أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-10-2014
1324
التاريخ: 8-10-2014
1567
التاريخ: 7-12-2015
2885
التاريخ: 8-10-2014
1707
|
قال تعالى : {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} [البقرة : 144، 145].
لقد أمر النبي (صلى الله عليه واله) والمسلمون معه في بدايات الدعوة في مكة ، بأن يتوجهوا في صلاتهم الى المسجد الأقصى في بيت المقدس ، فامتثلوا هذا الأمر الموحى به الى رسول الله (صلى الله عليه واله) طيلة مكوثهم في مكة ، واستمروا عليه حتى بعد الهجرة المباركة الى المدينة المنورة فترة قيل إنها كانت تسعة عشر شهراً .
(ثم عيرته اليهود فقالوا : إنك تابع لقبلتنا ، فاغتم لذلك غماً شديداً ، ولما كان في بعض الليل ، خرج (صلى الله عليه واله) يقلب وجه في آفاق السماء ، فلما أصبح صلى الغداة ، فلما صلى من الظهر ركعتين ، جاء جبرئيل (عليه السلام) فقال له : (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها . . . ) الليلة . . ثم أخذ بيد النبي (صلى الله عليه واله) فحول وجهه الى الكعبة ، وحول من خلفه وجوههم ، حتى قام الرجال مقام النساء ، والنساء مقام الرجال ، فكان أول صلاته الى بيت المقدس ، وآخرها الى الكعبة) (1) .
وقد استغل اليهود في المدينة تحول النبي (صلى الله عليه واله) الى الكعبة في الصلاة ، كما سبق واستغلوا توجهه (صلى الله عليه واله) في الصلاة الى بيت المقدس ، وذلك بقصد إيقاع البلبلة في صفوف المسلمين ، وتشكيكهم بقيادتهم ودينهم ، مع علم هؤلاء الكافرين من خلال ما عندهم من التوراة ، إن من علامة نبوته (صلى الله عليه واله) أن تكون الكعبة قبلته .
وقد حكى القرآن الكريم موقف اليهود التضليلي والتشكيلي ورده :
{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة : 142].
فجاءهم الجواب من الله سبحانه قاطعاً دامغاً :
{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة : 142] .
ان كل هذا الكون مخلوق لله سبحانه ، وهو لا يحويه مكان ولا يحده زمان ، ولا جهة ، فالجهات كلها له ، وهو المشرع وحده فيه :
{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } [الأنعام : 57] .
أي أن له وحده القضاء ، وبيده وحده الفصل :
{أَلَا لَهُ الْحُكْمُ} [الأنعام : 62].
{ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر : 12] .
إن التوجه في الصلاة الى أية جهة كانت ، هي حكم الهي وضعه تعالى على المسلمين وغيرهم ، وكما أن بيده وحده وضع الأحكام ، فبيده وحده رفعها ، واستبدالها حسبما يراه بعلمه المطلق من مصالح العباد ، وما فيه كمالهم وتربيتهم ، فهو خلقهم ويعلم ما يصلحهم وما يكون سبباً في فسادهم .
وذا كان الأمر كذلك ، فتشريعه التوجه بالصلاة اولا الى بيت المقدس كان لحكمة عالية ، ووقت معلوم عنده ، وعندما تصرم ذلك الوقت ، نسخه ورفعه بحكم جديد ، وهو وجوب التوجه في الصلاة للمسلمين الى الكعبة المشرفة ، ولذا عقب سبحانه رفع ذاك ووضع هذا بقوله :
{يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .
ثم بين سبحانه الحكمة من جعل القبلة أولا بيت المقدس ، ثم نسخها وتحويلها الى المسجد الحرام فقال تعالى : {شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى} [البقرة : 143]
فالحكمة إذن ، عملية تمحيص لإيمان من يدعي الايمان ، وكشفاً لكذب اليهود الذين يجدون مكتوباً عندهم في التوراة من أن آخر نبي سوف تكون قبلته الكعبة المشرفة ، تحقيقاً لدعوة خليل الله ابراهيم (عليه السلام) وولده اسماعيل (عليه السلام) وهما يرفعان قواعدها كما أخبر سبحانه :
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [البقرة : 127 - 129] .
وقد كشف الله سبحانه عن حقيقة كذب اليهود خاصة ، وكذب أهل الكتاب عامة في شأن القبلة ، كديدنهم في مسائل أخرى ، وهو من جملة ما أخفوه من التوراة والإنجيل فقال سبحانه :
{ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } [البقرة : 144] .
ولقد كان لإرجاف اليهود وتشكيكهم أثر في بعض النفوس من المسلمين ، مما دفعهم الى التساؤل : ما حال صلواتنا وصلوات آبائنا وقد ماتوا ، تلك التي كنا قد صليناها وصلوها الى بيت المقدس ؟ فأخبرهم النبي (صلى الله عليه واله) بأنها مقبولة عند الله وسوف تثابون عليها جميعاً .
وفي هذا نزل قوله تعالى : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة : 143].
وفي خضم معركة تحويل القبلة ، الذي اعتبر صفعة لأهل الكتاب واليهود منهم بخاصة ، حيث بلبلت صفوفهم وعقولهم وكشفت أغراضهم ، وسلبت منهم ورقة كانوا يستغلونها لتشكيك المسلمين بدينهم وقيادتهم فانقلبت عليهم ، - في خضم كل ذلك – نزل قوله تعالى ليلفن أنظار الجميع الى حقيقة الأمر وجوهره ، تربية لهم وتوعية ليتوجهوا الى ما فيه خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة ، بعيداً عن التمسك بالظواهر والمظاهر والشكليات والطقوس وغيرها مما لا علاقة له بجوهر الإيمان وحقيقة الإنسان المؤمن ، وذلك بالرجوع الى أعماق نفوسهم ليراقبوها ، ويحاسبوها ، وصولاً الى تزكيتها وتنقيتها لتكون نفساً مطمئنة ترجع الى ربها راضية مرضية فتدخل في عباده وتفوز برضاه ، وتدخل جنته التي أعد للمتقين . فنزل قوله تعالى خطاباً لهم :
{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة : 177].
تولوا : أي تتوجهوا
قبل : أي جهة ، ومنه القبلة ، وهي مصداق من مصاديق الجهة .
لقد جاء الاسلام دين الله ، وفيه الهدى للبشرية ، أراد الله سبحانه من خلال تشريعاته وأحكامه ، أن يأخذ بيدها تربية وتوجيها لترتقي درجات سلم الكمال الانساني ، وتحصيل ما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة ، وأمرها أن تلتزم قولاً وعملاً بمنهجه الذي ارتضاه لها ، وتشكر النعمة المجزاة التي أتمها عليها . قال تعالى :
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة : 3] .
والنعم التي أتمها الله للمؤمنين ، إنما تكون نعماً على الحقيقة ، إذا اتخذ منها الانسان معيناً ومعيناً لتحصيل سعادته الحقيقية ، وهي الارتباط به ، والخضوع له ، وطلب رضوانه ، والسير وفق منهجه ، وإلا انقلبت الحياة شقاءاً ، واستبدلت النعمة بالنقمة .
فالإيمان اللساني إذا لم يعضده ايمان قلبي لا قيمة له عند الله ، ولذا نجده يذم أولئك الذين يقولون بالسنتهم ما ليس في قلوبهم . قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } [الصف : 2، 3].
والمقت : أشد البغض .
واعتبر أن ما ذكر في الآية من صفات المنافقين ، قال تعالى :
{يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } [آل عمران : 167] .
ونحن عندما نتأمل الآية المباركة : آية البر ، نجدها قد جمعت في كلماتها المحدودات أصول الإيمان القويم ، إن في عالم العقيدة أو في عالم السلوك ، فيتخذ المؤمن من هديها ما يجعله مؤمنا حقاً يلتزم بما هو من جوهر الايمان ، متجنباً شغل عمره بما لا يجدي نفعا ولا يوصل الى خير ، مما يتعلق بالقشور وسفاسف الأمور ، ولا يقدم للشخصية الإيمانية شيئاً ذا قيمة ، كالدخول في المهاترات ، والجدل الكلامي العقيم الذي يثيره الأعداء غالباً من أجل زرع بذور الشك في النفوس وبلبلة العقول ، لحرف المؤمن عن إيمانه ، وإنسائه لمسؤوليته الكبرى التي ألقاها الله على عاتقه عندما استخلفه في الأرض .
ولعل في ما أورده الله سبحانه في كتابه الكريم ، ما يشير الى هذه الحقيقة . قال تعالى في صفة عباده المؤمنين :
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } [الفرقان : 63] .
{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } [الفرقان : 72].
{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص : 55].
وقد ابتدأت الآية الكريمة مطرح البحث بذكر البر – بكسر الياء- .
والبر – بفتح الباء - : من اسماء الله تعالى ، ومعناه العطوف على عباده بالإحسان اليهم واللطف بهم .
وقد ورد بهذا المعنى في قوله تعالى حكاية عن أهل الجنة :
{ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور : 27، 28] .
وايضا البر ، هو من صفات المؤمن الصالح والكثير الطاعة لوالديه ، وقد ورد في مواضع عدة من القرآن الكريم ، قال تعالى في مدح نبيه يحيى (عليه السلام) :
{وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا } [مريم : 14] .
وعلى لسان عيسى (عليه السلام) .
{وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم : 32] .
والبار : من يصدر عنه البر والطاعة ، جمعه : أبرار ، وبررة .
قال تعالى :
{بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس : 15، 16] .
{ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران : 193] .
وقد ذم الله سبحانه أهل الكتاب ، الذين وجدوا في كتابيهم حقانية محمد (صلى الله عليه واله) في دعواه النبوة ، فكان بعض أخبارهم ورهبانهم ينصحون من آمن به منهم بأن يثبتوا على أيمانهم ذاك ، في نفس الوقت الذي كان فيه هؤلاء الأحبار والرهبان يكفرون بنبوته ويكذبونه . فقال تعالى مخاطباً لهم :
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة : 44] .
وقد جاءت الآية موضوع البحث لتنفي في صدرها حقيقة البر عن تولية الوجه قبل المشرق والمغرف ، لان التوجه الى الكعبة أو بيت المقدس لا يعدو أن يكون تشريعاً يجب على المؤمن اتباعه ، وتحرم عليه مخالفته إن كان مؤمنا حقيقة ، ولا داعي للدخول مع الآخرين في الجدل والخصومة حوله اتباعاً لقوله تعالى :
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص : 68] .
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب : 36] .
فالإسلام لا يعير حركات الانسان بوجهه ، أو بغيره من أعضائه أدنى اهتمام إلا بما كان يفرضه قصد امتثال أمر الله سبحانه من تلك الحركات ، كما في الحركات الصلاتية ، أو الحركات في تأدية بعض مناسك الحج والعمرة مثلاً .
وإنما اهتمام الإسلام منصب على ما ينبغي أن يلازم تلك الحركات من دوافع اعتقادية وإيمانية يستبطنها القلب فتحرك حرارة الإيمان فيه ، فتتجسد حركة واعية نحو رب العباد الذي منه المبدأ ، وإليه المنتهى والمصير .
واليهود ، الذين كانوا قد أثاروا عاصفة حقدهم عندما توجه النبي (صلى الله عليه واله) في صلاته أول الأمر بأمر الله له الى بيت المقدس ، وذلك ليحزنوا النبي وليشككوا المؤمنين بدينهم وقيادتهم – كما سبق وذكرنا – هم أنفسهم أثاروها عاصفة أخرى بنفس الحقد والعنصرية عندما توجه الرسول (صلى الله عليه واله) في صلاته بأمر ربه أيضاً الى الكعبة المشرفة ، فكشفوا بذلك عن كفرهم بالله ، الذي كان ديدنهم في كثير من الوقائع طوال تاريخهم المظلم مع أنبيائهم ورسلهم .
لقد اختبرهم الله سبحانه في مواطن كثيرة ، حيث أمرهم بتكليف حسي لا معنوي ، وكانوا في كل مرة يتمردون ويثيرون في وجه أنبيائهم عاصفة من الاعتراض والاحتجاج ، مع أنهم لو كانوا قد آمنوا حقيقة لامتثلوا ما أمروا به .
ونحن تأكيداً لما قلناه ، نذكر بعضا من هذه المواقع كما وردت في القرآن الكريم .
منها : أمر نبيهم لهم بأن يذبحوا بقرة .
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } [البقرة : 67](2).
فأثروا عاصفة في وجهه :
{قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة : 67].
فلوا كانوا يؤمنون بالله وبرسوله ، لأخذوا أية بقرة فامتثلوا أمر نبيهم بذبحها ، ولكن طبيعة العناد والتمرد عندهم ، والسفه المتحكم فيهم ، دفعهم الى الاستفصال ، وغرضهم التلكؤ في الطاعة والانصياع :
{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة : 68] .
{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} [البقرة : 68].
وهذا هو الأمر الإلهي الثاني لهم بذبح البقرة بمواصفات محددة ، فعصوا ثانية طالبين من موسى زيادة في التحديد .
{ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا } [البقرة : 69].
تأمل طلبهم السفهي لتدرك طبيعتهم السفهية ، واغراقهم في التمرد والعصيان .
كما تأمل قولهم لنبيهم : (ادع لنا ربك) ، ولم يقولوا : (ربنا) ، (أو ادع لنا الله) ، وهذا يكشف عن كفرهم ، أو عدم يقينهم بأن رب موسى هو ربهم أيضاً ، أو عن سمة التعالي والاستبكار ، التي تنم عن عنصرية كانت وما زالت طابعهم المميز :
{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة : 69].
وبعد ان استجيبت كل مطالبهم في تحديد مواصفات البقرة التي أمروا بذبحها ، طلبوا المزيد ، فرجعوا الى ما كانوا طلبوه اولاً :
{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا } [البقرة : 70] .
{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة : 71] .
لاحظوا قولهم لنبيهم أخيراً : الآن جئت بالحق ، وهو قول يستبطن اتهاماً له بأن ما جاء به في الصور الأولى لم يكن حقاً عندهم ، ودلالة ذلك واضحة على مدى عتوهم وتمردهم على الله ورسوله .
ولاحظوا أخيراً قول الحق سبحانه : {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}.
حيث يستبطن ذماً لهم بالتقصير والتسويف والتأخير بالامتثال ، مع أنهم كانوا في غنى عن هذا كله ، لو أنهم أخذوا منذ البداية أية بقرة فذبحوها ، ولكنهم ضيقوا على أنفسهم بعنادهم فضيق الله عليهم ، ولذا ورد في بعض الروايات : (لا تكونوا كبني اسرائيل ضيقوا على أنفسهم فضيق الله عليهم) (3) .
ومن القضايا التي حدثنا عنها القرآن الكريم عن عناد اليهود وعتوهم عن أوامر الله ، ما ورد في قوله تعالى عنهم :
{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } [البقرة : 58] .
قيل : إن المقصود بالقرية المذكورة : بيت المقدس ، وقيل : هي أريحا .
وقد أمروا بأن يدخلوها من باب معين – وكان لها عدة أبواب – بوضعية السجود ، قيل معناه الانحناء بصفة الركوع .
وقيل : هو كناية عن الخضوع والخشوع والتذلل لله سبحانه ، وان يرددوا حالة دخولهم بهذه الكيفية : حط عنا ذنوبنا ، فيكون امراً بالاستغفار . فكان أن عصوا في ذلك جميعاً ، فقد روي أنهم دخلوا زاحفين على أستاهم وأعجازهم ، وبدل أن يقولوا : حطة ، كما أمرهم الله : قالوا استهزاء : حنطة . وهذا ما أخبر سبحانه به عنهم : {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [البقرة : 59].
قيل : إن الرجز الذي أصابهم ، هو مرض الطاعون . فقتل الألوف منهم ، وهم الذين عصوا أمر ربهم وسخروا بآياته .
عود على بدء
هؤلاء هم اليهود وغيرهم من أهل الكتاب ، يتحمورون حول ذواتهم ، ويتعصبون لها ، ولا يؤمنون إلا بما تصوره لهم شياطينهم ، وبما تهوى أنفسهم ، حتى في تلك التكاليف التي لها جانب حسي ، نجدهم يؤطرونها في حدود حواسهم اشتهاء واستنساباً ، وفي ضوء هذا نفسر بعض موافقهم من أنبيائهم ، فها هم قالوا لنبيهم وقد مروا على قوم يعكفون على أصنام لهم :
{ يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف : 138].
وهكذا كفروا فعبدوا العجل .
وقالوا لنبيهم : {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا } [المائدة : 24].
وقالوا لنبيهم : { فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [البقرة : 61].
وقالوا لنبيهم : {إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ } [آل عمران : 183].
وقالوا لنبيهم : {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } [البقرة : 55].
وحيث غابت أو غامت صورة البر من حيث المفهوم ، وهو المنتزع للعقل من حقيقة الشيء ، وزورت هنا عن قصد أو غيره ، وأبرز في صورة شكليات ومظاهر خارجية ، حتى توهم أن مفهوم البر هو مجرد هذه الأمور ، فقد قضت الحكمة الإلهية تصحيح هذا الانحراف في مفهوم البر ، نتيجة الخلط في منشأ انتزاعه ، ولفت أنظار المؤمنين الى حقيقته الأصلية ، فجاء اولا النفي لكون البر هو مجرد تولية الوجه قبل المشرق والمغرب وغيرها من المظاهر والشكليات : {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة : 177] .
ثم الشروع تالياً ببيان حقيقة البر عند الله :
{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } [البقرة : 177] .
وأنت عندما تتأمل في مضمون فقرات هذه الآية الكريمة ، تجدها وقد اشتملت على أركان البر التي إذا توافرت في انسان كان مؤمنا باراً .
ومن هذه الأركان ما يتعلق بالعقيدة ، ومنها ما يتعلق بالشريعة والسلوك العملي ، وكل واحد منها يشتمل على عدة مفاصل تشكل بمجموعها عند تحققها مفهوم البر وحقيقته ، واذا فقد واحد منها ، انتفت حقيقة البر لانتفاء ركن من أركانه .
وأول ما بدئ به منها هنا ، ما يتعلق بعالم الاعتقاد .
وأول ركن من أركان البر في العقيدة بحسب منطوق الآية الكريمة : الإيمان بالله .
{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ } [البقرة : 177].
وإنما كان الايمان بالله الواحد الركن الاول من أركان البر فيما يعود الى عالم العقيدة ، لأنه المنسجم مع الفطرة السليمة التي يولد الإنسان معها وعليها لن تزول عنه أول تحول :
{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } [الروم : 30] .
وفي الإيمان بالله الواحد خير كثير للإنسان ، لأنه يعصمه من التيه والضلال .
فالإنسان بلا إيمان بالله الواحد ، كائن لا يعرف له مبدء ولا منتهى ، يعيش حياته خبط عشواء ، ويتحرك بلا منهج يستهديه ، ولا نظام صالح يسير وفقه ، تتحكم فيه غرائزيته وشهواته ، فينقلب وحشاً يعتدي وينتهز ويستغل .
وفي المقابل ، إيمانه بالله الواحد ، يرتفع به الى قمة التحرر الوجداني والعملي ، من كل عبودياته لنفسه الأمارة بالسوء ، ومن عبوديته لغيره من الطغاة والجبابرة عبر التاريخ ، ويخلصه من عقيدة الشرك بعبادة غير الله من صنم أو طوطم مما لا يضر ولا ينفع . قال تعالى مجليا هذه الحقيقة :
{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا } [الأنعام : 71] .
{يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} [الحج : 12] .
{قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء : 71 - 73].
والجواب : كلا ، إذ فاقد الشيء لا يعطيه ، فإن هذه الأصنام وغيرها مما يعبد من دون الله ، هي غير قادرة على أن تجلب لنفسها نفعاً ولا تدفع عنها ضراً .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } [الحج : 73].
وإيمان الانسان بالله الواحد ، يربطه بعالم القيم من الصدق ، والعفة ، والوفاء ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفحشاء والكذب وقول الزور ، والخيانة ، والضعف ، والذل والاستكانة للظالمين .
والإيمان بالله يربط العبد بربه المتصف بكل صفات الجلال والكمال ، الخالق البارئ المصور ، الملك القدوس السلام المؤمن العزيز الجبار ، القادر القاهر ، الرحمن الرحيم ، اللطيف الودود ، المحيي والمميت ، والباسط والقابض ، الرزاق الغني ، المعز المذل .
والإنسان عندما يؤمن بهذا الإله العظيم ، يستند الى القوة التي لا تدانيها قوة في هذا الكون ، فيشعر بالقدرة على تجاوز الصعاب والعقبات التي قد تعترضه في الحياة ، ما دام مرتبطاً بالقدرة المطلقة ، وكل ذلك الذي ذكرناه هو من البر الذي هو جماع الخير .
والعجيب ، أن الركن الأول من أركان البر ، الذي أرساه الله هنا ، جاء في سياق الحديث عن أهل الكتاب ، واليهود منهم بخاصة ، وفي ذلك نكتة تلوح لي ، هي – والله العالم- الإيماء الى أن هؤلاء الذين طالما تبجحوا بأنهم أبناء الله وأحباؤه ، لم يؤمنوا بالله أبداً ، ولا بشيء من أسمائه الحسنى وصفات جلاله وجماله ، تلك التي لها دخالة في تحقق جوهر البر في النفس الانسانية .
وأنت عندما تراجع كتابهم (المقدس) ، التوراة (4) الرسمية ، وهو ما يسمى بالعهد القديم ، فلن نجد فيه إلا إلها له صفات البشر وحالاتهم ، إلها متعطشا لدماء مخلوقية ، يخاف منهم لا عليهم ، كما يخافون ، ويتعب كما يتعبون ، ويحقد كما يحقدون ، ويجهل كما يجهلون ، ويمارس الفواحش ، إلها عنصرياً يدافع عن أتباعه ويقودهم ليسفكوا دماء من ليس على ملتهم من بقية الناس فيسفكها معهم ، بلا رحمة .
الركن الثاني من أركان البر : الإيمان باليوم الآخر
وهو اليوم الذي يحشر الله فيه الخلائق للحساب ، فيثيب المحسن ويعاقب المسيء ، ويقتص فيه للمظلوم من الظالم ، وهو حساب ميزانه العدل الإلهي .
وهنا نكتة لها دلالتها ، حيث ذكر الإيمان باليوم الآخر مباشرة بعد ذكر الإيمان بالله ، ومدلولها ربط المنتهى بالمبدأ ، فمنه سبحانه مبدأ الخلق ، ومرجعه اليه أيضاً ، فمن آمن بالمبدأ آمن بالمنتهى ، ومن كفر بالمبدأ كفر بالمنتهى وهو اليوم الآخر .
{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة : 281] .
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً.. } [الفجر : 27، 28] .
{إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق : 8] .
{ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [البقرة : 210] .
{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } [آل عمران : 83] .
والانسان من خلال عقيدته باليوم الآخر ، يعيش مع حقيقة مائلة أمامه باستمرار ، ألا وهي ثواب الله وعقابه في ذلك اليوم على ما قدمت يداه فيا لدنيا ، التزاماً بدينه ، أو انحرافاً عنه .
ان مثل هذا الاعتقاد ، سوف يجعله دائما في صراط الله ، باندفاع الى العمل وفق ما أمر به الله سبحانه ، وانزجار عما نهى عنه ، فإذا تكلم قال خيرا ، ونطق صدقاً ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وإذا تحرك كانت حركته في طاعة ربه بإغاثة الملهوف ، ونصرة الضعيف ، والوقوف في وجه الظالم ، يحجز نفسه في حركته عن الدخول في ظلم الآخرين ، أو العدوان عليهم ، ويأنف عن الخيانة ، ويحفظ الأمانة ، ويحفظ فرجه وبطنه عن الحرام ، ولا يدخل في فتنة ، ويتمحور قصده ومشاعره حول محبة اخوانه في الله ، والإحسان اليهم ، والوقوف معهم في السراء والضراء انطلاقاً من توجيهات الله سبحانه في كل ذلك .
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } [الحجرات : 10] .
{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء : 58] .
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل : 90].
{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [سورة الزلزلة ، الآيات : من 4 الى 8 ].
.
{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء : 32] .
{وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ } [البقرة : 191] .
{وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة : 190] .
{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة : 2] .
{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة : 83] .
فكل ما يولده الايمان باليوم الآخر مما ذكرناه وغيره من الأعمال الصالحة للإنسان المؤمن ، هو من البر الذي فسر أنه جماع الخير ، ولذا وسم الأبرار به في قوله تعالى : {ان الأبرار . . . إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان : 10، 11].
الركن الثالث من أركان البر : الإيمان بالملائكة
الملائكة : جمع ملك .
وهم مخلوقات لله من نور ، جعلهم وسائط ورسلاً بينه وبين العالم المحسوس ، عباد مكرمون ، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، في عالمي التكوينات أو الشرعيات . يحملون أنواع النغم الإلهية الى الخلق ، مكا هم وسائط لإنزال نقم الله على من استحق العذاب منهم .
وهم مراتب ودرجات .
والملائكة ، من عالم الغيب الذي أخبر عنه الله سبحانه ، وعلى الانسان الذي آمن بالله واليوم الآخر أن يؤمن بما أخبر به ومنه الملائكة ، وما حدد لهم من أدوار في هذه الدنيا وفي الآخرة . ومن هذه الأدوار أن يكونوا حفظة لهذا المخلوق ، يحصون عليه أقواله وأفعاله من خير وشر . فإذا آمن الانسان بكل ذلك ، وعرف بأن الملائكة يلازمونه في كل حال من أحواله ، انجز عن المعاصي ، وجد في الطاعات ليسجلها الحفظة فيشهدون بين يدي الله له لا عليه ، وهذا من وجوه لطف الله بعباده ، وتربيته لهم على البر والعمل به ، والبر هو جماع الخير . قال تعالى :
{جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا } [فاطر : 1] .
{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد : 11] .
{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق : 4] .
{وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً } [الأنعام : 61] .
ثم ان المؤمن بالملائكة ، يؤمن بالله من وظائفهم الاستغفار لمن آمن وتاب من بني الانسان ، فيكون هذا حافزاً له على الطاعة ، طامعاً بأن يدخل إن هو عصى بحكم ضعفه البشري ثم تاب ، في من يشمله دعاء الملائكة واستغفارهم . قال تعالى : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [غافر : 7-8]) .
ولا بأس بالتنبيه هنا أن اليهود ، وهم عبدة الحس والمظاهر والشكليات ، جهروا بالعداء للملائكة كجهرهم بالعداء لكل نبي كان يأتي بما لا تهوى أنفسهم فيقتلونه أو يكذبونه ، ولذا ورد القرآن بذمهم وحكم بكفرهم وعداوته لهم .
{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة : 87] .
{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة : 97، 98].
الركن الرابع من أركان البر : الإيمان بالكتاب
الكتاب : اسم جنس يشمل كل ما أنزله الله تعالى على رسله وأنبيائه عبر العصور ، وخاتمها القرآن الكريم .
والمؤمن بالله الواحد ، واليوم الآخر ، والملائكة ، ليقبل إيمانه ويصح ، لابد وأن يؤمن بكل ما أنزل الله من كتب على أنبيائه ورسله .
والايمان بالكتاب ، اضافة الى الايمان بكونه من عند الله ، إيمان بكل ما فيه من أوامر ، ونواهي ، وتشريعات ، وأحكام ، وأمثال ، وأخبار ، وعظات ، وحكم ، وقضايا غيبية .
وهذا كله من البر الذي هو جماع الخير .
قال تعالى :
{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } [البقرة : 4] .
{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ} [البقرة : 285] .
{ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء : 136] .
{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ } [التحريم : 12] .
وأهل الكتاب لم يلتزموا بمثل هذا الايمان ، بل إضافة الى كفر اليهود بكل من الإنجيل والقران ، واضافة الى كفر النصارى بالقرآن ، فإنهم جميعاً حرفوا التوراة ، وحرفوا الانجيل ، فكتب اليهود توراة من عند أنفسهم ، والنصارى كتبوا أناجيل من عند أنفسهم أيضاً ، وهؤلاء وأولئك نسبوا ما كتبوه بأيديهم الى الله افتراء عليه (5) ؟
{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة : 79] .
{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران : 78].
{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ..} [المائدة : 41].
{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } [النساء : 46].
وعليه ، فهؤلاء جميعاً ليسوا على شيء من البر الذين هو جماع الخير .
الركن الخامس من أركان البر : الإيمان بالنبيين
النبيون والأنبياء : جمع النبي .
فالبار : هو الذي يؤمن إضافة الى ما تقدم ، بأنبياء الله ورسله جميعاً ، ومعنى ذلك أن المطلوب هنا هو الايمان بالمجموع بما هو مجموع .
{قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران : 84].
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء : 150 - 152].
والايمان بالأنبياء والرسل والرسالات جميعاً ، فيه كل الخير للمؤمن ، لأنه يشعره بامتداد شخصيته عبر القرون والأجيال التي عاصرها أولئك الأنبياء ، مطلعا على صدقهم مع الله ، وجهادهم في سبيل إعلاء كلمته ، وحصرهم على هداية من أرسلوا اليه الى طريق الحق ، والأخذ بأيديهم الى ما فيه خيرهم ورشادهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة ، مدركا أنه وارث لكل تلك القمم والمنارات الشامخة في تاريخ البشرية ، وفي ذلك انعتاق له من أسر الزمان والمكان ، فلا يعود متقوقعاً ضمن حيز العصر الذي يعيش فيه ، والمكان الذي يحتويه ، وسوف يجد نفسه مندفعاً ينافح ويكافح عن قيم السماء التي جاهد أولئك المصلحون الربانيون في سبيل إرسائها ، وداعياً الى الله سبحانه في أسرته وقومه ومجتمعه ، حاملاً راية الاصلاح من أجل تغيير الواقع الفاسد وصولاً الى قيام المجتمع العابد في الارض .
وهذا من البر الذي هو جماع الخير .
والايمان بالنبوات والنبيين ، أمر أنكره أهل الكتاب وغيرهم إلا قليلا منهم ، فكذبوهم ، ونكلوا بهم ، وقتلوا كثيراً منهم ، وانهموهم بأقبح الأمور ، فرموهم بالفحشاء ، وصوروا بعضهم بأنهم زناة حتى ببناتهم وذوي قراباتهم (6) ، وأثبتوا ذلك في بعض كتبهم (المقدسة) ، التي كتبوها بأيديهم ونسبوها الى الله افتراء عليه .
كانت هذه جولة في رحاب آية البر حول ما يتعلق بعالم البر في جانب الاعتقاد .
ثم التفتت الآية الكريمة لتتحدث عن البر في جانب الشريعة والأعمال والسلوك الإيماني بشكل عام ، انسجاماً مع منطق الاسلام بضرورة التطابق بين فكر الانسان وسلوكه في الحياة ، وتناغم العقل النظري ، وهو معرفة ما ينبغي أن يعلم ، مع العقل العملي ، وهو معرفة ما ينبغي أن يعمل ، وذلك من خلال اهتمام دين الله تعالى ببيان أن لا إيمان بلا عمل ، ولذا نجد القرآن الكريم يؤكد ويكرر الاقتران في أكثر من سبعين آية بين الإيمان والعمل الصالح .
منها : قوله تعالى :
{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ } [البقرة : 25] .
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [البقرة : 82].
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ } [البقرة : 277].
{مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا } [البقرة : 62] .
{ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} [آل عمران : 57] .
{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } [التوبة : 105].
وكما كان للبر في جانب الاعتقاد أركان ، فإن له في جانب العمل أركاناً أيضاً نص عليها في الآية الكريمة مطرح البحث .
وقد شرعت بذكر الركن الأول : هو الانفاق المندوب اليه . قال تعالى :
{ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة : 177].
آتى : أعطى .
المال : كل ما له مالية يتزاحم عليه الناس ، سواء كان نقدا او عرضاً .
اليتامى : جميع يتيم ، وهو من فقد أباه ولم يبلغ الحلم ، إذ لم يتم بعد احتلام .
المساكين : جمع المسكين ، وهو أسوأ حالا من الفقير .
ابن السبيل : من كان في غير وطنه وانقطعت به السبل .
السائلون : جمع السائل ، وهو المستعطي بكفه .
الرقاب : جمع الرقبة ، وهي العبد ، تحت الشدة كان أو لا ، يشتريه المؤمن ثم يعتقه تقرباً الى الله تعالى .
{ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ }.
قالوا في مرجع الضمير في (حبه) وجوها (7) .
منها : أن الضمير يرجع الى الله سبحانه ، أي يعطون المال حباً لله ، وخالصاً لوجهه ، وطلباً لرضاه .
ومنها : رجوعه الى (من آمن) ، أي المعطي .
ومنها : رجوعه الى الايتاء ، الذي دل عليه قوله تعالى : (وآتى) ، أي على حب المعطي للإعطاء .
ومنها : رجوع الضمير الى المال المغطى ، أي على حب المال ، والمعنى : (هو أن تعطيه وأنت صحيح تأمل العيش وتخشى الفقر ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الروح الحلقوم ، قلت : لفلان كذا ولفلان كذا) .
والراجح عندي- والله العالم – ان الضمير راجع الى المال ، وهو الوجه الأخير ، ويؤيده- اضافة الى أن لفظ المال هو المرجع الأقرب والصالح للعود عليه – قوله تعالى : {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران : 92].
وقوله تعالى : {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر : 20].
وقوله تعالى حاكياً عن الانسان :
{ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات : 8].
وسمى الله سبحانه المال خيراً ، مع علمنا بأنه قد يكون شراً وخبيثاً وحراماً ، وذلك لأن نوع الناس يعدونه خيراً ، كما عبر الله سبحانه عن القتل في سبيله فسماه سوء فقال :
{ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } [آل عمران : 174] .
مع أنه من أعظم العبادات في الاسلام ، وهو ليس سوء عند الله ، بل لأن الناس سموه كذلك (8) .
ولكن ، ليس كل بذل للمال كيفما اتفق هو الذي يحث الله عليه ، وإنما ما يكون بذله إحساناً ومعروفاً ، كان يقضي به حاجة أخيه المؤمن ، أو صلة لرحم ، أو كفالة ليتيم ، أو اغاثة لملهوف حتى ولو كان على غير دينه ، إذ في كل كبد حرى أجر ، أو تجهيزاً لمجاهد في سبيل الله ، أو حفاظاً لماء وجه فقير ومسكين متعففين عن السؤال ، أو اعانة لمريض على استشفاء أو دواء ، أو انشاء لمدرسة أو ميتم ، أو مأوى للعجزة ، أو أي مشروع خيري يسد به حاجة لمجتمعه ، وهكذا .
كل ذلك ، بشرط أن يكون دافعه في هذا البذل طلب رضا الله ، والتقرب اليه ، طمعاً في عفوه ومغفرته ورحمته ، لا طمعاً بنيل غرض دنيوي ، من رياء وسمعة ، أو جاه وسلطان ، أو غيرها من الأغراض الدنيوية الزائلة ، وإنما التزود بما يغني لسفر طويل وشاق الى آخرة باقية لا تزول . قال تعالى :
{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة : 197].
أي تزودوا بالعمل الصالح ، استعدادا لسفركم الطويل الى الآخرة .
{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء : 88، 89] .
وما ذكرناه شرط لقبول الله سبحانه للإنفاق ، قبل حصوله أو مزامناً له .
ولكن يوجد شرط لقبول الله سبحانه للإنفاق لاحق له ، وهو أن لا يتبع الانسان صدقته وإنفاقه بما يحبط عمله ، وذلك كالمن والأذى على المعطى وله ، فيذهب ماله هباء .
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا } [البقرة : 264].
وفي مقابل هذه النتيجة العقيم ، يضرب الله مثلا فيه نماء وزكاة وبهجة ، لمن ينفق من ماله بالقصد الطيب الذي ذكرناه ، وهو التقرب الى الله طلباً لرحمته . قال تعالى :
{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة : 265].
{ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة : 262].
ولم يكتف الاسلام بحث المؤمن على الانفاق من ماله قاصداً وجه الله سبحانه ، بل حثه على أن يكون عطاؤه من جيد ما يملك لا من رديئه ، ومن خالصه لا من مغشوشة . قال تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة : 267] .
وحذرهم من وساوس الشيطان وتسويلاته ليحول بينهم وبين الانفاق في الخير والإحسان . قال تعالى :
{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 268] .
ومن الواضح ، ان دعوة المؤمنين للبذل من خيار ما يملكون في سبيل الله ، يكشف عن مدى صدق الباذل له مع الله ، وفهمه العميق بأن المالك الحقيقي لنفسه وماله ، ولهذا الكون بمن فيه وما فيه إنما هو الله سبحانه ، وأن ملكية من عدا الله لا تعدو أن تكون ملكية اعتبارية ، وأن الانسان مستخلف من قبله سبحانه على ما بين يديه من مال كما قال تعالى :
{ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد : 7].
وهذا الأجر الكبير الذي يعد الله تعالى هؤلاء المنفقين هو دنيوي وأخروي ، أما الدنيوي فهو أنه سبحانه يعد بأن يخلف المنفق في جهات الخير تقرباً اليه ما أنفقه . قال تعالى :
{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [سبأ : 39].
وأما الأخروي فهو الجنة .
وكأن الله سبحانه أراد أن يلفت نظر الانسان المؤمن الى حقيقة مؤكدة فيقول له : إن كنت تكافئ او تكافأ في هذه الدنيا ببذل مال تقرباً الي ، فأنا أكافئ على البر بالمغفرة والجنة .
وعليه ، فالانسان المؤمن ، يبذل ما هو زائل رجاء ما هو باق ، وما هو مؤقت بما هو خالد تصديقاً بوعد ربه ، وبهذه الروح المعطاة ، يتحرك المؤمنون الصادقون .
وقد وردت في السيرة صور تعكس ما ذكرناه من اندفاع لطلب الباقي ببذل الفاني ، وكل من وما عليها فان :
{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن : 27] .
ومن هذه الصورة المشرقة ، أن أبا ذر رضوان الله عليه كان لديه إبل لها فحل هو أحب ماله اليه ، فجاءه ضيف في أحد الأيام ، فقال له أبو ذر : أخرج الى إبلي فاختر خيرها لتذبحه ، فخرج الرجل ثم عاد بناقة مهزولة ، فلما رأى أبو ذر ما جاء به الرجل قال له : لقد خنتني ، فقال له الرجل : يا أبا ذر ، لقد رأيت خير إبلك فحلا وقدرت حاجتكم اليه .
فقال له أبو ذر : إن يوم حاجتي اليه يوم أوضع في قبري !!! .
فموقف أبي ذر وأمثاله من الأبرار ، كان ثمرة للتربية الربانية طبق المفاهيم السامية في ضوء كتاب الله سبحانه ، الذي ركز في النفوس الصافية فلسفة الانفاق في البر ، والانعتاق من أسر حب المال والذات ، والتمحور حولها ، والإغراق في الشهوات واللذات حتى ينسى الانسان آخرته . قال تعالى : { يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة : 215].
{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [البقرة : 271].
{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } [البقرة : 272].
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة : 274].
وقد جعل الله الانفاق في وجوه الخير من جملة صفات المتقين المفلحين .
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة : 2 - 5] .
وفي نفس الوقت الذي حث فيه القرآن على الانفاق والبذل في سبيل الله ، حذر من مغبة البخل والشح كمرض نفسي خطير له آثاره المدمرة على صعيد الأمم والأفراد . قال تعالى : {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ } [النساء : 128].
{ وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن : 16].
وقرر أن الشح من صفات المنافقين ، وأنه موجب لحبط الأعمال :
{ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} [الأحزاب : 19] .
كما ورد في السنة الشريفة ذم حب الانسان للمال ، وحرصه على الدنيا بشكل يغرقه فيها وينسبه الآخرة .
فعن رسول الله (صلى الله عليه واله) : (ان الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم) (9) .
وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : (إن الشيطان يدير ابن آدم في كل شيء ، حتى إذا أعياه ، جثم له عند المال فأخذ برقبته) (10) .
وعنه (عليه السلام) : (ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها ، واحد في أولها وهذا في آخرها فأفسد فيها من حب المال والشرف في دين المسلم) (11) .
والذي يظهر من الآية مطرح البحث أن كل ما ذكر فيها من وجوه الانفاق في البر ، أن المقصود منه خصوص الانفاق المستحب ، في قبال الانفاق الواجب بقرينة ذكر الزكاة فيها بعد قليل ، وهي من العبادات المالية .
ثم واصلت الآية الكريمة بيان مواصفات الانسان البار في مجال السلوك والأعمال . قال تعالى :
{وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ } [البقرة : 177] .
والصلاة عبادة بدنية ، والزكاة عبادة مالية .
وقد وردت الصلاة مقرونة بالزكاة في عشرات الموارد في القرآن الكريم . وقال تعالى في آية أخرى :
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة : 43].
وهما معاً من خصائص الأبرار .
وما من مورد ذكرت فيه الصلاة في كتاب الله ، إلا واقترنت بها كلمة قام ومشتقاتها .
وتدور معاني هذه الكلمة بمشتقاتها حول النهوض ، وانتصاب القامة ، والاعتدال ، والكمال بمعانيها المادية أو المعنوية ، فيقال : قام الى الصلاة : نهض منتصباً دون عوج أو التواء ، مع عزم عليها ، والتزم بأعبائها كاملة ، وأدائها بشروطها وأركانها وأجزائها بجد واجتهاد .
ومن إقامة الصلاة أداؤها بخشوع واخلاص وتوجه الى الحق سبحانه ، الذي يقف المصلي بين يديه في صلاته . قال تعالى : { وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف : 29].
وقد ورد (12) في السنة الشريفة ، أن ليس للإنسان من صلاته إلا ما أقبل به منها على ربه .
وإقامة الصلاة بهذه الحيثيات ، عبادة فوق مجرد التولي جهة المشرق والمغرب ، وإنما هي توجه الانسان بكليته الى ربه قلباً وقالباً ، ظاهراً وباطناً ، بجسمه وعقله وروحه ، من خلال تدبره في ما اشتملت عليه من حركات ، فالقيام وقوف مؤدب مستسلم بين يدي جبار السماوات والأرض ، قارئاً آيات الله في كتابه ، متدبراً معانيها ومراميها ، تتسامى روحه من خلالها نحو كمالها لترتبط بمصدرها فتطمئن لترجع اليه راضية مرضية ، ويختلج قلبه خوفاً منه وطمعاً في غفرانه ورحمته ، ويتفاعل عقله معها فيلتذ بمناجاة مقلب القلوب والأبصار ، مبتهلاً اليه ، طالباً تثبيته على الإيمان والإذعان :
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } [آل عمران : 8] .
{يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور : 37].
وهو في ركوعه خاضع بجوارجه وجوانحه لربه ، وفي سجوده يستشعر الذلة بين يديه ، والحرية الكريمة بعبوديته له ، مردداً في أعماقه كلمة إمام المتقين علي (عليه السلام) : (الهي ، كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً ، وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً . . . ) (13) .
بهذه الروح ، وهذه المشاعر تكون الصلاة الاسلامية بحق ، ناهية عن الفحشاء والمنكر :
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } [العنكبوت : 45] .
وتكون الصلاة أيضاً (معراج المؤمن) و(قربان كل تقي) و(عمود الدين) .
وكل ذلك من المؤمن وللمؤمن خير ، والبر هو جماع الخير .
وأما إيتاء الزكاة المفروضة ، فقد تكرر الأمر بها في كتاب الله تعالى عشرات المرات ، فهي تطهير ونماء للإنسان المؤمن وماله ، قال تعالى :
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [التوبة : 103] .
والزكاة في الاسلام عبادة مالية ، يؤديها المؤمن بشروط وأحكام خاصة ومقادير ، محددة في الشريعة الاسلامية ، في مصارفها التي ورد تعدادها في قوله تعالى : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة : 60].
والمقصود بالعاملين على الزكاة : سعادة الزكاة وجباتها .
والمقصود بالمؤلفة قلوبهم : قوم من الأشراف كانوا في زمن النبي (صلى الله عليه واله) ، كان يعطيهم (صلى الله عليه واله) سهماً من الزكاة ليتألفهم على الاسلام ، ويستعين بهم على قتال العدو ، (ثم اختلف في هذا السهم ، هل هو ثابت بعد النبي (صلى الله عليه واله) ، فقيل هو ثابت في كل زمان ، عن الشافعي ، واختاره الجبائي ، وهو المروي عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) إلا أنه قال : من شرطه أن يكون هناك إمام عادل يتألفهم على ذلك به . . . ) (14) .
والمقصود بالعارمين ، : أولئك ركبتهم الديون من المؤمنين في غير معصية ولا إسراف ، فتقضى عنهم من الزكاة .
وقد شرحنا المراد ببقية المصطلحات سابقاً .
فإيتاء الزكاة المفروضة من المؤمن هو من البر ، وصرفها في مصارفها المحددة لها هو بر أيضاً ، والبر هو جماع الخير .
ونكمل المشوار مع هذه الآية الكريمة ، فهي تنعطف الى بيان مواصفات الابرار في عالم الأخلاق بعد بيانها تلك المتعلقة بعالم الاعتقاد والأعمال والسلوك فقالت : {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة : 177] .
(بعهدهم) العهد هنا مطلق ، يشمل بإطلاقه كل موعد واعدها الانسان المؤمن ، وكل قول قاله عازماً عليه جازماً به ، وكل عقد أبرمه في معاملاته ، وكل نذر فيفي به ، أو يمين فلا يحنث به . فالعهد : هو الموثق الذي تجب مراعاته ، والعقد الذي يجب الالتزام به .
وقد اهتم الاسلام بضرورة الالتزام بالعهود والعقود والمواثيق . قال تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة : 1] .
وإنما اهتم الاسلام بذلك ، حتى تستقيم الحياة الاجتماعية على وتيرة من الثقة المتبادلة بين الناس في تعاملهم مع بعضهم البعض ، وإلا فسوف يحصل الارتباك والتنازع ، ويحدث الهرج والمرج ، وتتزلزل الحياة الاقتصادية ، وتتخلخل البنية الاجتماعية .
وأعظم العهود وأخطرها ، وأحراها بالالتزام والوفاء ، هو عهد الله وميثاقه الذي واثق الانسان به منذ خلقه ، وأمره بالالتزام به ورعايته ، وحذر بني آدم من نقضه والتملص منه ، وذم بشدة من يفعل منهم ذلك . قال تعالى :
{وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الأنعام : 152] .
{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ } [الرعد : 20] .
{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء : 34] .
{ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } [البقرة : 40] .
{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [البقرة : 27].
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران : 77].
وأمر الله تعالى المؤمنين أن يفوا بعهودهم ومواثيقهم حتى لأعدائهم من الذين يحاربون الله ورسوله ، وعد ذلك من البر والتقوى ، قال تعالى :
{إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } [التوبة : 4].
ومدح الله أنبياءه بكثرة صدقهم ، فوصفهم بالصديقين ووفائهم بالعهد . قال تعالى :
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } [مريم : 54] .
{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [مريم : 41] .
{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [مريم : 56] .
{وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم : 50].
وقد ورد في السنة الشريفة عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام) :
(ان الله عز وجل لم يبعث نبياً إلا بصدق الحديث . . . ) (15) .
وعنه (عليه السلام) :
(إنما سمي اسماعيل صادق الوعد ، لأنه واعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة . . . ) (16) .
{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة : 177] .
من اللافت للنظر هنا ، أن ما ذكر سابقاً من أوصاف الأبرار ، جاء كله مرفوعاً ، بينما جاء هنا منصوباً ، فقال : والصابرين ، والنصب هنا على المدح والثناء ، وتقديره : واخص الصابرين ، أو أعني الصابرين .
وهذه اللفتة الخاصة للصابرين ، بسبب تميزهم مطلقاً ، سواء عند نعمه سبحانه ، أو ابتلاءاته ، بنفس قوية لا تحيط من عزيمتها الصعاب والعقاب .
ولقد مدح الله سبحانه في آيات عديدة من كتابه المجيد ، الصبر والصابرين ، وجعل الصبر من صفات المؤمنين الأبرار ، والمتقين الأخيار ، وفي طليعتهم الأنبياء والأوصياء .
قال تعالى على لسان يعقوب (عليه السلام) :
{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف : 18] .
وأمر بالصبر :
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ } [البقرة : 45] .
{قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [البقرة : 250] .
{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل : 127] .
{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى : 43] .
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف : 35] .
{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 153] .
{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف : 90].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } [آل عمران : 200].
وقد ورد في السنة الشريفة ، أن (الصبر رأس الإيمان) (17) . وأن (من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه ، كان له مثل أجر ألف شهيد) (18) .
والبأساء والضراء : مصدران كالبؤس والضر ، وهما الشدة والضنك والمصاعب والابتلاءات التي يتعرض لها الانسان في الحياة ، كالفقر ، والمرض ، وفقد الأحبة وما شابه .
والبأس : الحرب ، والقتال في سبيل الله ، ومخاطرهما .
والسر في جعل الله سبحانه للصبر هذه المنزلة ، والاهتمام بشأنه ، والحث على التحلي به ، هو علمه المطلق بالحياة ومنا فيها من شدائد ومحن ومصائب ، سوف تعترض هذا المخلوق ، وإنها ليست عسلا مصفى ، وإنما هي طريق مفروش بالأشواك والمطبات ، فكان الصبر نعمة للإنسان ، يربي نفسه من خلال التحلي به بإعدادها كي لا تقع في الاحباط واليأس ، فتذهب حسرات عند كل فاجعة أو نازلة ، وتنهار أمام الشدائد والمفاجآت التي تتربص به عند كل منعطف ، بل تتجمل بالصبر وتتجلد كي تنهض بأعباء المسؤولية الكبرى التي أناطها الله تعالى بها عندما استخلفه في هذه الأرض ، رائداً للحضارة ، وصانعاً للمجتمع العابد .
فالصبر ، فيه كل الخير لهذا المخلوق ، إنه التجمل والتحمل والثبات حتى يفرج الله الغمة ، ويستبدل العسر باليسر ، والخوف بالأمن ، والمرض بالصحة ، والشقاوة بالسعادة ، إيماناً بوعد الله الصادق :
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } [الشرح : 5، 6] .
{وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا } [النور : 55] .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 153] .
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [البقرة : 155 - 157].
نهاية المطاف
إن أوصاف الأبرار التي أوردتها هذه الآية المباركة ، لما كانت شاملة عامة وجامعة لفضيلتي العلم والعمل به ، في العقيدة والسلوك والأخلاق ، من الانفاق والطهارة والاخلاص والشجاعة والصبر واليقين والصدق والتقوى ، والبعد عن الرذائل ، من البخل والحرص والجبن والرياء والخبث والشك والخديعة والرياء والخيانة ، واتباع خطوات الشيطان والانقياد لوساوسه وغروره وخدعه – لما كانت هذه سمات الأبرار – انطبق عليهم ما ختم به سبحانه هذه الآية ، بحمك قاطع نطق به الحق :
{أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة : 177].
حيث أطلق صفتي الصدق والتقوى عليهم من دون قيد .
فإن أردت أن تكون منهم وفيهم وبينهم ، فما عليك إلا أن تتحلى بأوصافهم ، ولن تكون كذلك ، إلا إذا حققت في نفسك كل أركان البر التي استعرضناها من خلال آية البر هذه .
__________________________
(1) من لايحضره الا الفقيه ، للشيخ الصدوق ،1/الباب 42 من ابواب القبلة ، ح3.
(2) راجع هذه الحادثة مع الداعي الى أمرهم بذبحها ، في سورة البقرة من الآية 67 الى الآية 73 .
(3) راجع في هذا المعنى تفسير العياشي ، عن الإمام علي الرضا (عليه السلام) .
(4) راجع كتابنا (اليهودية ليست ديانة توراتية) دار الهادي ، بيروت .
(5) راجع كتابنا (اليهودية ليست ديانة توراتية) دار الهدى ، بيروت .
(6) راجع كتابنا (اليهودية ليست ديانة توراتية) دار الهادي ، بيروت .
(7) راجع في هذه الوجوه تفسير مجمع البيان للطبرسي ، 1/263 ، دار إحياء التراث العربي .
(8) راجع مجمع البيان ، م . ن ، 2/ 541 ، و5/530 .
(9) أصول الكافي ، لثقة الاسلام الكليني ، 2/304 باب حب الدنيا والحرص عليها .
(10) المصدر السابق .
(11) المصدر السابق .
(12) راجع وسائل الشيعة ، 4/ الباب 3 من أبواب أفعال الصلاة .
(13) كنز الفوائد ، للكراجكي ، ص/181 .
(14) راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي ، 3/42 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
(15) راجع أصول الكافي ، م . س ، 2/ باب الصدق وأداء الأمانة ، ح1 و7 .
(16) المصدر السابق .
(17) أصول الكافي ، م . س ، 2 ، باب الصبر ، ح1 و17 .
(18) المصدر السابق .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|