أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-09-2015
1278
التاريخ: 10-12-2015
1452
التاريخ: 8-11-2014
1543
التاريخ: 17-09-2014
1822
|
نظراً للمسؤوليات الخطيرة الملقاة على عاتق الإمام وخليفة النبي صلى الله عليه و آله، فلابدّ بطبيعة الحال من أن تتوفر فيه شروط صعبة.
وتلك الشروط تشابه إلى حدٍ ما شروط وخصائص النبي صلى الله عليه و آله لأنّهما يسيران في طريق واحد، ويتحملان نوعاً واحداً من المسؤولية، فالنبي صلى الله عليه و آله يتقدم في المرحلة الاولى والأئمّة يتابعونه في المراحل اللاحقة.
... فالنبي وبحكم المسؤولية المهمّة الملقاة على عاتقه يجب أن يتمتع بعلم واسع في كل مجال، ليستطيع انقاذ البشر من أخطار الضلالة، ويهديهم في القضايا العقائدية والأخلاقية والأحكام والأنظمة الاجتماعية إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم وكمالهم، ويوضح الأحكام الإلهيّة بلا نقصٍ أو زيادة.
أضف إلى هذا فلابدّ أن يتمتع باطلاع عن روح وجسم الإنسان، والمسائل النفسية والاجتماعية، وتاريخ المجتمع البشري، والخلاصة أن يتمتع بما يساعد على معرفة الناس الذين يحتاجون إلى التربية، بل وتم التوضيح في بحث علم الأنبياء ووجوب تمتعهم بالعلم بما يخص وقائع المستقبل نوعاً ما، ليتسنى لهم وضع الخطط الدقيقة لذلك لشمولية رسالتهم ...وهذه الامور تصدق بالنسبة لأئمّة الحق وخلفاء الأنبياء أيضاً مع شيء من التفاوت لأنّهم يواصلون طريق الأنبياء وخطهم، وكل ما يشرع به اولئك يواصله هؤلاء، وكل ما أقامه الأنبياء يصونه ويكمله الأئمّة عليهم السلام فالشجيرات التي غرستها سواعد الأنبياء تسقى بسواعد الأئمّة الهداة عليهم السلام.
ومن جهة اخرى فالأئمة الصالحون كالأنبياء يجب أن يوصلوا ما يعلمونه إلى الناس سالما من الخطأ والزلل والانحراف، وإذا لم يكونوا معصومين لا تتحقق الغاية من وجودهم.
ومن ناحية ثالثة فالأنبياء وبمقتضى مقام القيادة في الدين والدنيا لابدّ وأن يكونوا ذوي أخلاق فاضلة وصفات محمودة ظاهرية كانت أو باطنية لئلا يتذمر منهم الناس ولكي تثمر الأهداف من بعثتهم ولا يعرض امرٌ ينقض الغاية.
هذا الأمر يصدق بحق الأئمّة عليهم السلام تماما، فهم لا ينبغي عليهم التنزه عن أسباب التذمر فحسب، بل لابدّ من توفر الجاذبيات الأخلاقية لديهم بالقدر الكافي لجذب القلوب والعقول، وهنا لابدّ اولًا من البحث في علم الإمام.
علم الإمام
يشير القرآن الكريم إلى هذه المسألة في عدّة آيات :
فيقول تعالى في مكان : {وَاذَا جَاءَهُم أَمْرٌ مِّنَ الامْنِ أَوِ الخَوْفِ اذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ الَى الرَّسُولِ وِالَى اولِى الامْرِ مِنْهُم لَعَلِمَهُ الَّذينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُم وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعتُمُ الشَّيطَانَ الَّا قَلِيلًا}. (النساء/ 83)
ويقول في آية اخرى : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ انْ كُنْتُم لا تَعْلَمُونَ}. (النحل/ 43)
تدل الآية الاولى على أنّ هناك اشخاصاً بين المسلمين كانوا يسلكون- وبلا وعي منهم- سبيل بث الشائعات التي يثيرها أعداء الإسلام أحياناً، فتارة يثيرون إشاعة الانتصار، واخرى إشاعة الهزائم، أو سائر الإشاعات، وسبب هذا الأمر الغفلة والجهل، وقد يتسبب في انهيار معنويات المسلمين، يقول القرآن : على المسلمين أن يراجعوا النبي صلى الله عليه و آله أو اولي الأمر في مثل هذه المسائل الاجتماعية المهمّة التي يجهلونها.
واولي الأمر تعني أصحاب القرار، ومن المسلم به أنّها لا تعني هنا القادة الحربيين، لأنّه تعالى يقول بعد ذلك ما معناه : إنّ الذين يستنبطون الأحكام (أي الذين يبحثون القضايا من أصلها يمتلكون الاطلاع حول هذه الامور، وعلى الذين يجهلون مراجعة هؤلاء)، فإنّ «يستنبطونه» من مادة «نَبَطْ»- على وزن «فَقَطْ»- وتعني في الأصل الماء الأول الذي يستخرجونه من البئر ويتفجر من باطن الأرض، لذا يقال للحصول على الحقيقة من مختلف
الأدلة والقرائن، استنباط.
وهذا التعبير صادق بحق العلماء فقط، لا قادة الجيش ولا الأمراء، من هنا فإنّه تعالى يكلف المسلمين بالرجوع إلى العلماء وأُولي الأمر في المسائل الحساسة والمصيرية.
لكن ما المقصود هنا من «اولي الأمر»؟ ثمّة جدل بين المفسرين أيضاً، فبعض فسرها بمعنى امراء الجيش لاسيّما الجيش الذي فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وبعضٌ بمعنى العلماء والفقهاء، وبعضٌ فسّرها بالخلفاء الأربعة، وبعضٌ بمعنى أهل الحل والعقد (زعماء المجتمع)، وطائفة اعتبرتهم الأئمّة المعصومين عليهم السلام.
والظاهر أنّ التفسير الأخير أكثر ملائمة من البقية، فقد ذكرت خصلتان لُاولي الأمر في ذيل الآية لا يمكن لهما أن تصدقا على غير المعصوم :
الاولى : ما يقوله تعالى بما معناه : ولو ردوه إلى اولي الأمر لأرشدهم أولئك الذين يعلمون اصول القضايا، وظاهر هذا التعبير أنّ علمهم غير مختلط بالجهل والشك، وهذا الأمر لا يصدق على غير المعصومين.
والثانية : هي أنّه تعالى يعدُّ وجود اولي الأمر نوعاً من الفضل والرحمة الإلهيّة حيث تحول طاعتهم دون اتباع الناس للشيطان : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُم وَرَحمَتُهُ لَاتَّبَعتُمُ الشَّيطَانَ إلَّا قَلِيلًا}.
ومن الواضح أنّ اتباع المعصومين فقط هو الطريق الأمثل والأصوب الذي بإمكانه الحؤول دون ضلال الإنسان واتباعه للشياطين، لأنّ غير المعصومين ربّما يزلون ويقعون في الخطأ والمعصية ويصبحون أُلعوبة بيد الشيطان.
لهذا فقد فسّرت (اولي الأمر) في هذه الآية في العديد من الروايات التي وصلتنا عن طرق أهل البيت عليهم السلام وأهل السنّة بمعنى الأئمّة المعصومين.
ففي رواية ذكرها المرحوم الطبرسي في مجمع البيان عن الإمام الباقر عليه السلام قوله : «هم الأئمّة المعصومون» (1).
ونقرأ في الحديث الذي نقل في تفسير العياشي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام :
«يعني آل محمد، وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام وهم حجة اللَّه على خلقه» (2).
ونقرأ في الحديث الآخر الذي نقل في «كمال الدين» للصدوق عن الإمام الباقر عليه السلام :
«ومنْ وضع ولاية اللَّه وأهل استنباط علم اللَّه في غير أهل الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر اللَّه» (3).
أمّا فيما يتعلق بالآية الثانية أي : فهي توعز إلى الجميع بسؤال أهل الذكر عن الامور التي يجهلونها يقول اللّه سبحانه : {فاسأَلُوا اهْلَ الذِّكرِ ان كُنتُم لَاتعلَمُونَ} (النحل/ 43 والأنبياء/ 7) .
فممّا لا شك فيه أنّ الذكر هنا بمعنى العلم والاطلاع، وأهل الذكر تشمل العلماء والمطلعين بشكل عام، وعلى هذا الأساس فقد استدل بهذه الآية بشأن التقليد ورجوع الجاهل للعالم، إلّا أنّ المصداق الكامل لها هم الذين يستلهمون علمهم من علم النبي صلى الله عليه و آله والباري جلّ وعلا، فعلمهم علم منزه من الخطأ والزلل، علمٌ مقترن بالعصمة، لهذا فقد فسرت هذه الآية باهل البيت عليهم السلام والأئمّة المعصومين، ففي الرواية الواردة عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في اجابته عندما سئل عن الآية : «نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون» (4).
والجدير بالذكر أنّ نفس هذا المطلب أو ما يقاربه قد نقل عن التفاسير الاثني عشر لأهل السنّة، (المراد من التفاسير الاثني عشر، تفسير «أبو يوسف» و «ابن حجر» و «مقاتل بن سليمان» وتفسير «وكيع بن جراح» وتفسير «يوسف بن موسى القطان» وتفسير «قتادة» وتفسير «حرب الطائي» وتفسير «السدي» وتفسير «مجاهد» وتفسير «مقاتل بن حيان» وتفسير «أبي صالح» وتفسير «محمد بن موسى الشيرازي»).
فقد روي في هذه التفاسير عن ابن عباس أنّ المراد من الآية «فاسألوا أهل الذكر هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، هم أهل الذكر والعلم والعقل والبيان، وهم أهل بيت النبوّة» (5).
وملخص الكلام هو : بالرغم من سعة مفهوم الآية، إلّا أنّ نموذجها الكامل والشامل لا يتصور إلّافي الأئمّة المعصومين عليهم السلام المنزه علمهم من الخطأ والزلل، ومن هنا يتضح عدم معارضة نزول الآية بشأن علامات الأنبياء السابقين، والتوراة، والانجيل، والسؤال من علماء اليهود والنصارى، مع ما قيل في معنى هذه الآية.
ملاحظة
كما ذكرنا في مبحث علم الأنبياء في الجزء السابع من هذا الكتاب، فإنّ الأنبياء المكلّفين بهداية الناس في جميع الجوانب المادية والمعنوية، الذين تمتد حدود مسؤولياتهم إلى الجسم والروح والدنيا والآخرة، يجب أن يكونوا على جانب كبير للغاية من العلم ليتسنى لهم انجاز هذا الواجب على أحسن وجه.
والأئمّة الذين هم خلفاء النبي يحظون بهذا الحكم أيضاً، فلابدّ من امتلاكهم لعلم يتناسب مع واجبهم العظيم ليطمئن إليهم الناس ويسلمونهم دينهم.
ويجب أن يكون هذا العلم منزهاً من الخطأ والعيب والزلل، وإلّا فإنّه لا يحظى بثقة الناس، ويسمح الناس لأنفسهم بتقديم بعض آرائهم على آراء النبي أو الإمام، باعتبار أنّ النبي والإمام يخطئان أيضاً ولا ينبغي التسليم لهما مطلقاً، إذن فالثقة المطلقة تتبع عصمتهما.
يقول القرآن الكريم بشأن إمام بني اسرائيل «طالوت» : {انَّ اللَّهَ اصطَفَاهُ عَلَيْكُم وَزادَهُ بَسطَةً فِىِ العِلمِ وَالجِسمِ}. (البقرة/ 247)
من هنا يقول تعالى في مقابل مزاعم بني اسرائيل الذين كانوا يقولون : إنّ طالوت من أُسرة فقيرة ومجهولة، وأنّه خالي اليدين من مال الدنيا : أنّ الأساس الحقيقي للحكم الإلهي هو «العلم» و «القدرة» حيث وهبه اللَّه ما يكفيه منهما.
وفيما يتعلق بيوسف عليه السلام عندما يصف نفسه بالأهلية للتصدي لجانب من حكم مصر، أي إدارة بيت المال، فهو يستند إلى العلم والأمانة : {قَالَ اجعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الارْضِ انِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ}. (يوسف/ 55)
بل كما قلنا سابقاً بشأن علم الأنبياء : لابدّ أن يتمتعوا بجانب من علم الغيب على الأقل ليتسنى لهم القيام بواجبهم على أحسن وجه، وأنَّ الذي يصدق بحقهم يصدق بحق الأئمّة أيضاً.
إنّ تكليفهم عالَمي أيضاً، فلابدّ أن يكونوا مطلعين على أسرار العالم، وواجبهم مرتبط بالماضي والمستقبل، فكيف يمكنهم أداء رسالتهم جيداً إذا كانوا يجهلون الماضي والمستقبل، وأن يضعوا الخطط لجميع الناس؟
إنّ حدود رسالتهم تشمل ظاهر وباطن المجتمع، والناس، فمن المتعذر انجاز هذه الامور المهمّة بدون العلم بالغيب، وهذا ما ورد بتعبير لطيف للغاية في حديث الإمام الصادق عليه السلام يقول : «مَنْ زعمَ أنّ اللَّه يحتج بعبد في بلاده ثم يستر عنه جميع ما يحتاج إليه فقد افترى على اللَّه» (6).
نعم فالعلم بأسرار العالم حالياً وفي الماضي والمستقبل هو في واقع الأمر : السبيل إلى انجاز الرسالة المهمّة في هداية البشر والتحول إلى حجة للَّه تعالى.
ومختصر الكلام هو أنّ أول شرط للتصدي لمقام الإمامة هو العلم والاطلاع وإلالمام بجميع العلوم الدينية، وحوائج الناس، وكل ما يلزم في أمر تعليم وتربية وهداية وإدارة المجتمع الإنساني، ومن المستحيل أداء هذه المسؤولية بدون مثل هذا العلم.
_____________________
(1) تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 82.
(2) تفسير كنز الدقائق، ج 3، ص 486.
(3) المصدر السابق، ص 486.
(4) تفسير البرهان، ج 2، 369.
(5) احقاق الحق، ج 3، ص 482.
(6) بصائر الدرجات وفقاً لنقل بحار الأنوار، ج 26، ص 137.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|