احمد بن محمد السرخسي

هو أبو العباس بن احمد بن محمد مروان السرخسي، لا نعرف بالضبط متى ولد ولكنه توفي سنة 286هـ في بغداد عرف باسم احمد بن الطيب.

تميز أبو العباس السرخسي بسعة اطلاعه وغزارة علمه، فله باع طويل في كل من الفلك والرياضيات والحسبة والسياسة والجغرافية والادب والأديان والتاريخ والفلسفة والطب والموسيقى، فهو بحق موسوعة تمضي على قدمين. ينتمي السرخسي الى اسرة عربية عريقة، حيث اجمع النسابون على انه من آل كنده، الاسرة القحطانية العربية الاصيلة التي حكمت اليمن لمدة طويلة من الزمن، وبالفعل تتلمذ على يد فيلسوف العرب الكندي (185-252هـ).

يقول موفق الدين بين ابي اصيبعة في كتابه (عيون الانباء في طبقات الأطباء) هو أبو العباس احمد بن محمد بن مروان السرخسي، ممن ينتمي الى الكندي وعليه قرا ومنه اخذ، وكان متفننا في علوم كثيرة من علوم القدماء والعرب، حسن المعرفة جيد القريحة بليغ اللسان، مليح التصنيف والتأليف، اوحد في علم النحو والشعر، حسن العشرة، مليح النادرة، طريف.

كان لابي العباس السرخسي حظوة عظيمة عند الخليفة العباسي المعتضد، لعلمه وادبه، حيث كان معلما وصديقا ومستشارا له في أمور كثيرة تتعلق بأمر الدولة، ولكن الأعداء والحسدة والحاقدين وشوا به امام المعتضد فزجه بالسجن ثم قتله.

اما ابن النديم فيقول في كتابه (الفهرست): كان أبو العباس السرخسي معلما للمعتضد، ثم نادمه وخص به، وكان يفضي اليه اسراره ويستشيره في أمور مملكته، وكان سبب قتل المعتضد إياه اختصاصه بانه افضى اليه بسر فأفشاه.

كسب أبو العباس السرخسي خبرة سياسية جيدة بسبب علاقته بالمعتضد، فقد تشعبت آفاق معلوماته السياسية مما دفع به الى التأليف في هذا الميدان، فكتب: كتاب السياسية الصغير، وكتاب زاد المسافر وخدمة الملوك ، ومقالة في ادب مجالسة الملوك.

اكثر أبو العباس السرخسي من الاسفار خارج بغداد لغرض العلم وللتعمق في علم الجغرافية، لذا تمكن من تصنيف كتاب المسالك والممالك، وكتاب منفعة الجبال، وكتاب في احداث الجو.

ولمجالسته المعتضد لزمه الالمام عن كثب في المذاهب المختلفة، الف كتابا في وصف مذاهب العابئين، وكتابا في وحدانية الله تعالى، كان أبو العباس السرخسي من المغرمين في علمي التاريخ والفلسفة، لذا اعطى في هذين الحقلين عطاءا مثمرا ويظهر ذلك واضحا مما ادلت به قريحته المتوقدة: كتاب فضائل بغداد واخبارها، وكتاب في سيرة الانسان، وكتاب في اركان الفلسفة، وكتاب في اخلاق النفس.

اعتمد المعتضد على ابي العباس السرخسي في موضوع الحسبة في الإسلام، فاسند اليه إدارة الحسبة في مملكته فعمل عملا جيدا في هذا المضمار، حيث ارسى القواعد الثابتة للحسبة معتمدا على الكتاب والسنة، صارت مؤلفاته: كتاب الاعشاش وصناعة الحسبة الكبير وكتاب فش الصناعات والحسبة الصغيرة من اهم المراجع التي اعتمدت عليها الدولة آنذاك في مجال الحسبة.

درس أبو العباس السرخسي العلوم الرياضية والموسيقى، لانه يعتقد انهما موضوعان ضروريان لدراسة علم الفلك، بل انهما من الموضوعات التي لا يستغنى عنهما باحث في مجال العلوم التجريبية، وهذا قاده الى تصنيف كتاب الاثماطيقي في الاعداد والجبر، وكتاب المدخل الى علم الموسيقى، وكتاب الموسيقى الكبير، وكتاب الموسيقى الصغير.

تفنن أبو العباس السرخسي في علم الفلك، فترجم المصادر الهامة للعلوم اليونانية والهندية والفارسية في هذا الحقل، وقدم دراسة نظرية وتاريخية فيه، وذلك بجمع معظم آراء العلماء الأوائل في كتابه المشهور (كتاب المدخل الى صناعة النجوم)، وبقي هذا الكتاب من المراجع الضرورية للباحث في علم الفلك.

اما مكانة ابي العباس السرخسي في علم الطب فقد بذل جهدا كبيرا في مزاولة مهنة الطب، فحاز على سمعة طيبة في هذا الموضوع الحيوي وكتب فيه: كتاب المدخل الى صناعة الطب، ومقالة في البهق والنمش والكلف وغيرها.

وخلاصة القول: يتضح مما تقدم ان أبا العباس السرخسي يملك ثقافة علاية ومواهب متعددة، ولكنه برز في علمي الفلك والطب، لان الموضوعات الأخرى التي كتب فيها اعتبرها كهواية او كمتعة لعلمي الفلك والطب بطريقة مباشرة او غير مباشرة.

السؤال الذي يطرح نفسه، كم منا يعرف شيئا عن ابي العباس السرخسي الذي اثرى المكتبة العربية بمؤلفاته القيمة؟ الجواب على هذا السؤال قليل جدا، والسبب يعود لعدم الاكتراث في دور نوابغ علماء العرب والمسلمين الذين ينوا الصرح الحضاري الهائل خلال الحركة الفكرية العربية والإسلامية.

اختار مؤرخو العلوم ان يضعوا أبا العباس السرخسي في قائمة علماء الفلك، لانه ذاع صيته بين معاصريه بواسطة كتابه (كتاب المدخل الى صناعة النجوم) الذي يحتوي على موضوعات هامة في علم الفلك لا يستغنى عنها المتخصص في هذا الفن.

ارجو ان تكون هذه النبذة الموجزة عن حياة احمد الطيب السرخسي، تعريفا للباحثين في تاريخ العلوم، ان هناك عالما جليلا له مصنفات عديدة، ملقاة على رفوف مكتبات العالم في امس الحاجة الى أبناء جلدته، ليبحثوا وينقبوا فيها، وينشروا ما تحمله من معلومات هامة على العالم اجمع.