أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-23
194
التاريخ: 2-7-2017
3216
التاريخ: 5-11-2015
3477
التاريخ: 21-6-2017
3273
|
1 - ثلاث غزوات ، وأكثر من عشر سرايا ، وعدد من الأحداث !
يتعجب الإنسان من تتابع فعاليات النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتنوعها ، ويتساءل : كيف اتسعت أيامه وأسبوعه وشهره وسنته ( صلى الله عليه وآله ) لكل هذه النشاطات ؟ !
ومن أمثلتها السنة الخامسة ، فقد كان فيها غزوة بنى المصطلق أو المريسيع ، وحادثة ابن سلول رئيس المنافقين المدنيين ، وتخلف عائشة عن القافلة التي جعلتها حديث الإفك ، وضياع ناقة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وطلاق زيد لزينب بنت جحش وزواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) بها ، ورسائله إلى بعض الحكام والملوك ، وغزوتان ذهب فيهما بنفسه : غزوة بنى لحيان ، وغزوة الغابة . وقصة العرنيين الذين سرقوا إبل الصدقة ، وأكثر من عشر سرايا ، لرد لصوص أو غزاة للمدينة .
وكان منها السرية التي قبضت على ثمامة بن أثال سيد اليمامة ، ثم التهيؤ لأداء العمرة التي سميت غزوة الحديبية .
وخلال ذلك نزول سور من القرآن وآيات ، وأحداث صغيرة وكبيرة !
لكن لاعجب من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي وهب وجوده لربه فباركه ، وكان يأتيه جبرئيل ( عليه السلام ) ويوجهه ويخبره بما يكون ، ويأمره بما يجب ، ويساعده عندما يلزم !
2 - تشجيع النبي « صلى الله عليه وآله » سباق الخيل والإبل
« أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالسبق بين ما ضُمِّرَ من الخيل وما لم يضَمَّر . . فأرسلها من الحَفْيا إلى ثنية الوداع ، وهو خمسة أميال أو ستة أو سبعة . وأجرى ما لم يضمَّر فأرسلها من ثنية الوداع إلى مسجد بنى زريق وهو ميلٌ أو نحوه . . وسابق أبو سعيد الساعدي على فرس النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذي يقال له : « الظَّرْب » فسبقت غيرها من الخيل ، وكساه النبي ( صلى الله عليه وآله ) برداً يمانياً ، بقيت بقية عند أحفاده إلى زمان الواقدي . وسبق أيضاً أبو أسيد الساعدي على فرس النبي ( صلى الله عليه وآله ) اسمه لزَّاز فأعطاه النبي حُلة يمانية . وسابق ( صلى الله عليه وآله ) بين الخيل مرة وجلس على سلع ، فسبقت له ثلاثة أفراس : لزَّاز ، ثم الظَّرب ، ثم السَّكْب » الصحيح من السيرة : 14 / 12 .
« وقد سابق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أسامة وأجرى الخيل ، فروى أن ناقة النبي ( صلى الله عليه وآله ) سُبقت فقال : إنها بغت وقالت فَوْقِى رسول الله ! وحقٌّ على الله عز وجل أن لايبغى شئ على شئ الا أذله الله ، ولو أن جبلاً بغى على جبل لهدَّ الله الباغي منهما » . الفقيه : 3 / 48 و 4 / 59 .
أقول : تقدم أن المسلمين لم يكن عندهم في معركة بدر في السنة الثانية للهجرة إلا فرس واحدة ، ثم كان عندهم في السنة الثالثة في أحُد بضعة أفراس ، فشجعهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) على اقتناء الخيل واشترى هو فكان عندهم في السنة الرابعة عدد منها ، وفى السنة الخامسة كانت خيلهم بالعشرات ، وشجع النبي ( صلى الله عليه وآله ) اقتناءها وأجرى السباق بينها ، وكذا بين الإبل . فاتسع اهتمام المسلمين بالخيل . ولا علاقة لهذا السباق الذي أجراه النبي ( صلى الله عليه وآله ) في السنة الرابعة والخامسة للهجرة وبين سقوطه عن فرسه ذات مرة ، فقد كان ذلك في السنة التاسعة .
فقد روى في الفقيه : 1 / 250 و 381 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقع عن فرس فشج شقه الأيمن ، فصلى بهم جالساً في غرفة أم إبراهيم » .
وفى رواية : فسحج شقه الأيمن أي خدش جلده . ونحوه عمدة القاري : 4 / 105 .
3 - لم تقع في المدينة زلزلة في عهد النبي « صلى الله عليه وآله »
قال في الصحيح : 14 / 24 : « وزعموا : أنه في سنة خمس من الهجرة زلزلت المدينة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله عز وجل يستعتبكم فأعتبوه . ونقول : إن الله تعالى يقول : وَمَا كَانَ اللهُ لِيعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ . . » .
أقول : لا أثر في أحاديث أهل البيت « عليهم السلام » لوقوع زلزلة في عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
قال المقريزي في إمتاع الأسماع : 12 / 390 : « لم يأت عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) من وجه صحيح أن الزلزلة كانت في عصره ولا صحت عنه فيها سنة . وأول زلزلة كانت في الإسلام في عهد عمر فأنكرهاثم قال : ما أسرع ما أحدثتم ! والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم » .
وزعموا أنه ضرب الأرض بسوطه فسكنت ! « الغدير : 8 / 82 » . وهو من المكذوبات .
وزعموا أنه أخذ تميماً الداري فطارد نار بركان في المدينة بيديه حتى هربت ! « الدارمي : 1 / 132 » . وهو من المكذوبات أيضاً !
4 - قصة زواج النبي « صلى الله عليه وآله » من زينب بنت حجش
قال الله تعالى : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يكُونَ لَهُمُ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً . وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنْعَمَ الله عَلَيهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيهِ أَمْسِكْ عَلَيكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ الله وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَالله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَى لَا يكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً . مَّا كَانَ عَلَى النَّبِى مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ الله فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَّقْدُوراً . الَّذِينَ يبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيخْشَوْنَهُ وَلا يخْشَوْنَ أَحَداً إِلا اللهَ وَكَفَى بِالله حَسِيباً . مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَئ عَلِيماً » . سورة الأحزاب : 36 - 40 .
في تفسير القمي : 2 / 172 بسند صحيح عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قال : « كان سبب نزول ذلك : وَإِذْ تَقُولُ للذِى أَنْعَمَ اللهُ عَلَيهِ . أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما تزوج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها ، ورأى زيداً يباع ورآه غلاماً كيساً حصيفاً فاشتراه ، فلما نبئ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دعاه إلى الإسلام فأسلم وكان يدعى زيد مولى محمد ( صلى الله عليه وآله ) فلما بلغ حارثة بن شراحبيل الكلبي خبر ولده زيد ، قدم مكة وكان رجلاً جليلاً ، فأتى أبا طالب فقال : يا أبا طالب إن ابني وقع عليه السبي ، وبلغنى أنه صار إلى ابن أخيك ، فسله إما أن يبيعه وإما أن يفاديه وإما أن يعتقه .
فكلم أبو طالب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هو حرٌّ فليذهب كيف يشاء ، فقام حارثة فأخذ بيد زيد فقال له : يا بني إلحق بشرفك وحسبك ، فقال زيد : لست أفارق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبداً ! فقال له أبوه : فتدع حسبك ونسبك وتكون عبداً لقريش ؟ فقال زيد : لست أفارق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما دمت حياً ، فغضب أبوه فقال : يا معشر قريش اشهدوا أنى قد برئت منه ، وليس هو ابني ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اشهدوا أن زيداً ابني أرثه ويرثني ، فكان يدعى زيد بن محمد ، فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحبه وسماه زيد الحِبّ ، فلما هاجر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة زوجه زينب بنت جحش ، وأبطأ عنه يوماً فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منزله يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيباً بفهر ، فنظر إليها وكانت جميلة حسنة ، فقال : سبحان الله خالق النور ، وتبارك الله أحسن الخالقين .
ثم رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعاً عجيباً ، وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال لها زيد : هل لك أن أطلقك حتى يتزوجك رسول الله ، فلعلك قد وقعت في قلبه ؟ فقالت : أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني رسول الله ! فجاء زيد إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : بأبى أنت وأمي يا رسول الله أخبرتني زينب بكذا وكذا ، فهل لك أن أطلقها حتى تتزوجها ؟ فقال رسول الله : لا ، إذهب فاتق الله وأمسك عليك زوجك ، ثم حكى الله فقال : أَمْسِكْ عَلَيكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَجْنَاكَهَا لِكَى لايكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً . فزوجه الله من فوق عرشه فقال المنافقون : يحرِّم علينا نسائنا ويتزوج امرأة ابنه زيد ! فأنزل الله في هذا : مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَينِ فِى جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِى تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يقُولُ الحَقَّ وَهُوَيهْدِى السَّبِيلَ . ثم قال : ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَأَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ . . » .
وفى عيون أخبار الرضا ( صلى الله عليه وآله ) : 2 / 172 ، أنه ( عليه السلام ) قال لابن الجهم : « وقول الله عز وجل : وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ، فإن الله عز وجل عرف نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أسماء أزواجه في دار الدنيا ، وأسماء أزواجه في دار الآخرة وأنهن أمهات المؤمنين ، وإحدى من سمى له زينب بنت جحش ، وهى يومئذ تحت زيد بن حارثه ، فأخفى اسمها في نفسه ولم يبده ، لكيلا يقول أحد من المنافقين إنه قال في امرأة في بيت رجل إنها إحدى أزواجه ، وخشي قول المنافقين فقال الله عز وجل : وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ، يعنى في نفسك ! وإن الله عز وجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حوا من آدم ( صلى الله عليه وآله ) وزينب من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقوله : فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَجْنَاكَهَا . وفاطمة من على ( عليه السلام ) .
قال : فبكى علي بن محمد بن الجهم وقال : يا ابن رسول الله أنا تائب إلى الله عز وجل من أن أنطق في أنبياء الله « عليهم السلام » بعد يومى إلا بما ذكرته » .
وفى تنزيه الأنبياء للشريف المرتضي / 155 : « فإن قيل . . . فما تأويل قوله تعالي : وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنْعَمَ الله عَلَيهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيهِ أَمْسِكْ عَلَيكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ الله وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَالله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ . . أوليس هذا عتاباً له ( صلى الله عليه وآله ) من حيث أضمر ما كان ينبغي أن يظهره ، وراقب من لا يجب أن يراقبه ، فما الوجه في ذلك ؟
قلنا : وجه هذه الآية معروف وهو أن الله تعالى لما أراد نسخ ما كان عليه الجاهلية من تحريم نكاح زوجة الدعي ، والدعى هو الذي كان أحدهم يجتبيه ويربيه ويضيفه إلى نفسه على طريق البنوة ، وكان من عادتهم أن يحرموا على أنفسهم نكاح أزواج أدعيائهم كما يحرمون نكاح أزواج أبنائهم ، فأوحى الله تعالى إلى نبيه أن زيد بن حارثة وهو دعى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيأتيه مطلقاً زوجته ، وأمره أن يتزوجها بعد فراق زيد لها ، ليكون ذلك ناسخاً لسنة الجاهلية التي تقدم ذكرها ، فلما حضر زيد مخاصماً زوجته عازماً على طلاقها ، أشفق الرسول من أن يمسك عن وعظه وتذكيره ، لا سيما وقد كان يتصرف على أمره وتدبيره ، فرجف المنافقون به إذا تزوج المرأة يقذفونه بما قد نزهه الله تعالى عنه » .
وفى الصحيح من السيرة : 14 / 51 : « وذكر البلاذري : أن زينب لما بشرت بتزويج الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) إياها ونزول الآية في ذلك جعلت على نفسها صوم شهرين شكراً لله ، وأعطت من بشَّرها حلياً كان عليها . . . قالت عائشة : فأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغني من جمالها ، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها ما صنع الله لها زوَّجها الله من السماء ! وقلت : هي تفتخر علينا بهذا . وكانت زينب تفتخر على أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) تقول : زوجكن أهاليكن ، وزوجني الله عز وجل من فوق سبع سماوات . قالوا : وما أوْلَمَ على امرأة من نسائه أكثر وأفضل مما أولم على زينب ، أولمَ عليها بتمر وسويق وشاةٍ ذبحها ، وأطعم الناس الخبز واللحم ، فترادف الناس أفواجاً يأكل فوج فيخرج ثم يدخل فوج ، حتى امتد النهار ، أطعمهم خبزاً ولحماً حتى تركوه » .
لكن عائشة استطاعت أن تجر زينب إليها وتجعلها من حزبها حسب تعبيرها . قال في الصحيح : 14 / 175 : « سرعان ما انقلبت الأمور ، وأصبحت زينب في موقع الحظوة لدى عائشة وصارت تمدحها بقولها : ما رأيت امرأة قط خيراً في الدين من زينب ، وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم ، وأعظم أمانة وصدقة » !
ثم ذكر أنها كانت من نوع عائشة في الجرأة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فكانت النصير والمساعد لها على تمرير بعض مشاريعها في إثارة أجواء تخدم مصالحها المستقبلية والآنية على حد سواء .
روى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : أن زينب قالت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تعدل وأنت رسول الله ؟ ! وقالت حفصة : إن طلقنا وجدنا أكفاءنا من قومنا ! فاحتبس الوحي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عشرين يوماً ، فأنف الله عز وجل لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) فأنزل : يا أَيهَا النَّبِى قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ . . إلى قوله : أجْرَاً عَظيماً . .
وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « إن زينب بنت جحش قالت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تعدل وأنت نبي ؟ ! فقال لها : تربت يداك إذا لم أعدل فمن يعدل ؟ ! قالت : دعوت الله يا رسول الله ليقطع يدي ؟ فقال : لا ، ولكن لتتربان . فقالت : إنك إن طلقتنا وجدنا في قومنا أكفاءنا » !
ومن طريف ما في سيرة أخبارها أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) سمى أباها جحشاً ! « قال القرطبي في تفسيره : 14 / 165 » : « وكان اسم جحش بن رئاب بُرَّة بضم الباء ، فقالت زينب لرسول الله : يا رسول الله غَيرْ اسم أبى فإن البُرة صغيرة ! « البُرَّة : حلقة توضع في أنف البعير ويربط بها الحبل أو الخيط - لسان العرب : 11 / 174 » فقيل إن رسول الله قال لها : لو كان أبوك مسلماً لسميته باسم من أسمائنا أهل البيت ، ولكني قد سميته جحشاً والجحش أكبر من البرة » . ورواه القرطبي في أحكام القرآن / 3534 ، المعافري في الروض الأنف : 2 / 292 والحلبي في السيرة : 2 / 483 ، تاريخ الخميس : 1 / 501 ، تاج العروس : 9 / 68 وحياة الحيوان / 305 .
5 - تشديد الحجاب على نساء النبي « صلى الله عليه وآله »
قال في الصحيح من السيرة : 14 / 129 : « روى الرواة عن زينب بنت جحش أنها قالت : في نزلت آية الحجاب ، وذكروا أن ذلك كان في مناسبة تزويجها برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وذكروا أن السبب في ذلك هو عمر بن الخطاب ، وجعلوا ذلك من فضائله حتى لقد رووا عن ابن مسعود أنه قال عن عمر : إنه فُضِّل على الناس بأربع ، وذكر منها أنه بذكره الحجاب أُمِرَ نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يحتجبن !
وروى أن عمر مرَّ على نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهن مع النساء في المسجد فقال : إحتجبن فإن لكن على النساء فضلاً ، كما أن لزوجكن على الرجال الفضل . فقالت له زينب : وإنك لتغار علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا ! فأنزل الله : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ .
وقد صرحوا أيضاً : بأن آية الحجاب التي نزلت في زينب بنت جحش هي قوله تعالي : يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيوتَ النَّبِى إِلا أَن يؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ . . الآية . وكان وقت نزولها صبيحة عرس النبي ( صلى الله عليه وآله ) بزينب بنت جحش في ذي القعدة سنة خمس . وعن أنس : ما بقي أحد أعلم بالحجاب مني ، ولقد سألني أبي بن كعب فقلت نزل في زينب . وفى رواية أنه في قضية زينب بنت جحش أراد أن يدخل مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) فألقى الستر بينه وبينه ونزل الحجاب » .
ثم ناقش صاحب الصحيح في فرض الحجاب كما صوروه لأنه موجود من الأصل ، وأورد رواياته في أحد عشر وجهاً فيها تناقض !
وقد كتبنا بحثاً في كتاب « ألف سؤال وإشكال : 2 / 300 » في اتهام البخاري وغيره للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه لم يكن يحجب نساءه ، حتى أمره عمر بذلك ، ونزل القرآن موافقاً لقول عمر ! وزعموا ، « البخاري : 1 / 46 » أن عمر كان يقول للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : أحجب نساءك فلم يفعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فنزل الوحي موافقاً لرأى عمر ، وأمر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يحجب نساءه ! ويتخيل القارئ من كثرة رواياتهم أن نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) كنَّ غير محجبات وأنه قصَّرَ أو تسامح في حجابهن ! مع أنهن كنَّ محجبات كغيرهن وكانت سورة النور قد نزلت وفيها آيات الحجاب وآداب الأسرة والاختلاط . أما آية الحجاب في سورة الأحزاب ففرضت عليهنَّ أن لايكلمن الرجال الأجانب إلا من وراء ستر . وهذه آيات الحجاب في سورة النور :
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيوبِهِنَّ وَلا يبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيرِ أُولِى الأرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلايضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيعْلَمَ مَا يخْفِين مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جميعاً أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . النور : 30 - 31 .
وقال تعالي : يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيسْتَئْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَوةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَوةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيسَ عَلَيكُمْ وَلا عَلَيهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَافُونَ عَلَيكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يبَينُ اللهُ لَكُمُ الآيات وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .
وإذا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيسْتَئْذِنُوا كَمَا اسْتَئْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يبَينُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِى لا يرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيسَ عَلَيهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يسْتَعْفِفْنَ خَيرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . النور : 58 - 60 .
وهذه آيات تشديد الحجاب على نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) في سورة الأحزاب :
يا أَيهَا النَّبِى قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً . وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فإن اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا .
يا نِسَاءَ النبي مَنْ يأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَينَةٍ يضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَينِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يسِيرًا . وَمَنْ يقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَينِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا .
يا نِسَاءَ النبي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قولاً مَعْرُوفًا . وَقَرْنَ فِى بُيوتِكُنَّ وَلاتَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيةِ الأولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَوةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إنما يرِيدُ اللهُ لِيذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً . وَاذْكُرْنَ مَا يتْلَى فِى بُيوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لطيفاً خَبِيرًا . سورة الأحزاب : 28 - 34 .
وقال تعالي : يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيوتَ النبي إِلا أَنْ يؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فإذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتأنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يؤْذِى النبي فَيسْتَحْيى مِنْكُمْ وَاللهُ لا يسْتَحْيى مِنَ الْحَقِّ وإذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عظيماً .
إِنْ تُبْدُوا شيئاً أَوْ تُخْفُوهُ فإن اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمًا . لاجُنَاحَ عَلَيهِنَّ فِى آبَائِهِنَّ وَلاأَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلاأَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلانِسَائِهِنَّ وَلامَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَئٍْ شَهِيدًا .
إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يصَلُّونَ عَلَى النبي يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسُلَيما . إِنَّ الَّذِينَ يؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِى الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا . وَالَّذِينَ يؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . يا أَيهَا النَّبِى قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يدْنِينَ عَلَيهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يعْرَفْنَ فَلا يؤْذَينَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا .
لَئِنْ لَمْ ينْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِى الْمَدِينَةِ لَنُغْرِينَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قليلاً . مَلْعُونِينَ أَينَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً . سُنَّةَ اللهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً . سورة الأحزاب : 53 - 62 .
وتدل الآيات على أن الله تعالى أراد منهن أن يتحلَّينَ بمتانة الشخصية ورصانة الكلام : فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ ، ولايكثرن الرواح والمجئ ولايتصدَّينَ للأمور السياسية : وَقَرْنَ فِى بُيوتِكُنَّ ، وأن يكنَّ في مستوى مسؤولية كونهن زوجات النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومستوى مقام أمهات المؤمنين الذي أعطاه الله لهن ، وإلا . . فليتنحَّينَ من حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! ومن الواضح أن الظروف التي كانت تحيط بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) كانت مؤذية له في نبوته وشخصه وأهل بيته ونسائه .
أما آية الحجاب التي طعنوا بسببها بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) فهي قوله تعالي : يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيوتَ النبي إِلا أَنْ يؤْذَنَ لَكُمْ . . . وإذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عظيماً .
فهي آية واحدة فيها ثلاثة أحكام : أدب الدخول إلى بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحرمة تكليمهن إلا من وراء حجابٍ وسترٍ ، ولذا سميت آية الحجاب . وحرمة الزواج بهنَّ بعده لأنهن أمهات المؤمنين . لكنهم صوروا أن نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يكنَّ قبلها محجبات ! وأكثروا الكذب عن سبب نزولها ، وتناقضت رواياتهم في مدح هذا وذاك ! وكلها أحاديث صحيحة السند عندهم ! مثل أن عمر أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلم يفعل ، فنزلت الآية موافقة لعمر ! وقول عائشة إنها كانت تأكل مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) حيساً « تمر بالسمن والطحين » فمر عمر فأكل معهم بأصابعه ، فمست إصبعه إصبع عائشة ، فنزلت الآية ! ثم قالت إن إصبع شخص آخر أصابت إصبعها ، فنزلت الآية !
ورووا أن عمر تشاجر مع زينب بنت جحش ، فنزلت الآية ! وأن سودة بنت زمعة خرجت ليلاً لتقضى حاجتها في جهة البقيع ، فناداها عمر عرفناك يا سودة ! فنزلت الآية ! ورووا أن شباباً كانوا يجلسون بطريق نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيؤذونهن ، فنزلت الآية ! ورووا : أنه ( صلى الله عليه وآله ) رأى رجالاً يتحدثون مع نسائه ، فصعد المنبر غاضباً وتلا الآية !
ورووا أن طلحة كان يؤذى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أمر نسائه ، وكان يتحدث مع عائشة ، فنهاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فرفض وأساء الأدب بحجة أنها ابنة عمه من بنى تَيم !
ففي الدر المنثور : 5 / 214 ، أنها : « نزلت في طلحة بن عبيد الله ، لأنه قال : إذا توفى رسول الله تزوجْتُ عائشة ! وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدِّى قال : بلغنا أن طلحة بن عبيد الله قال : أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا ! لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده ! فنزلت هذه الآية !
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أن رجلاً أتى بعض أزواج النبي فكلمها وهو ابن عمها ، فقال النبي : لا تقومَنَّ هذا المقام بعد يومك هذا ! فقال : يا رسول الله إنها ابنة عمي ، والله ما قلت لها منكراً ولا قالت لي ! قال النبي : قد عرفت ذلك ، إنه ليس أحد أغْيرُ من الله ، وإنه ليس أحد أغيرُ مني ! فمضى ثم قال : يمنعني من كلام ابنة عمي ! لأتزوجنها من بعده ! فأنزل الله هذه الآية » !
ورووا : وهو ما نرجحه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما تزوج بزينب بنت جحش ، أطعم الناس في حجرته التي هي « صالة بيته » وخرجوا وبقى رجال ثقلاء فذهب النبي ( صلى الله عليه وآله ) يتمشى حتى وصل إلى غرفة عائشة البعيدة نسبياً عن حجرته ، وعاد فوجد الثقيلين جالسين ولم يراعيا الأدب ، « البخاري : 6 / 24 » فنزلت الآية ، وفيها : وَلا مُسْتأنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يؤْذِى النبي فَيسْتَحْيى مِنْكُمْ وَاللهُ لايسْتَحْيى مِنَ الْحَقِّ .
قال البخاري : 6 / 25 ، عن أنس : « فقلت : يا نبي الله ما أجد أحداً أدعوه . قال : إرفعوا طعامكم ، وبقى ثلاثة رهط يتحدثون في البيت . . وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا ، فلما رأى ذلك قام ، فلما قام قام من قام ، وقعد ثلاثة نفر . . رأى رجلين جرى بهما الحديث ، فلما رآهما رجع عن بيته . . وأنزلت آية الحجاب » .
وفى فتح الباري : 8 / 407 : « فتهيأ للقيام ليفطنوا لمراده فيقوموا بقيامه . . فخرجوا بخروجه إلا الثلاثة الذين لم يفطنوا لذلك لشدة شغل بالهم بما كانوا فيه من الحديث ، وفى غضون ذلك كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يريد أن يقوموا من غير مواجهتهم بالأمر بالخروج لشدة حيائه ، فيطيل الغيبة عنهم بالتشاغل بالسلام » .
وقال القرطبي : 14 / 224 : « قال ابن أبي عائشة في كتاب الثعلبي : حسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم » ! وأقول : حسبك من الثقلاء أنهم محترمون جداً عند السلطة القرشية ، لأنهم رؤساؤها ، فقد أمرت رواتها بالتغطية عليهم وكتم أسمائهم !
وحسبك من كذب الرواة في سبب نزول آية الحجاب ، أنها كثيرة متناقضة !
6 - غزوة بنى لِحْيان
بعد بني قريظة ، غزا النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنى لِحْيان وهم بطن من قبيلة هذيل ، فربما كانوا يتهيؤون لمهاجمته ، وكانوا غدروا ببعض المسلمين وقتلوهم ، أو باعوهم إلى قريش ! فكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يدعو على قريش وعليهم ويلعنهم .
ففي الكافي : 8 / 70 : « الإيمان يماني والحكمة يمانية ، ولولا الهجرة لكنت امرءً من أهل اليمن . الجفا والقسوة في الفدَّادين أصحاب الوبر ربيعة ومضر ، من حيث يطلع قرن الشمس . . لعن الله رعلاً وذكوان وعضلاً ولحيان والمجذمين من أسد وغطفان ، وأبا سفيان بن حرب ، وشهبلاً ذا الأسنان ، وابنى مليكة بن جذيم ، ومروان ، وهوذة ، وهونة » .
وروى مسلم : 2 / 134 ، وغيره ، أنهم قتلوا قراء بعثهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى نجد فدعا عليهم « اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف ، اللهم العن لحيان ورعلاً وذكوان ، وعصية عصت الله ورسوله » .
وكانت غزوة مختصرة ، قال في المناقب : 1 / 170 : « في جمادى الأولى وكان بينهما الرمي بالحجارة وصلى فيها صلاة الخوف بعسفان ، ويقال في ذات الرقاع » .
وقال ابن هشام في روايته عن ابن إسحاق : 3 / 750 إنها : « على رأس ستة أشهر من فتح قريظة ، إلى بنى لحيان يطلب بأصحاب الرجيع : خبيب بن عدي وأصحابه وأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرة . . فسلك على غراب جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام ، ثم على مخيض ، ثم على البتراء ، ثم صفق ذات اليسار ، فخرج على بين ، ثم على صخيرات اليمام ، ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة ، فأغذ السير سريعاً حتى نزل على غران ، وهى منازل بنى لحيان وغران واد بين أمج وعسفان ، إلى بلد يقال له : ساية ، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رؤوس الجبال . . فخرج في مئتى راكب من أصحابه حتى نزل عسفان . . ثم كر وراح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قافلاً ، فكان جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول حين وجه راجعاً : آيبون تائبون إن شاء الله ، لربنا حامدون ، أعوذ بالله من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في الأهل والمال » .
ونقد في الصحيح من السيرة : 14 / 235 رواياتهم في مدة سفر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعمله في هذه الغزوة ، وبحث أهم ما فيها وهو زيارة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لقبر والدته آمنه « عليها السلام » كما تقدم .
7 - غزوة الغابة أو ذي قِرَد
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « أتى أبو ذر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله إني قد اجتويت المدينة « تأذيت من هوائها » أفتأذن لي أن أخرج أنا وابن أخي إلى مزينة فنكون بها ؟ فقال : إني أخشى أن يغير عليك خيل من العرب فيقتل ابن أخيك فتأتينى شعثاً فتقوم بين يدي متكئاً على عصاك فتقول : قتل ابن أخي وأخذ السرح ! فقال : يا رسول الله ، بل لا يكون إلا خير إن شاء الله .
فأذن له فخرج هو وابن أخيه وامرأته فلم يلبث هناك إلا يسيراً حتى غارت خيل لبنى فزارة فيها عيينة بن حصن ، فأخذت السرح وقتل ابن أخيه وأخذت امرأته من بنى غفار ، وأقبل أبو ذر يشتد حتى وقف بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبه طعنة جائفة ، فاعتمد على عصاه وقال : صدق الله ورسوله ، أخذ السرح وقتل ابن أخي وقمت بين يديك على عصاي ! فصاح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المسلمين فخرجوا في الطلب فردوا السرح وقتلوا نفراً من المشركين » . الكافي : 8 / 126 .
وقال في الصحيح من السيرة : 14 / 223 ، ملخصاً : « كانت غزوة الغابة ، وتعرف بذى قِرَد ، وهو ماء على بريد من المدينة من جهة الشام ، في يوم الأربعاء في شهر ربيع الأول من سنة ست ، قبل الحديبية . فلما قدم النبي ( صلى الله عليه وآله ) من غزوة بنى لحيان لم يقم ( صلى الله عليه وآله ) سوى أيام قلائل حتى أغار بنو فزارة بقيادة عيينة بن حصن في أربعين فارساً على لقاح النبي ( صلى الله عليه وآله ) التي كانت في الغابة فاستاقوها ، ونجا أبو ذر وبه طعنة جائفة ، وقتلوا ابنه وسبوا امرأته ! فأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن ينادى في المدينة : الفزع الفزع ، أو يا خيل الله اركبي ، وكان أول ما نودي بها ، وركب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في خمس مائة . وكان أول من انتهى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الفرسان المقداد وجماعة فقال له : أخرج في طلب القوم حتى ألحقك بالناس ، فخرج الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا ، وكان أول فارس لحق بهم محرز بن نضلة فحمل عليه رجل منهم فقتله ، ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة بن حصن .
وأقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المسلمين ، وقَتل عكاشة بن محصن أبانَ بن عمرو ، وأدرك أوباراً وابنه عمرواً وهما على بعير واحد ، فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعاً واستنقذوا بعض اللقاح ، قيل : عشرة منها وأفلت القوم بما بقي وهو عشر ، وهربوا إلى نجد . وسار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى نزل بالجبل من ذي قرد ، وأقام عليه يوماً وليلة ، ورجع إلى المدينة ، وقد غاب عنها خمس ليال .
وأفلتت امرأة أبي ذر على ناقة من إبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى قدمت المدينة فقالت للنبي ( صلى الله عليه وآله ) إنها نذرت أن تنحر الناقة التي نجت عليهاوتأكل من سنامها وكبدها ! فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : بئسما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها ! إنه لا نذر في معصية الله ، ولا فيما لا تملكين ، إنما هي ناقة من إبلي . إرجعى إلى أهلك على بركة الله » .
8 - سرية علي « عليه السلام » لملاحقة اللصوص العرنيين
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) « الكافي : 7 / 245 » : « قدم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قوم من بنى ضبة مرضى فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أقيموا عندي فإذا برئتم بعثتكم في سرية ، فقالوا : أخرجنا من المدينة ، فبعث بهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها ويأكلون من ألبانها ، فلما برئوا واشتدوا قتلوا ثلاثة ممن كانوا في الإبل ، فبلغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فبعث إليهم علياً ( عليه السلام ) فهم في واد قد تحيروا ليس يقدرون أن يخرجوا منه قريباً من أرض اليمن ، فأسرهم وجاء بهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فنزلت هذه الآية عليه : إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيسْعَوْنَ فِى الأرض فَسَاداً أَن يقَتَّلُواْ أَوْ يصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِنْ خِلافٍ أَوْ ينفَوْاْ مِنَ الأرض . فاختار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) القطع فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف » .
أقول : غيبت رواية الحكومة اسم على ( عليه السلام ) من هذه السرية وصار اسمها : سرية كرز بن جابر إلى العرنيين ! وحرفت روايتها للطعن بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وإثبات قسوته ، فزعمت أنه ( صلى الله عليه وآله ) قتل العرنيين وسمل عيونهم وتركهم عطاشى حتى ماتوا ثم أحرقهم ! ليبرروا للحكام ما يرتكبونه ، بل ليجعلوهم أرحم من النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
وكذب روايتهم الإمام الباقر ( عليه السلام ) فقال : « علل الشرائع : 2 / 541 » : « إن أول ما استحل الأمراء العذاب لكذبة كذبها أنس بن مالك على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه سمَّر يد رجل إلى الحائط ، ومن ثَمَّ استحل الأمراء العذاب » !
وروى عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : « لا والله ، ما سمل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عيناً ، ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم » . مسند الشافعي / 351 .
وقد كتبنا بحثاً في كتاب : ألف سؤال وإشكال : 2 / 435 ، المسألة : 164 ، استوفينا فيه رواياتهم وأقوال علمائهم وناقشناها . قال البخاري في صحيحه : 1 / 64 : « فلما صحُّوا قتلوا راعى النبي ( صلى الله عليه وآله ) واستاقوا النعم فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم ، فلما ارتفع النهار جئ بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم ، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون » . وقال في : 8 / 19 : « فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها ، وقطع أيديهم وأرجلهم ، وما حسمهم ثم ألقوا في الحرة » .
وقال في عون المعبود : 5 / 70 : « قال قتادة : بلغنا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة » . أي تاب عن المثلة بعد ذلك ، وكان ينهى المسلمين عنها !
9 - اتهام عائشة للنبي « صلى الله عليه وآله » بأنه قسى القلب
زعموا أنه ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن يبكى رحمة بأحد ، فقد بكى أبو بكر وعمر على سعد بن معاذ ، أما النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلم يكن يبكي ، بل يشد بشعر لحيته كأنه ينتفه !
فقد روى أحمد : 6 / 141 : « قالت عائشة : فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبى بكر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله عز وجل رحماء بينهم قال علقمة : قلت أي أمه ، فكيف كان رسول الله يصنع ؟ قالت : كانت عينه لا تدمع على أحد ! ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته » ! ووثقه في الزوائد : 6 / 13 .
10 - ثمامة سيد اليمامة هدية من الله إلى رسوله « صلى الله عليه وآله »
كان ثمامة بن أثال سيد بنى حنيفة الذين يسيطرون على اليمامة ، واليمامة هي سافلة نجد مما يلي البحرين ، وتبلغ ثلث ما يعرف اليوم بنجد :
https : / / ar . wikipedia . org / wiki / اليمامة ( إقليم )
في اللباب لابن الأثير : 1 / 396 : « الحنفي . . هذه النسبة إلى حنيفة وهم قبيلة كثيرة من ربيعة بن نزار نزلوا اليمامة ، وهم حنيفة بن لجيم بن صعب . . . بن ربيعة بن نزار ، ينسب إليه خلق كثير ، منهم ثمامة بن أثال الحنفي له صحبة ، وخولة أم محمد بن الحنفية وهو ابن علي بن أبي طالب » .
وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يحب أن يحاصر قريشاً ويمنع عنها التموين من جهة نجد والعراق ، كما منعه من جهة المدينة والشام ، لعلها تفكر وتخضع لربها وتسمع لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد يكون جبرئيل ( عليه السلام ) علمه أن يدعو الله تعالى أن يوقع ثمامة سيد اليمامة في قبضته ويهدى قلبه ، فكان ذلك في السنة الخامسة للهجرة .
ففي الكافي : 8 / 299 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « إن ثمامة بن أثال أسرته خيل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : اللهم أمكني من ثمامة ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إني مخيرك واحدة من ثلاث : أقتلك ، قال : إذاً تقتل عظيماً ! أو أفاديك ، قال : إذاً تجدني غالياً ! أو أمنُّ عليك ، قال : إذاً تجدني شاكراً ! قال : فإني قد مننت عليك . قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله ، وقد والله علمت أنك رسول الله حيث رأيتك ، وما كنت لأشهد بها وأنا في الوثاق » !
وفى الإستيعاب : 1 / 214 : « ثم أمر به فأطلق ، فذهب ثمامة إلى المصانع فغسل ثيابه واغتسل ، ثم جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأسلم وشهد شهادة الحق ، وقال : يا رسول الله إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ، فمر من يسيرنى إلى الطريق ، فأمر من يسيره فخرج حتى إذا قدم مكة ، فلما سمع به المشركون جاؤوه فقالوا : يا ثمامة صبوت وتركت دين آبائك ؟ قال : لا أدرى ما تقولون إلا أنى أقسمت برب هذه البُنَية لا يصل إليكم من اليمامة شئ مما تنتفعون به حتى تتبعوا محمداً عن آخركم ! قال : وكانت ميرة قريش ومنافعهم من اليمامة !
ثم خرج فحبس عنهم ما كان يأتيهم منها من ميرتهم ومنافعهم ، فلما أضرَّ بهم كتبوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إن عهدنا بك وأنت تأمر بصلة الرحم وتحض عليها ، وإن ثمامة قد قطع عنا ميرتنا وأضر بنا ، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يخلى بيننا وبين ميرتنا فافعل !
فكتب إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن خلِّ بين قومي وبين ميرتهم !
وكان ثمامة حين أسلم قال : يا رسول الله ، والله لقد قدمت عليك وما على الأرض وجه أبغض إلى من وجهك ، ولا دين أبغض إلى من دينك ، ولا بلد أبغض إلى من بلدك ، وما أصبح على الأرض وجه أحب إلى من وجهك ، ولا دين أحب إلى من دينك ، ولا بلد أحب إلى من بلدك !
11 - السنوات العجاف على قريش
قال الواحدي في أسباب النزول / 211 : « قال ابن عباس : لما أتى ثمامة بن أثال الحنفي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأسلم وهو أسير فخلى سبيله ، فلحق باليمامة فحال بين أهل مكة وبين الميرة من يمامة وأخذ الله تعالى قريشاً بسنى الجدب حتى أكلوا العلهز » الوبر بالدم « فجاء أبو سفيان إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أنشدكم الله والرحم ، إنك تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ، قال : بلي ، فقال : قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يتَضَرَّعُونَ » .
وسبق إسلام ثمامة دعاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) على قريش بعد غزوة الأحزاب : « اللهم اشدد وطأتك على مضر ، وابعث عليهم سنين كسنى يوسف ، فتتابعت عليهم الجدوبة والقحط سبع سنين حتى أكلوا القد والعظام والعلهز » . مختلف ابن قتيبة / 233 .
ثم جاءهم قرار ثمامة بمنع وصول أي مادة غذائية لهم فاشتد الأمر عليهم ، لكنهم لم يخضعوا لربهم ولا دعوه ، ولا طلبوا من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يدعو لهم ، بل كتبوا له إنك تأمر بصلة الرحم وإن ثمامة منع عنا الميرة فكتب إلى ثمامة » ! الوافي : 11 / 14 ، أسباب النزول للواحدي / 211 ، الحاكم : 2 / 394 ، ابن حبان : 3 / 247 .
والسبب في عدم خضوعهم ودعائهم تكبرهم الذي فاقوا به اليهود ! فقد قرروا أن لا يؤمنوا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) مهما رأوا من آياته !
وفى الكافي : 2 / 480 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « الإستكانة هو الخضوع والتضرع هو رفع اليدين والتضرع بهما » . راجع في ثمامة : تفسير الثعلبي : 5 / 12 ، الرازي : 23 / 113 ، الإصابة : 1 / 525 و 3 / 471 ، ابن هشام : 4 / 1026 و 1053 وتاريخ المدينة : 2 / 435 .
12 - أبعد أبو بكر ثمامة فاضطهده مسيلمة !
قال محمد بن إسحاق كما في الإستيعاب : 1 / 214 : « ارتد أهل اليمامة عن الإسلام غير ثمامة بن أثال ومن اتبعه من قومه ، فكان مقيماً باليمامة ينهاهم عن اتباع مسيلمة وتصديقه ، ويقول إياكم وأمراً مظلماً لا نور فيه ، وإنه لشقاء كتبه الله عز وجل على من أخذ به منكم ، وبلاءٌ على من لم يأخذ به منكم ، يا بنى حنيفة ! فلما عصوه ورأى أنهم قد أصفقوا على اتباع مسيلمة عزم على مفارقتهم .
ومر العلاء بن الحضرمي ومن معه على جانب اليمامة « في البحرين » فلما بلغه ذلك قال لأصحابه من المسلمين : إني والله ما أرى أن أقيم مع هؤلاء مع ما قد أحدثوا ، وإن الله تعالى لضاربهم ببلية لايقومون بها ولا يقعدون ، وما نرى أنت نتخلف عن هؤلاء وهم مسلمون ، وقد عرفنا الذي يريدون ، وقد مروا قريباً ولا أرى إلا الخروج إليهم ، فمن أراد الخروج منكم فليخرج ، فخرج ممداً للعلاء بن الحضرمي ومعه أصحابه من المسلمين ، فكان ذلك قد فتَّ في أعضاد عدوهم حين بلغهم مدد بنى حنيفة ! وقال ثمامة بن أثال في ذلك :
دعانا إلى ترك الديانة والهدى * مسيلمة الكذاب إذ جاء يسجعُ
فيا عجباً من معشر قد تتابعوا * له في سبيل الغى والغى أشنعُ . . . » .
وقد فصلنا الموضوع في كتاب : قراءة جديدة في حروب الردة .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|