الحسيب - سريع الحساب - أسرع الحاسبين - سريع العقاب - شديدُ العقاب. |
9186
10:30 مساءاً
التاريخ: 17-12-2015
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-12-2015
4808
التاريخ: 25-09-2014
5002
التاريخ: 24-11-2014
5214
التاريخ: 9-11-2014
5177
|
تشير الصفات الخمس المذكورة أعلاه، والتي هي من صفات الفعل، إلى مسألتي الحساب والعقاب بصورة عامّة، وتُعدُّ تحذيراً للعباد ليُراقبوا أعمالهم خشية اقتراف الذنوب والتخلُّف عن أداء الوظائف والتعدّي على حقوق الآخرين، ولا ينسوا في حالات الضعف والقدرة، والفقر والغنى، حقيقة كونهم دائماً بين يدي اللَّه الحسيب، سريع العقاب، وشديد العقاب، وقد وردت هذه الصفات الإلهيّة في آيات قرآنية عديدة، لنتأمل في قسم منها خاشعين :
1- {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (1). (النساء/ 6)
2- {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (2). (البقرة/ 202)
3- {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} (3). (الأنعام/ 62)
4- {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}. (4) (الأنعام/ 165)
5- {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (5). (البقرة/ 196)
جمع الآيات وتفسيرها
كلمة (حسيب) مشتقّة من مادّة (حساب)، وقد ذُكر في مقاييس اللغة عدّة معانٍ لها هي :
العدّ، الكفاية، و (حسبان) تعني نوع من الوسائد الصغيرة، و (أحسَبْ) تعني مرض جلدي، لكنّ كتاب التحقيق أرجع جميع هذه المعاني إلى معنىً واحد وهو البحث للإطلاع على حال شيءٍ معيّن والتحقيق عنه، ولكون العدّ وسيلة لتحقُّق هذا المعنى كما أنّ الكفاية من لوازمه ونتائجه، فإنّها استُعملتْ في هذا المجال أيضاً.
فكلمة (حسب) على وزن نسبْ، تعني كون الآباء والأجداد ذوي شخصيّات ومقامات يُمكن ذكرها! وكذا (احتساب المصيبة) فإنّها تعني احتساب المصيبة على اللَّه وطلب ثوابه.
«حُسبان» : على وزن (غفران) وتعني الصاعقة والعذاب، لأنّها العقوبة التي يلقاها بعض الأقوام بعد حساب أعمالهم.
وعلى أيّة حال، عندما تُستعمل كلمة (حسيب) بخصوص الباري سبحانه- كما قال المرحوم الصدوق رحمه الله- فإنّها تعطي أحد المعاني الثلاثة التالية : الذي أحصى كُلٍ شيءٍ في الوجود وهو عليم وخبير به، والذي يتولّى محاسبة العباد في القيامة ومجازاتهم، والذي يكفي أمور العباد (6).
ولكن يُفهم من الآيات القرآنية أنّ هذه الكلمة تعني «تولّي الحساب» لأنّها جاءت بهذا المعنى على الأقل في ثلاثة مواضع من المواضع الأربعة المذكورة في القرآن الكريم.
ومن هنا يتضح أنّ كلمة (حسيب) متقاربة مع صفتي (سريع العقاب)، و (أسرع الحاسبين)
وللمفسرين آراء مختلفة حول سبب اتصاف الباري بصفة (أسرع الحاسبين).
يقول القرطبي في تفسيره : (لأنّه لا تحتاج محاسبته إلى أي نوعٍ من التفكُّر) (7).
ويقول الألوسي في روح المعاني : لأنّه سبحانه يحاسب جميع الخلق بأسرع وقتٍ دون أن تشغله محاسبة فردٍ عن محاسبة غيره (8).
وقد أورد المرحوم الطبرسي نفس هذا المعنى في مجمع البيان (9).
وقد وردت تعابير ظريفة حول هذا الموضوع في الأحاديث الإسلامية أيضاً، فقد نُقِلَ عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال : «معناه انه يحاسب الخلق دفعة كما يرزقهم دفعة» (10).
وفي حديثٍ آخر : «إنّه تعالى يُحاسب الخلائق كلّهم في مقدار لمح البصر» (11).
وورد في حديث آخر : «إنّه سُبحانه يُحاسب جميع عباده على مقدار حلب شاة» (12).
وقد اورد المفسرون الآخرون أيضاً نفس هذه التعابير تقريباً ولكن الحق أنّ أي واحدٍ منها لا يمكنه تبيان عمق الكلمات المذكورة، والحقيقة يجب القول : إنَّ اللَّه لا يحتاج إلى حساب لأنّ جميع أعمال العباد ماثلة بين يديه في آنٍ واحد.
والظريف هو ما توصّلت إليه العقول الألكترونية المصنوعة التي تستطيع القيام بمئات الملايين أو الملياردات من الحسابات الرياضيّة في ثانية واحدة أو عدّة ثوان، ممّا يدل على عمق ما توصلت إليه سرعة الحساب في عصرنا الحالي!
ففي الوقت الذي يستطيع البشر- بكل ضعفه ونقائصه- التوصُّل إلى هذه السرعة الحسابية، فلا توجد حاجة إذن إلى توضيح (إثبات) سرعة حساب القادر العلي الذي قدرته غير محدودة وعلمه غير متناهٍ.
وكما أشرنا في التفسير الأمثل أيضاً، أنّ آثار أعمال الإنسان ستبقى وتتضاعف وتصير بذاتها خير وسيلة للحساب، وهي على وجه التشبيه كالمعامل التي تحتوي مكائنها على عدّادات لإحصاء عدد دورات الماكنة أو كالسيّارات التي يتصاعد العدد الذي يعدّه عدّاد المسافة الموجود فيها كلما قطعت مسافة أكبر، فلا توجد حاجة إلى الحساب لمعرفة معدّل عمل مكائن ذلك المعمل أو المسافة التي قطعتها هذه السيّارة، فكل شيءٍ واضح ومُهَيأ.
لهذا يجب أنْ ندرك إن علمَ اللَّه اللامحدود وأنّ ديمومة حضور الباري في كل مكانٍ من عالم الوجود من جهة، وبقاء آثار الأعمال وتراكمها من جهةٍ اخرى سيؤدّي إلى تسريع حساب الخلائق كلّها كلمح البصر.
إنَّ التعليمات التي تحملها هذه الصفات الإلهيّة (حسيب، سريع الحساب، أسرع الحاسبين) هو أنّها تحذّر جميع الناس من تناسي أبسط الذنوب وأصغرها، وتجعلهم على يقين بأنّ الذي يحاسبهم هو مَنْ لا تخفى عليه ذرّة من أعمال الناس الصالحة والطالحة، وَأن النسيان لا يجدي نفعاً في محوها، وسيُنهي تعالى حساب جميع هذه الأعمال يوم القيامة بلمحة بصر، هذا من جهة، ومن جهةٍ اخرى تلقّن الناس درس المحاسبة في جميع أمور الحياة، ليحسبوا لكل عملٍ وكل شيءٍ وكل أمرٍ من حياتهم حسابه دون أن يتركوه سُدىً.
أمّا كلمة «عقاب» فهي مشتقّة من مادّة (عَقِب) على وزن (خَشِن) المستعملة بمعنى كعب القدم، وأُطلقت فيما بعد على مؤخّرة كلّ شيء، ولكن ذُكر لها في مقاييس اللغة معنيان :
الأول تعاقب شيء مع آخر، والثاني : المرتفع والشدّة والصعوبة (لذا وردت عقَبَة بمعنى منعطف).
وإنّما أُطِلقَ على عقوبات الأعمال (عقاب) لكونه عذاباً يصيب الإنسان عقب ارتكابه الأعمال السيئة.
وكذلك يُطلق على الأولاد والأحفاد (أعقاب) لأنّهم يأتون عقب الأب والجد، ويطلقون على الطير المعروف اسم العقاب لأنّه يعقب فريستهُ بسرعة.
وعلى أيّة حال فإنّ وصف الباري بصفة (شديد العقاب) لا يعني أبداً أن يتجاوز عقابُهُ على مقتضى أصول العدالة بل لكون مجازاته وعقوباته دنيويّة وأخرويّة، جسمية وروحيّة، ولا يأمن منها أي أحد من المجرمين، ولا تقوى أيّة قدرةٍ على التصدي لها.
فقد يُهلك اللَّه قريةً ظالمة في لحظةٍ واحدةٍ أحياناً، فيمطر حجارة على الأشرار، وأحياناً يأمر أمواج البحر لتغرق فرعون وجنده والمتغطرسين في زمن قصير لتحيلهم طعاماً لأسماك البحر.
وأحياناً يأمر الريح العاصفة لتهلك الظالمين وتذري قصورهم في الفضاء وترمي بها في نقاطٍ نائية.
وأحياناً يُرسلُ طيراً أبابيل لترمي أصحاب الفيل بحجارةٍ من سجّيل وتُهلكهم وتجعلهم كعصفٍ مأكول لتمنعهم من التقدم لهدم الكعبة.
وبالتالي يأمر اللَّه تعالى السماء لتمطر مطراً غزيراً ويأمر عيون الأرض لتتفجّر بالماء فيغطي سطح الأرض سيلٌ عظيم ولا يُبقي عليها إلّا سفينة النجاة للأطهار المحسنين!
أجلْ إنّه شديد العقاب في المحل المناسب، وهذه الصفة تُعدُّ تحذيراً لكل الذين
يستهينون بمعصية الباري ويرتكبون ما شاؤوا من الذنوب دون أن يتفكّروا في عواقبها، مستغلين لطف الباري وكرمه.
أجل إنّه «أرحم الراحمين» ولكن في موضع العفو والرحمة، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة!
اللهم عاملنا بلطفك ورحمتك، وخلّصنا من أسر عذابك، فنحن نُقرّ لك بذنوبنا، ونعتذر إلى جنابك من تقصيرنا.
______________________________
(1) وردت كلمة «حسيب» في أربعة مواضع من القرآن الكريم، في ثلاثةٍ منها كصفة للباري تعالى (النساء، 6 و 86؛ الأحزاب، 39) وفي موضعٍ واحد كصفة من صفات الإنسان في يوم القيامة عندما يُعطى كتابه بيده. (الاسراء، 14).
(2) وردت هذه الصفة في ثمانية مواضع من القرآن الكريم ممّا يدلّ دليلًا واضحاً على أهميتها (سورة البقرة، 202؛ سورة آل عمران، 19 و 199؛ سورة المائدة، 4؛ سورة الرعد، 41؛ سورة ابراهيم، 51؛ سورة النور، 39؛ سورة غافر، 17).
(3) وردت هذه الصفة في موضعٍ واحد فقط من القرآن الكريم وهو المذكور أعلاه.
(4) وردت هذه الصفة في موضعين من القرآن الكريم هما : الآية المذكورة أعلاه والآية 167 من سورة الأعراف.
(5) تكررت هذه الصفة أربع عشرة مرّة في القرآن مما يُعدّ دليلًا على أهميتها (سورة البقرة، 211 و 196؛ سورة آل عمران، 11؛ سورة المائدة، 2 و 98؛ سورة الأنفال، 133، 25، 48 و 52؛ سورة الرعد، 6؛ سورة غافر، 3 و 22؛ سورة الحشر، 4 و 7).
(6) توحيد الصدوق، ص 202، ووردت هذه المعاني الثلاثة في كتاب مصباح الكفعمي أيضاً، ص 324.
(7) تفسير القرطبي، ج 4، ص 2443.
(8) تفسير روح المعاني، ج 7، ص 154.
(9) تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 298، ذيل الآية 202 من سورة البقرة.
(10) المصدر السابق.
(11) تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 298، ذيل الآية 202 من سورة البقرة.
(12) تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 313 وروح المعاني، ج 7، ص 154.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|