أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-8-2017
![]()
التاريخ: 2024-09-11
![]()
التاريخ: 6-4-2016
![]()
التاريخ: 2023-11-12
![]() |
إن المبادئ العامة السائدة في الأمم المتحدة، تقضي بان استغلال الثروات الطبيعية التي توجد في باطن الأرض للدولة وحدها حتى لو كان سطح الأرض مملوكا لشخص أخر (1) ، وعليه فإن استغلال الثروات الطبيعية لا يتم إلا بناءً على ترخيص من الدولة ، وهذا ما أشار إليه البند (اولا) من المادة (15) من مسودة قانون النفط والغاز لسنة 2011 المقدمة من مجلس النواب على أنه ( تتولى الهيئات المتخصصة منح تراخيص العمليات النفطية لشركة عراقية او اجنبية على اساس عقد التنقيب وتطوير وانتاج ، او عقد تطوير وانتاج يبرم مع الوزارة أو الهيئة الاقليمية وشركة عراقية او شركة اجنبية ........ ) ولكن التساؤل الذي يثار في هذا الصدد ما هي الشرعية الدستورية لإقليم كردستان لإبرام العقود النفطية ؟.
إن الإقليم قد أبرم العديد من العقود النفطية ، ومن بينها العقد المبرم بين شركة هانت نوبل الأمريكية و إقليم كردستان في سنة 2007 ، واتفق الطرفان على أن تشتري الشركة المذكورة النفط الخام بمبلغ 12 مليار دولار، وكذلك عقد الإقليم عقودا مع شركات أخرى من بينها شركة .Tuk .bp وشركات تركية ونمساوية وكندية بحيث تجاوزت الأربعين عقداً.
إن سلطة أعضاء الدول الإتحادية على مواردها وإستغلالها تتفاوت بتفاوت طبيعة السلطات ودرج تها التي تتمتع بها حكومات الوحدات الاتحادية، طبقاً لدستور الدولة الإتحادية ، والسبب في هذا التفاوت يعود إلى عدم تطابق الأنظمة الفيدرالية فيما بينها، والنظريات المحددة لذلك (2).
وتتمثل الصورة الأولى، التي يمكن أن تكون عليها الثروة النفطية في الدولة الاتحادية ، هي سيطرة السلطات الاتحادية على موارد الثروة النفطية لوحدها من دون أن يكون لسلطات الوحدات أي حق في التصرف بالثروة النفطية التي تقع فيها أو استغلالها، ومن الدول التي اتبعت هذه الطريقة هي بلجيكا واسبانيا وكذلك البرازيل (3) ، اما الصورة الثانية ، فهي انفراد الوحدات الاتحادية بالسيطرة على الثروات النفطية ، أي ان تكون السلطة على الثروات النفطية من نصيب حكومات الوحدات الاتحادية ، ومن بين الدول التي اتبعت هذه الطريقة دولة الإمارات العربية المتحدة ، إذ جاء في المادة (23) من دستورها بأنه (تعتبر الثروات والموارد الطبيعية في كل إمارة مملوكة ملكية عامة لتلك الإمارة ، ويقوم المجتمع على حفظها وحسن استغلالها لصالح الاقتصاد الوطني).
اما الصورة الثالثة لإدارة الثروات النفطية في الدولة الاتحادية، هي مشاركة السلطة الاتحادية مع وحداتها في إدارة هذه الثروات، وأساس ذلك ، إن دساتير بعض الدول الاتحادية ، ونظراً للظروف التاريخية والسياسية التي مرت بها شعوبها ، منحت السلطة للوحدات الاتحادية على ثرواتها النفطية الكامنة في حدود أراضيها ، ولكن هذه الحكومات لا تمارس السلطة على ثرواتها النفطية لوحدها، بل تمارس بالمشاركة مع الحكومة الإتحادية، ومن الأمثلة على هذه الحالة من الدول الإتحادية جمهورية نيجيريا (4)، وكذلك روسيا الاتحادية ، فقد نصت الفقرة (ج) أولاً من المادة (72) من الدستور الروسي الصادر عام 1993، إذ جاء فيها الاختصاص المشترك بين الإتحاد الروسي وشعوب الجمهوريات الفدرالية تشمل ..... ثالثاً:- قضايا ملكية الأراضي وحيازتها واستخدامها وانتقالها، وما في باطنها ومياهها وغيرها من الموارد الطبيعية) .
وقد اخذ دستور العراق لسنة 2005 ، بالصورة الثالثة في ادارة النفط والغاز ، إذ نص في المادة (111) ( النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات ) ، إما المادة ( 112) من ذات الدستور نصت على أن (( أولا : تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة ، على إن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع إنحاء البلاد مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة، والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك ، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد ، وينظم ذلك بقانون ثانيا - تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار).
من خلال تحليل هذين النصين نورد الملاحظات الاتية :-
1- إن النص الدستوري جعل النفط والغاز ملكا للشعب العراقي ، وليس للدولة العراقية ، وهنا نتساءل هل إن الشعب العراقي يملك على وجه الشيوع كل النفط والغاز في كل المحافظات والاقاليم، أم إن الشعب يملك النفط والغاز في حدود الإقليم أو المحافظة ؟ يمكن القول : ان الاحتمال الأول هو الراجح ، لأن لا اجتهاد في مورد النص (5) ، ومن ثم فإن هذه المادة تجعل النفط والغاز ملكا" حصرياً للعراقيين ، ولا تمنح الحق لأي سلطة في اشراك اي جهة بهذه الملكية ، وعلى أساس ذلك إن عقود النفط التي وقعتها حكومة اقليم كردستان لا تنسجم مع هذا التفسير ، لأنّ قانونا يعد مجلس النواب والحكومة الاتحادية ذات الشخصية القانونية الممثل الحقيقي عن جميع ابناء الشعب العراقي ، ولا يحق للإقليم التصرف بهذه الثروات بالنيابة عن سكان الشعب العراقي بوصفها من الموارد الطبيعية التي لا تقبل التنازل او التفويض . وهذا ما أشار اليه مسبقاً قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم ( 1803 ) الصادر بتاريخ 14/ كانون الأول 1963 الذي أكد ان ( الموارد الطبيعية للبلدان النامية تشكل اساساً لنموها الاقتصادي ، ولكل الدول ممارسة السيادة الدائمة على ثرواتها وفقاً لمصلحة نموها القومي، ولها ان تختار كيفية استغلال مواردها وخضوع هذا الاستقلال لقوانينها وانظمتها ، وعلى الشركات المستثمرة ان تمتنع عن أي عمل من شأنه الاخلال بهذا الحق ) (6).
2 - إن المادتين ( 111 و (112) أثارت جدلا لدى الباحثين في التكييف القانوني لها ، هل هي من الاختصاصات المشتركة ، أم الحصرية ، وإذا كانت من الاختصاصات المشتركة ، لماذا لا تدرج ضمن المادة (114) من الدستور ؟ ذهب رأي إلى القول بأنه لا يمكن إدراج المادتين المذكورتين ضمن الاختصاصات الحصرية ، لأن المادة ( (111) من الدستور ، لا تشير بصورة صريحة إلى الاختصاصات الحصرية لا من قريب ، ولا من بعيد ولكون المادة ( (112) من الدستور أشارت إلى إشراك الحكومة الاتحادية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة في ممارسة الاختصاصات المنصوص عليها ، لذا يمكن عدها من الناحية الموضوعية تدخل ضمن الاختصاصات المشتركة، وان كانت من الناحية الشكلية لا تعد من الاختصاصات المشتركة ، فضلا عن ذلك فان المادة (114) من الدستور أشارت في بدايتها إلى أن تكون الاختصاصات الآتية مشتركة ، لذا فإنها جاءت على سبيل المثال لا الحصر ، ومن ثم يمكن أن تدرج تحت طائلتها نص المادتين المشار اليهما من الناحية الموضوعية (7) ، فيما يذهب رأي ثان إلى إن المادتين المشار اليهما من الدستور جاءت لتعالج وضعاً خاصاً، ومن ثم لا يمكن إدراجها ضمن الاختصاصات المشتركة ، لأنه لو كان المشرع أراد ذلك ، لتم إدراجها ضمن تلك الاختصاصات في الدستور (8).
ويمكن القول : ان المادتين أعلاه تقع ضمن الاختصاصات المشتركة من الناحية الموضوعية ، ونظراً لخصوصية النفط والغاز بوصفهما من الثروات الطبيعية المتعلقة بسيادة الدولة ، أفرد لها المشرع الدستوري نصوصاً خاصة عن الاختصاصات المشتركة.
3- يتضح من نص البند (أولا) من المادة (112) ، إن إدارة الحقول النفطية وإبرام العقود النفطية يكون من قبل السلطة الاتحادية ، بوصفها السلطة المختصة بإبرام تلك العقود ، ولكن بالاشتراك مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة ، ومن ثم لا تستقل حكومة الإقليم بإبرام العقود النفطية بمفردها ، وان أرادت إبرام عقد نفطي لتحقيق التنمية الاقتصادية في الإقليم، يجب أن يكون ذلك من خلال الحكومة الاتحادية بوصفها الجهة المختصة بإبرام العقود النفطية. وهذا ما يؤكده ايضا قانون الاستثمار الخاص في تصفية النفط الخام رقم (64) لسنة 2007 ، الذي أشار إلى أن يتم تقديم طلبات الاستثمار بموجب هذا القانون الى وزارة النفط للبت فيها ، كذلك أشار إلى حق الاقليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم بإنشاء المصافي والتعاقد مع الشركات المستثمرة في الاقليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم بالتنسيق مع اللجنة الوزارية (9). وهذا ما يمكن ملاحظته كذلك من عقد الترخيص المبرم بين شركة نفط الجنوب والشركات الاجنبية المستثمرة لسنة 2010 إذ اشار إلى أنّ العقد لا يكون ملزما إلا بعد التصديق عليه من مجلس الوزراء العراقي (10).
جديرٌ بنا أن نشير إلى أن نص البند (أولا) من المادة (112) من الدستور، اقتصر على النفط والغاز من دون الثروات الطبيعية الأخرى ، كما أنها اقتصر على الحقول الحالية دون المستقبلية ، وهنا نتساءل هل هذا يعني بمفهوم المخالفة ، إن لا تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز ومن ثم يؤول هذا الحق إلى سلطات الأقاليم بالنسبة للحقول المستقبلية حسب المادة (115) من الدستور؟
يذهب البعض للإجابة على هذا التساؤل إلى أنّ الاختصاص المشترك بإدارة النفط والغاز ، هو اختصاص زمني مؤقت يرتبط بالحقول الحالية ، وينتهي بانتهائها ، أما بالنسبة للحقول المستقبلية فلم يوجد نص دستوري يشير الى تنظيمها، ومن ثم يؤول اختصاصها الى سلطات الأقاليم (11) ، والحقيقة أن هذا التفسير سوف يؤدي إلى نتائج خطيرة على إدارة سياسة النفط والغاز، اذ سيخول الإقليم بإدارتهما بمفرده من دون التنسيق مع السلطة الاتحادية، كما أنه يُلغي أية قيمة للبند (ثانياً) من المادة (112) من الدستور التي أعطت للسلطة الاتحادية وسلطات الإقليم والمحافظات المنتجة ، في رسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير النفط، ولم تحصرها بالحقول الحالية، فضلاً عن ذلك ان المادة (111) اتت بنص عام يشمل الحقول الحالية والمستقبلية .
ولكن ما المقصود بالحقول الحالية ؟ هنالك من يرى بأنها هي الحقول المستثمرة من الناحية الفعلية من دون المستكشفة (12) ، وقد اخذ قانون النفط والغاز في إقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007 بهذا المعنى (13) ، والحقيقة إن هذا الفهم غير صحيح ، لان ملكية النفط والغاز هي ملكية جماعية لكل الشعب العراقي ، كما بينته ا المادة (111) من الدستور. لذا نقترح على المشرع تلافي هذا القصور الوارد في المادة (112) ليشمل النص الثروات الطبيعية والحقول المستقبلية .
4- إن البند (ثانياً) من المادة (112) من الدستور أشرك السلطة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة في رسم السياسات الاستراتيجية لتطوير النفط، ومن ثم ف إن حكومة إقليم كوردستان وان كان لها الحق في الاشتراك مع السلطة الاتحادية برسم تلك السياسة ، ألا أن ذلك لا يعطيها صلاحية لإبرام العقود ة مستقلة النفطية بصورة عن السلطة الاتحادية ، بل يعطيها الحق في تقديم المقترحات والشراكة حول تطوير الحقول النفطية وتبقى مفردات الصناعة النفطية وتسويقها محصورة بيد السلطة الاتحادية.
ومما يؤخذ على نص البند ثانيا من المادة (112) أنها اقتصرت على الرسم من دون التنفيذ، لذا نقترح على المشرع تلافي هذا القصور، ليشمل النص الرسم والتنفيذ ، وذلك لأن المسألة متعلقة بثروة لها علاقة بسيادة الدولة العراقية .
5- إن النص الدستوري في المادة (112) أحال تنظيم إدارة النفط والغاز إلى صدور قانون بهذا الصدد ومادام القانون لم يصدر الى الآن ، فلا يمكن للإقليم او المحافظات المنتجة إبرام أي عقد بخصوص الثروات النفطية. ويذهب البعض ونحن نؤيده إلى أنه على المشرع تلافي هذا القصور والنص على وجوب تدخل السلطة الاتحادية في ظل وجود هذا الفراغ التشريعي ، خصوصاً أن المسألة متعلقة بالثروات النفطية السيادية (14).
أما بشأن موقف قانون النفط والغاز لإقليم كردستان رقم 22 لسنة 2007 بشأن إبرام العقود النفطية ، أشار القانون إلى تشكيل مجلس إقليمي (15)، ومن جملة المهام التي أسندت إليه الموافقة على العقود الخاصة بالعمليات النفطية (16) ، كذلك بين القانون المذكور أن تتولى الوزارة أو من تخوله التفاوض وإبرام الاتفاقيات وتنفيذ جميع الإجازات ومن ضمنها العقود النفطية التي أبرمتها حكومة الإقليم (17) ، وخول القانون في الفقرة (أولا) من المادة (22) للوزير بعد موافقة المجلس الإقليمي منح إجازة التنقيب لمنطقة محددة ، ولمدة محددة، إلى شخص أو مجموعة أشخاص ، كذلك أعطى القانون للوزير بموافقة المجلس الإقليمي أن يبرم عقدا نفطيا للاستكشاف أو للتطوير لمنطقه محددة مع شخص او مجموعة أشخاص (18).
وجديرٌ بنا أن نشير إلى أن قانون وزارة الثروات الطبيعية لإقليم كردستان العراق ، أشار إلى وجوب أن تكون العقود النفطية المبرمة مع الشركات الاجنبية منسجمة مع الدستور الاتحادي (19).
من تحليل نصوص قانون النفط والغاز لإقليم كردستان نورد الملاحظات الأتية :-
1- أشار القانون إلى تشكيل المجلس الإقليمي، يتكون من رئيس وزراء الاقليم رئيساً وعدد من الأعضاء ، ومن جملة المهام التي أسندت اليه ، الموافقة على العقود الخاصة بالعمليات النفطية ، وهنا نتساءل ما هو الأساس الدستوري لتشكيل هذا المجلس ، ألا يُعد هذا خرقا للمادة (112) من الدستور الاتحادي التي بينت إن إدارة النفط والغاز تكون بالاشتراك مع الحكومة الاتحادية .
2- منح القانون الحق إلى وزارة الموارد الطبيعية في الإقليم، أو من تخوله التفاوض وإبرام الاتفاقيات أو تنفيذ جميع الإجازات ومن ضمنها العقود النفطية ، وهنا نتساءل أيضا ما هو الأساس الدستوري للحق في التفاوض بشأن إبرام الاتفاقيات، أليس المادة (80/ سادسا) من الدستور الاتحادي قد أعطت لمجلس الوزراء صلاحية التفاوض ، وإذا كان مرجع ذلك بالاستناد إلى التخويل الوارد في المادة المذكورة أنفاً ، برأينا إن هذا التخويل هو تخويل وظيفي ، وخاص بالسلطات الاتحادية ، وذلك لأن التفاوض من الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية التي نص عليها البند (أولا) من المادة (110) من الدستور الاتحادي .
كذلك منح القانون للوزير الحق في إبرام العقود النفطية ، أو مَنْح إجازة التنقيب بعد موافق افقة المجلس الإقليمي ، فيه مخالفة لنص المادة (112) من الدستور، التي جعلت إدارة النفط والغاز من صلاحية السلطة الاتحادية بالاشتراك مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة .
أما بشأن مسودة قانون النفط والغاز الاتحادي المُقدمة من مجلس النواب في عام 2011 ، فقد أشارت إلى إن من أهداف هذا القانون، إدارة العمليات البترولية بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي (20)، وبينت بأن يتم تأسيس مجلس يسمى المجلس الاتحادي للنفط والغاز يضم ممثلين عن السلطة الاتحادية والاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم (21) ، ويعد هذا النص خطوة صحيحة ، وذلك لأن هذا المجلس يأخذ على عاتقه إدارة النفط والغاز من خلال ممثلين عن السلطة الاتحادية ، والأقاليم والمحافظات المنتجة ، وهو السبيل الوحيد لمعالجة الخلافات بين السلطة الاتحادية والإقليم بشأن إبرام العقود النفطية .
وحددت المسودة بشأن الجهات المسؤولة عن ادارة المصادر البترولية ، كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء والمجلس الاتحادي للنفط والغاز ووزارة النفط وممثل عن كل اقليم ومحافظة في إدارة المصادر البترولية كل بحسب اختصاصه (22) ، وأسند إلى مجلس النواب مهمة تشريع جميع القوانين الاتحادية للعمليات المرتبطة بقطاع النفط والغاز (23) ، كذلك أكدت على مصادقة مجلس النواب على جميع الاتفاقيات النفطية الدولية المعدة وذات الاتصال بالعمليات في قطاع النفط والغاز التي تبرمها جمهورية العراق مع الدول الأخرى (24) ، وكان المشرع موفقا في إيراد هذا النص في وجوب مصادقة الهيأة التشريعية على الاتفاقيات النفطية ، وذلك لأن تلك الاتفاقيات لها صلة مباشرة بالسيادة الوطنية ، والمجالس التشريعية أكثر دراية في التأكد من مدى مطابقتها مع المصلحة الوطنية وضمن اطار القواعد الدستورية .
وأعطت المسودة لوزارة النفط ، صلاحية التفاوض على عقد الاتفاقيات الدولية والثنائية مع الدول الأخرى والمنظمات المتعلقة بالنفط والغاز ذات العلاقة على وفق القانون (25) ، وهذا ما ينسجم مع الدستور لأن مسألة التفاوض هي من الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية . كما ألزمت الهيأة الإقليمية بعد التوقيع الأولي على عقد التنقيب والإنتاج إحالة العقد إلى المجلس الاتحادي للنفط والغاز خلال (30) يوم من التوقيع الأولي وإلا كان العقد ملغياً (26).
نخلص مما سبق إلى إن أكثر نصوص قانون النفط والغاز في إقليم كردستان تتعارض مع أحكام الدستور الاتحادي، ومن ثم فان القانون المذكور قد خالف السمو الدستوري لدستور 2005 ، لذلك لا يتمتع بأي قوة دستورية، ولا يمكن الاستناد عليه لتسويغ حق الاقليم بإبرام العقود النفطية .
وعلى أساس ما تقدم ، فإن جميع العقود النفطية التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان لا تتمتع بأي شرعية دستورية ، لأن الإقليم ابرم العقود على أساس قانون النفط والغاز لإقليم كردستان ، والمادة (111) من الدستور التي تعطي نصا عاما في ذلك ، والنص العام يسري بعموميته ما لم يقيد بنص ، إذ إنّ المادة (112)
من الدستور هو المخصص للنص العام ، إذ اوجب ت إن تكون إدارة النفط والغاز مشتركة بين الحكومة الاتحادية والإقليم والمحافظات المنتجة ، ومادامت حكومة إقليم كردستان لم تحصل على الموافقة القانونية من الحكومة الاتحادية في المركز ، فضلاً عن عدم تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي، لذا ف إن تلك العقود
ليس لها أساس دستوري بنيت عليه ، و لا يجوز التصرف في هذه الثروات من الإقليم قبل إصدار القانون الاتحادي الذي ينظم هذه الأمور من مجلس النواب بحكم اختصاصه الواردة في المادة (61) من الدستور ، لأنه المرجع في تشريع القوانين المنظمة لإدارة النفط والغاز ، فضلا عن ذلك إن قانون الاستثمار في إقليم كردستان لم يورد قطاع النفط والغاز من ضمن القطاعات التي يمكن الاستثمار بشأنها داخل الإقليم (27) .
مما تقدم يتضح الآتي :-
1 - إن الدستور العراقي لسنة 2005 جعل الاختصاص في مباشرة الشؤون الخارجية ومنها إبرام الاتفاقيات الدولية من الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية ، وسكت عن منح الإقليم الاختصاص في إبرام الاتفاقيات الدولية .
2- إن الدستور العراقي منح الأقاليم والمحافظات، الحق في فتح مكاتب في البعثات والسفارات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية ، أي إن الغرض من هذه المكاتب متابعة الشؤون المحلية الخاصة بالإقليم والمحافظات، من دون إن يتعدى الأمر إلى إبرام اتفاقيات دولية خاصة بهذا النطاق الا ان مصطلح المتابعة يحمل دلالات عديدة، وفي الوقت ذاته ينطوي على ممارسة اختصاصات تدخل في صميم الوظائف المتعارف عليها للسفارات والبعثات الدبلوماسية ، وهذا ما حصل فعلا من حكومة اقليم كردستان ، فضلاً عن ذلك إن الاختصاصات الدولية قد جعلها الدستور من الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية ، لذا نقترح على المشرع العراقي الالتفات إلى ضرورة تعديل هذا النص وحصر اختصاصات المكاتب بالسفارة والبعثة الدبلوماسية في السلطة الاتحادية ، لأن هذه الاختصاصات لا تختلف في طبيعتها عن المهام الملقاة على عاتق السفارات والبعثات الدبلوماسية
3- إن إبرام إقليم كردستان للعقود النفطية لا نجد لها أساساً دستوري إذ اعتمد الإقليم على نص المادة (111) وهو نص عام ، في حين إن نص المادة (112) هو المخصص للنص العام ، إذ توجب إشراك السلطة الاتحادية مع سلطة الإقليم والمحافظات المنتجة في إدارة النفط والغاز ورسم السياسة الاستراتيجية لتطور النفط ، ومن ثم فان الإقليم لم يحصل على الموافقة الاتحادية بشأن إبرام تلك العقود ، ما دع الإقليم إلى الاستناد إلى قانون النفط والغاز في إقليم كردستان بوصفه أساساً قانونياً لشرعية العقود النفطية إلا أن هذا القانون بحد ذاته مخالف لنصوص الدستور.
4- اتضح ان مشروع اقليم كردستان منح الاقليم الاختصاص بإبرام الاتفاقيات الدولية ، وفي ذلك تجاوز على الدستور الاتحادي الذي جعل إبرام الاتفاقيات الدولية من الاختصاصات الحصرية للسلطة الاتحادية
_______________
1- ينظر ، قرار الأمم المتحدة رقم 711/18039/9 في 24 / 12/ 1962.
2- يتنازع الفكر الامريكي نظريات متعددة بشأن ملكية الثروات الطبيعية واهمها ، نظرية عدم الملكية والتي تؤسس أن الثروات الطبيعية من الاشياء المجهولة وعلى أساس ذلك لا يستطيع احدا ان يتملك البترول الا بعد اكتشافه ، وبعد الاكتشاف يعد البترول ملكا للشخص الذي اكتشفه، ومن الولايات التي اخذت بهذه النظرية كاليفورنيا ونيويورك ، اما النظرية الثانية هي نظرية الملكية المقيدة ، إذ تضع هذه النظرية قيودا على صاحب الأرض التي يقع تحت سطحه البترول فتلزمه بعدم انتاجه بطريقة تضر بمصالح الملاك الآخرين ، وقد سادت هذه النظرية في ولاية أوكلاهما، والنظرية الأخرى هي نظرية الملكية المحلية ، ومؤداها أن البترول في باطن الأرض يعد موضوعا حقيقيا للملكية في مناطق الاستكشاف، ومن الولايات التي اعتنقت هذه النظرية تكساس و بنسلفانيا . د. احمد عبد الحميد عشوش ، النظام القانوني للاتفاقيات البترولية في البلاد العربية ، اطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1975، ص 199-200 هامش رقم (1)
3- كاوان سعيد ابراهيم ، عقود التنقيب عن النفط وانتاجه ( دراسة قانونية تحليلية مقارنة ) ، اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون والسياسة ، جامعة صلاح الدين ، 2009 ، ص54.
4- التجربة الفيدرالية في نيجيريا مقال متاح على الموقع الالكتروني الاتي :- www.forumfed.org
5- كذلك أشار قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية في البند (هـ) من المادة (25) بان ( إدارة الثروات الطبيعية للعراق والتي تعود لجميع أبناء الأقاليم والمحافظات بالتشاور مع حكومات وادارات هذه الأقاليم والمحافظات...........)
6- فاطمة عبد الرحيم علي ابو ذهب ، النظام القانوني لعقود التراخيص النفطية ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون ، جامعة بابل ، 2012 ،ص63.
7- جواد كاظم البكري ، بحث بعنوان (أسس توزيع الثروات في الدولة الفيدرالية ، متاح على الموقع الكتروني الآتي :
http:www.ahewar.org.
8- أميرة علي ، بحث بعنوان (مدى شرعية إبرام عقود النفط من قبل حكومة إقليم كردستان على المستوى الفيدرالي وعلى المستوى الإقليمي ) ، متاح على الموقع الكتروني الاتي . http: www.azadibokurdis taue.com
9- المادة (17) من قانون الاستثمار الخاص في تصفية النفط الخام رقم (64) في 2007 المعدل بالقانون رقم (10) لسنة 2011 المنشور في الوقائع العراقية العدد (4199) في 7/11/ 2011.
10- فاطمة عبد الرحيم علي ابو ذهب ، مرجع سابق ، ص53.
11- جمال ناصر جبار الزيداوي ، دراسات دستورية، ط 1 ، مطبعة البيئة، مركز العراق للدراسات ، 2009، ص 146. و د. منذر الفضل ، مشكلات الدستور العراقي ، ط 1 ، دار اراس للطباعة والنشر ، اربيل ، 2010 ، ص 199-200.
12- قارمان ممند فرج ، التكييف القانوني للعلاقات الخارجية لإقليم كوردستان العراق (دراسة تحليلية)، ط 1 ، مركز ابحاث القانون المقارن اربيل ، ص 172
13- نص البند (16) و (17) من المادة (1) من القانون ( الحقل الحالي الذي كان له إنتاجا تجاريا قبل 15 /8/ 2005 ). إما الحقل المستقبلي ( الحقل النفطي الذي لم يكن له إنتاجا تجاريا قبل 2005/8/15 وأية حقول نفطية مستكشفة أوقد تكتشف كنتيجة للعمليات الاستكشافية اللاحقة).
14- د. عدنان عاجل عبيد ، ( مال النظام الاتحادي، بحث منشور في مجلة القانون المقارن ، جمعية القانون المقارن ، العدد ( 55 ) ، 2008 ، ص 115.
15- تنظر المادة الرابعة من قانون النفط والغاز لإقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007 .
16- الفقرة (ثانيا) من المادة الخامسة من قانون النفط والغاز لإقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007.
17- الفقرة (ثانيا) من المادة السادسة من قانون النفط والغاز لإقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007 .
18- الفقرة (أولا) من المادة الرابعة والعشرون من قانون النفط والغاز لإقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007.
19- ينظر الفقرة (ثانيا) من المادة الثانية من قانون وزارة الثروات الطبيعية لإقليم كردستان رقم (21) لسنة 2007.
20- البند (ثانيا ) من المادة (2) من مسودة قانون النفط والغاز لسنة 2011.
21- البند (أولا) من المادة (5) من مسودة قانون النفط والغاز لسنة 2011.
22- تنظر المادة (6) من مسودة قانون النفط والغاز لسنة 2011
23- البند (أولا) من المادة (7) من مسودة قانون النفط والغاز لسنة 2011 .
24- البند (ثانيا) من المادة (7) من مسودة قانون النفط والغاز لسنة 2011.
25- البند ( تاسعا) من المادة (11) من مسودة قانون النفط والغاز لسنة 2011.
26- ينظر البند (ثانيا) من المادة (18 من مسودة قانون النفط والغاز لسنة 2011.
27- تنظر المادة الثانية من قانون الاستثمار في إقليم كردستان رقم (4) لسنة 2006.
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|