معرفة صفة من تقبل روايته، ومن ترد روايته وما يتعلق بذلك من قدح وجرح وتوثيق وتعديل / القسم الحادي عشر |
![]() ![]() |
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2025-03-17
![]()
التاريخ: 2025-03-03
![]()
التاريخ: 2025-03-04
![]()
التاريخ: 2025-03-13
![]() |
الحادِيَةَ عَشْرَةَ: إذا رَوَى ثقةٌ عَنْ ثِقَةٍ حدِيثاً ورُوْجِعَ (1) المروِيُّ عنهُ فَنَفَاهُ، فالمختارُ: أنَّهُ إنْ كَانَ جازِماً بنفْيهِ بأنْ قالَ: ما رَويتُهُ، أو كَذَبَ عَلَيَّ، أو نَحْو ذَلِكَ فَقَدْ تَعَارَضَ الجزْمَانِ، والجاحِدُ هُوَ الأصْلُ، فَوَجَبَ رَدُّ حدِيْثِ فَرْعِهِ ذَلِكَ (2)، ثُمَّ لاَ يَكُونُ ذَلِكَ جَرْحاً لَهُ (3) يُوجِبُ ردَّ باقِي حديثِهِ؛ لأنَّهُ مُكَذِّبٌ لشَيْخِهِ أيضاً في ذلكَ، وليسَ قَبُولُ جَرْحِ شَيْخِهِ لهُ بأوْلَى مِنْ قَبُولِ جَرْحِهِ لشَيْخِهِ، فتَسَاقَطا.
أمَّا إذا قالَ المروِيُّ عنهُ: لاَ أعرِفُهُ، أو لاَ أذْكُرُهُ، أوْ نحوَ ذلكَ، فذلكَ لاَ يُوجِبُ رَدَّ روايَةِ الراوي عنهُ (4).
ومَنْ رَوَى حَدِيثاً ثُمَّ نَسِيَهُ لَمْ يَكُنْ ذلكَ مُسْقِطاً للعَمَلِ بهِ عندَ جُمْهُورِ أهلِ الحديثِ وجمهورِ الفقهاءِ والمتكلِّمينَ، خلافاً لقَومٍ مِنْ أصحَابِ أبي حَنيْفَةَ صَارُوا إلى إسْقَاطِهِ بذلِكَ(5)، وبَنَوَا عليهِ رَدَّهُمْ حديثَ سُليمانَ بنِ موسَى، عَنِ الزُّهريِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ :((إذا نُكِحَتِ المرْأَةُ بغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّها فَنِكَاحُها باطِلٌ الحديثَ)) (6)، مِنْ أجْلِ أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ، قالَ: ((لقِيْتُ الزهريَّ فسَألْتُهُ عَنْ هذا الحديثِ فَلَمْ يَعرِفْهُ)) (7). وكذا حديثُ ربيعَةَ الرأي، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أبي صالِحٍ، عَنْ أبيهِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ: ((أنَّ النبيَّ (8) ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ قَضَى بشَاهِدٍ ويَمِيْنٍ)) (9)، فإنَّ عَبْدَ العزيزِ بنَ محمدٍ الدَّرَاوَرْدِيَّ قالَ: ((لقِيْتُ سُهَيْلاً فسَألْتُهُ عَنْهُ فَلَمْ يَعرِفْهُ)) (10).
والصحيحُ ما عليهِ الجمهُورُ؛ لأنَّ المروِيَّ عنهُ بصَدَدِ السَّهْوِ والنِّسْيَانِ (11) والرَّاوي عنهُ ثقةٌ جازِمٌ فلاَ يُرَدُّ (12) بالاحتمالِ روايتُهُ، ولهذا كانَ سُهَيْلٌ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَبيْعَةُ عَنِّي عَنْ أبي، ويسُوقُ الحديثَ.
وَقَدْ رَوَى كَثيرٌ مِنَ الأكَابِرِ أحادِيْثَ نَسَوْها بعدَ ما حُدِّثُوا بها عَمَّنْ سَمِعَها منهُمْ، فكَانَ أحَدُهُمْ يقُولُ: حدَّثَنِي فلاَنٌ عَنِّي عَنْ فلانٍ بكذا وكذا. وجَمَعَ الحافِظُ الخطيبُ ذلكَ في كِتَابِ "أخْبَارِ مَنْ حَدَّثَ ونَسِيَ" (13). ولأجْلِ أنَّ الإنْسانَ مُعَرَّضٌ للنِسْيانِ؛ كَرِهَ مَنْ كَرِهَ مِنَ العُلَماءِ الروَايةَ عَنِ الأحْيَاءِ، منْهُمُ الشَّافِعِيُّ قالَ لابنِ عَبدِ الحكمِ (14): ((إيَّاكَ والروايةَ عَنِ الأحياءِ)) (15)، واللهُ أعلمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في (ب): ((ورجع)).
(2) نبّه الزركشي هنا على أمرين:
الأول: ما ذكره من أنّه المذهب: ((المختار))، ليس من تصرّفه كما تعقّبه به بعضهم، فقد نقل الخطيب في الكفاية: (221 ت، 139 هـ)، وإمام الحرمين في البرهان 1/ 417، عن القاضي أبي بكر الباقلاني، ونقل الأخير عن القاضي أيضاً عزوه إلى الشافعي، ونسبه ابن السمعاني في القواطع إلى أصحاب الشافعي، بل نقل الهندي الإجماع عليه، وهذا من الهندي غلط؛ فإنّ في المسألة قولين:
أحدهما: التوقّف، وهو ظاهر كلام ابن الصبّاغ في العدّة، ونقله ابن القشيري عن اختيار القاضي أبي بكر، واختاره إمام الحرمين، والإمام الفخر الرازي.
ثانيهما: أنّ تكذيب الأصل للفرع لا يسقط المروي، وهذا ما اختاره أبو الحسن بن القطّان، وابن السمعاني، وبه جزم الماوردي والروياني.
الثاني: ما استدلّ به للردّ بالتعارض، قد يعارض بأنّ المثبت مقدّم على النافي، لكن لَمَّا كان النافي هنا نفي ما يتعلق به في أمر يقرب من المحصور بمقتضى الغالب، اقتضى أن يرجح النافي.
انظر: نكت الزركشي 3/ 411 - 412، والبحر المحيط 4/ 321 - 322.
(3) ((أي: بخلاف الشهادة على ما قاله الماوردي، فإنّ تكذيب الأصل جرح للفرع، والفرق غلظ باب الشهادة وضيقه)). قاله الزركشي 3/ 412.
(4) حكى ابن الأثير في مقدّمة جامع الأصول 1/ 89 - 90 ثلاثة مذاهب:
الأول: يعمل به.
الثاني: لا يعمل به.
الثالث: التفصيل بين أن يكون ميل الشيخ إلى تغليب النسيان فيقبل، أو يميل إلى تغليب جهله أصلاً فلا يقبل.
(5) وحكاه ابن الصبّاغ عن أصحاب أبي حنيفة. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54.
قلنا: بل هو مذهب أكثرهم، منهم: الكرخي والدبوسي والبزدوي، وصوّبه النسفي منهم، وهو رواية عن أحمد، ونقل الرافعي عن القاضي ابن كج حكايته وجهاً لبعض الشافعيّة، وعيّنه شارح اللمع بأنّه القاضي أبو حامد المروذي.
انظر: اللمع: 48، وإحكام الأحكام 2/ 92، وكشف الأسرار للبخاري 3/ 60، وفواتح الرحموت 2/ 170، ونهاية السول 3/ 156، والبحر المحيط 4/ 325، وشرح السيوطي: 252.
(6) هذا حديث رواه: الشافعي في الأم 5/ 13، والطيالسي (1463)، وعبد الرزاق (10472)، والحميدي (228)، وابن أبي شيبة 4/ 128، وأحمد 6/ 47 و165 و260، والدارمي (2190)، وأبو داود (2083) و (2084)، وابن ماجه (1879)، والترمذي (1102)، وابن الجارود (700)، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 7، وابن حبان (7074)، والدارقطني 3/ 221، والحاكم 2/ 168، والبيهقي 7/ 105، وابن حزم في المحلى 9/ 451، والبغوي (2262)، كلهم من طريق ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، به.
(7) روى هذا اللفظ عن ابن جريج: أحمد 6/ 47، والبخاري في التاريخ الكبير 4/ 38، وفي الضعفاء الصغير (146)، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 8، والعقيلي في ضعفائه الكبير 2/ 140 (632).
وأورده الترمذي في جامعه 2/ 395 عقب (1102 م) بلفظ آخر، فقال: ((وقد تكلّم بعض أصحاب الحديث في حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ قال ابن جريج: ثم لقيت الزهري فسألته فأنكره، فضعّفوا هذا الحديث من أجل هذا)).
فبهذا أصبح عندنا لفظان للزهري في إجابة السائلين له عن هذا الحديث:
الأول: عدم التذكّر، وهو قوله: ((فلم يعرفه)).
الثاني: إنكاره أصلاً، وهو قوله: ((فأنكره)).
أمّا اللفظ الثاني فقد اعترض بعض الناس على ابن الصلاح في تمثيله به؛ لأنّ مقتضى هذا اللفظ الإنكار، وهو خلاف ما نبحث فيه من عدم تذكّر الشيخ للحديث لا إنكاره له؟
وقد أجاب الحافظ العراقي: بـ((أنّ الترمذي لم يروه، وإنّما ذكره بغير إسنادٍ، والمعروف في الكتب المصنّفة في العلل: ((فلم يعرفه))، كما ذكره المصنّف)). التقييد والإيضاح: 152.
وأمّا الثاني: فقد تفرّد بذكر هذا اللفظ عن ابن جريج: إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن عُليّة، قال ابن معين في تاريخه 3/ 86 (رواية الدوري): ((ليس يقول هذا إلا ابن عُليّة، وابن عُليّة عرض كتب ابن جريج على عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روّاد فأصلحها له)).
ونقل الترمذي 2/ 395 عن ابن معين قوله: ((وسماع إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن جريج ليس بذاك، إنّما صحّح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روّاد ما سمع من ابن جريج. وضعّف يحيى رواية إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن جريج)).
وروى الأثرم عن أحمد: ((قلت لأبي عبد الله: حديث الولي، الكلام الذي يزيد فيه إسماعيل؟ فَقَالَ: نعم ... لم أسمعه من أحد غيره، وَقَالَ أبو عَبْد الله: إسماعيل إنّما سَمِعَ هَذَا بالبصرة، فكيف هَذَا؟ كالمنكر له إن شاء الله، قلت له: فذاك حديث ثبت عندك؟ فقال: ما أدري أخبرك. قال أبو بكر - يعني: الأثرم -: معنى هذا الكلام أنّ ابن جريج روى عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ قال: ((أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل))، فرواه إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن جريج، فزاد فيه: ((قال ابن جريج: فسألت الزهري عنه فلم يعرفه، فكأنّه أنكر هذه الزيادة.
قيل لأبي عبد الله: كان إسماعيل حمل على ابن جريج، فنفض يده وأنكر ذلك، وقال: مَن قال هذا؟ كيف وهو قد سمع من ابن جريج، فقدم مكة فأراد أن يصحّح سماعه، فقال: من أعلم مَن هاهنا بابن جريج؟ فقيل له: عبد المجيد بن أبي روّاد، فعرضها عليه)). تاريخ دمشق 22/ 373.
وروى ابن أبي حاتم في علله 1/ 408، عن أبيه، عن أحمد إنكاره لوجود هذه الزيادة في حديث ابن جريج.
وروى البيهقي في سننه الكبرى 7/ 106 بسند صحيح، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 22/ 374 عن جعفر الطيالسي أنّه قال: ((سمعت يحيى بن معين يوهن رواية ابن عليّة عن ابن جريج، أنّه أنكر معرفة حديث سليمان بن موسى، وقال: لم يذكره عن ابن جريج غير ابن عليّة، وإنّما سمع ابن عليّة من ابن جريج سماعاً ليس بذاك)).
وقد تابع ابن جريج في روايته لهذا الحديث، عن الزهري: حجّاج بن أرطاة، ويزيد بن أبي حبيب، وقرّة ابن حيوئيل، وأيوب بن موسى، وابن عيينة، وإبراهيم بن سعد، كما ذكر ابن عدي في الكامل 4/ 256.
ورواه عن ابن جريج يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن وهب، ويحيى بن أيوب، وسفيان الثوري، وعيسى بن يونس، ومؤمل بن إسماعيل، وحجاج بن محمد، وابن أبي روّاد، وكلهم لم يذكروا ما ذكر ابن علية في حديث ابن جريج، وقد ساق مروياتهم الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق 22/ 369 - 371.
ومن هذا ندرك أنّ عدم معرفة الزهري لهذا الحديث لم تثبت عنه، ولهذا نبّه الحافظ العراقي على سبب تركه التمثيل بهذا المثال في ألفيته وشرحها 2/ 55، وانظر: التقييد والإيضاح: 153.
(8) في (ب) و (جـ): ((رسول الله)).
(9) رواه الشافعي في الأم 2/ 179، وأبو داود (3610) و (3611)، وابن ماجه (2368)، وابن الجارود (1007)، وأبو يعلى (6683)، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 144، وابن حبان (5073)، والدارقطني 4/ 213، والبيهقي 10/ 168، والبغوي (2503). كلهم من طريق ربيعة، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، به مرفوعاً.
(10) الذي في سنن أبي داود عقب (3610) عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي: ((قال: فذكرت ذلك لسهيل فقال: أخبرني ربيعة، وهو عندي ثقة أني حدّثته إياه، ولا أحفظه، قال عبد العزيز: وقد كان أصابت سهيلاً علّة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه، فكان سهيل بعدُ يحدّثه عن ربيعة عنه، عن أبيه)).
لكن اللفظ الذي ذكره ابن الصلاح هنا قريب جداً من لفظ سليمان بن بلال، فروى أبو داود (3611) الحديث من طريق سليمان بن بلال، عن ربيعة ((قال سليمان: فلقيت سهيلاً فسألته عن هذا الحديث، فقال: ما أعرفه، فقلت له: إنّ ربيعة أخبرني به عنك، قال: فإن كان ربيعة أخبرك عنّي، فحدّث به عن ربيعة عنّي)).
ولعلّ ابن الصلاح ذكر معنى مشترك بين لفظي سليمان والدراوردي، واقتصر على نسبته إلى الدراوردي.
(11) اعترض على ابن الصلاح بأنّ الراوي معرّض أيضاً لذلك، فينبغي أن يتساقطا، ويبقى النظر في أحدهما بمرجّح خارجي.
فأجاب العراقي: بـ((أن الراوي مثبت جازم، والمروي عنه ليس بنافٍ وقوعه، بل غير ذاكر، فقدّم المثبت عليه)). التقييد: 154.
قلنا: وهذا الجواب هو فحوى كلام ابن الصلاح الآتي.
(12) في (أ): ((ترد)).
(13) وذكره الذهبي في السير 18/ 290 باسم: "مَنْ حَدَّثَ ونَسِيَ"، وقد لَخَّصَه السيوطي وسمّاه: "تذكرة المؤتسي فيمن حدَّث ونسي". قال الزركشي في نكته 3/ 415: ((وقبله الدارقطني وضع فيه جزءاً)). وسمّى ابن حجر كتاب الدارقطني "مَنْ حدَّث ونسي". نزهة النظر: 166.
(14) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الحكم بن أعين المصري الفقيه، توفي سنة (268 هـ). انظر: وفيات الأعيان 4/ 193، والسير 12/ 497، وميزان الاعتدال 3/ 611.
(15) هو في المدخل للبيهقي كما ذكر غير واحد، ولم نعثر عليه في المطبوع فلعلّه ممّا نقص منه. وانظر: مناقب الشافعي له 2/ 38، والكفاية: (222 ت، 139 هـ)، ونكت الزركشي 3/ 416، والتقييد والإيضاح: 154 - 155.
|
|
نصائح للحد من خطر قصر النظر عند الأطفال
|
|
|
|
|
دولة عربية تستعين بالروبوتات لاكتشاف أعطال أنابيب النفط
|
|
|
|
|
هكذا استقبلت العتبة الكاظمية المقدسة ليلة هي خيرٌ من ألف شهر .. الليلة الأولى من ليالي القدر المباركة
|
|
|