسالمة و النصارى غرّة من سوار ففتكوا به سنة ٢٧٧ و أمّر العرب عليهم سعيد بن جودي، فقادهم سبع سنوات أنزل فيها بخصومهم هزائم كثيرة إلى أن قتل غيلة سنة ٢٨4 و له أشعار كثيرة يحرّض فيها العرب و يفاخر ببأسه و شجاعته، و سنخصه بترجمة عما قليل. و اندلعت مع المعارك الحربية لهذه الفتنة معركة شعرية (5)نظم فيها شعر حماسي كثير يكتظ بالتهديد و الوعيد بين شاعر للمولدين يلقب بالعبلى و اسمه عبد الرحمن (أو عبد اللّه) بن محمد و بين شاعر للعرب يسمى الأسدي محمد بن سعيد بن مخارق من أسد بنى خزيمة، و من قول العبلى في إحدى قصائده يهوّن من العرب و جموعهم بغرناطة:

منازلهم منهم قفار بلاقع   تجارى السّفا فيها الرّياح الزعازع (6)و مضى يهدد العرب بوقائع مبيرة تحصدهم حصدا، فردّ عليه الأسدي ناقضا لقوله، منذرا متوعدا له و لجماعته بالويل و الثبور يقول:

منازلنا معمورة لا بلاقع   و قلعتنا حصن من الضّيم مانع
ألا فائذنوا منها قريبا بوقعة     تشيب لها ولدانكم و المراضع
و اتفق أن كان للعرب عليهم بعد سبعة أيام وقعة لقى فيها سبعة عشر ألفا منهم حتفهم و صرخوا و استغاثوا بالأمير عبد اللّه في قرطبة، و من مشهور قول العبلى في تلك الوقائع و الحروب قصيدة حماسية استهلها بقوله:

قد انقصفت قناتهم و ذلّوا    و زعزع ركن عزّهم الأذلّ
و ناقضه الأسدي بقصيدة طويلة يعيّره هو و قومه فيها بما ينزله العرب بجموعهم من تقتيل و سفك لدمائهم، و من قوله مفاخرا:

لواء النّصر معقود علينا   بتأييد الإله فما يحلّ
و للأسدي شعر كثير يحرّض فيه العرب على التجمع ضد خصومهم، و استطاع الأمير عبد اللّه أن يصلح بين الفئتين المتخاصمتين في كورة إلبيرة حتى إذا خلفه حفيده الناصر قضى على مثيري هذه العصبية الجنسية في كل أنحاء الأندلس. و بذلك عادت لأهل الأندلس وحدتهم عربا و مسالمة و مولدين.

و من طريف ما يروى عن المستنصر بن الناصر (٣5٠-٣6٠ ه‍) أن نزارا الفاطمي الملقب بالمستنصر صاحب مصر (٣65-٣٨6 ه‍) كتب إليه كتابا يسبّه فيه و يهجوه، فرد عليه المستنصر المرواني: «أما بعد فإنك عرفتنا فهجوتنا و لو عرفناك لأجبناك:

ألسنا بنى مروان كيف تبدّلت   بنا الحال أو دارت علينا الدوائر
إذا ولد المولود منا تهلّلت    له الأرض و اهتزّت إليه المنابر»

  فأفحمه (7)و لم يستطع الجواب. و للشاعر الطليق حفيد أخي المستنصر المرواني المسجون في عهد المنصور بن أبي عامر شعر كثير يفتخر فيه بنفسه و بآبائه، و سنفرده بكلمة. و للمنصور بن أبي عامر(8):

رميت بنفسي هول كل عظيمة    و خاطرت و الحرّ الكريم يخاطر
رفعنا المعالي بالعوالي بسالة     و أورثناها في القديم معافر (9)
و حكاياته في الجهاد كثيرة، و يقال إن له نيّفا و خمسين غزوة في النصارى و إنه كان لا يخلّ في أكثر أيامه بغزوتين في السنة يشنّهما عليهم، و مرّ بنا في الفصل الأول حديث عنه و عن غزواته المظفرة. و لابن شهيد(10):

بالعلم يفخر يوم الحفل حامله    و بالعفاف غداة الجمع يزدان
و ما ألان قناتي غمز حادثة     و لا استخفّ بحلمي قطّ إنسان
أمضي على الهول قدما لا ينهنهني     و أنثني لسفيهي و هو غضبان

  و مضى يقول إنه لا يرد على حمق بحمق و إنه يعتصم بالصبر و كظم الغيظ و لا يتملق و لا يفوه بغير الحق، و إنه قد يبيت على الطّوى حانيا الضلوع على لظى المسغبة دون تبرم أو ضيق، بل مع البشر و طلاقة الوجه. و يقول صديقه ابن (11)حزم:

أنا الشمس في جوّ العلوم منيرة    و لكنّ عيبي أن مطلعي الغرب
و لو أنني من جانب الشرق طالع      لجدّ على ما ضاع من ذكرى النّهب

    و هو حقا-كان شمسا منيرة في العلوم و لم يعبه طلوع شمسه من المغرب، فقد أضاءت ما بينه و بين المشرق، و لا تزال تضىء ما بينهما إلى اليوم.

و تتكاثر على ألسنة أمراء الطوائف أشعار الفخر، يفتخرون بما حققوه من مجد و بكرمهم الفياض و بأسهم و شجاعتهم و حمايتهم لإماراتهم و حسن سياستهم و تدبيرهم، و من قول المعتضد عباد صاحب إشبيلية(12):

أقوم على الأيّام خير مقام    و أوقد في الأعداء شرّ ضرام
و أنفق في كسب المحامد مهجتي    و لو كان في الذّكر الجميل حمامي
و أبلغ من دنياي نفسى سؤلها     و أضرب في كل العلا بسهامي
فهو يعيش لإحكام السياسة و سحق الأعداء و كسب المحامد و الذكر الجميل بالغا من دنياه كل ما يتمنى محققا لنفسه كل ما يريد من المعالي و الأماني. و سنخص من بين هؤلاء الأمراء عبد الملك بن هذيل بكلمة. و نشعر كأن الفخر يغيض معينه بعدهم في نفوس الأندلسيين غير أنه بقيت من ذلك بقية من مثل قول(13)على بن أضحى الهمداني الغرناطي المتوفى سنة 54٠ للهجرة:

نحن الأهلّة في ظلام الحندس     حيث احتللنا فهو صدر المجلس
إن يذهب الدّهر الخئون بعزّنا     ظلما فلم يذهب بعزّ الأنفس
البيتان يصوران قوة نفس عزيزة صلدة تنزلق عنها توّا محن الزمن دون أن تنال منها أي نيل. و لابن خفاجة قصيدة يفتخر فيها بنفسه و برفاق له في مسقط رأسه بجزيرة شقر يعيشون للبأس و النجدة و النضال و خوض الدماء بخيلهم المحجّلة إلى أعدائهم منزلين بهم صواعق الموت التي لا تبقي و لا تذر، و فيها يقول(14):

مضاء كما سلّ الحسام من الغمد و بأس كما طار الشّرار من الزّند
تساقوا و ما غير النجيع سلافة تدار و لا غير الأسنة من ورد
و إني على أن لست صدر قناتهم لخدن العلا ترب النّدى لدة المجد
أخوض الظّبا تخضرّ في النّقع بيضها فألقى المنايا الحمر في الحلل الرّمد

    و القصيدة تتوهج بحماسة ملتهبة، و تتكاثر فيها الصور. -على عادة ابن خفاجة في شعره-فرفاقه لا يقلّون عن السيف مضاء و لا عن شرار النار بأسا ودمارا، و إنهم ليتساقون المنايا حتى لكأن سلافتهم و خمرهم فيها نجيع الدماء التي يسفكونها من الأعداء و لا ورد لهم سوى الأسنة الفاتكة بهم، و يقول-تواضعا-إنه ليس صدرهم، بل هو فرد منهم، و يقول إنه خدن و صديق للعلا و رفيق للندى و الكرم و وليد للمجد، و إنه ليخوض معهم الحرب و قد أصاب النقع أو الغبار الظّبا بغير قليل من الخضرة كما أصاب الحلل و الثياب بغير قليل من الكدرة، و هو يندفع-مثلهم-إلى الأعداء، مقتحما إليهم المنايا الحمر التي تسحقهم سحقا.

و بهذه الروح العاتية التي لا تقهر، يقول الطبيب الشاطبي أبو عامر محمد بن ينّق )15)المتوفى في آخر سنة 54٧:

دعني أصاد زماني في تقلّبه    فهل سمعت بظلّ غير منتقل
و كلما راح جهما رحت مبتسما    كالبدر يزداد إشراقا مع الطّفل
و لا يرو عنك إطراقي لحادثة     فالليث مكمنه في الغيل للغيل
و ما تأطّر عطف الرّمح من خور   فيه و لا احمر صفح السيف من خجل
لا غرو أن عطّلت من حليها هممي     و هل يعيّر جيد الظبّى بالعطل
و هو يقول دعني أصادي الزمان و أعارضه في تقلباته بي و أحداثه معي، و هل سمعت بظل ثابت في مكانه، و مهما تجهّم لي و نظر إليّ مكفهرّ الوجه فسأظل مبتسما كالبدر يزداد إشراقا مع الطفل أو الظلام الداجي، و إذا رأيتني مطرقا إزاء حادثة ملمة فإنه إطراق الليث في غيله للوثوب على فريسته، و مهما يصبني من أحداث فلن تثنى إرادتي، و حتى إن ظنّ أنها تنثني فهو تثنى حد الرمح شديد المضاء، و سأظل قاطعا نافذا كالسيف تسيل على صفحته الحمراء حمرة الظفر، لا حمرة الخجل. و إن هممي لأعظم من أن تتحلى بالرماح و السيوف، فهي أحد من أي سيف و أمضى من أي رمح، و إنها مجردة من تلك الحلى تجرد جيد الظبي رائع الجمال. و هو زهو ما بعده زهو و عجب لا يماثله عجب بمروءته و شخصيته و رجولته.

و نلتقي بسهل بن مالك الأزدي الغرناطي البارع في العلوم القديمة و الحديثة، و كانت قد نالته محنة في عهد ابن هود صاحب مرسية (6٢5-6٣5) و غرّب عن غرناطة إلى أن مات ابن هود فعاد إليها و هو يردد(16):

و إنّي من عزمي و حزمي و همتّي   و ما رزقته النفس من كرم الطّبع
لفي منصب تعلو السماء سماته   فتثبت نورا في كواكبها السّبع
تدرّعت بالصبر الجميل و أجلبت    صروف الليالي كي تمزّق لي درعي (17)
فما ملأت قلبي و لا قبضت يدي    و لا نحتت أصلي و لا هصرت فرعي (18)
فإن عرضت لي لا يفوه بها فمي    و إن زحفت لي لا يضيق لها ذرعي (19)
و نفس سهل-حقّا-كانت نفسا كبيرة لم تنكسر لما نزل به من محنة، بل ظل رابط الجأش قوىّ النفس أمام صروف الدهر و همومه إلى وفاته سنة 6٣٩. و لابن (20)جزىّ الماز ذكره المتوفى سنة 785:

و كم من غادة كالشمس تبدو    فيسلى حسنها قلب الحزين
غضضت الطّرف عن نظري إليها     محافظة على عرضي و ديني
و هو يفتخر بعفافه، و ليوسف الثالث سلطان غرناطة فخر كثير و سنخصه بكلمة، و لم نعرض لفخر الأندلسيين بأشعارهم، و هو عندهم-كما عند المشارقة-كثير، و حسبنا الآن أن نقف عند ثلاثة من شعرائهم فسحوا للفخر في أشعارهم، و هم سعيد بن جودي و عبد الملك بن هذيل و يوسف الثالث.

سعيد (21)بن جودي السعدىّ

هو سعيد بن سليمان بن جودي بن أسباط بن إدريس السعدى من هوازن من جند

دمشق الداخلين إلى الأندلس في عهد الولاة، ولى جده الأقرب جودي بن أسباط- كما يقول ابن حيان-الشرطة للأمير الحكم الربضي (١٨٠-٢٠6ه‍) و صحب سعيد-كما ذكرنا منذ قليل-سوار بن حمدون المحاربي أمير عرب إلبيرة المنازعين للمولدين و المسالمة و النصارى من أهل تلك الكورة أيام نشوب الفتنة العصبية بها لأول عهد الأمير عبد اللّه. و تحيز سوار بأصحابه إلى حصن غرناطة فملكه و دانت له العرب في تلك الأنحاء و اتخذ سعيد بن جودي-و كان شاعرا-أهم مساعد له في حركته لشجاعته و بأسه و فروسيته، و مر بنا كيف استطاع سوار أن يأخذ ثأر زعيم العرب قبله في تلك المنازعة مع المولدين و أصحابهم: يحيى بن صقالة، إذ قتل منهم فيما يقال سبعة آلاف، و نرى ابن جودي يرميهم حينئذ بشواظ من شعره منشدا:

قد طلبنا بثأرنا فقتلنا   منكم كلّ مارق و عنيد
قد قتلناكم بيحيى و ما إن    كان حكم الإله بالمردود
فاصطلوا حرّها و حرّ سيوف     تتلظّى عليكم كالوقود
لم تزالوا تبغونها عوجا حتّ‍     ى وردتم للموت شرّ ورود
و يقول إنهم قتلوا يحيى بن صقالة غدرا، و يشيد بشجاعته و جوده و حلمه و تقواه و يدعو اللّه أن يجزيه جزاء الشهداء الأبرار. و يحشد المولدون و من يؤيدهم من المسالمة و النصارى جموعهم و يهاجمون غرناطة، فتدور عليهم الدوائر و تحصد سيوف العرب منهم اثنى عشر ألفا، و يرميهم بقصيدة ملتهبة، يقول فيها:

لقيتم لنا ملمومة مستحرّة    تجيد ضراب الهام تحت العوامل (22)
و ظلّت سيوف الهند تحصد جمعكم     حصاد زروع أينعت للمناجل (23)
و لم يبق منكم غير عان مصفّد    يقاد أسيرا موثقا في السلاسل (24)
و آخر منكم هارب قد تضايقت     به الأرض يعدو من جوى و بلابل (25)
و لم يلبث سوار قائد هاتين المعركتين أن قتل بحيلة دبرها المولدون سنة ٢٧٧ فأمّر العرب مكانه في زعامتهم سعيد بن جودي صاحبه، و ظل يذود عنهم ذياد الأبطال سبع سنوات طوال، مثيرا فيهم الحماسة و الحمية لمنازلة خصومهم. و يبدو أن شعرا حماسيا كثيرا لسعيد نظمه في تلك الحروب سقط من يد الزمن، من ذلك قصيدة دالية لم يبق منها إلا هذا البيت:

و ما كان إلا ساعة ثم غودروا    كمثل حصيد فوق ظهر صعيد (26)
و له مرثية في بطل و ربما رثى بها سوار بن حمدون أو بعض أصحابه من الفرسان ممن لقوا حتفهم في تلك الحروب، و له أيضا بعض أشعار غزلية، و يقول ابن الأبار إنه يشوبها بشجاعته على شاكلة أبي دلف قائد المأمون في غزلياته. و له في جارية تسمى جيجان سمعها بقرطبة تغنى للأمير عبد اللّه في إمارة أبيه محمد، فهام بها دهرا دون أن يراها و فيها يقول:

سمعي أبي أن يكون الروح في بدنى    فاعتاض قلبي منه لوعة الحزن
أعطيت جيجان روحي عن تذكرها    هذا و لم أرها يوما و لم تزني
فقل لجيجان يا سؤلي و يا أملي    استوص خيرا بروح زال عن بدن (27) كأنني و اسمها و الدمع منسكب     من مقلتي راهب صلّى إلى وثن
و من عجب أن قتل هذا الفارس البطل غيلة بأيدي بعض أصحابه في شهر ذي القعدة من سنة ٢٨4.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١) المغرب ١/44.

2) يقصد بصدوع الأرض انشقاقات الثائرين، و رأب: لأم و أصلح. و الشعب: الصدع و الانفراج بين جبلين. و الاستعارة واضحة.

٣) مستنضي السيف: شاهره، دارعا: لا بسا درع الحرب و النزال.

4) أقحاف: رءوس. الهبيد: الحنظل.

5) انظر في أشعار هذه المعركة المقتبس لابن حيان الجزء الخاص بالأمير عبد اللّه.

6) بلاقع: مقفرة. السفا: التراب.

7) انظر هذه الرواية في النفح ٣/55٨.

8) المغرب ١/٢٠٣.

9) العوالي: الرماح. و معافر بفتح الميم: قبيلة ابن أبى عامر و هي يمنية.

10) ديوان ابن شهيد تحقيق يعقوب زكى (طبع القاهرة) ص ١6٣.

11)الذخيرة ١/١٧٣.

١2) الحلة السيراء (تحقيق د. مؤنس)٢/44.

13) مغرب ٢/١٠٨.

14)ديوان ابن خفاجة (طبع منشأة المعارف بالإسكندرية) ص ٣46.

15)مغرب ٢/٣٨٨ و انظر في ترجمة ابن ينق القلائد ٢١٢ و التكملة ص ١٩٨ و معجم الصدفي ص ١6٢ و الخريدة ٣/46٣

١6) الذيل و التكملة للمراكشي (بقية السفر الرابع-تحقيق د. إحسان عباس) ص ١٠٣ و راجع في ترجمته التكملة رقم ٢٠٠٧ و اختصار القدح المعلى ص 6٠

17) أجلبت: أحدثت جلبة و صخبا، كناية عن تكاثرها

18) هصرت فرعى: كسرته، كناية عن أن صروف الليالي انزاحت عنه دون أن تنال منه.

19) الذرع: الطاقة.

20) أزهار الرياض ٣/١٨6.

21)انظر في ترجمة سعيد بن جودي المقتبس: الجزء الخاص بالأمير عبد اللّه (راجع الفهرس) و الحميدي ص ٢١٣ و البغية ص ٢٩4 و الحلة السيراء لابن الأبار ١/١54 و ما بعدها و أيضا في ترجمة سوار بن حمدون السابقة لترجمته و المغرب ٢/١٠5 و أعمال الأعلام لابن الخطيب ص ٣5 و الإحاطة 4/٢٧5.

22) ملمومة: كتيبة. مستحرة من استحر القتل إذا اشتد. الهام: الرؤوس. العوامل: الرماح

23) تحصد: تقطع. أينعت: حان حصادها و قطعها. و أينع الثمر: حان قطافه. المناجل: جمع منجل: آلة لحصد الزرع

24) عان: أسير. مصفد: مقيد بالأغلال.

25) يعدو: يفر. جوى: ضيق. بلابل: وساوس.

26) الحصيد: الزرع المحصود أو المقطوع. الصعيد: وجه الأرض

27) حذف الباء في «استوص» في خطاب جيجان لضرورة الوزن.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.