أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-18
1112
التاريخ: 2024-04-15
1150
التاريخ: 2024-04-03
1014
التاريخ: 2024-02-17
1113
|
أما ما كان المصري يبحث عنه في بلاد النوبة بوجه خاص فهو المواد الغفل لا المحاصيل المصنوعة، وتأتي في المنزلة الأولى من هذه المواد التي لا توجد في مصر أو التي كانت توجد بقلة ولا تكفي حاجة البلاد.
وقد عدَّدَ لنا «حرخوف» عند التحدث عن رحلته الثالثة في مجاهل بلاد النوبة المحاصيل التي أحضرها من بلاد «يام» فيقول: «وعُدْتُ إلى مصر مع ثلاث مئة حمار محملة بالبخور والأبنوس وزيت «حنكو» وزيت «ثاث» وجلود الفهد وسن الفيل (؟) وكل محاصيل جميلة».
وَتَسَلَّمَ من أمير «أرثت» و«سثو» و«واوات» ثيرانًا وماشية صغيرة وهذه على ما نظن لم تكن طعامًا لرجال البعث بل كانت تُحْمَلُ إلى مصر أيضًا؛ وذلك لأنه في حملة «بيبي-نخت» التأديبية التي قام بها في نفس هذا الإقليم قد أحضر غنيمة عظيمة لمصر أنواعًا من البقر («أوا» و«نزو» (1) كما جلب مثل ذلك في الحملة التي قام بها «سنفرو» إلى هذه البلاد كما ذكرنا ذلك من قبل. هذا وقد أحضر «سبني» مثل هذه المحاصيل معه من بلاد النوبة (2).
ومن المحتمل أن الأبنوس والعاج كانا يُجْلَبَانِ من بلاد النوبة في العهد الطيني إلى مصر وقد عُدَّتْ منذ ذلك العهد من المحاصيل التي كان لا ينقطع ورودها تقريبًا من بلاد النوبة، ومن المحتمل أن جلد الفهد كان يُجلب كذلك إلى مصر منذ العهود المبكرة، وإن كان لم يظهر استيراده بصورة محققة إلا في تلك الفترة، ولا نعلم من جهة أخرى إلى أي عهد وُجِدَ الفهد في مصر، ولكن على أية حال فإن الحيوانات المتوحشة كانت قد أَخَذَتْ في التقهقر إلى الغابات والأحراج بدرجة ما، ثم أخذت تختفي شيئًا فشيئًا في الجبال، والواقع أنه كلما كثرت الأراضي الزراعية في مصر أخذت هذه الحيوانات الضارية تختفي أمام المدنية إما في مناقع الدلتا حيث الأعشاب وإما في جنوب الوادي؛ ولذلك كان المصري يجلب السلع التي تؤخذ من هذه الحيوانات مثل جلد الفهد من الأراضي الجنوبية. وقد كان فهد جنوب مصر يُضْرَبُ به المثل في القوة والشراسة، وقد ورد ذكره بهذا الوصف في المتون الحربية والأدبية، هذا إلى أنه كان لا يزال يوجد كذلك بكثرة في عهد الدولتين الوسطى والحديثة.
الأحجار: وكانت تأتي إلى مصر كما ذكرنا من قبلُ أنواعٌ جميلة من الأحجار (3)التي كانت تقطع من محاجر بلاد النوبة ومن منطقة الشلال الأول، وهذه الأحجار كانت مرغوبًا فيها في عهد الأسرتين الرابعة والثالثة وبخاصة حجر الديوريت الذي كان يُسْتَخْرَجُ من محاجر الصحراء الواقعة في الشمال الغربي من بلدة «توشكى»، غير أننا لم نعثر إلى الآن على نقش يدل على أن ملوك الأسرة السادسة قد استعملوا أحجار هذه المحاجر، ومن المحتمل أنه لم تكن في عهدهم من الأحجار المحببة إليهم، أو كان من الصعب عليهم الحصول عليها في تلك الفترة التي كانت البلاد آخذة فيها نحو التدهور، وتدل شواهد الأحوال على أنهم استعملوا أحجارًا أخرى في هذا العهد.
وكانت الأحجار المتبلورة البركانية التي يمكن الحصول عليها بالقرب من الشلال الأول تُسْتَعْمَلُ في مصر في كل الأزمان (4). وقد كشف عن نقوش من عهد «وناس» آخر ملوك الأسرة الخامسة وكذلك من عهد الأسرة السادسة تحدثنا عن استعمال هذه الأحجار. فقد كشف المؤلف عن مناظر في طريق الملك «وناس» مُثِّلَتْ فيها سفن تحمل بعض هذه الأحجار آتية من «أسوان» لتقام في أماكنها الخاصة بها في المعبد (5) وتشمل عمدًا نخلية الشكل وأبوابً من الجرانيت الأحمر وقطع الكرانيش التي كانت تُسْتَعْمَلُ في إقامة المعبد الجنازي، وقد كتب عليها: «أعمدة من الجرانيت أحضرت من أسوان»، ومن المدهش أن هذه المناظر تدل دلالة واضحة على أن هذه الأعمدة والكرانيش قد صنعت في «أسوان» ثم وضعت على زحافات وربطت ثم وضعت في السفن لتكون جاهزة لإقامتها في أماكنها بمجرد وصولها، أي إنه كان يوجد في «أسوان» مدارس صناعات لهذا الغرض، ولم يشهد التاريخ منظرًا مماثلًا من قبل أو من بعد، اللهم إلا ما جاء على مسلة «حتشبسوت» التي نقلت من «أسوان» ولم يكن قد تم نقشها (6).
هذا ويقص علينا «وني» الذي عاش في عهد الملك «مرنرع» في نقوش لوحته التي عثر عليها في «العرابة المدفونة» عندما أرسله الفرعون للمرة الأولى نحو «أبهات» و«إلفنتين» أنه أحضر من «أبهات» تابوتًا بغطائه وقطعة هرمية صغيرة كما أحضر من «إلفنتين» أجزاء أبواب من الجرانيت، ولا نعلم شيئًا يذكر عن موقع «أبهات» هذه والظاهر أنها على حسب ما جاء في هذا المتن تقع في مكان ما عند الشلال الأول (7).
وأول ما تصادفنا الأحجار المتبلورة في وادي النيل جنوب هذا المكان عند الشلال الثاني؛ وعلى ذلك فإن تابوت «مرنرع» الذي عثر عليه ثانية كان منحوتًا من حجر الجرانيت الأسود الذي يوجد عند الشلال الأول بكميات وفيرة. وقد ذهب الأستاذ «زيته» إلى أن موقع «أبهات» بجوار معبد أبو سمبل (8) أي في المكان الذي يقع على النيل بالقرب من المحاجر الواقعة في الشمال الغربي من «توشكى» وعلى ذلك يكون تابوت الملك «مرنرع» على حسب نظرية «زيته» قد قطع من محاجر «توشكى». ويقول «زيته» إنه يجب البحث في هذه الجهة عن موقع «أبهات» غير أن نظرية «زيته» قد بنيت على أساس غير متين ولا تزال تتطلب التحقق من نوع الحجر وقرنه بالأحجار التي تستخرج من هذه الجهة.
الخشب: هذا وقد ذكر لنا «وني» في حملة أخرى قام بها بعد «الشلال» في فقرة من نقوشه أنه كان يجلب نوعًا من الخشب من بلاد النوبة إلى مصر. ولا غرابة في ذلك فإن قلة نمو الخشب في مصر نفسها وكثرة استعماله في آن واحد جعلت الحاجة ملحة لجلبه من الخارج، وكان أحسن نوع يجلب منه هو خشب الأرز من بلاد «لبنان» هذا إلى أن الأنواع الأخرى التي لم تكن ذات قيمة كبيرة كالتي تزرع في مصر كانت تجلب من بلاد النوبة. ويَقُصُّ علينا «وني» في حملته الثانية إلى الشلال الوصف التالي: «أرسلني جلالته لأحفر خمس قنوات في الجنوب ولأضع ثلاث سفن واسعة الحجم وخمس سفن نقل مصنوعة من السنط المجلوب من «واوات» وقد جر أمراء «أرثت» و«واوات» و«يام» و«مجا» (مزا) الأخشاب اللازمة؛ وقد عملتها كلها في سنة واحدة وأنزلت (السفن) في الماء محملة بالجرانيت بكثرة لأجل الهرم المسمى «مرنرع» جميل عندما يظهر» (9). وليس من المهم في هذا المتن المساعدة الودية التي بذلها أمراء بلاد النوبة، بل المهم في موضوعنا أنه كان في بلاد النوبة السفلى خشب كافٍ لبناء سفن منه هناك لتعود في النيل محملة بالجرانيت اللازم لبناء هرم الملك «مرنرع». وهذه الحقائق من الأهمية بمكان للباحث في العلاقات الاقتصادية بين مصر وبلاد النوبة، والواقع أن هذا المتن لا يقفنا على أن بلاد النوبة كانت تُوَرِّدُ لمصر الأحجار الجرانيتية وحسب، بل كذلك نعرف منه طريقة النقل المباشرة إلى مكان استغلال الأحجار نفسها، وذلك لأنه كما كانت مصر فقيرة في الأخشاب فإن السفن الكثيرة التي تحمل هذه الأحجار كانت تصنع من خشب بلاد النوبة نفسها، ولذلك فإن رحلة «وني» هذه كانت متعددة الفوائد لمصر. والواقع أن هذا القائد قد غادر مصر بجيش صغير على ما يظهر من الجنود والعمال إلى المكان الذي أراد أن يستغله، وهناك بنى سفنَ نقلٍ بمساعدة الأهالي، وفي الوقت نفسه قطع الأحجار ونقلها إلى الشاطئ وأنزلها في سفنه المخصصة لذلك، ثم سارت في النهر مخترقة الشلال الأوَّل إلى المكان الذي بُنِيَ فيه الهرم. أما السفن فإنها بعد تفريغ شحنتها كانت تستعمل في مصر لأغراض أخرى ولا تستعمل ثانية لنفس الغرض إذ لم تُرْسَلْ كَرَّةً أخرى إلى بلاد النوبة بل كان يصنع غيرها جديدًا.
والظاهر أن هذه السفن لم تكن كثيرة العدد كما يدل على ذلك متن «وني». هذا بالإضافة إلى أن كل أهالي بلاد النوبة كانوا يساعدون في إحضار مواد بنائها، وقد يدل هذا على أن العلاقات كانت سليمة بين البلدين، ولو ظاهرًا، على أنه من المحتمل أن «وني» قد استحضر معه سفنه في الحملة الأولى من مصر ليرى إذا كان في الإمكان تنفيذ الفكرة التي نَفَّذَهَا في الحملة الثانية، وهي كما قلنا بناء السفن في بلاد النوبة نفسها.
وفي أيامنا هذه تدل ظواهر الأحوال على أنه لا يوجد خشب كثير في بلاد النوبة، ولكن يظهر أن الوقت الذي استعمرت فيه مصر هذه البلاد كانت أخشابها مزدهرة وفيرة.
وهذه الأخشاب لم تكن وفيرة في وادي النيل وحده بل كذلك في وديان الصحراء نفسها، ولا أدل على ذلك من أن وديان الصحراء كانت عامرة بالأخشاب حتى القرن المنصرم كما جاء في وصف للرحالة «بورخارت» للصحراء الغربية إذ يقول مثلًا في وصف وادي «أم جات» الواقعة بالقرب من وادي «العلاقي»: لم يصادفنا حتى الآن وادٍ مررنا به فيه أشجار السنط الكثيفة بهذه الدرجة (10) التي وجدناها في هذا الوادي.
هذا إلى ما وجدته «مس مري» من جَبَّانَاتٍ للثيران في جهات الصحراء في بقاع لا يمكن أن تُرَبَّى فيها الآن حيوانات. وهذا يدل على ما طرأ على وجه الصحراء من تغيير في أيامنا هذه.
وعلى ذلك فإنه عندما يفكر الإنسان في أن الوديان كانت ذات أشجار باسقة يانعة، فإنه ليس من المستحيل أنه كانت توجد في الصحراء الواقعة غربِي بلاد النوبة، أو في شمال السودان فيلة ترتع في الأدغال التي فيها.
ومع ذلك فإن خشب بلاد النوبة لم يَقُمْ بالدَّور الذي كان يقوم به خشب بلاد «لبنان» لأن خشب بلاد النوبة كان من النوع الرخيص الذي يوجد منه كثير في مصر، ومعظمه كان من خشب السنط. ولما كان خشب النوبة من النوع العادي الرخيص فإنه لم يُسْتَوْرَدْ بحالته الطبعية إلى مصر بل كان يُصْنَعُ هناك كما حدَّثنا «وني» عن ذلك. فكان على عكس الخشب الذي يُسْتَوْرَدُ من لبنان.
الذهب: ومن الغريب أن الذهب الذي كان فيما بعدُ يُعَدُّ أهم مادة تُسْتَوْرَدُ من بلاد النوبة لم يأتِ ذكره في نقوش الدولة القديمة قط. ويمكن أن نفسر هذا بأن مناجم الذهب الواقعة بجوار مصر لم تكن غنية في محصولها ولم تُؤَسَّسْ تأسيسًا متينًا حتى إنها لم تكن كافية لتغطية نفقات البلاد.
وفي الدولة القديمة كان يُسْتَخْرَجُ الذهب من المناطق الشاسعة في مصر بين وادي النيل والبحر الأحمر وبخاصة في الصحراء الشرقية جنوبًا من طريق قنا — القصير إلى حدود السودان (11) في حين أن استخراج الذهب من السودان من «وادى العلاقي» وغيره لم يكن قد عُرِفَ عنه شيء أو على الأقل كان لا يُسْتَخْرَجُ منه إلا الشيء القليل.
..............................................
|
|
هل تعرف كيف يؤثر الطقس على ضغط إطارات سيارتك؟ إليك الإجابة
|
|
|
|
|
معهد القرآن الكريم النسوي يقدم خدماته لزائري الإمام الكاظم (عليه السلام)
|
|
|