المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9103 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



غزوة الأحزاب أو الخندق  
  
105   05:27 مساءً   التاريخ: 2024-10-25
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج2، ص172-215
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / حاله بعد الهجرة /

1 - تحالف أحزاب العرب واليهود ضد النبي « صلى الله عليه وآله »

سماها الله تعالى حرب الأحزاب ، لأن أحزاب العرب واليهود تحالفوا فيها على غزو المدينة ، لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، واستئصال بنى عبد المطلب !

كان ذلك في شهر شوال من السنة الرابعة ، كما اختاره عدد من المؤرخين ومنهم صاحب الصحيح ، وهو الأقرب ، والمشهور أنها في السنة الخامسة . ويظهر أنها كانت في أواخر شوال ، لأن محاصرة بني قريظة التي كان بعدها مباشرة لمدة أسبوعين ، كانت في أواخر ذي القعدة وأوائل ذي الحجة .

وكانوا يحفرون الخندق من شهر رمضان فقد كان خوات بن جبير صائماً وأغمى عليه وهو يعمل في الخندق ، فنزلت فيه الآية : أُحِلَّ لَكُمْ لَيلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ . . وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَينَ لَكُمُ الْخَيطُ الأَبْيضُ مِنَ الْخَيطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ . الكافي : 4 / 98 .

وكان عدد جيش الأحزاب عشرة آلاف على أقل تقدير ، وروى بضعاً وعشرين ألفاً ، وكانوا عدة فرق : جيش قريش ، وجيش هوازن ، وبنى سُلَيم ، وبنى مرة ، وبنى أشجع ، وبنى أسد ، ثم يهود قريظة في شرقي المدينة .

وكان عدد المسلمين المدافعين عن المدينة تسع مئة ، إلى ألف مقاتل .

واستمر الحصار نحو شهر ، حتى استطاع بعض فرسان المشركين بقيادة عمرو بن ود العامري أن يعبروا الخندق ، فبرز اليه على ( عليه السلام ) وقتله وقتل بعض من عبر معه ، وهرب الباقون . ثم أرسل الله عليهم ريحاً فاضطرب عسكرهم وانهزموا !

واتفقت المصادر على أن تجميع الأحزاب ضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) فكرة يهودية ، فبعد معركة بدر وأحُد ، وإجلاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنى النضير لنقضهم ميثاق التعايش ، ذهب حاخامات اليهود وزعماؤهم وفداً إلى مكة برئاسة الحاخام كعب بن أسد ، وكان هو الذي وقع عهدهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) . « فطافوا على وجوه قريش ودعوهم إلى حرب النبي . . . فقالوا لقريش : نحن معكم حتى نستأصل محمداً . . قال أبو سفيان : هذا الذي أقدمكم ونازعكم ؟ قالوا : نعم جئنا لنحالفكم على عداوة محمد وقتاله . قال أبو سفيان : مرحباً وأهلاً ، أحبُّ الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد .

زاد في نص آخر قوله : ولكن لا نأمنكم إلا إن سجدتم لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا ! قال النفر : فأخرج خمسين رجلاً من بطون قريش كلها أنت فيهم ، وندخل نحن وأنت بين أستار الكعبة حتى نلصق أكبادنا بها ، ثم نحلف بالله جميعاً : لايخذل بعضنا بعضاً ، ولتكونن كلمتنا واحدة على هذا الرجل ، ما بقي منا رجل ! ففعلوا ، فتحالفوا على ذلك وتعاقدوا ، فاتعدوا لوقت وقَّتوه .

فقال أبو سفيان : يا معشر اليهود أنتم أهل الكتاب الأول والعلم ، أخبرونا عما أصبحنا فيه نحن ومحمد ، ديننا خير أم دين محمد ؟ فنحن عُمار البيت وننحر الكوم « الناقة السمينة » ونسقى الحجيج ونعبد الأصنام ؟

قالوا : اللهم أنتم أولى بالحق ، إنكم لتعظمون هذا البيت ، وتقومون على السقاية وتنحرون البدن ، وتعبدون ما كان عليه آباؤكم ، فأنتم أولى بالحق منه . فأنزل الله في ذلك : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً . النساء : 51 .

فلما قالوا ذلك لقريش نشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله . فخرجت اليهود حتى أتت غطفان ، وقيس عيلان ، وأخذت قريش في الجهاز ، وسيرت في العرب تدعوهم إلى نصرها ، وألَّبوا أحابيشهم ومن تبعهم .

ثم خرجت اليهود حتى جاؤوا بنى سُلَيم ، فوعدوهم يخرجون معهم إذا سارت قريش . ثم ساروا في غطفان فجعلوا لهم تمر خيبر سنة وينصرونهم ويسيرون مع قريش إلى محمد إذا ساروا ، فأنعمت بذلك غطفان .

ولم يكن أحد أسرع إلى ذلك من عيينة بن حصن . . وذكر البعض أن كنانة بن أبي الحقيق جعل نصف تمر خيبر لغطفان في كل عام » ! الصحيح من السيرة : 9 / 25 .

وفى سيرة ابن هشام : 2 / 402 : « قال ابن إسحاق : وكان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبنى قريظة : حيى بن أخطب ، وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع ، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق أبو عمار ، ووحوح بن عامر ، وهوذة بن قيس » .

أقول : لاحظ أن جولتهم شملت قبائل تهامة ونجد ، وأنهم أعطوا للنجديين موسم ثمار خيبر أجرة على حربهم ، كما تعهدوا أن يشاركوهم في المعركة .

وعندما وصل أبو سفيان بجيش الأحزاب إلى المدينة وحاصرها ، تحرك اليهود في حصونهم ، فقام كعب بنقض عهده مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومزق صحيفته ، وجمع رؤساء قومه وهم : الزبير بن باطا ، وشاس بن قيس ، وعزال بن ميمون ، وعقبة بن زيد ، وأعلمهم بما صنع من نقض العهد ! « الصحيح من السيرة : 8 / 41 » لكنهم جبنوا عن الخروج ، فتصور أبو سفيان أنهم غدروا به ، فساعد ذلك على هزيمته !

2 - كانت قريش تجمع الأحزاب والنبي « صلى الله عليه وآله » يحفر الخندق

رُوِى أن سلمان الفارسي « رحمه الله » اقترح على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يحفروا خندقاً حول المدينة لمنع الأحزاب من دخولها ، فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) وأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذلك فخطَّ مكان الخندق وأمر المسلمين بحفره . ففي رسائل المرتضي : 4 / 117 : « أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بحفر الخندق وكان قد أشار بحفره سلمان الفارسي ، فلما رأته العرب قالوا : هذه مكيدة فارسية . واسم الموضع الذي حفر فيه الخندق المذاد » .

ورجح صاحب الصحيح من السيرة : 9 / 79 قول الواقدي بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو الذي أشار بحفر الخندق ، فاختلف فيه المسلمون ، فتكلم سلمان عن الحكمة فيه ، وأن الفرس يخندقون على مدنهم لصد هجوم العدو ، فاقتنعوا بحفر الخندق .

ومن مصادرنا شرح الأخبار : 2 / 287 عن علي ( عليه السلام ) أن جبرئيل أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بحفره .

3 - خطَّ النبي « صلى الله عليه وآله » مكان الخندق وقسَّم العمل فيه

قال في الصحيح من السيرة : 9 / 88 ، ملخصاً : إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ركب فرساً وخطَّ لهم موضع الخندق ، ما بين جبل بنى عبيد خَرْبَى إلى راتج ، حسب قول الواقدي ، وعند القمي : الخندق طولاً من أعلى وادى بطحان غربى الوادي مع الحرة إلى غربى مصلى العيد ، ثم إلى مسجد الفتح ، ثم إلى الجبلين الصغيرين اللذين في غربى الوادي . وكان طوله نحواً من خمسة آلاف ذراع وعرضه تسعة أذرع ، وعمقه سبعة أذرع . وجعل له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثمانية أبواب ، على كل باب رجلاً من المهاجرين ورجلاً من الأنصار مع جماعة ، يحفظونه من تسلل العدو .

وكان الخندق من الجهة الغربية الشمالية للمدينة ، أما بقية الجهات فكان فيها حواجز طبيعية ، تضاريس أو بيوت ، يسهل منع العدو من النفوذ منها .

وجعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) معسكره مقابل الخندق في سفح جبل سلع ، فكان الجبل إلى يساره وخلفه ، وعن يساره حرة الوبرة الوعرة ، وعن يمينه حرة وأقم الوعرة .

وتفاوتت الرواية في مدة الحفر ويبدو أنها نحو شهر ، وقد عمل فيه المسلمون بسرعة ليتم قبل قدوم الأحزاب ، وفرغوا منه قبل وصولهم بثلاثة أيام .

وقسَّم النبي ( صلى الله عليه وآله ) العمل فكان المهاجرون يحفرون من جانب راتج إلى ذباب ، والأنصار يحفرون من ذباب إلى جبل بنى عبيد ، وجعل لكل قبيلة حداً ، وجعل كل أربعين ذراعاً بين عشرة ، وبدأ ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه في حفر الخندق فأخذ معولاً فحفر في موضع المهاجرين وعلى ( عليه السلام ) ينقل التراب ، حتى عرق النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو يقول : لا عيشَ إلا عيش الآخرة . اللهم اغفر للأنصار والمهاجرين .

فلما نظر الناس إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحفر ، اجتهدوا في الحفر ونقلوا التراب ، فلما كان في اليوم الثاني بكَّروا إلى الحفر ، وكان ( صلى الله عليه وآله ) يحمل التراب على ظهره أو على عاتقه ، ثم يجلس حتى يستريح ، وجعل أصحابه يقولون : يا رسول الله نحن نكفيك فيقول : أريد مشاركتكم في الأجر . قال أبو واقد : ولقد رأيته يوماً بلغ منه فجلس ، ثم اتكأ على حجر على شقه الأيسر .

وكان المسلمون في فقر شديد أيام حفر الخندق ، حتى كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يشد على بطنه حجراً من الجوع .

وفى عيون أخبار الرضا : 1 / 43 ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « كنا مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حفر الخندق إذ جاءته فاطمة « عليها السلام » ومعها كسرة خبز ، فدفعتها إلى النبي فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما هذه الكسرة ؟ قالت : قرصاً خبزتها للحسن والحسين ، جئتك منه بهذه الكسرة ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث » !

4 - محاصرة الأحزاب للمدينة

أ . قال الله تعالى يصف جيش الأحزاب : يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا . إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا . هُنَالِكَ ابْتُلِى الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا . سورة الأحزاب 9 - 11 .

في المناقب : 1 / 170 : « إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ : أي من قبل المشرق . وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ : أي من المغرب . . فخرج إليه أبو سفيان بقريش ، والحارث بن عوف في بنى مرة ، ووبرة بن طريف ومسعود بن جبلة في أشجع ، وطليحة بن خويلد الأسدي في بنى أسد ، وعيينة بن حصن الفزاري في غطفان وبنى فزارة ، وقيس بن غيلان وأبو الأعور السلمى في بنى سُلَيم . ومن اليهود حيى بن أخطب ، وكنانة بن الربيع ، وسلام بن أبي الحقيق ، وهوذة بن قيس الوالي في رجالهم ، فكانوا ثمانية عشر ألف رجل ، والمسلمون في ثلاثة آلاف . وكان الكفار على الخمر والغناء والمدد والشوكة ، والمسلمون كأن على رؤوسهم الطير لمكان عمرو ! والنبي جاثٍ على ركبتيه باسط يديه ، باكية عيناه ، ينادى بأشجى صوت : يا صريخ المكروبين يا مجيب دعوة المضطرين ، إكشف همى وكربي ، فقد ترى حالي » .

وفى الصحيح من السيرة : 9 / 178 ملخصاً : « ذكر ابن سعد أنه كان مع المسلمين ستة وثلاثون فرساً . وقال ابن إسحاق كان المسلمون سبع مئة ، وقال البخاري كانوا ألفاً أو نحوها ، ونرجح قول ابن إسحاق للأمور التالية :

1 - قصة إطعام جابر لأهل الخندق جميعاً وكانوا سبع مئة رجل أو ثمان مئة ، أو ألف رجل .

2 - روى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنهم تسع مئة رجل ، وقد تكون تسع تصحيفاً لسبع .

3 - روى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : أكتبوا لي من تلفظ بالإسلام فكتب حذيفة ألفاً وخمس مئة رجل ، وكان هذا عام الحديبية . وما جرى في الخندق يوضح أن عدد سكان المدينة لا يصل إلى الخمسة آلاف نسمة . ووافى المشركون المدينة وأحاطوا بها واختلفت الأقوال في عددهم ، فقال المسعودي : سارت إليه قريش وغطفان وسُلَيم وأسد وأشجع وقريظة ونضير ، وغيرهم من اليهود ، فكان عدة الجميع أربعة وعشرين ألفاً ، منها قريش وأتباعها أربعة آلاف . وقال ابن شهرآشوب : كانوا ثمانية عشر ألف رجل . . وقال المسعودي إنه كان معهم ثلاث مئة فرس وألف وأربع مئة بعير ، وقائدهم أبو سفيان صخر بن حرب » .

ب . قال في شرح الأخبار : 1 / 292 : « ونظر المشركون إلى الخندق فتهيبوا القدوم عليه ولم يكونوا قبل ذلك رأوا مثله ، وقالوا إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تعرفها ! فجعلوا يدورون حوله بعساكرهم وخيلهم ورجلهم ويدعون المسلمين : ألا هلم للقتال والمبارزة ، فلا يجيبهم أحد إلى ذلك ولا يرد عليهم فيه شيئاً . ولزموا مواضعهم كما أمرهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد عسكروا في الخندق ، وأظهروا العدة ولبسوا السلاح ووقفوا في مواقفهم ، وتهيب المشركون أن يلجوا الخندق عليهم » .

وجعلوا معسكراتهم بعيدة عن الخندق نسبياً حتى لا يكونوا في مرمى المسلمين .

« أقبلت قريش حتى نزلت بين الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بنى كنانة وأهل تهامة ، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد » . البحار : 20 / 199 .

« وكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوماً ، ويغدو خالد بن الوليد يوماً ، ويغدو عمرو بن العاص يوماً ، ويغدو هبيرة بن أبي وهب يوماً ، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوماً ، ويغدو ضرار بن الخطاب الفهري يوماً ، فلا يزالون يجيلون خيلهم ، ويتفرقون مرة ويجتمعون مرة أخري ، ويناوشون المسلمين ويقدمون رماتهم فيرمون ، وإذْ أبو سفيان في خيل يطيفون بمضيق من الخندق يطلب مضيقاً من الخندق ، فرماهم المسلمون حتى رجعوا . . وكان أسيد بن حضير يحرس في جماعة ، فإذا عمرو بن العاص في نحو المائة يريدون العبور من الخندق فرماهم حتى ولوا ، وكان المسلمون يتناوبون الحراسة وكانوا في قَرٍّ شديد وجوع . وكان عمرو بن العاص وخالد كثيراً ما يطلبان غرة ومضيقاً من الخندق يقتحمانه ، فكانت للمسلمين معهما وقائع في تلك الليالي . .

وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يشارك في دفع المشركين عندما يقصدون الخندق ، ويوجه المسلمين إلى رميهم بالسهام أو الحجارة فيرجعون . وكان رماة المسلمين على أبواب الخندق وفى نقاط مناسبة ، وعمدة سلاحهم الحجارة ، وقد جمعوها أيام حفر الخندق : « ويخرج المهاجرون والأنصار في نقل التراب وعلى رؤوسهم المكاتل ، ويرجعون بها بعد إلقاء التراب منها ، وقد ملأوها حجارة من جبل سلع ، وهى أعظم سلاحهم ، يرمون بها » . إمتاع الأسماع : 1 / 225 .

« ومضى على الفريقين قريب من شهر ، لا حرب بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة ، حتى أنزل الله النصر » . سعد السعود لابن طاووس / 138 .

ج . وقع حدثان في أيام الحصار أثَّرا على معنويات المسلمين : الأول : نقض بني قريظة عهدهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) وانضمامهم عملياً إلى قريش . والثاني : إصابة سعد بن معاذ بسهم من المشركين إصابة شديدة ! فقد كانت قريش ومن معها من الأحزاب يحاصرون المدينة من غربيها ، وكانت مساكن بني قريظة شرقي المدينة « حَرَّة بني قريظة » فكانوا مع الأحزاب طوقاً شبه كامل عليها ، وكان خطر بني قريظة يعادل خطر بقية الأحزاب ! قالت أم سلمة رضي الله عنها : « شهدت معه مشاهد فيها قتال وخوف : المريسيع ، وخيبر ، وكنا بالحديبية ، وفى الفتح ، وحنين ، ولم يكن من ذلك أتعب لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا أخوف عندنا من الخندق ! وذلك أن المسلمين كانوا في مثل الحرجة « الطوق » وأن قريظة لا نأمنها على الذراري ، فالمدينة تحرس حتى الصباح ، نسمع تكبير المسلمين فيها حتى يصبحوا » . إمتاع الأسماع : 1 / 235 .

لذلك أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بتجميع النساء والأطفال في « الآطام » أي المباني المحصنة المرتفعة ، قال في الصحيح : 9 / 269 : « وكانت حراستهم تتركز على الأمور الرئيسية وهي : 1 - مركز قيادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . 2 - العسكر . 3 - الخندق . 4 - المدينة . 5 - الرصد لتحركات العدو . 6 - النساء والذراري وتعاهدهم في الآطام . 7 - أبواب الخندق .

قال النويري وغيره : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يبعث سلمة بن أسلم في مائتي رجل ، وزيد بن حارثة في ثلاث مئة يحرسون المدينة ويظهرون التكبير ، وذلك أنه كان يخاف على الذراري من بني قريظة . وكان عباد بن بشر على حرس قبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مع غيره من الأنصار يحرسونه كل ليلة . وكانت المدينة تحرس حتى الصباح يسمع فيها التكبير حتى يصبحوا » . والطبقات : 2 / 67 .

وكان مسؤول الحراسة والعسكر كله على ( عليه السلام ) ، ففي تفسير القمي : 2 / 186 : « وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمر أصحابه أن يحرسوا المدينة بالليل ، وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على العسكر كله ، بالليل يحرسهم ، فإن تحرك أحد من قريش نابذهم » .

وعندما نقض بنو قريظة عهدهم ومزقوا نسخته وأعلنوا الحرب على المسلمين : « كان الخوف على الذراري بالمدينة من بني قريظة أشد من الخوف من قريش وغطفان . . وهمت بنو قريظة أن يغيروا على المدينة ليلاً ، وبعث حيى بن أخطب إلى قريش أن يأتيه منهم ألف رجل ومن غطفان ألف ، فيغيروا بهم فجاء الخبر بذلك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فعظم البلاء » . « الإمتاع : 1 / 233 » . فأرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) إليهم « سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، وخوات بن جبير ، وعبد الله بن رواحة يستخبرون الأمر ، فوجدوهم مكاشفين بالغدر والنيل من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فشاتمهم سعد بن معاذ وكانوا أحلافه وانصرفوا ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمرهم إن وجدوا الغدر حقاً أن يخبروه تعريضاً لئلا يفُتُّوا في أعضاد الناس » . الصحيح : 9 / 197 .

ورفض ثلاثة أشخاص من بني قريظة نقض العهد وخرجوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأسلموا وكانوا معه ، وهم « بنو سَعْنة » : أسد وأسيد وثعلبة .

الصحيح : 8 / 138 .

« وأرسلت قريظة إلى أبي سفيان ومن معه من الأحزاب يوم الخندق ، أن أثبتوا فإنا سنغير على بيضة المسلمين من ورائهم » . اللمع للسيوطي / 93 .

وفى الإمتاع : 1 / 241 ، أن أبا سفيان ذهب إلى بني قريظة يحثهم على مهاجمة المدينة ، فأبوا أن يقاتلوا حتى يأخذوا سبعين رجلاً من قريش وغطفان رهاناً !

وأرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) زيد بن حارثة في ثلاث مئة ، وأسلم بن حريش في مئتين تتقدمهم خيل المسلمين وأمرهم أن يظهروا التكبير ، وشدد على حراسة المدينة من جهة قريظة ، وكان يرسل مجموعات الاستطلاع والكمائن ، فخافت قريظة !

ورووا قصة صفية عمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما كانت النساء والذراري في الآطام ، قالت : « فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن ، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ، ورسول الله والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آتٍ ، قالت فقلت : يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن ، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود ، وقد شغل عنا رسول الله وأصحابه فانزل إليه فاقتله ، قال : يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب ، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا ! قالت : فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئاً احتجزت ثم أخذت عموداً ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته . قالت : فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت : يا حسان إنزل إليه فاسلبه ، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل . قال : مالي بسلبه من حاجة » . ابن هشام : 3 / 711 وأمالي الطوسي / 261 .

د . كان الوقت يعمل لصالح المسلمين بسبب فقدان الأحزاب مصدر تموين جيشهم وعلف خيلهم وإبلهم ، وبسبب تعدد قياداتهم واختلاف أمزجتهم ، فالوقت آخر الصيف وقد أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يجمعوا غلالهم ولا يتركوا شيئاً خارج المدينة .

قال في إمتاع الأسماع : 1 / 223 : « خرجت قريش ومن تبعها من أحابيشها في أربعة آلاف وعقدوا اللواء في دار الندوة ، وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، وقادوا معهم ثلاث مائة فرس وكان معهم ألف بعير وخمس مائة بعير .

ولاقتهم سُلَيم بمر الظهران في سبع مائة يقودهم سفيان بن عبد شمس وهو أبو أبى الأعور السلمي ، الذي كان مع معاوية بن أبي سفيان بصفين ، وخرجت بنو أسد وقائدها طليحة بن خويلد الأسدي ، وخرجت بنو فزارة في ألف يقودهم عيينة بن حصن ، وخرجت أشجع في أربع مائة يقودهم مسعود بن رحيلة . . وخرجت بنو مرة في أربع مائة يقودهم الحارث بن عوف . . .

وأقبلت قريش في أحابيشها ومن تبعها من بنى كنانة حتى نزلت وادى العقيق ، ونزلت غطفان بجانب أحد ومعها ثلاث مائة فرس ، فسرحت قريش ركابها في عضاة وادى العقيق ، ولم تجد لخيلها هناك شيئاً إلا ما حملت من علفها وهو الذرة . وسرحت غطفان إبلها إلى الغابة في أثلها وطرفائها . وكان الناس قد حصدوا زرعهم قبل ذلك بشهر ، وأدخلوا حصادهم وأتبانهم . وكادت خيل غطفان وإبلها تهلك من الهزل ، وكانت المدينة إذ ذاك جديبة » .

ه - . قويت معنويات الأحزاب بنقض بني قريظة عهدهم وإصابة سعد ، فكانوا ينتظرون حملة بني قريظة من الشرق ، ويطمعون بعبور الخندق من الغرب ، فيطبقوا على المسلمين ويستأصلوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما زعموا ! وقد أرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) نصف جيشه أو أكثر لحراسة المدينة من بني قريظة ، وبقى في من معه يحرسون الخندق الذي يبلغ طوله نحو ثلاث كيلو مترات ، ويصدون محاولات الأحزاب لعبوره . وكان بعضهم ضعافاً وبعضهم ينامون ولذا كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يشارك بنفسه في حراسة الخندق . « الصحيح : 9 / 15 » . وفى ليلة رد محاولة للمشركين ثم رجع ونام : « وإذا بضرار بن الخطاب وعيينة بن حصن في عدة ، فركب ( صلى الله عليه وآله ) بسلاحه ثانياً فرماهم المسلمون حتى ولوا وفيهم جراحات » . الإمتاع : 1 / 233 .

5 - فرَّ أكثر المسلمين في حرب الخندق !

ووبَّخَهم الله في آيات الأحزاب لخوفهم ونقص إيمانهم ويقينهم ، وهدد الذين فروا منهم ونقضوا عهدهم بأن لايفروا . وسخرت الآيات من مرضى القلوب « المنافقين السياسيين » لأنهم قالوا : مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا ! ومدح المؤمنين الصادقين الذين لم ترتجف قلوبهم ، لأنهم على يقين بالنصر : قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ .

لقد تجمعت عوامل على المسلمين : منها كثرة جيش الأحزاب ، ومحاولاتهم المستمرة للنفوذ من الخندق . وانضمام بني قريظة لهم ، وتهديدهم بالهجوم على المدينة . والأزمة الاقتصادية الشديدة عليهم . وإصابة سعد بن معاذ « رحمه الله » . وفعالية قريش واليهود داخل مجتمع المسلمين .

لكن أكثر ما أضعفهم أن بعضهم أخذ يستأذن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليتفقد بيته بحجة أنه قريب من قريظة فيذهب ولا يعود ! وبعضهم هرب بدون استئذان !

هذه هي الصورة الصحيحة للصحابة في غزوة الأحزاب ، لكن رواة قريش أخفوا مرضى القلوب ، والكاذبين في الاستئذان ، والمتخلفين عن العودة . وفرار هؤلاء مخفى لكنه فرار كامل الشروط ، فضحه الله بقوله : وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْئُولاً ، فسماه فراراً بأشد أسمائه !

وفى حديث ابن عمر ، قال : « بعثني خالى عثمان بن مظعون لآتيه بلحاف فأتيت النبي فاستأذنته وهو بالخندق فأذن لي وقال : من لقيت فقل لهم إن رسول الله يأمركم أن ترجعوا ، وكان ذلك في برد شديد ، فخرجت ولقيت الناس فقلت لهم إن رسول الله يأمركم أن ترجعوا . قال : فلا والله ما عطف على منهم اثنان أو واحد » . رواه الطبراني في الأوسط : 5 / 275 وصححه في مجمع الزوائد : 6 / 135 .

وفى حديث حذيفة ، ورواه الحاكم : 3 / 31 وصححه ، ووثقه مجمع الزوائد : 6 / 136 : « إن الناس تفرقوا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليلة الأحزاب فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً ، فأتاني رسول الله وأنا جاثم من البرد ، وقال : يا ابن اليمان قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب فانظر إلى حالهم . قلت : يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما قمت إليك إلاحياء منك من البرد » .

وفى حديث عائشة ، الذي رواه أحمد : 6 / 141 والزوائد : 6 / 138 وحسَّنه ، وصفت اختباء جماعة من الصحابة في حديقة ، منهم عمر وطلحة ، وذكرت أن عمر كان يتخوف من الهزيمة والفرار العام ! قالت : « خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس ، قالت فسمعت وئيد الأرض ورائي يعنى حس الأرض ، قالت فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحرث بن أوس يحمل مجنه ، قالت فجلست إلى الأرض فمر سعدٌ وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه فأنا أتخوف على أطراف سعد ، قالت وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم ، قالت : فمر وهو يرتجز ويقول : ليت قليلاً يدرك الهيجا حمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل !

قالت : « فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين ، وإذا فيهم عمر بن الخطاب ، وفيهم رجل عليه سبغة له يعنى مغفراً فقال عمر : ما جاء بك ، لعمري والله إنك لجريئة ، وما يؤمنك أن يكون بلاء « هزيمة » أو يكون تَحَوُّز « فرار عام » !

قالت : فما زال يلومنى حتى تمنيت أن الأرض انشقت لي ساعتئذ فدخلت فيها . قالت فرفع الرجل السبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله فقال : يا عمر ويحك إنك قد أكثرت منذ اليوم ، وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله عز وجل » !

فحديث ابن عمر يقول إنهم عصوا أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وظلوا في المدينة إلا من ندر ! وحديث حذيفة يقول إنهم تفرقوا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولم يبق معه إلا اثنا عشر ! وحديث عائشة يقول إنها خرجت من الحصن الذي كان فيه النساء وهو حصن بنى حارثة في المدينة ، « ابن هشام : 3 / 710 » وهو في جهة العوالي وليس في جهة الخندق « الحاكم : 4 / 50 » فمشت باتجاه الخندق فرأت سعداً ذاهباً مع جماعته ، فحادت عن الطريق ودخلت في بستان هناك ، فوجدت جماعة فيهم عمر وطلحة مختبئين ! وكان عمر يتحدث عن احتمال الهزيمة العامة وفرار المسلمين ! فيجيبه طلحة : أكثرت الكلام عن الفرار ، ونحن لسنا هاربين ، بل متحيزون إلى الله !

وينبغي التذكير بأن آية المتسللين : قدْ يعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيحْذَرِ الَّذِينَ يخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . نزلت في الفارين من حفر الخندق أو المرابطة عنده ، وهى شاملة لهم .

يضاف إلى ما تقدم ، شهادة البيهقي في سننه : 9 / 31 : « فلما اشتد البلاء على النبي وأصحابه نافق ناس كثير وتكلموا بكلام قبيح ، فلما رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما فيه الناس من البلاء والكرب جعل يبشرهم ويقول : والذي نفسي بيده ليفرجن عنكم ما ترون من الشدة والبلاء ، فإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمناً وأن يدفع الله عز وجل مفاتح الكعبة ، وليهلكن الله كسرى وقيصرولتنفقن كنوزهما في سبيل الله ! فقال رجل ممن معه لأصحابه : ألا تعجبون من محمد يعدنا أن نطوف بالبيت العتيق وأن يغنيهم كنوز فارس والروم ، ونحن ههنا لا يأمن أحدنا أن يذهب إلى الغائط ، والله لما يعدنا إلا غرواً ! وقال آخرون ممن معه : إئذن لنا فإن بيوتنا عورة وقال آخرون : يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا . وسمى ابن إسحاق القائل الأول : معتب بن قشير ، والقائل الثاني : أوس بن قيظي » ! وهى تسمية سياسية للتغطية على القائل الحقيقي !

ويضاف إلى ما تقدم شهادة القمي في تفسيره : 2 / 186 ، قال : « فلما طال على أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الأمر واشتد عليهم الحصار وكانوا في وقت برد شديد وأصابتهم مجاعة ، وخافوا من اليهود خوفاً شديداً ، تكلم المنافقون بما حكى الله عنهم . ولم يبق أحد من أصحاب رسول الله إلا نافق إلا القليل ! وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخبر أصحابه أن العرب تتحزب ويجيئون من فوق وتغدر اليهود ونخافهم من أسفل ، وأنه ليصيبهم جهد شديد ولكن تكون العاقبة لي عليهم ، فلما جاءت قريش وغدرت اليهود قال المنافقون : مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا ، وكان قوم لهم دور في أطراف المدينة فقالوا يا رسول الله تأذن لنا أن نرجع إلى دورنا ، فإنها في أطراف المدينة ، وهى عورة ونخاف اليهود أن يغيروا عليها .

وقال قوم : هلموا فنهرب ونصير في البادية ونستجير بالأعراب ، فإن الذي كان يعدنا محمد كان باطلاً كله » .

6 - مرضى القلوب يتآمرون على النبي « صلى الله عليه وآله » مع الأحزاب

كان مرضى القلوب الذين حمَّلوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) هزيمة أحُد لأنه لم يشركهم في القيادة : لوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَيئٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ! كانوا يأتمرون لحل القضية بزعمهم :

1 - فأشاعوا فكرة المصالحة مع النجديين بإعطائهم ثلث ثمار المدينة سنوياً لينصرفوا ، وقد أحبطها النبي ( صلى الله عليه وآله ) باستشارة الزعيمين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ، وهو يعرف أنهما يرفضانها ، فرفضاها وانتهت .

وذكر بعضهم أن زعيمي النجديين عيينة والحارث جاءا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وطلبا منه ذلك ، « ابن شيبة : 8 / 501 » وكذب بعضهم على النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه هو الذي بعث لهما ! « الطبري : 2 / 238 » . وأنه كتب عهداً بذلك لعيينة بن حصن رئيس هوازن ، ثم تراجع عنه ! الصحيح من السيرة 9 / 242 .

2 - طرح بعضهم تسليم النبي ( صلى الله عليه وآله ) لقريش فقال : « والله إن ندفع محمداً إليهم برمته نسلم من ذلك » ! « كتاب سُلَيم / 249 » لكن ذلك لم يكن ممكناً لهم !

3 - كان مرضى القلوب على صلة بأبى سفيان ، وطلب منهم أن يأخذوا نقطة ضعيفة من الخندق ويسهلوا عبورهم منها ، فإذا عبروا استغلوا الاضطراب في جيش النبي ( صلى الله عليه وآله ) وردموا الثغرة ليعبر جيش الأحزاب ، ويقضوا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

ومن المؤشرات على ذلك أن عمرو بن ود وجماعته ، أمروا جنودهم أن يتهيؤوا للقتال غداً قبل محاولتهم عبور الخندق ، لأنهم كانوا واثقين من نجاح عبورهم !

« مروا بمنازل بنى كنانة فقالوا : تهيؤوا يا بنى كنانة للحرب ، فستعلمون من الفرسان اليوم » . الإرشاد : 19 / 7 وابن هشام : 3 / 705 .

ويدل عليه أنه بمجرد أن عبر فرسانهم ركز النبي ( صلى الله عليه وآله ) اهتمامه على الثغرة ! فأمر علياً ( عليه السلام ) أن يبادر بسرعة فيأخذها ، فإن اعترض أحد من « المسلمين » فليقتله !

قال القاضي النعمان في شرح الأخبار : 1 / 294 : « وتسلل عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أكثر أهل المدينة فدخلوا بيوتهم كالملقين بأيديهم ، فاقتحم عمرو بن عبد ود وأصحابه الخندق على المسلمين وهم على هذه الحال ، فلما نظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى ذلك وأن خيلهم جالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع ، وقربوا من مناخ رسول الله ، تخوف أن يمدهم سائر المشركين فيقتحموا الخندق فدعى علياً ( عليه السلام ) فقال : يا علي إمض بمن خفَّ معك من المسلمين فخذ عليهم الثغرة التي اقتحموا منها ، فمن قاتلكم عليها فاقتلوه ! فمضى على ( عليه السلام ) في نفر جمعوا معه يريدون الثغرة ، وقد كان المشركون هموا أن يلجوها ، فلما رأوهم وهم أقل من الذين اقتحموها منهم توقفوا لينظروا ما يكون من أمر أصحابهم معهم ، وعطف عليهم عمرو بن عبد ود بمن كان معه تعنق بهم خيلهم ، حتى قربوا منهم » .

كان مسؤول المنطقة التي فيها الثغرة أسيد بن حضير الذي صار فيما بعد من أبطال السقيفة ، فقد روى الواقدي أن الأحزاب حاولوا العبور منها وأن سلمان نظر إليها وقال لأسيد : « إن هذا مكان من الخندق متقارب ، ونحن نخاف أن تطفره خيلهم ، وكان الناس عجلوا في حفره ، وبادروا فباتوا يوسعونه حتى صار كهيئة الخندق » . الصحيح : 9 / 279 .

كان عرض الخندق تسعة أذرع وعمقه سبعة أذرع ، والذراع يساوى نصف متر أو أكثر ، « الأوزان والمقادير / 56 » فيكون عرضه نحو خمسة أمتار وعمقه ثلاثة أمتار ونصفاً . ومن الصعب أن يقفز الفرس هذه المسافة ، فيحتمل أن يكون أحدٌ ردم جانب الخندق ، ولا يكون ذلك إلا بغياب الحراسة ، أو تواطؤ الحراس ! وهذا يرجح وجود مؤامرة لعبور الأحزاب فبادر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمر علياً بقتل من يعترض عمله فيها ! ويؤيد ذلك أن العبور كان بعد إصابة سعد بن معاذ « رحمه الله » .

7 - يقين النبي « صلى الله عليه وآله » بالنصر في غزوة الأحزاب وغيرها

فعندما ضرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) الصخرة في الخندق وخرج منها ثلاث برقات ، قال : « لقد فتح الله على في ضربتي هذه كنوز كسرى وقيصر ! فقال أحدهما لصاحبه : يعدنا بكنوز كسرى وقيصر ، وما يقدر أحدنا أن يخرج يتخلي » . الكافي : 8 / 216 .

وعندما بلغه أن قريظة نقضوا العهد وأعلنوا الحرب قال : « الله أكبر ، أبشروا يا معشر المسلمين ، أو قال : أبشروا بنصر الله وعونه » . الصحيح من السيرة : 9 / 199 .

وورد في تفسير قوله تعالي : وَلَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ . أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان أخبرهم أنه سيتظاهر عليهم الأحزاب ووعدهم الظفر بهم ، فلما رأوهم تبين لهم مصداق قوله ، وكان ذلك من معجزاته ( صلى الله عليه وآله ) . البحار : 20 / 195 .

وفى الكافي : 2 / 561 2 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « كان دعاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليلة الأحزاب : يا صريخ المكروبين ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، ويا كاشف غمى اكشف عنى غمى وهمى وكربي ، فإنك تعلم حالي وحال أصحابي ، واكفني هول عدوي ، فإنه لا يكشف ذلك غيرك » . ورويت له ( صلى الله عليه وآله ) أدعية أخري .

وفى مستدرك الوسائل : 5 / 281 : « دعا النبي ( صلى الله عليه وآله ) على الأحزاب يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ، واستجيب له يوم الأربعاء بين الظهر والعصر ، فعرف السرور في وجهه قال جابر : فما نزل بي أمر غائض وتوجهت تلك الساعة إلا عرفت الإجابة » .

8 - من معجزات النبي « صلى الله عليه وآله » في غزوة الأحزاب

أ - منها : أن سلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن وجماعة ، كانوا يعملون في أربعين ذراعاً ، فخرجت عليهم صخرة كسَّرت معاولهم : « فصعد سلمان إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان في قبة تركية ، فأخبره فهبط معه وبطنه معصوب بحجر من الجوع ، ورأى شدة المكان فأخذ المعول وضربها ضربة فصدعها ، وبرق منها برق أضاء بين لابتى المدينة ، فكبَّر تكبيرة وكبر المسلمون ، ثم ضربها ثانية فكذلك ، ثم الثالثة فكذلك ، فصدعها . فأخذ بيد سلمان ورقي ، فسألوه فقال : إنه بالبرقة الأولى أضاءت له قصور الحيرة ومدائن كسري ، وأخبره جبرئيل بأن أمته ظاهرة عليها ، وفى الثانية أضاءت له القصور الحمر من أرض الروم ، وأخبره جبرئيل بأن أمته ظاهرة عليها ، وفى الثالثة أضاءت له قصور صنعاء وأخبره جبرئيل بأن أمته ظاهرة عليها ! فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله موعد صدق !

فقال المنافقون : ألا تعجبون من محمد يمنيكم ويعدكم الباطل وأنتم تحفرون الخندق من الفَرَق لا تستطيعون أن تبرزوا !

وفى الخصال / 390 : « ثم ضرب الثالثة ففلق بقية الحجر وقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا ! » .

ب - ومنها : قال جابر بن عبد الله : اتفقت مع زوجتي سهيلة بنت مسعود الأنصارية ، أن تصلح ما عندهما وهو مد من شعير وشاة غير سمينة ثم ندعو النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى الطعام ، فسأله النبي ( صلى الله عليه وآله ) عما عنده فأخبره . فقال ( صلى الله عليه وآله ) كثير طيب ، ثم دعا أهل الخندق جميعاً وقال لهم : إن جابراً قد صنع لهم سوراً فأقبلوا معه ! قال جابر : فقلت والله إنها الفضيحة ! فأتيت المرأة فقلت لها قد جاءك رسول الله وأصحابه أجمعون ! فقالت : أنت دعوتهم أو هو دعاهم ؟ فقلت : بل هو دعاهم قالت : دعهم هو أعلم ! فأكل الجميع حتى شبعوا وقال ( صلى الله عليه وآله ) : كلوا واهدوا فإن الناس أصابتهم مجاعة شديدة ، فأكلنا وأهدينا فلما خرج رسول الله ذهب ذلك » . الصحيح : 9 / 148 .

ج - ومنها : قال جابر : « اشتد علينا في حفر الخندق كدانة « صخرة » فشكونا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فدعا بإناء من ماء فتفل فيه ، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو ، ثم نضح الماء على تلك الكدانة فعادت كالكندر « لينة » » . المناقب : 1 / 103 .

د - ومنها : أن ابنة بشير بن سعد جاءت بحفنة تمر إلى أبيها وخالها عبد الله بن رواحة ، فرآها النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهى تلتمس أباها وخالها ، فأخذها منها في كفه فما ملأتها ، ثم أمر بثوب فبسط له ، ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب ، ثم أمر فاجتمعوا فجعلوا يأكلون منها حتى صدر أهل الخندق عنه ، وإنه ليسقط من أطراف الثوب !

البحار : 20 / 247 .

ه - - ومنها : أن أم متعب الأنصارية أرسلت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقعبة فيها حيس ، وهو في قبته مع أم سلمة فأكلت حاجتها ، ثم خرج بالقعبة فنادى مناديه : هلمَّ إلى عشائه ، فأكل أهل الخندق حتى نهلوا ، وهى كما هي ! الصحيح : 9 / 151 .

و - ومنها : « لما نزلت الأحزاب على المدينة عبأ أبو سفيان سبعة آلاف رامٍ كوكبة واحدة ، ثم قال : إرموهم رشقاً واحداً ، فوقع في أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) سهام كثيرة فشكوا ذلك إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلوح إلى السهام بكمه ، ودعا بدعوات فهبت ريح عاصفة فردت السهام إلى القوم ، فكل من رمى سهماً عاد السهم إليه ، فوقع فيه وجرحه » . البحار : 18 / 64 .

ز . ومنها : قال جابر : « خرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى المسلمين وقال : جدوا في الحفر ، فجدوا واجتهدوا ولم يزالوا يحفرون حتى فرغ الحفر ، والتراب حول الخندق تل عال فأخبرته بذلك فقال : لا تفزع يا جابر فسوف ترى عجباً ، قال وأقبل الليل ووجدت عند التراب جلبة وضجة عظيمة . . فلما أصبحت لم أجد من التراب كفاً واحداً » . المناقب : 1 / 115 .

9 - جهاد علي « عليه السلام » في غزوة الأحزاب

جاء في خطبة الزهراء « عليها السلام » بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) تخاطب الصحابة : « حتى استنقذكم الله برسوله بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مُنِى ببُهْم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب ، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين ، قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويطفئ عادية لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، وأنتم في رفاهية فكهون آمنون وادعون ، حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه أطلع الشيطان رأسه فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين » ! الطرائف / 264 .

فقد كان على ( عليه السلام ) عضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الشدائد ، حتى إذا جاء الرخاء وجدته مشغولاً في مهام النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ومعه نفر قليل من الصحابة ، أما غيرهم فكان هانئاً في ثمار جهودهم وجهادهم ! وفى غزوة الأحزاب كان حامل راية النبي ( صلى الله عليه وآله ) أي المسؤول عن كل جيشه ، فكان ينفذ خطته في حفر الخندق ، ويجمع أدوات الحفر من المدينة ، ويستعير عدداً منها من يهود قريظة ! « الصحيح : 9 / 103 » . وكان يسَرِّعَهم في الحفر ليكتمل الخندق قبل وصول جيوش الأحزاب ، ولا بد أنه ( عليه السلام ) كان يعمل في الحفر بقدر عشرة عمال أقوياء وأكثر ، لأنهم رووا أن سلمان « رحمه الله » كان يعمل بقدر عشرة أشخاص ، فأصابوه بالعين !

وعند وصول جيوش الأحزاب ، باشر على ( عليه السلام ) مهمته في حراسة الأبواب الثمانية للخندق ، وتفقد نقاط الضعف التي يمكن أن يطمع العدو بالعبور منها ، وأعد رماة السهام والأحجار لمواجهة أي مجموعة من العدو تقترب من الخندق ، وكان يشارك في رد محاولاتهم عندما يكون في جبهة الخندق .

وفى نفس الوقت كان يدير الجبهة الشرقية على المدينة ، جبهة بني قريظة ، بعد أن نقضوا عهدهم وهددوا المدينة ! ولا بد أنه عاش مس الجوع في تلك الأيام وكتمه كما عاشه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكتمه ثلاثة أيام حتى شد على بطنه حجر المجاعة ! ولا بد أن علياً ( عليه السلام ) فرح ودمعت عيناه عندما عرف أن فاطمة « عليها السلام » جاءت للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بنصف قرص شعير ، « عيون أخبار الرضا : 1 / 43 » . ولا نعلم هل أكل على ( عليه السلام ) منها عندما عرض عليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) أم بقي طاوياً ؟ ! لكن المؤكد أن الله يعينه على جوعه وجهده !

10 - شهادة سعد بن معاذ بسهم من المشركين

كان سعد بن معاذ رئيس الأوس بل رئيس الأنصار ، وهو مسلم قوى فدائى لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي أجابه عندما استشارهم في المضي إلى معركة بدر ، فقال : « بأبى أنت وأمي يا رسول الله ، إنا قد آمنا بك وصدقناك ، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك » ! تفسير القمي : 1 / 259 .

وكان سعد « رحمه الله » طويلاً جميلاً ، وعاش سبعاً وثلاثين سنة فقط . الطبقات : 3 / 433 . وصلى عليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : « لقد وافى من الملائكة سبعون ألفاً وفيهم جبرئيل يصلون عليه ، فقلت له : يا جبرئيل بما يستحق صلاتكم عليه ؟ فقال : بقراءته قل هو الله أحد قائماً وقاعداً ، وراكباً وماشياً ، وذاهباً وجائياً » ! الكافي : 2 / 622 .

وكان سعد محباً للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وعترته « عليهم السلام » ، بصيراً بخطط قريش ضدهم ، ولذا قال فيه النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « يرحمك الله يا سعد فلقد كنت شجى في حلوق الكافرين ! لو بقيت لكففت العجل الذي يراد نصبه في بيضة المسلمين كعجل قوم موسي ! قالوا : يا رسول الله أو عجلٌ يراد أن يتخذ في مدينتك هذه ! قال : بلى والله يراد ! ولو كان سعد فيهم حياً لما استمر تدبيرهم ، ويستمرون ببعض تدبيرهم ،

ثم الله تعالى يبطله . قالوا : أخبرنا كيف يكون ذلك ؟ قال : دعوا ذلك لما يريد الله أن يدبره » . « تفسير الإمام العسكري / 48 » . وبسبب هذه المكانة الخاصة لسعد « رحمه الله » ،

لا نستبعد أن يكونوا رموه بسهم عبر الخندق بمساعدة منافقين عملاء لهم !

وفى تفسير القمي : 2 / 187 : « كان ابن فرقد الكناني رمى سعد بن معاذ « رحمه الله » بسهم في الخندق فقطع أكحله ، فنزفه الدم فقبض سعد على أكحله بيده ثم قال : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها فلا أجد أحب إلى محاربتهم من قوم حادوا الله ورسوله ، وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبين قريش فاجعلها لي شهادة ، ولا تمتنى حتى تقر عيني من بني قريظة ، فأمسك الدم وتورمت يده ، وضرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) له في المسجد خيمة ، وكان يتعاهده بنفسه » .

هذا وقد رووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « اهتز العرش لموت سعد بن معاذ » . « صحيح بخاري : 4 / 227 » . وروينا أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) سئل عما يقوله الناس ، فقال : « إنما هو السرير الذي كان عليه سعد » . « معاني الأخبار / 288 ومعجم السيد الخوئي : 9 / 94 » . أي اهتز سريره كر أمة له وليس عرش الله تعالى .

11 - عبور فرسان الأحزاب من ثغرة في الخندق

نرجح أن المشركين اتفقوا مع منافقين على تسهيل عبورهم ، فتفاجأ المسلمون ببضعة فرسان عبروا الخندق ، وهم : عمرو بن عبد ود العامري ، وابنه حسيل ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب ، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة وثلاثتهم من بنى مخزوم ، وضرار بن الخطاب ، ومرداس ، وهما فهريان .

وكان ابن عبد ود فارس العرب يعد بألف فارس ، ويسمى فارس يلْيل لأنه أقبل في ركب فعرضت لهم بنو بكر في عدد في واد قريب من بدر ، فقال لأصحابه : إمضوا ، فقام وحده في وجههم ومنعهم من أن يصلوا إليه !

عَبَرَ ابن عبد ودّ ورفقاؤه وأخذوا يجولون ويستعرضون قوتهم ، في السبخة التي تحت جبل سلع ، مقابل مركز قيادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهى الآن مسجد الفتح ، وأخلى المسلمون الذين أمامهم المكان ! فلم يهتم النبي ( صلى الله عليه وآله ) للعابرين بقدر ما اهتم لسد الثغرة التي عبروا منها ، فنادى علياً ( عليه السلام ) فأسرع بمن معه لسد الثغرة ، وقد يكون مرَّ قريباً من ابن وُد وهو يطلب المبارزة وخلفه جماعته ، فقال له إصبر حتى أستأذن النبي في مبارزتك ، أو يختار لك من يبارزك ، وعاد إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فوجده يحث المسلمين على مبارزة عمرو ويضمن لمن بارزه الجنة ، وهم سكوت كأنما على رؤوسهم الطير ! فقال على ( عليه السلام ) : أنا له يا رسول الله ، فأمره بالجلوس ، وواصل النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعوته المسلمين ليتم الحجة عليهم فلم يجبه منهم أحد ! فقام على ( عليه السلام ) ثانيةً وقال : أنا له يا رسول الله ، فقال له : أجلس . وحسب رواية ابن إسحاق : يا علي إنه عمرو ، فأجابه : وأنا على يا رسول الله ! فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أدن مني ، فدنا منه فألبسه عمامته وأعطاه سيفه ، ودعا له ، وأطلق كلماته الرسولية بحقه .

وتقدم على ( عليه السلام ) مهرولاً نحو عمرو وهو يرتجز ، وذهب معه جابر الأنصاري وحذيفة وعمر والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، ليروا النتيجة . وكان ابن ود يستعرض قوته مرةً بسيفه ومرة برمحه ، أو يركزه في الأرض ويدور بفرسه حوله ، ويقول : أبرز إلى يا محمد ، ثم يقول : إنكم تزعمون أن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار ؟ ألا يحب أحدكم أن يقْدِم على الجنة ، أو يبعث عدواً له إلى النار ؟ !

ولقد بححت من الندا * ء بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن الشجا * ع موقف الخصم المناجز

إني كذلك لم أزل * متسرعاً نحو الهزاهز

إن الشجاعة في الفتي * والجود من كرم الغرائز

وكان عمرو بن عبد ود راكباً ، ومشى على ( عليه السلام ) نحوه راجلاً ، وهو يقول :

لاتعجلنَّ فقد أتاك * مجيب صوتك غيرُ عاجز

ذو نيةٍ وبصيرةٍ * والصدق مُنجى كلِّ فائز

إني لأرجو أن تقو * م عليك نائحةُ الجنائز

من طعنة نجلاء يبقي * ذكرها بين الهزاهز

وجرى بينهما كلام طويل ، حتى غضب عمرو ونزل عن فرسه وأهوى بسيفه إلى علي ( عليه السلام ) بضربة قوية ، فتلقاها على ( عليه السلام ) بترسه ، فشقت الترس والخوذة والعمامة ، ووصلت إلى رأسه ( عليه السلام ) فجرحته في قرنه ، فانفجر الدم يجرى على رأسه وكتفه ، ولم يتأخر على ( عليه السلام ) فضربه ضربة حيدرية على ترقوته ، كما قال البيهقي وابن إسحاق ، فهوى عمرو صريعاً وكبَّر على ( عليه السلام ) بصوته الجهورى فكبر النبي والمسلمون ، وتقدم ليحز رأسه فتفل عمرو في وجهه وشتم أمه ، فصبر ورجع خطوات ، قال : خشيت أن أضربه لحظ نفسي ، فتركته حتى سكن ما بي !

وجاء على ( عليه السلام ) برأس عمرو إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فمسح النبي ( صلى الله عليه وآله ) الدم والغبار عن عينيه ، ومسح مكان الضربة في رأسه ، ورجع على ( عليه السلام ) إلى الثغرة ليقطع الطريق على جماعة عمرو ، فطلب منه حسل بن عمرو المبارزة فبرز اليه وقتله ولم يمهله ! وهرب عكرمة بن أبي جهل ، وضرار الخطاب ، ونوفل بن عبد الله المخزومي فلحقهم على ( عليه السلام ) ، فأفلت عكرمة بعد أن ألقى درعه ، وأفلت ضرار ، وعلق نوفل في الخندق فلم تستطع فرسه الصعود من الطرف الآخر ، فأخذ المسلمون يرمونه بالحجارة فصاح بهم : قتلةٌ أجمل من هذه ! ينزل إلى بعضكم أقاتله ! فنزل إليه على ( عليه السلام ) ، فضربه وقتله .

وفى الطرائف / 60 ، عن أبي هلال العسكري ، قال : « أول من قال : جُعلت فداك ، علي ، لما دعا عمرو بن عبد ود إلى البراز يوم الخندق ولم يجبه أحد ، قال علي : جعلت فداك يا رسول الله أتأذن لي ؟ قال : إنه عمرو بن عبد ود . قال : وأنا علي بن أبي طالب ، فخرج إليه فقتله » .

وفى كنز الفوائد / 137 : « فتقدم إليه ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : برز الإيمان كله إلى الشرك كله . فلما هم أن يذبحه وهو يكبر الله ويحمده ، قال له عمرو : يا علي قد جلست منى مجلساً عظيماً فإذا قتلتني فلا تسلبنى حلتي ! فقال له أمير المؤمنين : هي أهون على من ذلك ! وذبحه وأتى برأسه وهو يتبختر في مشيته فقال عمر : ألا ترى يا رسول الله إلى علي كيف يتيه في مشيته ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنها مشية لايمقتها الله في هذا المقام . ثم نهض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فتلقاه ومسح الغبار عن عينيه » . وانتشر خبر قتل عمرو في المسلمين كالبرق ، ففرحوا واستبشروا ، ووقع على الأحزاب كالصاعقة وكان ذلك قبل ظهر يوم الأربعاء .

وواصل النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعاءه بعد صلاة الظهر ، فتغير الجو وجاءت الريح وعصفت بجيش الأحزاب فاضطربوا ، وأخذوا يفكرون بالإنسحاب ، وباتوا في ليلة ليلاء ، فأرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) إليهم حذيفة متنكراً في الظلام ، فوصل إلى خيمة أبي سفيان واستطلع خبرهم ، وفى اليوم التالي بادروا إلى الرحيل : وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيظِهِمْ لَمْ ينَالُوا خَيرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ، بعلى ( عليه السلام ) ، والملائكة ، والرياح .

وكان ابن مسعود يقرأ الآية : وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ، بعلي ، وَكَانَ اللهُ قَوِيا عَزِيزًا . الإرشاد : 1 / 106 ، القمي : 2 / 182 ، الحاكم : 3 / 32 وابن هشام : 3 / 708 .

ورجع النبي ( صلى الله عليه وآله ) صبيحتها إلى المدينة ، وما إن صلى الظهر ووضع لباس حربه حتى جاءه جبرئيل وأمره بغزو بني قريظة ، فأرسل علياً ( عليه السلام ) أمامه ثم التحق بهم !

12 - علي « عليه السلام » يصف غزوة الأحزاب ومبارزته لعمرو

قال على ( عليه السلام ) في جوابه لسؤال أحد أحبار اليهود كما في الخصال للصدوق / 369 : « وأما الخامسة يا أخا اليهود ، فإن قريشاً والعرب تجمعت وعقدت بينها عقداً وميثاقاً لا ترجع من وجهها حتى تقتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتقتلنا معه معاشر

بنى عبد المطلب ، ثم أقبلت بحدها وحديدها حتى أناخت علينا بالمدينة ، واثقة بأنفسها فيما توجهت له ، فهبط جبرئيل ( عليه السلام ) على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فأنبأه بذلك فخندق على نفسه ومن معه من المهاجرين والأنصار . فقدمت قريش فأقامت على الخندق محاصرة لنا ، ترى في أنفسها القوة وفينا الضعف ، ترعد وتبرق ! ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يدعوها إلى الله عز وجل ويناشدها بالقرابة والرحم فتأبي ، ولا يزيدها ذلك إلا عتواً ! وفارسها وفارس العرب يومئذ عمرو بن عبد ود ، يهدر كالبعير المغتلم ، يدعو إلى البراز ويرتجز ويخطر برمحه مرة وبسيفه مرة ، لا يقدم عليه مقدم ، ولا يطمع فيه طامع ، ولا حمية تهيجه ولا بصيرة تشجعه ، فأنهضنى إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعممنى بيده وأعطاني سيفه هذا ، وضرب بيده إلى ذي الفقار ، فخرجت إليه ونساء أهل المدينة بواك إشفاقاً على من ابن عبد ود ! فقتله الله عز وجل بيدي ، والعرب لا تَعُدُّ لها فارساً غيره ، وضربني هذه الضربة ، وأومأ بيده إلى هامته ، فهزم الله قريشاً والعرب بذلك ، وبما كان منى فيهم من النكاية » .

13 - حذيفة « رحمه الله » يصف مبارزة علي « عليه السلام » لعمرو بن ود

في مناقب على ( عليه السلام ) : 1 / 222 ، قال ربيعة : « أتيت حذيفة بن اليمان فقلت : يا أبا عبد الله إنا نتحدث في علي وفى مناقبه فيقول لنا أهل البصرة : إنكم لتفرطون في علي وفى مناقبه ، فهل أنت تحدثني في علي بحديث ؟ فقال حذيفة : يا ربيعة إنك لتسألني عن رجل والذي نفسي بيده لو وضع عمل جميع أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) في كفة الميزان من يوم بعث الله محمداً إلى يوم الناس هذا ، ووضع عمل على يوماً واحداً في الكفة الأخرى لرجح عمله على جميع أعمالهم ! فقال ربيعة : هذا الذي لا يقام له ولا يقعد ! فقال حذيفة : وكيف لا يحتمل هذا يا ملكعان « أحمق » ! أين كان أبو بكر وعمر وحذيفة ثكلتك أمك ، وجميع أصحاب محمد يوم عمرو بن عبد ود ينادى للمبارزة ، فأحجم الناس كلهم ما خلا علياً فقتله الله على يديه ؟ ! والذي نفسي بيده لعمله ذلك اليوم أعظم عند الله من جميع أعمال أمة محمد إلى يوم القيامة » .

وفى تفسير مجمع البيان : 8 / 131 : « عن حذيفة قال : فألبسه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) درعه ذات الفضول ، وأعطاه سيفه ذا الفقار ، وعممه عمامته السحاب ، على رأسه تسعة أكوار ، ثم قال له : تقدم ، فقال لما ولي : اللهم احفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوق رأسه ، ومن تحت قدميه .

قال ابن إسحاق : فمشى إليه وهو يقول : لاتعجلن فقد أتاك . . مجيب صوتك غير عاجز . . إلى آخر الأبيات . . قال له عمرو : من أنت ؟ قال : أنا علي . فقال : غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أسن منك ، فإني أكره أن أهرق دمك ! فقال على ( عليه السلام ) : لكني والله ما أكره أن أهرق دمك ! فغضب ونزل وسل سيفه كأنه شعلة نار ، ثم أقبل نحو على مغضباً ، فاستقبله على بدرقته ، فضربه عمرو بالدرقة فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه ! وضربه على على حبل العاتق ، فسقط » .

وفى شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : 2 / 10 ، بسنده عن حذيفة ، قال : « فجاء حتى وقف على عمرو فقال : من أنت ؟ فقال عمرو : ما ظننت أنى أقف موقفا أُجهل فيه ، أنا عمرو بن عبد ود ؟ فمن أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب ، فقال : الغلام الذي كنت أراك في حجر أبى طالب ؟ قال : نعم . قال : إن أباك كان لي صديقاً وأنا أكره أن أقتلك ! فقال له علي : لكني لا أكره أن أقتلك ، بلغني أنك تعلقت بأستار الكعبة وعاهدت الله عز وجل أن لا يخيرك رجل بين ثلاث خلال إلا اخترت منها خلة ؟ قال : صدقوا . قال : إما أن ترجع من حيث جئت . قال : لا تحدث بها قريش . قال : أو تدخل في ديننا فيكون لك ما لنا وعليك ما علينا . قال : ولا هذه . فقال له علي : فأنت فارس وأنا راجل ! فنزل عن فرسه وقال : ما لقيت من أحد ما لقيت من هذا الغلام ! ثم ضرب وجه فرسه فأدبرت ثم أقبل إلى علي وكان رجلاً طويلاً يداوى دبر البعيرة ، وهو قائم ، وكان على ( عليه السلام ) في تراب دق لا يثبت قدماه عليه ، فجعل على ينكص إلى ورائه يطلب جلداً من الأرض يثبت قدميه ، ويعلوه عمرو بالسيف وكان في درع عمرو قصر فلما تشاك بالضربة تلقاها على بالترس فلحق ذباب السيف في رأس على ( عليه السلام ) حتى قطعت تسعة أكوار حتى خط السيف في رأس علي . وتسيف على رجليه بالسيف من أسفل فوقع على قفاه ، فثارت بينهما عجاجة فسمع على ( عليه السلام ) يكبر ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قتله والذي نفسي بيده !

فكان أول من ابتدر العجاج عمر بن الخطاب ، فإذا على يمسح سيفه بدرع عمرو فكبر عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله قتله ! فحز على رأسه ثم أقبل يخطر في مشيته ، فقال له رسول الله : يا علي إن هذه مشية يكرهها الله عز وجل إلا في هذا الموضع . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : ما منعك من سلبه فقد كان ذا سلب ؟ فقال : يا رسول الله : إنه تلقاني بعورته . فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أبشر يا علي فلو وزن اليوم عملك بعمل أمة محمد لرجح عملك بعملهم ، وذلك إنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهن بقتل عمرو ، ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا وقد دخله عز بقتل عمرو » . والصحيح من السيرة : 9 / 333 وبعضه المناقب : 2 / 324 .

14 - رواية تفسير القمي لمبارزة على لعمرو

قال علي بن إبراهيم القمي « رحمه الله » في تفسيره : 2 / 182 : « فمر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يهرول في مشيه وهو يقول : لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز . . . الأبيات . . فقال له عمرو : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وختنه . فقال : والله إن أباك كان لي صديقاً قديماً وإني أكره أن أقتلك ! ما أمن ابن عمك حين بعثك إلى أن أختطفك برمحي هذا ، فأتركك شائلاً بين السماء والأرض لا حي ولا ميت ؟ !

فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : قد علم ابن عمى أنك إن قتلتني دخلت الجنة ، وأنت في النار ، وإن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة ! فقال عمرو : وكلتاهما لك يا علي ؟ تلك إذا قسمة ضيزي !

قال على ( عليه السلام ) : دع هذا يا عمرو ، وإني سمعت عنك وأنت متعلق بأستار الكعبة تقول لايعرضن على أحد في الحرب ثلاث خصال إلا أجبته إلى واحدة منها ، وأنا أعرض عليك ثلاث خصال ، فأجبني إلى واحدة ! قال : هات يا علي ! قال : أحدها تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . قال : نحِّ عنى هذه ، فاسأل الثانية ، فقال : أن ترجع وترد هذا الجيش عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فإن يك صادقاً فأنتم أعلى به عيناً ، وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره . فقال : إذاً تتحدث نساء قريش بذلك ، وتنشد الشعراء في أشعارها أنى جبنت ورجعت على عقبى من الحرب ، وخذلت قوماً رأَّسُونى عليهم !

فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : فالثالثة أن تنزل إلى فإنك راكب وأنا راجل حتى أنابذك . فوثب عن فرسه وعرقبه وقال : هذه خصلة ما ظننت أن أحداً من العرب يسومنى عليها ، ثم بدأ فضرب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالسيف على رأسه ، فاتقاه أمير المؤمنين بدرقته فقطعها ، وثبت السيف على رأسه .

فقال له على ( عليه السلام ) : يا عمرو أما كفاك أنى بارزتك وأنت فارس العرب ، حتى استعنت على بظهير ؟ ! فالتفت عمرو إلى خلفه فضربه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مسرعاً على ساقيه قطعهما جميعاً ، وارتفعت بينهما عجاجة فقال المنافقون قُتل علي بن أبي طالب ، ثم انكشف العجاجة فنظروا فإذا أمير المؤمنين على صدره قد أخذ بلحيته يريد أن يذبحه ، فذبحه ثم أخذ رأسه وأقبل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والدماء تسيل على رأسه من ضربة عمرو ، وسيفه يقطر منه الدم ، وهو يقول والرأس بيده :

أنا على وابن عبد المطلبْ * الموت خيرٌ للفتى من الهربْ

فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ماكرتَهُ ؟ قال : نعم يا رسول الله ، الحرب خُدعة .

وبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الزبير إلى هبيرة بن وهب فضربه على رأسه ضربة فلق هامته . وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عمر بن الخطاب أن يبارز ضرار بن الخطاب ، فلما برز إليه ضرار انتزع له عمر سهماً فقال ضرار : ويحك يا ابن صهاك أترمينى في مبارزة ! والله لئن رميتنى لا تركتُ عدوياً بمكة إلا قتلته ! فانهزم عنه عمر ومرَّ نحوه ضرار وضربه على رأسه بالقناة ثم قال : إحفظها يا عمر . . فكان عمر يحفظ له ذلك بعدما ولى فولاه » !

وروى أنهم وجدوا جمجمة عمرو بن ود ، فكيلت بها كيلجة فاستوعبتها ! « مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا / 69 » والكيلجة صاع إلا يسيراً المحلي : 5245 .

وأراد المشركون شراء جثة عمرو بعشرة آلاف ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : هو لكم ، لا نأكل ثمن الموتى ! المناقب : 1 / 171 .

15 - أخ عمرو بن ود يواجه علياً « عليه السلام » في مكة !

أرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبا بكر ليبلغ سورة براءة إلى المشركين ، فنزل جبرئيل بأمر الله تعالى : لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك ! أحمد : 1 / 151 والخصال / 369 .

فأمر بإرجاعه من الطريق وأرسل بها علياً ( عليه السلام ) ، فدخل على مكة ووقف في الموسم يقرأ عليهم سورة براءة . قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « لما قرأ قوله تعالي : بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . فَسِيحُوا فِى الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ . . قام خداش وسعيد أخوا عمرو بن ود فقال : وما يسرُّنا على أربعة أشهر ، بل برئنا منك ومن ابن عمك فليس بيننا وبين ابن عمك إلا السيف والرمح ، وإن شئت بدأنا بك !

فقال على ( عليه السلام ) : أجل أجل ، إن شئت ، هلموا ! ثم واصل ( عليه السلام ) تلاوته : وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيرُ مُعْجِزِى اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِى الْكَافِرِينَ » . المناقب 1 / 392 .

16 - شبَّه الإمام الصادق « عليه السلام » يوم الأحزاب بيوم القيامة !

في الكافي : 8 / 278 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « قام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على التل الذي عليه مسجد الفتح في غزوة الأحزاب في ليلة ظلماء قَرَّة « باردة » فقال : من يذهب فيأتينا بخبرهم وله الجنة فلم يقم أحد ، ثم أعادها فلم يقم أحد ! فقال أبو عبد الله بيده : وما أراد القوم ، أرادوا أفضل من الجنة ؟ ! ثم قال : من هذا ؟ فقال : حذيفة . فقال : أما تسمع كلامي منذ الليلة ولا تَكَلَّم ، أقُبِرت ؟ فقام حذيفة وهو يقول : القَرُّ والضُّرُّ جعلني الله فداك منعني أن أجيبك . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : انطلق حتى تسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم ! فلما ذهب قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده ، وقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يا حذيفة لا تحدث شيئاً حتى تأتيني ، فأخذ سيفه وقوسه وحجفته .

قال حذيفة : فخرجت وما بي من ضر ولا قر ، فمررت على باب الخندق ، وقد اعتراه المؤمنون والكفار . فلما توجه حذيفة قام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونادي : يا صريخ المكروبين ، ويا مجيب المضطرين ، إكشف همى وغمى وكربي ، قد ترى حالي وحال أصحابي . فنزل عليه جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يا رسول الله ، إن الله عز ذكره قد سمع مقالتك ودعاءك ، وقد أجابك وكفاك هول عدوك ، فجثى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على ركبتيه وبسط يديه وأرسل عينيه ، ثم قال : شكراً شكراً ، كما رحمتنى ورحمت أصحابي . ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قد بعث الله عز وجل عليهم ريحاً من السماء الدنيا فيها حصي ، وريحاً من السماء الرابعة فيها جندل .

قال حذيفة : فخرجت فإذا أنا بنيران القوم ، وأقبل جند الله الأول ريح فيها حصي ، فما تركت لهم ناراً إلا أذرتها ، ولا خباءً إلا طرحته ، ولا رمحاً إلا ألقته ! حتى جعلوا يتترسون من الحصي ! فجعلنا نسمع وقع الحصى في الأترسة ، فجلس حذيفة بين رجلين من المشركين ، فقام إبليس في صورة رجل مطاع في المشركين فقال : أيها الناس إنكم قد نزلتم بساحة هذا الساحر الكذاب ، ألا وإنه لن يفوتكم من أمره شئ ، فإنه ليس سنة مقام ، قد هلك الخف والحافر ، فارجعوا ولينظر كل رجل منكم من جليسه ! قال حذيفة : فنظرت عن يميني فضربت بيدي فقلت : من أنت ؟ فقال : معاوية ، فقلت للذي عن يساري : من أنت ؟ فقال سهيل بن عمرو ! قال حذيفة : وأقبل جند الله الأعظم ، فقام أبو سفيان إلى راحلته ، ثم صاح في قريش : النجاء النجاء ! وقال طلحة الأزدي : لقد زادكم محمد بشر ، ثم قام إلى راحلته وصاح في بنى أشجع : النجاء النجاء ! وفعل عيينة بن حصن مثلها ، ثم فعل الحرث بن عوف المزنى مثلها ! ثم فعل الأقرع بن حابس مثلها ! وذهب الأحزاب ، ورجع حذيفة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره الخبر ! وقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إنه كان ليشبه يوم القيامة » !

17 - ضربة علي « عليه السلام » غيرت ميزان القوي !

فرح النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقتل على عمرو بن ود وأخبرهم بأن ميزان القوى قد تغير ! قال جابر بن عبد الله الأنصاري : « فما شبهت قتل على عمراً إلا بما قال الله تعالى من قصة داود وجالوت ، حيث يقول : فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ . وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعد قتله : الآن نغزوهم ولا يغزوننا » . إعلام الوري : 1 / 382 والإرشاد : 1 / 102 ، كنز الفوائد / 138 والحاكم : 3 / 34 ، سبل الهدي : 4 / 379 والخوارزمي / 171 .

وأدرك رؤساء القبائل أن موجة الإسلام قادمة لا محالة ، فأخذوا يفكرون بالتقرب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وإعلان إسلامهم ، ليتجنبوا الخسارة أو يكسبوا موقعاً في دولته الجديدة المتوثبة ، فقال عمرو بن العاص لخالد بن الوليد : « والله إني لأرى أمر محمد يعلو الأمور علوا منكراً » ! « تاريخ الطبري : 2 / 313 » . ووافقه خالد على ذلك ، وبعد مدة قليلة جاءا مسلمين بعد الحديبية .

18 - رسالة أبي سفيان قبل هروبه بجيش الأحزاب !

عندما قرر الأحزاب الانسحاب كتب أبو سفيان إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكبرياء : « لقد سرت إليك في جمعنا وإنا نريد ألا نعود إليك أبداً حتى نستأصلك ! فرأيتك قد كرهت لقاءنا وجعلت مضايق وخنادق ، فليت شعري من علمك هذا ؟ فإن نرجع عنكم فلكم منا يوم كيوم أحد تبقر فيه النساء » !

وبعث بها مع أبي أسامة الجشمي ، فقرأها له أبي بن كعب ، فكتب إليه ( صلى الله عليه وآله ) : « أما بعد فقديماً غرك بالله الغرور ، أما ما ذكرت أنك سرت إلينا في جمعكم ، وأنك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا ، فذلك أمر الله يحول بينك وبينه ، ويجعل لنا العاقبة حتى لاتذكر اللات والعزي ! وأما قولك : من علمك الذي صنعنا من الخندق فإن الله تعالى ألهمني ذلك ، لما أراد من غيظك به وغيظ أصحابك . وليأتين عليك يوم تدافعنى بالراح ! وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وأساف ونائلة ، وهبل حتى أذكرك ذلك » . الصحيح ة : 9 / 440 والإمتاع : 1 / 242 .

19 - إشادات النبي « صلى الله عليه وآله » بعلي « عليه السلام » يوم الأحزاب

روى المسلمون أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الإشادة بعلى ( عليه السلام ) وشهاداته بحقه : فمنها : أنه ألبسه درعه وأعطاه ذا الفقار وعممه بعمامته . ولما برز ومشى دعا له : اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه .

ومنها : أنه رفع عمامته ورفع يديه إلى السماء وقال : اللهم إنك أخذت منى عبيدة بن الحرث يوم بدر ، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد ، وهذا أخي علي بن أبي طالب ، رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين .

ومنها : أنه علمه دعاء هو : اللهم بك أصول ، وبك أجول ، وبك أدرأ في نحره .

ومنها : عندما برز اليه قال ( صلى الله عليه وآله ) : برز الإيمان كله إلى الشرك كله .

ومنها : قال ( صلى الله عليه وآله ) : ضربة على يوم الخندق تعدل عمل أمتي إلى يوم القيامة . ضربة على تعدل عند الله عمل الثقلين . ضربة على أفضل عند الله من عمل الثقلين !

وأشهرها الحديثان الأخيران ، ولا يتسع الكتاب لبحثهما . راجع : الصحيح : 9 / 333 و 340 .

20 - معنى قول النبي « صلى الله عليه وآله » لعلي « عليه السلام » : وإنك لذو قرنيها

روى أن ذا القرنين : « بعثه الله إلى قومه فضُرب على قرنه الأيمن ، فأماته الله خمس مائة عام ، ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر ، فأماته الله خمس مائة عام ، ثم بعثه الله إليهم بعد ذلك فملكه مشارق الأرض ومغاربها من حيث تطلع الشمس إلى حيث تغرب » . وقال رسول الله عن علي ( عليه السلام ) : وإن فيكم مثله » . الإيقاظ / 145 ، الدر المنثور : 4 / 241

وفتح القدير : 3 / 309 .

وفسره في القاموس : 4 / 258 ، بأنه ( عليه السلام ) : « ذو شجتين في قرني رأسه ، إحداهما من عمرو بن ود ، والثانية من ابن ملجم » .

وهذا يؤكد أن ضربة عمرو كانت على قرن رأسه ( عليه السلام ) . وفى رواية أن ضربة ابن ملجم وقعت على ضربة عمرو . المناقب : 2 / 327 .

وقد فسر بعضهم بذلك قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلى ( عليه السلام ) : « يا علي ، لك كنز في الجنة وأنت ذو قرنيها ، وشيعتك تعرف بحزب الله عز وجل » . أمالي الصدوق / 656 .

قال الراغب في المفردات / 401 : « وذو القرنين معروف ، وقوله عليه الصلاة والسلام لعلى رضي الله عنه : إن لك بيتاً في الجنة وإنك لذو قرنيها : يعنى ذو قرني الأمة ، أي أنت فيهم كذى القرنين » .

لكن ذكر الصدوق « رحمه الله » في معاني الأخبار / 206 ، أن معناه أنه والد الحسنين « عليهما السلام » لأنهما قرنا الجنة بمعنى قرطيها وزينتها . وفسره بوجه آخر : إنك صاحب الحجة على شرق الدنيا وغربها ، وآخذ بقرنيها . وهو مشكل . كما تردد الشريف الرضى في المجازات النبوية / 87 ، في تفسيره بين معان ، فذكر قرني الجنة بطرفيها ، لأنه يبلغ غايات المثابين فيها ، أو بمعنى قرني الأمة بمعنى طرفيها فأنت في أولها والمهدى في آخرها ، أو بمعنى صاحب العلم الظاهر والباطن ، أو بمعنى أنك رأس الأمة لأن الرأس فيه القرنان ، أو المضروب مثله على قرنيه . وكلها لا تخلو من إشكال ، وإن كان الأخير أقلها إشكالاً .

وفسره السيد ابن طاووس في سعد السعود / 65 ، والحر العاملي في الإيقاظ / 145 ، بأنه يقصد رجعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد موته كما رجع ذو القرنين بعد موته . وهو مشكل ، لأنه ( عليه السلام ) بعد الرجعة لا يضرب على قرنه الآخر .

21 - النبي « صلى الله عليه وآله » يكشف علاقة عمر بقادة الأحزاب

لم أجد ذكراً لأبى بكر في غزوة الخندق ، لكن ورد ذكر عمر في أربع قضايا :

أولها : حديث عائشة المتقدم وأنه هرب من الخندق مع طلحة واختبآ في بستان وكان عمر يتخوف هزيمة الباقين وطلحة يقول لسنا هاربين بل متحيزون إلى الله !

وثانيها : عندما عبر الخندق عمرو بن عبد ود وجماعته ، فأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) عمر أن يبرز لضرار بن الخطاب الفهري ، وكان أحد الذين عبروا مع ابن ود . ومن الغريب أن كُتَّاب السيرة حاولوا تغطية مبارزته لضرار بن الخطاب وعفو ضرار عنه ، مع أن ذلك حدث مرتين في أحُد ثم في الخندق ! وقد روته مصادرنا ورواه الواقدي وابن هشام وابن عساكر وغيرهم ! بل رووا أن خالد بن الوليد عفا عن عمر في أحد ولم يقتله ! قال ابن هشام : 2 / 282 : « وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول : أنج يا بن الخطاب ، لا أقتلك ، فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه » .

وفى تاريخ دمشق : 24 / 392 و 396 : « فكان « ضرار » يقاتل أشد القتال ويحرض المشركين بشعره ، وهو قاتل عمرو بن معاذ أخا سعد بن معاذ يوم أحد ، وقال حين قتله : لاتُعْدَمَنَّ رجلاً زوَّجك من الحور العين ! وكان يقول زوجت عشرة من أصحاب محمد ! وأدرك عمر بن الخطاب فضربه بالقناة ثم رفعها عنه فقال : يا ابن الخطاب إنها نعمة مشكورة ، والله ما كنت لأقتلك » .

فما هو السبب في إخفاء أتباعه لذلك ؟ وما هو السبب في حب قادة قريش لابن الخطاب ، وهم الذين استماتوا لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعترته ، وشخصيات أصحابه !

ثم لماذا أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) عمر بن الخطاب العدوي أن يبرز إلى ضرار بن الخطاب الفهري ، وهو يعلم أن ضراراً يحب عمر ، فقد ظفر به في أحُد وعمر هارب فضربه على ظهره بعرض رمحه وقال له : والله لا أقتلك !

بحث هذا الموضوع في الصحيح من السيرة : 6 / 235 وذكر فيه قول ضرار حسب رواية الواقدي : « يا ابن الخطاب إنها نعمة مشكورة ، والله ما كنت لأقتلك » . ثم تساءل : لماذا ما كان ليقتله ؟ أليس هو الذي أذل قريشاً كما يدعون وعز به الإسلام كما يزعمون ؟ كما كان خالد بن الوليد يحدث وهو بالشام فيقول : لقد رأيتُنى ورأيت عمر بن الخطاب حين جالوا وانهزموا يوم أحد وما معه أحد ، وإني لفى كتيبة خشناء فما عرفه منهم أحد غيري ، فنكبت عنه وخشيت إن أغريت به من معي أن يصمدوا له ، فنظرت إليه متوجهاً إلى الشعب ! فلماذا هذه المراعاة من خالد لعمر ؟ ولماذا يهنئ أبو سفيان عمر بالنصر الذي أحرزوه على المسلمين ، ويقول له : أنعمت عيناً قتلى بقتلى بدر ! فأجابه عمر بقوله : إنها !

والقضية الثالثة : التي ذكر فيها عمر في الخندق ، أنه أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنقض بني قريظة عهدهم ، فمن أين عرف ذلك ؟ راجع : الصحيح من السيرة : 9 / 270 .

والقضية الرابعة : عندما غاب بعد قتل عمرو بن ود ، وكان الوقت ظهراً ، فغاب حتى المغرب ، وجاء من جهة الخندق وقال إنه كان يسب قريشاً إلى المغرب وكادت تفوته الصلاة ! وروى البخاري ذلك بروايات ، وزعمو أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاتته الصلاة كعمر !

والجواب على التساؤلات : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يعلم بعلاقة عمر مع زعماء الأحزاب والمحبة بينهم ، ولكنه أراد أن يفهم المسلمون ذلك !

ومن الغريب أن عمر كان قبل يومٍ فاراً مع طلحة في الحديقة التي آوت إليها عائشة وفيها نساء وأطفال ، وأن سعداً مر في ذلك اليوم ، ولما وصل إلى الخندق أصيب . وفى اليوم التالي لإصابة سعد كان عمر عند الخندق عندما عبره ابن ود وجماعته ، ولعله رجع من الحديقة التي رأته فيها عائشة وبقى طلحة هناك .

وقد ورد أن عمر كان يحب ضراراً فولاه في العراق والشام ، وشكاه أبو عبيدة بأنه يشرب الخمر فلم يعزله ! وكان عمر يحب شعره ويأمر المغنى في طريق الحج أن يغنيه به ، فقال ابن عوف لرباح المغني : « غننا ، فقال له عمر : إن كنت آخذاً فعليك بشعر ضرار بن الخطاب » ! الإصابة : 3 / 392 .

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كما في كتاب سُلَيم بن قيس / 247 : « وقد علموا يقيناً أنى أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وأفقههم وأقرأهم لكتاب الله ، وأقضاهم بحكم الله ، وأنه ليس رجل من الثلاثة له سابقة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا عناء معه في جميع مشاهده ، فلا رمى بسهم ولا طعن برمح ولا ضرب بسيف ، جبناً ولؤماً ، ورغبة في البقاء .

وقد علموا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قاتل بنفسه فقتل أبي بن خلف ، وقتل مسجع بن عوف وكان من أشجع الناس وأشدهم لقاء وأحقهم بذلك .

وقد علموا يقيناً أنه لم يكن فيهم أحد يقوم مقامي ، ولا يبارز الأبطال ، ولا يفتح الحصون غيري ، ولا نزلت برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شديدة قط ولا كربهُ أمرٌ ولا ضيق ومستصعب من الأمر إلا قال : أين أخي علي ، أين سيفي ، أين رمحي ، أين المفرج غمى عن وجهي ، فيقدمنى فأتقدم فأفديه بنفسي ، ويكشف الله بيدي الكرب عن وجهه . ولله عز وجل ولرسوله بذلك المن والطول ، حيث خصني بذلك ووفقني له . وإن بعض من سميت ما كان ذا بلاء ولا سابقة ولا مبارزة قرن ، ولا فتح ولا نصر ، غير مرة واحدة ، ثم فر ومنح عدوه دبره ، ورجع يجبن أصحابه ويجبنونه ، وقد فر مراراً ، فإذا كان عند الرخاء والغنيمة تكلم وتغير ، وأمر ونهي .

ولقد نادى ابن عبد ود يوم الخندق باسمه ، فحاد عنه ولاذ بأصحابه حتى تبسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مما رآى به من الرعب وقال ( صلى الله عليه وآله ) : أين حبيبي علي ؟ تقدم يا حبيبي يا علي . . والله يحكم بيننا وبين من ظلمنا حقنا ، وحمل الناس على رقابنا » .

أقول : ذكر ( عليه السلام ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قتل شخصين بيده هما أبي بن خلف ، وهو ابن قميئة حمل عليه في أحُد ليقتله فطعنه النبي ( صلى الله عليه وآله ) بحربة في عنقه فمات منها في مكة . أما مسجع بن عوف فلم أجده فيما لدى من مصادر .

22 - طعنوا بالنبي « صلى الله عليه وآله » بأنه فاتته أربع صلوات !

زعموا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) انشغل عن الصلاة في معركة الأحزاب حتى ذهب وقتها ! فقد روى البخاري : 1 / 147 : « أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس ، فجعل يسب كفار قريش ! قال : يا رسول الله ماكدت أصلى العصر حتى كادت الشمس تغرب ؟ قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : والله ما صليتها ، فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب » ! ومعناه أن الحادثة كانت في يوم قتل على لعمرو بن ود وهبوب الريح عليهم وكانت يوم أربعاء ! وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يصل ذلك اليوم العصر ، أو فاتته أربع صلوات كما زعمت بعض رواياتهم ! وأن عمر ذهب إلى الخندق قبل صلاة العصر ، وكان مقابله قرشيون فكان يسبهم ويسبهم ويسبهم إلى قريب المغرب ، ولم يضرب أحد منهم الآخر بسهم كما ضربوا سعد بن معاذ ، ولا بحجر كما هو دأبهم ودأب المسلمين الذين يواجهونهم ! ثم رجع عمر سالماً غانماً وأدرك صلاة العصر على حافة الوقت ، فحكى ذلك للنبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال له أنت خير منى لأنى لم أصلها أبداً ! فرجعوا إلى المدينة مساء ذلك اليوم والمسافة من الخندق إلى المدينة نحو ساعة فوصلوا إلى بطحان وهو واد متصل بالمدينة ، « فتح الباري : 2 / 347 » فانتظروا النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى صلى العصر التي فاتته وصلوا المغرب معه !

وهذه المنقبة التي رواها عمر لنفسه لا تصح ، لأن رجوعهم إلى المدينة كان في الصباح ووصلوا قبل الظهر أو معه ، فنزل جبرئيل وأمرهم بحرب بني قريظة ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة .

ولا تصح أيضاً ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان في خيمته بعد قتل عمرو ، وواصل دعاءه حتى هبت الريح على الأحزاب ، وفى تلك الليلة بعث حذيفة واستطلع خبرهم .

ولا تصح أيضاً ، لأنها تنافى العصمة ، وعبودية النبي ( صلى الله عليه وآله ) الكاملة لربه .

ولأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لو انشغل عن صلاته لانشغل الذين كانوا معه ، فكيف فاتته من دونهم ، كما فاتت عمر دونهم ، لأنه ذهب إلى نقطة من الخندق !

والذي يصح أن عمر ذهب بعد قتل عمرو والتقى ببعض المشركين وتحدث معهم ، وما سبهم ولا سبوه ، ففاتته الصلاة ، وأراد أن يخفف عن نفسه أو يبرر ذلك لمن لامه ، فقال إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاتته الصلاة مثله ! وأنه هو صلاها قرب مغيب الشمس ، بينما لم يصلها النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى غابت !

قال المحقق البحراني « رحمه الله » في الحدائق الناضرة : 7 / 373 : « الرواية عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأنه شغل عن أربع صلوات يوم الخندق ، إنما هي من طرق المخالفين وليس في أخبارنا لها أثر ولا توافق أصولنا » . راجع : ألف سؤال وإشكال : 1 / 171 .

23 - من شعر الأحزاب ومبارزة علي « عليه السلام » لابن ود

روى ابن إسحاق وابن هشام : 3 / 733 شعر حرب الخندق ، ومبارزة على ( عليه السلام ) لابن ود ، وأورد بعضها في الصحيح : 9 / 382 . قال ضرار بن الخطاب الفهري :

ومشفقة تظن بنا الظنونا * وقد قدنا عرندسة طحونا

كأن زهاءها أحد إذا ما * بدت أركانه للناظرينا

ترى الأبدان فيها مسبغات * على الأبطال واليلب الحصينا

وجرداً كالقداح مسوماتٍ * نؤم بها الغواة الخاطئينا

كأنهم إذا صالوا وصلنا * بباب الخندقين مصافحونا

أناس لا نرى فيهم رشيداً * وقد قالوا : ألسنا راشدينا

فأحجرناهم شهراً كريتاً * وكنا فوقهم كالقاهرينا

نراوحهم ونغدو كل يوم * عليهم في السلاح مدججينا

بأيدينا صوارم مرهفات * نقد بها المفارق والشئونا

كأن وميضهن معريات * إذا لاحت بأيدي مصلتينا

وميضُ عقيقة لمعت بليلٍ * ترى فيها العقائق مستبينا

فلولا خندق كانوا لديه * لدمرنا عليهم أجمعينا

ولكن حال دونهم وكانوا * به من خوفنا متعوذينا

فإن نرحل فإنا قد تركنا * لدى أبياتكم سعداً رهينا

إذا جن الظلام سمعت نوحى * على سعد يرجعن الحنينا

وسوف نزوركم عما قريب * كما زرناكمُ متوازرينا

بجمع من كنانة غير عزل * كأسد الغاب قد حمت العرينا

فأجابه كعب بن مالك الأنصاري :

وسائلة تسائل ما لقينا * ولو شهدت رأتنا صابرينا

صبرنا لا نرى لله عدلاً * على ما نابنا متوكلينا

وكان لنا النبي وزير صدق * به نعلو البرية أجمعينا

نقاتل معشراً ظلموا وعقوا * وكانوا بالعداوة مرصدينا

ترانا في فضافض سابغات * كغدران الملا متسربلينا

وفى أيماننا بيض خفاف * بها نشفى مراح الشاغبينا

بباب الخندقين كأن أسداً * شوابكهن يحمين العرينا

فوارسنا إذا بكروا وراحوا * على الأعداء شوساً معلمينا

لننصر أحمداً والله حتى * نكون عباد صدق مخلصينا

ويعلم أهل مكة حين ساروا * وأحزاب أتوا متحزبينا

بأن الله ليس له شريك * وأن الله مولى المؤمنينا

فإما تقتلوا سعداً سفاهاً * فإن الله خير القادرينا

سيدخله جناناً طيبات * تكون مقامة للصالحينا

كما قد ردكم فلا شريداً * بغيظكم خزايا خائبينا

وقال مسافع الجمحي يبكى عمرو بن عبد ود :

عمرو بن عبد كان أول فارسٍ * جزع المذاد وكان فارس يليلِ

سمحُ الخلائق ماجدٌ ذو مرة * يبغى القتال بشكة لم ينكل

ولقد علمتم حين ولوا عنكم * أن ابن عبد فيهم لم يعجل

حتى تكنفه الكماة وكلهم * يبغى مقاتله وليس بمؤتلي

ولقد تكنفت الأسنة فارساً * بجنوب سلع غير نكس أميل

تسل النزال على فارس غالب * بجنوب سلع ليته لم ينزل

فاذهب على فما ظفرت بمثله * فخراً ولا لاقيت مثل المعضل

نفسي الفداء لفارس من غالب * لاقى حمام الموت لم يتحلحل

وقال الشيخ كاظم الأزرى « رحمه الله » من قصيدته الأزرية / 124 :

ظهرت منه في الوغى سطواتٌ * ما أتى القوم كلهم ما أتاها

يوم غصت بجيش عمرو بن ود * لهوات الفلا وضاق فضاها

وتخطى إلى المدينة فرداً * بسرايا عزائمٍ ساراها

فدعاهم وهو ألوفٌ ولكن * ينظرون الذي يشبُّ لظاها

أين أنتم عن قسورٍ عامري * تتقى الأسد بأسه في شراها

فابتدى المصطفى يحدث عما * تؤجر الصابرون في أخراها

قائلاً إن للجليل جناناً * ليس غير المجاهدين يراها

أين من نفسه تتوق إلى * الجنات أو يورد الجحيم عداها

من لعمرو وقد ضمنت على * الله له من جنانه أعلاها

فالتووا عن جوابه كسوام * لا تراها مجيبة من دعاها

وإذا هم بفارس قرشي * ترجف الأرض خيفةً إذ يطأها

قائلاً مالها سواي كفيل * هذه ذمة على وفاها

ومشى يطلب الصفوف كما تم‍ * - شى خماص الحشا إلى مرعاها

فانتضى مشرفيه فتلقى * ساق عمرو بضربة فبراها

والى الحشر رنة السيف منه * يملأ الخافقين رجع صداها

يا لها ضربة حوت مكرمات * لم يزن ثقل أجرها ثقلاها

هذه من علاه إحدى المعالي * وعلى هذه فقس ما سواها » .

ثمان مسائل من قتل عمرو بن عبد ود

المسألة الأولي : نص العلامة في تذكرة الفقهاء : 9 / 83 : على أن خدعة على ( عليه السلام ) لعمرو في الحرب رواية عامية ، قال : ( روى العامة أن عمرو بن عبد ود بارز علياً ( عليه السلام ) ثم قال : فقال على ( عليه السلام ) : ما برزت لأقاتل اثنين ! فالتفت عمرو فوثب على ( عليه السلام ) فضربه ، فقال عمرو : خدعتني ! فقال على ( عليه السلام ) : الحرب خدعة ) .

لكن يظهر أن علي بن إبراهيم قبلها ، حيث قال في تفسيره : 2 / 182 : ( فقال له علي : يا عمرو أما كفاك أنى بارزتك وأنت فارس العرب حتى استعنت على بظهير ؟ فالتفت عمرو إلى خلفه فضربه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مسرعاً على ساقيه قطعهما جميعاً . .

فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ماكرتَهُ ؟ قال : نعم يا رسول الله ، الحرب خُدعة ) .

كما أفتى بها آقا ضياء العراقي في شرح التبصرة : 4 / 408 ، فقال : « نعم تجوز الخدعة في الحرب لفعل على ( عليه السلام ) بعمرو بن عبد ود ، وقال ( عليه السلام ) : الحرب خدعة » .

لكن صاحب الجواهر : 21 / 79 وهو أفقه من آقا ضياء ، اكتفى بإيرادها ، واستدل هو والسيد الخوئي ، منهاج الصالحين : 1 / 373 على جواز الخدعة ، برواية إسحاق بن عمار المعتبرة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال يوم الخندق : الحرب خدعة .

والنتيجة : أن الخدعة في الحرب جائزة ، لكن بعض فقهائنا توقف في أن علياً ( عليه السلام ) استعملها مع عمرو ، وبعضهم ثبت عنده ذلك لوجود قرائن على صحة رواية العامة . ولا شك أن التوقف أحوط وأكثر انسجاماً مع صفات على ( عليه السلام ) وأخلاقه .

المسألة الثانية : ذكرت الروايات أنه لما برز على ( عليه السلام ) لعمرو ، ذهب معه متفرجون من المسلمين وهم خمسة كما في رواية ابن إسحاق ، قال : وتقدم على ( عليه السلام ) مهرولاً نحو عمرو وهو يرتجز ، وذهب معه جابرالأنصاري ، وحذيفة ، وعمر ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، ليتفرجوا .

وقال القاضي المغربي في شرح الأخبار : 1 / 294 : ( ووقف المشركون من وراء الخندق ينظرون ما يكون منهما . ورفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يده إلى السماء يدعو الله عز وجل لعلى بالظفر ) . ومعناه أن المتفرجين كانوا من الطرفين ، فالمشركون من وراء الخندق ، والمسلمون أمام خيمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في منحدر جبل سلع ، عند أول السبخة التي كانت ميدان المبارزة .

المسألة الثالثة : لم يأذن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلى من أول الأمر ، رغم سكوت المسلمين وإلحاح عمرو بالنداء ، ويبدو أن ذلك لإتمام الحجة عليهم ، لكن ذكرت الرواية أنه كان يريد أن يبرز له غير على ( عليه السلام ) لأن فاطمة « عليها السلام » كانت تخاف عليه !

( في كل ذلك يقوم على ليبارزه فيأمره النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالجلوس لمكان بكاء فاطمة « عليها السلام » عليه من جراحاته في يوم أحد ، وقولها ما أسرع أن يوتم الحسن والحسين باقتحامه الهلكات . فنزل جبرئيل عن الله تعالى أن يأمر علياً ( عليه السلام ) بمبارزته ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي أدن منى وعممه بعمامته وأعطاه سيفه ، وقال إمض لشأنك .

ثم قال : اللهم أعنه . فلما توجه إليه قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : خرج الإيمان سائره إلى الكفر سائره ) . مناقب آل أبي طالب : 2 / 325 .

المسألة الرابعة : نهى النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن المثلة بالمقتول حتى لو كان كلباً عقوراً ، وكانت المثلة بالأعداء من ثقافة الجاهلية وما زالت ، من قطع رؤوسهم وحملها إلى قادتهم والدوران بها في المدن والقري ! وأشهر من حملت رؤوسهم من بلد إلى بلد الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه رضوان الله عليهم .

ورووا عن غير طريق أهل البيت « عليها السلام » أنهم جاؤوا للنبي ( صلى الله عليه وآله ) برؤوس أعدائه ، ولا يصح عندنا ، ولا تصح روايتهم أن علياً ( عليه السلام ) جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) برأس عمرو بن ود ، وأنه في خيبر جاء له برأس مرحب . الكامل لابن عدي : 6 / 50 .

والمرجح عندنا أن معنى قولهم إن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ذبحه أو قطع رأسه ، أنه أجهز عليه ، وليس فيه دلالة على أنه فصل رأسه أو حمله .

ويؤيده أنهم ضعفوا رواية مجيئه برأس عمرو إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) مجمع الزوائد : 6 / 152 .

كما رووا أن ابن مسعود جاء برأس أبى جهل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فحمد الله ، الإستيعاب : 3 / 1410 وأن أبا بردة بن نيارقال : ( جئت يوم بدر بثلاثة أرؤس فوضعتها بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ) نهاية ابن كثير : 3 / 343 وأن جابرالأنصارى قال إن محمد بن مسلمة جاء برأس كعب بن الأشرف إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) . الثقات لابن حبان : 1 / 215 .

لكن هذا لو صح فهو تصرف منهم ، ولا بد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمرهم بدفنها .

فموقف النبي ( صلى الله عليه وآله ) الترفع عن التمثيل بالجثامين ، والتنزه عن اتخاذها وسيلة للتجارة أو الضغط على العدو . ويؤيد ذلك أن المشركين أرسلوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليشتروا جثة عمرو بن عبد ود بعشرة آلاف درهم ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : هو لكم ، لا نأكل ثمن الموتى ! المناقب : 1 / 171 . ويؤيده ما رووه عن الزهري : ( لم يحمل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رأس إلا يوم بدر ) . سير السرخسي : 1 / 111 .

المسألة الخامسة : يناسب أن نذكر بعض من قتلهم الحكام وطافوا برؤوسهم ونصبوها في البلاد ليخوفوا من خالفهم ، ومعناه أن ثقافة الجاهلية استمرت في الأمة ، وأن ما نراه في عصرنا من وحشية وتمثيل في الجثث ، إرث متصل بالجاهلية ، ولا صلة له بالإسلام .

قال المؤرخ ابن حبيب في كتابه المحبر / 490 : ( ونصب معاوية رأس عمرو بن الحمق الخزاعي ، وكان شيعياً ، ودير به في السوق . ونصب يزيد بن معاوية رأس الحسين رضي الله عنه وقتل معه العباس وجعفر وعثمان وعبد الله ومحمد وأبا بكر بنى علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، وأبو بكر بن الحسن والقاسم وعبد الله ابنا الحسن وعلى وعبد الله بن الحسين وعبد الله وجعفروعبد الرحمن بنو عقيل بن أبي طالب ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل ، ومسلم بن عقيل ومحمد وعون ابنا عبد الله بن جعفر رضي الله عنهم ، فحملت رؤوسهم إلى يزيد بن معاوية ، فنصبها بالشام وبعث برأس الحسين رضي الله عنه فنصب بالمدينة !

ونصب المختار بن عبيد رأس عبيد الله بن مرجانة ورأس الحصين بن نمير السكسكي ورأس شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري ، وكان إبراهيم بن الأشتر قتلهم يوم الحازر وبعث إليه برؤوسهم فبعث برؤوسهم إلى ابن الحنفية ، فنصبت رؤوسهم على باب المسجد الحرام ، فخرج ابن الحنفية من الطواف فرآها منصوبة فحمد الله وأثنى عليه .

فلما قتل مصعب بن الزبير المختار بعث برأسه إلى عبد الله بن الزبير فنصبه على باب المسجد الحرام وسمر في يد المختار مسماراً من حديد إلى جنب المسجد ، مسجد الكوفة فلم تزل مسمورة حتى قدم الحجاج فرآها فسأل عنها فأخبر بها فأمر بنزعها . ونصب مصعب بن الزبير رأس إبراهيم بن الحر الجعفي بالكوفة .

ونصب عبد الملك رأس إبراهيم بن الأشتر النخعي ، ورأس يحيى بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي .

ونصب عبد الملك رأس مصعب بمصر ثم رده فنصبه بدمشق فأخذته عاتكة بنت يزيد بن معاوية فغسلته وحنطته ودفنته .

ونصب عبد الملك بن مروان رأس عمير بن الحباب السلمى بدمشق .

ونصب الوليد بن يزيد رأس يحيى بن زيد بن علي رضي الله عنه وكان نصر بن سيار أنفذه إليه من خراسان .

ونصب يزيد بن عبد الملك رأس عبد الله بن موسى بن نصير وكان بعث بها إليه بشر بن صفوان الكلبي من إفريقية اتهمه بقتل يزيد بن أبي مسلم .

ونصب يزيد الناقص رأس الوليد بن يزيد في مسجد دمشق ما يلي باب الفراديس ، ونصب أيضاً رأس يوسف بن عمر الثقفي بدمشق .

ونصب أبو العباس أمير المؤمنين رأس مروان بن محمد بن مروان بالكوفة . ونصب الهادي رأس دحية بن المعصب بن الأسبغ بن عبد العزيز بن مروان ، وكان قتل بمصر فنصب رأسه ببغداد .

وقتل موسى بن عيسى بن موسى الحسين بن علي بن حسن بن حسن بن علي بفخ في الموسم فنصب الهادي رأسه ببغداد على الجسر ، ثم بعث به إلى خراسان وأمه زينب بنت عبد الله بن الحسن . ونصب طاهر بن الحسين بن مصعب رأس محمد بن هارون الأمين ببغداد على باب بستان مؤنسة ثم وجه به إلى المأمون بخراسان فنصبه هناك .

وبعث المأمون إلى الحسن بن سهل وهو بفم الصلح من خراسان برأس علي بن أبي سعيد ورأس عبد العزيز بن عمران الطائي ورأس خلف المصري ورأس مؤنس التاجر ، واتهمهم بدم الفضل بن سهل فنصبها الحسن بن سهل هناك . ونصب المأمون رأس أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي ببغداد .

ونصب المتوكل رأس إسحاق بن إسماعيل التفليسي ببغداد على باب العامة ، وكان بغا الكبير أنفذه من أرمينية ) .

المسألة السادسة : روى في مناقب آل أبي طالب : 1 / 381 : ( لما أدرك على ( عليه السلام ) عمرو بن عبد ود لم يضربه ، فوقعوا في علي ( عليه السلام ) فرد عنه حذيفة ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : مه يا حذيفة فإن علياً سيذكر سبب وقفته ، ثم إنه ضربه ، فلما جاء سأله النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن ذلك فقال : قد كان شتم أمي وتفل في وجهي ، فخشيت أن أضربه لحظ نفسي ، فتركته حتى سكن ما بي ، ثم قتلته في الله ) .

وقد يشكل على ذلك بأن علياً ( عليه السلام ) ليس عنده ثنائية في الغضب والرضا ، فغضبه ورضاه دائماً لله تعالى حتى لو كان لشتم أمه « عليها السلام » .

لكن يجاب عنه بأن حالات المعصوم ( عليه السلام ) في التقرب إلى الله تعالى قد تكون متفاوتة ، فأراد أن يقتله وهو في أعلاها مستوي ، كما أن عمرواً قد يكون تكلم بكلام كثير ، فتركه الإمام ( عليه السلام ) يتم كلامه ويسجل ذلك في صحيفة عمله .

المسألة السابعة : من نبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه ترفع عن سلب عمرو ، بل لم أجد أنه سلب أحداً ممن قتلهم ! قال في مناقب آل أبي طالب : 1 / 384 :

( لما أردى ( عليه السلام ) عمرواً قال عمرو : يا ابن عم إن لي إليك حاجة ، لا تكشف سوأة ابن عمك ولا تسلبه سلبه ، فقال : ذاك أهون علي ، وفيه يقول ( عليه السلام ) :

وعففتُ عن أثوابه ولوَ انني

كنتُ المقطر بَزَّنى أثوابي

محمد بن إسحاق : قال له عمر : هلا سلبت درعه فإنها تساوى ثلاثة آلاف ، وليس للعرب مثلها ؟ قال : إني استحييت أن أكشف ابن عمي .

وروى أن أخت عمرو جاءت ورأته في سلبه ، فلم تحزن ، وقالت : إنما

قتله كريم .

وقال ( عليه السلام ) : يا قنبر لاتُعْرِ فرايسي ، أراد لا تسلب قتلاى من البغاة .

إن الأسود أسود الغاب همتها

يوم الكريهة في المسلوب لا السلب

وفى تاريخ الخميس للديار بكري : 1 / 488 : ( وروى أن علياً لما قتل عمراً لم يسلبه فجاءت أخت عمرو حتى قامت عليه ، فلما رأته غير مسلوب سلبه قالت : ما قتله إلا كفؤ كريم ، ثم سألت عن قاتله قالوا : علي بن أبي طالب ، فأنشأت هذين البيتين . . )

فنلاحظ أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وفى لعمرو بوعده فلم يسلبه حتى درعه ، بينما ظل عمر يلومه على ذلك ، ولعل علياً ( عليه السلام ) منع عمر من سلبها ، ويظهر أن أخت عمرو جاءت لتأخذ جثته فوجدته بكامل ثيابه ودرعه ، فشهدت بنبل على ( عليه السلام ) .

فسبب عدم سلبه لعمرو أنه وعده كما وعد فارس قريش طلحة بن أبي طلحة في أحُد ؟ والأسباب الأخرى التي ذكرتها روايات إن صحت ، فهي أعذار مكملة .

المسألة الثامنة : عمرو بن عبد ود قرشي من بنى عامر بن لؤي ، وهم أقل درجة من بنى كعب بن لؤي ، ابن هشام : 2 / 489 .

وعدوه ثالث شجعان قريش ، أي بعد بنى عبد الدار وعتبة بن ربيعة ، وقد شهد مع المشركين معركة بدر وقتل اثنين من المسلمين : سعد بن خيثمة الأنصاري وهو من النقباء الحاكم : 3 / 189 وعمير بن أبي وقاص : الإستيعاب : 3 / 1221 .

قال الحاكم : 3 / 32 : ( قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة ، ولم يشهد أحداً ، فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليرى مشهده ) .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.