أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-6-2016
21166
التاريخ: 8-6-2016
6529
التاريخ: 18-1-2023
1738
التاريخ: 19-2-2022
3306
|
لاشك ان على الادارة الالتزام بقواعد الشكل والاجراءات المقررة قانوناً عند اصدارها القرارات الادارية، فان تجاهلت الادارة هذه الشكليات والاجراءات تكون قراراتها معرضة للإلغاء عند الطعن بها امام القضاء الاداري. الا انه في حالات معينة يمتنع القاضي الاداري عن الالغاء بالرغم من كونها معيبة بعيب الشكل والاجراءات لاسباب يراها الفقه والقضاء انها منطقية وهو ما يطلق عليه تجاوز وتغطية عيب الشكل والاجراءات. وهذا التجاوز لايكون الا بالنسبة للشكليات والاجراءات الجوهرية اما بالنسبة للشكليات والاجراءات الثانوية فان تجاهلها بطبيعته لا يؤثر في مشروعية القرار الاداري. ان الحالات التي تؤدي الى تغطية عيب الشكل والاجراءات عديدة ومتنوعة منها ما هو مسلم به فقهاً وقضاءً ومنها ما كان محل خلاف في تقدير اثره الحاسم في تغطية عيب الشكل والاجراءات. ويمكن حصر اهم الحالات التي يتم فيها تجاوز هذا العيب بما يلي:
1.استحالة اتمام الشكليات.
2.حالة الظروف الاستثنائية.
3.قبول صاحب الشان.
4.الاستيفاء اللاحق للشكليات والاجراءات.
اولاً: استحالة اتمام الشكليات
يتجه قضاء مجلس الدولة الفرنسي والمصري الى امكانية تجاوز عيب الشكل والاجراءات اذا استحال اكمالها وبذلك يتم تغطية هذا العيب. ويفترض في الاستحالة التي تغطي عيب الشكل والاجراءات ان تكون استحالة حقيقية يستطيل امدها لدرجة يتعذر معها اتمام الشكليات المقررة قانوناً، وهذا يعني ان عيب الشكل لايمكن تجاوزه لمجرد وجود استحالة مؤقتة او عابرة كما ان هذه الاستحالة يجب ان لا تكون بفعل الادارة نفسها (1). والاستحالة التي تغطي عيب الشكل والاجراءات يمكن ان تكون في عدة صور اهمها:
1. الاستحالة المادية: وهي الاستحالة الناجمة عن سبب اجنبي وهي خارجة عن ارادة جهة الادارة او اي جهة اخرى، فقد رفض مجلس الدولة الفرنسي طلب الغاء قرار صادر من مجلس التأديب استناداً الى ان ذلك المجلس لم يشكل على النحو المقرر قانوناً لانه ثبت استحالة تكوينه على ذلك الشكل (2). كما ذهب مجلس الدولة المصري الى انه (اذا اشترط قانوناً ان يكون طلب النقل من قائمة حصة شياخة الى قائمة حصة اخرى مصدقاً عليه من العمدة أو الشيخ المراد الانتقال الى حصته... فانه يكتفي بتصديق العمدة على الطلب اذا كانت الشياخة المراد الانتقال اليها شاغرة من شيخها) (3). وفي هذا النوع من الاستحالة يجمع الفقه والقضاء على ان هذا النوع من الاستحالة يغطي عيب الشكل والاجراء بل يرى جانب من الفقه ان هذا النوع من الاستحالة ما هو الا تطبيق عادي لفكرة القوة القاهرة وهي تعفي حتى من المسؤولية الجنائية (4).
2. الاستحالة بفعل صاحب المصلحة: احياناً تكون استحالة اتمام الشكليات بفعل صاحب المصلحة نفسه ومن دون اي تقصير من جانب الادارة، كأن يرفض الموظف المحال الى التحقيق ابداء اقواله دفاعاً عن نفسه، او يغفل ذكر عنوانه فيتعذر على الادارة اعلانه، ففي هذه الحالة من غير المنطقي ان يتمسك صاحب المصلحة بالبطلان لانه كان السبب في عدم مراعاة هذا النوع من الشكليات. فقد ذهب مجلس الدولة الفرنسي الى عدم الغاء قرار الفصل الصادر دون سماع دفاع الموظف كان قد غادر مقره دون ان يترك عنوانه وكان من المستحيل الاستدلال على ذلك العنوان (5). اما محكمة القضاء الاداري المصرية فقد قضت بانه (اذا كان المدعون قد استدعوا لسؤالهم فيما ظمنوا الشكوى المقدمة منهم من عبارات جارحة وطلب اليهم المحقق الادلاء باقوالهم واوجه دفاعهم لكنهم امتنعوا عن ذلك جميعاً وطالبوا بتأليف لجنة قضائية لبحث شكواهم واوجه اعتراضهم على حركة الترقيات المشكو منها فانهم يكونون قد فوتوا على انفسهم فرصة سماع اقوالهم وتحقيق دفاعهم، فلا يجوز لهم بعد ذلك التحدي بحكم المادة 85 من قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951..) (6).
3. الاستحالة بفعل الغير: قد تكون استحالة اتمام الشكليات يرجع الى اشخاص اخرين بعيدين عن الادارة مصدرة القرار وصاحب المصلحة كأشتراط استطلاع راي مجلس معين ويرفض هذا المجلس في اغلبيته الحضور او يحضرون ولكنهم يمتنعون عن المداولة والتصويت. وفي هذا النوع من الاستحالة هناك اختلاف في موقف مجلس الدولة الفرنسي عن موقف مجلس الدولة المصري فقد ذهب مجلس الدولة الفرنسي في بادئ الامر الى مشروعية القرار لان الاغلبية قد دعت فامتنعت عمداً عن الحضور (7). الا ان المجلس قد عدل بعد ذلك عن هذا القضاء واكد ان حضور الاغلبية امر ضروري ما لم يقرر المشرع خلاف ذلك وبالتالي يكون القرار الصادر من مجلس لم يكتمل نصاب انعقاده باطلاً حتى لو تكررت الدعوات (8). وقد لقي اتجاه مجلس الدولة الاخير انتقاداً من بعض الفقه على اساس ان دعوى الاعضاء المختصين الى المداولة مرتين متتاليتين تفصل كل مرة مدة معقولة من الزمن وعدم حضورهم بالرغم من ذلك من شانه ان يغطي عيب الشكل وان يجعل الاجتماع صحيحاً اياً كان عدد الاعضاء الذين يبدون آراءهم (9). اما مجلس الدولة المصري فقد اتجه الى الاعتراف بهذا النوع من الاستحالة من خلال حكم المحكمة الادارية العليا في 15 يناير 1972 عندما ذهبت الى ان (الشركة قد اتخذت الاجراءات اللازمة قانوناً في شان عرض الامر على اللجنة الثلاثية قبل اصدارها قرار الفصل المطعون فيه وان اللجنة قد حاولت ان تعقد اجتماعاً اكثر من مرة الا ان العضو الثالث ممثل العمال الذي ثبت انه اخطر شخصياً بمواعيد الانعقاد قد تعمد التخلف عن الحضور اكثر من مرة فانه بذلك لا يترتب على الشركة من وجهة النظر القانونية ان هي اصدرت قرارها بالفصل..)(10).
ثانياً: نظرية الظروف الاستثنائية
ويقصد بها ان بعض القرارات الادارية غير المشروعة في الضروف العادية يعتبرها القضاء مشروعة اذا ثبت انها ضرورية لحماية النظام العام او لتامين سير المرافق العامة بسبب ظروف استثنائية وبذلك تتحلل الادارة موقتاً من قيود المشروعية العادية ويتسع نطاق سلطة الادارة التقديرية دون الحاجة الى وجود نص تشريعي بذلك(11). واوضح مثال للظروف الاستثنائية هو حالة الحرب، حيث وضع مجلس الدولة الفرنسي اسس النظرية ابان الحرب العلمية الاولى، ولكن الظروف الاستثنائية لاتقتصر على الحرب وحدها فقد سحبت هذه النظرية على حالات اخرى وقت السلم كالأضراب والكوارث الطبيعية وغيرها(12). وقد عملت هذه النظرية عملها في مجال الشكل والاجراءات كما عملت في مجال ركن الاختصاص، فقد تضطر الادارة الى اغفال الكثير من الشكليات والاجراءات الجوهرية تحت ضغط هذه الظروف ومع ذلك فان مجلس الدولة الفرنسي قضي بصحة مثل هذه القرارات بما يملكه من سلطة تقديرية اعتمادا على فكرة المشروعية المتسعة التي اوجدتها تلك الظروف(13). فقد قضى مجلس الدولة الفرنسي بمشروعية القرار الصادر بإحالة ضابط كبير الى التقاعد بغير اخذ راي مجلس الحرب الاعلى الذي يجب ان يبدي رايه بطريقة التصويت السري(14). كما قضي بصحة ايقاف احد العمد بغير ان يدعى مقدماً لابداء دفاعه(15). لابد من الاشارة الى ان هذه الحالة تختلف عن الحالة السابقة (استحالة تنفيذ الشكل والاجراءات) لان الامر هنا لايصل الى حد استحالة اتباع الاجراءات وانما الامر يتعلق في جوهره بالصعوبة الشديدة التي تعانيها الادارة في اتمام الاجراءات التي يتطلبها القانون في مثل هذه الظروف التي تقتضي الحزم والسرعة.
ثالثاً: قبول ذوي المصلحة او صاحب الشأن لتجاوز عيب الشكل والاجراءات
لاشك ان الاصل في الشكليات والاجراءات المتعلقة بالقرار الاداري، انها مقررة في الكثير من الاحيان لمصلحة الافراد وكضمانة لهم، الا انها في نفس الوقت وضعت لحماية المصلحة العامة لذلك فانها تتعلق الى حد كبير بالنظام العام واستناداً الى ذلك يمكن القول ان رضا صاحب الشان او المصلحة في تجاوز هذه الشكليات او عدم رضاه لا أثر له في مشروعية او عدم مشروعية القرار الاداري. الا اننا ومن خلال استقراء احكام القضاء الاداري الفرنسي والعربي على حد سواء نجد انها غير مستقرة على راي واضح حول هذا الموضوع، فهي مرة تقول ان رضا صاحب الشان لايكفي لتجاوز هذا العيب ومرة اخرى تذهب الى ان هذا الرضا يكفي وبالتالي يغطي عيب الشكل والاجراءات. ومن احكام مجلس الدولة الفرنسي التي تبنت الاتجاه الاول حكمها الصادر في 2/7/1909 والمتعلق باخلال الادارة بالقواعد الضابطة لاحدى المسابقات فبالرغم من قبول المتسابقين للتعديل الذي تم على خلاف القانون فان مجلس الدولة قضى بالغاء المسابقة. بينما ذهب في حكم اخر الى ان قبول ذوي المصلحة يؤدي الى تغطية عيب الشكل والاجراءات في القرار الاداري(16). اما مجلس الدولة المصري فيبدو ان احكامه مترددة ايضاً حيال هذا الموضوع، فقد ذهبت محكمة القضاء الاداري في بادئ الامر الى الاخذ بمبدأ تجاوز عيب الشكل والاجراءات لقبول صاحب المصلحة وذلك من خلال حكمها المؤرخ في 31 مايو 1949 والذي تدور وقائعه حول اعلان احد العمد بالحضور امام لجنة الشياخات للنظر في اطالة امد وقفه فلما حضر نظرت اللجنة في امر فصله راساً فلم يعترض العمدة، ولكن طعن بعد ذلك ببطلان الاجراءات واوضح المجلس انه (ومن حيث ان المدعي هو صاحب الحق الوحيد في التمسك بوجوب اعلانه بالتهمة اعلاناً جديداً والتمسك بطلب التاجيل للاستعداد وغير ذلك مما يتمسك به الان. قد ترك التمسك بكل ذلك مختاراً امام اللجنة ولهذا تكون اجراءات المحكمة قد تمت بعد ذلك صحيحة)(17). ولقد لقي الحكم المتقدم انتقاداً من بعض الفقه(18). ولكن المحكمة سرعان ما عدلت عنه عندما ذهبت الى انه (ومن المقرر فقهاء وقضاءً ان الاصل في الشكليات والاجراءات انها مقررة لمصلحة عامة قدرها المشرع فهي تمس الصالح العام لذلك لايؤدي قبول ذوي الشأن للقرار المعيب الى تصحيح العيب وزوال البطلان)(19). الا ان المحكمة الادارية العليا قد حسمت الامر باجازة التغطية لهذا العيب بقبول صاحب المصلحة عندما قضي بانه (مادامت المدعية قد سمحت للنيابة الادارية بتفتيش سكن المدرسات في المدرسة التي كانت تعمل وتقيم بها وتضبط ما عساه ان يسفر عنه من اوراق ومكاتبات خاصة وما دام لم يثبت ان رضى المدعية كان مشوباً بعيب من العيوب المفسدة للرضا فان المجادلة في صحة هذا التفتيش تصبح غير ذات موضوع..)(20). اما محكمة العدل الاردنية فقد اتخذت مذهباً وسطاً عندما قررت اذا كان الشكل والاجراء من الاشكال والاجراءات الجوهرية المتعلقة بالنظام العام او المصلحة العامة فعدم اعتراض صاحب الشان على اجراء مخالف لتلك الاشكال والاجراءات لا يمنعه من اثاره مخالفتها امام محكمة العدل العليا. اما اذا كان الشكل والاجراء مقرراً للافراد دون سواهم، فعدم اعتراض صاحب الشان على مخالفة قواعد الشكل تفقده حقه في التمسك بها امام محكمة العدل العليا(21). ونرى انه لايمكن لاحكام القضاء الاداري حيال هذا الموضوع ان تخضع لمبدأ عام محدد سلفاً يطبق على كل القضايا المعروضة امامه في هذا الشان، وانما ينظر القاضي الاداري في كل قضية على حدة ليطلع على ظروفها وملابساتها والقواعد القانونية التي تحكمها ليقرر بما يملكه سلطة تقديرية اذا ما كانت الشكليات والاجراءات المقررة لمصلحة صاحب الشان بشكل واضح وجلي وان تجاوزها لايضر بالمصلحة العامة وبالتالي فان قبوله بتجاوزها سلفاً يغطي هذا العيب، ام ان هذه الشكليات ليست مقررة لمصلحة ذوي الشان فحسب وانما تهدف الى تحقيق المصلحة العامة ايضاً وبالتالي فان تجاوزها يعرض القرار الاداري للإلغاء بغض النظر عن رفض او قبول صاحب الشان وهذا يفسر تباين احكام القضاء الاداري في هذا الشان.
رابعاً: الاتمام اللاحق للشكليات
ان الادارة قد تغفل بعض الشكليات عند اصدار قراراتها الادارية عمداً او اهمالا ثم تقوم بعد ذلك بإتمام هذه الشكليات او الاجراءات لاحقاً تلافياً لالغائها من قبل القضاء الاداري فما هي سلطة القاضي من هذه التغطية وما هو موقف الفقه من هذا الموضوع؟ في الواقع ان احكام القضاء الاداري تباينت في هذا الامر، حيث اتخذ مجلس الدولة الفرنسي مبدأ عاماً مفاده ان القرار الذي اهملت الشكليات في اصداره ولد معيباً ولتصحيحه لابد من استيفاء الشكليات والاجراءات ابتداءً باصدار قرار جديد لان اجازة التصحيح يتضمن رجعية في القرارات الادارية وهي غير جائزة قانوناً (22). ولكن استثناءً من هذا الاصل اجاز مجلس الدولة الفرنسي اتمام الشكليات اذا كان اهمالها يرجع الى خطأ مادي لا أثر له على صحة القرار اطلاقاً مثال ذلك ان يحضر احد اعضاء مجلساً وهو عضو فيه ويسجل حضوره ومناقشاته في ذلك المجلس ولكنه يغفل التوقيع على محضر الجلسة عقب انتهائها فان توقيعه عليه فيما بعد لا يبطل القرار (23). اما بشان موقف القضاء الاداري المصري فقد رفضت محكمة القضاء الاداري ابتداءً الاتمام اللاحق للشكليات حيث اكدت (ان القرار الصادر بتوقيع جزاء على المدعين قبل تحقيق دفاعهما يكون باطلاً ولا عبرة بالتحقيق اللاحق الذي اجرته المصلحة، لان وكيل الوزارة قد ابدى رايه قبل معرفة النتيجة التي انتهى اليها التحقيق) (24). الا ان احكامها بعد ذلك استقرت على امكانية تغطية عيب الشكل والاجراءات التي تصيب القرار الاداري بعد اصداره عندما ذهبت الى ان (الجهة الادارية قد تداركت ما فاتها من استيفاء الشكل وصححته) ثم دافعت عن هذا الاتجاه بقولها انه (لاوجه للتحدي في هذا الصدد بان التصديق بقرار لاحق على قرار سابق معيب شكلاً لايصححه، بمقولة ان الاجراء المعيب شكلاً يولد باطلاً ويتصل بطلانه في النظام العام فلا يصححه اجراء لاحق – لاوجه لذلك، ما دام قصد المشرع يتحقق باستيفاء الشكليات المطلوبة، فاذا كانت جهة الادارة لم تستوف هذه الشكليات الا بعد اصدار قراراها فانها لن تتردد في تعديل القرار اذا بان لها ان المعلومات التي تبرر هذا الاستيفاء تدعو الى التعديل، اما الحالة العكسية فان علة التمسك بالبطلان تكون غير مفهومة ما دام استيفاء الشكل فيما بعد بالاجراء اللاحق لم يكن ليحدث تغيراً في تقدير جهة الادارة المصدرة للقرار. ومن ثم فلا محل لابطال القرار استناداً الى مخالفة شكلية ما كان اتباعها أو استبعادها من اول الامر يؤدي الى تغيير القرار او تعديله) (25). واقد أيدت المحكمة الادارية العليا الاتجاه الاخير لمحكمة القضاء الاداري في حكمها الصادر في 26 ابريل 1960 عندما وضعت قاعدة عامة تفيد بجواز تصحيح الشكلية باجراء لاحق بقولها (اذا كان هذا الشكل جوهرياً فانه لا معدى من استيفائه وفقاً لما ينص عليه القانون، اما في ذات القرار واما بتصحيح لاحق، اما اذا كان غير جوهري فلا يعتبر مؤثراً في صحة القرار وسلامته) (26). وقد قامت المحكمة بتطبيق هذا المبدأ في العديد من القضايا التي طرحت امامها. اما بشان موقف الفقه من الاتمام اللاحق للشكليات فقد انقسم في مذهبين فقد ذهب راي الى تاييد الاتمام اللاحق وذلك منعاً لتقرير الغاء القرار الاداري على اعتبار ان هذه الشكليات يمكن ان تتم حتى بعد صدور القرار الاداري لان الادارة ما زال لها الحق في تعديل القرار وقد يستعمل هذا الحق في الاتمام اللاحق للشكليات، حيث ان الاتمام اللاحق نفس الاثر في القرار المتخذ (27). بينما اتجه غالبية الفقه الى ان الاتمام اللاحق للشكليات لايغطي عيب الشكل والاجراء في القرار الاداري لان ذلك يشكل اهداراً للحكمة التي وضعت من اجلها هذه الشكليات التي تمثل ضمانة هامة للافراد والمصلحة العامة على حد سواء، كونها تمنع اتخاذ القرارات المتسرعة بغير تمحيص ووزن للملابسات، اضافة الى ان الاصلاح اللاحق للشكل يعني في النتيجة تعديل القرار باثر رجعي(28). ونرى ان هذا التناقض في احكام القضاء الاداري له ما يبرره لانه من غير الممكن ان يتمسك القاضي الاداري بالمبدأ الذي يقضي بعدم جواز تغطية عيب الشكل والاجراءات بالاتمام اللاحق لهذه الشكليات في كل القضايا المعروضة امامه حتى لو كانت هذه الشكليات جوهرية، فقد يجد القاضي الاداري انه لاجدوى من الغاء القرار الاداري، لان الشكليات التي يتم اكمالها لاحقاً لم تغير في مضمون القرار، فالقرار التاديبي الذي صدر بدون اجراء تحقيق مع الموظف قد لايضطر القاضي لالغائه اذا ثبت من خلال التحقيق اللاحق على اصدار العقوبة باقصاء هذا الموظف وملاءمة العقوبة المقررة بحقه. الا ان هذا الامر لايمكن قبوله على علاته لان في ذلك اهداراً للحكمة التي من اجلها وجدت هذه الشكليات والاجراءات، كما انه قد يشجع الادارة على تجاهلها ابتداءً ما دام بامكانها اتمام هذه الشكليات بعد صدور القرار الاداري متى شاءت وهذا يضع المواطن امام الامر الواقع، واهم من هذا كله انه قد يكون من مصلحة الشخص المعني ان يحكم القاضي الاداري بالغاء القرار المعيب في شكله حتى لو تم اكمال شكلياته بعد اصدار القرار ولايهم بعد ذلك وان قامت الادارة باصدار قرار بنفس مضمون القرار الملغى بعد ان تراعي كافة الشكليات، لانه قد يحصل خلال الفترة الزمنية المحصورة بين الغاء القرار الاداري بتقديم واصدار القرار الجديد ظروف او ملابسات او حتى اصدار تشريع جديد يصب في مصلحة ذلك الشخص. وقد لاحظنا ان مجلس الانضباط العام يميل الى عدم الغاء القرار التأديبي المشوب بعيب جوهري في الشكل والاجراءات، وذلك اذا ما وجد من خلال التحقيق القضائي الذي يجريه ان الوقائع ثابتة في حقه، ولكنه قد يعدل القرار بما يتناسب مع اهمية هذه الوقائع لمصلحة الموظف متجاهلاً اهمية هذه الشكليات كإحدى الضمانات التأديبية للموظف العام فقد ذهب المجلس في احدى احكامه الى ان (ولدى عطف النظر على اجراءات فرض العقوبة وجد ان هذه الاجراءات لا تصلح لفرض عقوبة التوبيخ حيث يقتضي اجراء التحقيق الاصولي طبقاً لنص المادة 10 من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم 14 لسنة 1991 وهي من النصوص الامرة التي لايجوز اغفالها كما ان الفقرة رابعاً من المادة المشار اليها تجيز استجواب الموظف المخالف وان للوزير او رئيس الدائرة ان يفرض مباشرة ايا من العقوبات الواردة في الفقرة اولاً وثانياً وثالثاً من المادة 8 من القانون وحيث يجد المجلس ووقائع القضية المنظورة ومن اضبارة المعترض سبق توجيه عقوبة لفة نظر عن اخلاله بواجب خفارة الدفاع المدني ثم رفعها عنه فيما بعد فان عقوبة التوبيخ المفروضة جاءت شديدة رغم استنادها الى وقائع محققة، وحيث ان اشراف المعترض على توزيع الغاز وتقاعسه في التوزيع على الوجه المقرر فقد ثبت وقوعه من خلال الوقائع والاعتراف المسؤول لذا قرر تخفيض عقوبة التوبيخ وجعلها عقوبة الانذار)(29).
__________________________
- ينظر د. مصطفى ابو زيد، المصدر السابق ص454-455.
2- حكم مجلس الدولة الفرنسي في 23 يناير 1935 في قضية Thaint مشار اليه في مؤلف الدكتور سليمان الطماوي، المصدر السابق ص786.
3- حكم محكمة القضاء الاداري في 10 نوفمبر 1954 مجموعة احكام السنة 9 ص16.
4- ينظر د. مصطفى ابو زيد، المصدر السابق ص454.
5- حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 22 نوفمبر 1918 قضية Samuel مشار اليه في مؤلف الدكتور سليمان الطماوي، المصدر السابق ص786.
6- قرار المحكمة الصادر في 24/2/1955 القضية 8241 لسنة 8 قضائية مجموعة السنة التاسعة ص329.
7- حكم مجلس الدولة الفرنسي في 13/2/1903 قضية Baudart مشار اليه في مؤلف د. سليمان الطماوي – النظرية العامة للقرارات الادارية، مصدر سابق ص286.
8-حكم المجلس الصادر في 19 مايو في قضية Becnon المصدر السابق ص287.
9- ينظر د. سليمان الطماوي، قضاء الالغاء، مصدر سابق ص790. انظر كذلك د. فؤاد العطار، المصدر السابق ص553.
0- حكم المحكمة في القضية 343 لسنة 6 قضائية، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الادارية العليا للسنة السابعة عشر القاعدة رقم 25 ص124.
11- ينظر د. سليمان الطماوي، مبادئ القانون الاداري، الكتاب الثالث ، مصدر سابق ص115.
12- المصدر السابق ص16.
13- ينظر د. مصطفى ابو زيد، المصدر السابق ص455.
14- C.E28 July 1915, R.D.P. 1915 p 696.
15- C.E 6 May 1941 Pec p 84.
16- الدكتور سليمان الطماوي، القضاء الاداري- قضاء الالغاء، مصدر اسقب ص793.
7- حكم المحكمة في قضية 487 س 2 قضائية مجموعة مجلس الدولة لاحكام القضاء الاداري – السنة الثالثة – ص880.
18- ينظر د. سليمان الطماوي، المصدر السابق ص795.
19- حكم المحكمة المؤرخ في 1/7/1957 حمدي ياسين عكاشة، المصدر السابق ص377.
20- حكم المحكمة في جلسة 21 يوليو 1958، القضية 642 مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة السنة الثالثة قضائية ص1431.
21- ينظر د. حنا ابراهيم ندة، القضاء الاداري في الاردن – جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان 1972 ص418.
22- C.E 13 Ferier 1948. Didierjan Rec. p 75.
23- C.E 28 Janvier 1948, ste Paris Freres Rec. p 40.
24- C.E 25 Mars 1949. Bignier Rec p 144.
25- القضية 1962 لسنة 10 قضائية، مجموعة المبادئ القانونية لتي قررتها محكمة القضاء الاداري السنة الحادية عشر مشار اليه في مؤلف د. محسن خليل، مصدر سابق ص390.
26- المصدر السابق ص390 . بيد ان المحكمة نفسها قضت (بان عرض القرار الصادر بفصل العامل على راي اللجنة الثلاثية بعد صدوره لايصحح العيب وان القرار يعتبر معدوماً لمخالفته المادة 53 من القانون رقم 61 لسنة 1971 الخاص بالعاملين في القطاع العام وانه لايجدي الاحتجاج بان عرض الامر على اللجنة الثلاثية على هذا النحو من شانه ان يصحح العيب الذي أعتور القرار المطعون فيه) حكم المحكمة الادارية العليا في القضية 682 س 9 قضائية جلسة 3 مايو 1975 ق 104 ص370.
27- من الفقهاء الذين ابدو هذا الاتجاه بونار وبيرليا ومن الفقه العربي الدكتور محسن خليل، ينظر د. محسن خليل، ينظر د. محسن خليل المصدر السابق ص387. د. ماجد راغب الحلو، مصدر سابق ص337.
28- ينظر د. سليمان الطماوي، قضاء الالغاء ص790-791، د. مصطفى ابو زيد مصدر سابق ص485 خضر عكوبي يوسف، مصدر سابق ص186.
29- قرار مجلس الانضباط العام المرقم 92/95 في 21/6/1995 غير منشور، ينظر قرار المجلس المرقم 31/96 في 4/1/1996 غير منشور.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|