أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-11-2014
2159
التاريخ: 27-11-2014
3450
التاريخ: 18-11-2014
6076
التاريخ: 12-10-2014
1720
|
تسقط آية من القرآن الحكيم ، كانت تقرأ ، وكانت ذات حكم تشريعي ، ثمّ نُسيت ومُحيَت هي عن صفحة الوجود ، لكن حكمها بقي مستمرّاً غير منسوخ .
وهذا النوع من النسْخ أيضاً عندنا مرفوض على غرار النوع الأوّل بلا فرْق ؛ لأنّ القائل بذلك إنّما يتمسّك بأخبار آحاد زعَمها صحيحة الإسناد ، متغفّلاً عن أنّ نسْخ آية محكَمة شيء لا يمكن إثباته بأخبار آحاد لا تفيد سوى الظنّ ، وإنّ الظَنّ لا يُغني عن الحقّ شيئاً .
هذا فضلاً عن منافاته لمصلحة نزول نفس الآية أو الآيات ، إذ لو كانت المصلحة الّتي كانت تقتضي نزولها هي اشتمالها على حكم تشريعيّ ثابت ، فلماذا تُرفع الآية وحدها ، في حين اقتضاء المصلحة بقاءها لتكون سنداً للحكم الشرعيّ المذكور .
ومن ثمّ فإنّ القول بذلك استدعى تشنيع أعداء الإسلام وتعييرهم على المسلمين في كتابهم المجيد .
وأخيراً فإنّ الالتزام بذلك ـ حسب منطوق تلك الروايات ـ التزام صريح بتحريف القرآن الكريم ، وحاشاه من كتاب إلهيّ خالد ، مضمون بالحفْظ مع الخلود .
ولذلك فإنّ هذا القول باطل عندنا ـ معاشر الإمامية ـ رأساً ، لا مبرّر له إطلاقاً ، فضلاً عن مساسه بقداسة القرآن المجيد .
قال سيّدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) : أجمع المسلمون على أنّ النسْخ لا يثبت بخبر الواحد ، كما أنّ القرآن لا يثبت به ؛ وذلك لأنّ الأمور المهمّة الّتي جرت العادة بشيوعها بين الناس وانتشار الخبر عنها لا تثبت بخبر الواحد ، فإنّ اختصاص نقلها ببعض دون بعض بنفسه دليل على كذِب الراوي أو خطئه ، وعلى هذا فكيف يثبت بخبر الواحد أنّ آية الرجْم من القرآن وأنّها نُسخت ؟! نعم ، جاء عُمَر بآية الرجْم وادّعى أنّها من القرآن ، لكنّ المسلمين لم يقبلوا منه ؛ لأنّ نقْلها كان منحصراً به ، فلم يُثبتوها في المصاحف ، لكنّ المتأخّرين التزموا بأنّها كانت آية منسوخة التلاوة باقية الحُكم (1) .
هذا ، ولكن جُلّ علماء أهل السنّة ـ بما فيهم من فقهاء كبار وأئمّة محقّقين ـ التزموا بهذا القول المستند إلى لفيف من أخبار آحاد زعموها صحيحة الإسناد ، وهذا إيثار لكرامة القرآن على حساب روايات لا حجّية فيها في هذا المجال ، وإن فُرضت صحيحة الإسناد في مصطلحهم ، إذ صحّة السنَد إنّما تُجدي في فروع مسائل فقهية ، لا إذا كانت تمسّ كرامة القرآن وتمهّد السبيل لإدخال الشكوك على كتاب المسلمين .
هذا الإمام السرخسي ـ المحقّق الأصوليّ الفقيه ـ بينما شدّد النكير على القائل بالنسْخ من النوع الأوّل ، إذا هو يلتزم به في هذا النوع ، في حين عدم فرْق بينهما فيما ذكره من استدلال لبطلان الأوّل .
قال : وأمّا نسْخ التلاوة مع بقاء الحكم فبيانه ـ فيما قال علماؤنا ـ : أنّ صوم كفّارة اليمين ثلاثة أيّام متتابعة ، بقراءة ابن مسعود ( فصيام ثلاثة أيّام متتابعات ) ، وقد كانت هذه قراءة مشهورة إلى زمن أبي حنيفة ، ولكن لم يوجد فيها النقل المتواتر الّذي يثبت بمثله القرآن ، وابن مسعود لا يُشكّ في عدالته وإتقانه ، فلا وجه لذلك إلاّ أن نقول : كان ذلك ممّا يتلى في القرآن ـ كما حَفظَه ابن مسعود ـ ثمّ انتسخت تلاوته في حياة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بصرْف القلوب عن حفْظها إلاّ قلْب ابن مسعود ليكون الحُكم باقياً بنقْله ، فإنّ خبر الواحد موجِب للعمل به ، وقراءته لا تكون دون روايته ، فكان بقاء هذا الحكم بعد نسْخ التلاوة بهذا الطريق (2) .
قلت : غير خفيّ سخافة هذا الاستدلال وبشاعة هذا التأويل ! .
* * *
وفيما يلي عَرْض لِمَا أسهبه ابن حزم الأندلسي بهذا الشأن ، وهو الإمام المحقّق صاحب مذهب واختيار ، ومن ثمّ فإنّ ذلك منه غريب جدّاً .
قال : فأمّا قول مَن لا يرى الرجْم أصلاً فقول مرغوب عنه ؛ لأنّه خلاف الثابت عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، وقد كان نزل به قرآن ، ولكنّه نُسِخ لفظُه وبقي حكمُه ، ثمّ يروي عن سفيان عن عاصم عن زرّ قال ، قال لي أُبيّ بن كعب : كم تعدّون سورة الأحزاب ؟ قلت : إمّا ثلاثاً وسبعين آية أو أربعاً وسبعين آية ، قال : إن كانت لتقارن سورة البقرة أو لهي أطول منها ، وإن كان فيها لآية الرجْم ، قلت : أبا المنذر ، وما آية الرجْم ؟ قال : ( إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم ) .
قال : هذا إسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه .
ثمّ روى بطريق آخر عن منصور عن عاصم عن زرّ ، وقال : فهذا سفيان الثوري ومنصور شَهدا على عاصم وما كذَبا ، فهما الثقتان الإمامان البدران ، وما كذبَ عاصم على زرّ ، ولا كذبَ زرّ على أُبَيّ .
قال أبو محمّد : ولكنّها نُسِخ لفظُها وبقي حكمُها ، ولو لم يُنسخ لفظُها لأقرأها أُبيّ بن كعب زرّاً بلا شكّ ، ولكنّه أخبره بأنّها كانت تعدل سورة البقرة ولم يقل له : إنّها تعدل الآن ، فصحّ نسْخ لفْظِها .
ثمّ يروي آية الرجْم عن زيد وابن الخطّاب ، ويقول : إسناد جيّد .
ويروي عن عائشة ، قالت : لقد نزلت آية الرجْم والرضاعة ، فكانتا في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها . قال : وهذا حديث صحيح . وليس هو على ما ظنّوا ؛ لأنّ آية الرجْم إذا نزلت حُذفت وعُرفت وعمَل بها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، إلاّ أنّه لم يكتبها نسّاخ القرآن في المصاحف ، ولا أثبتوا لفْظها في القرآن ، وقد سأله عُمَر بن الخطاب ذلك فلم يُجِبه ، فصحّ نسْخ لفظها ، وبقيت الصحيفة الّتي كُتبت فيها كما قالت عائشة ، فأكلها الداجن ولا حاجة بأحد إليها (3) .
قلت : وإنّي لأستغرب هذا التمحّل الفاضح في كلام مثل هذا الرجُل المعروف بالتحقيق ، ودقّة النظر والاختيار .
كيف يقول : لا حاجة إليها وهي سنَد حكمٍ تشريعيّ ثابت ! ثمّ كيف لا يعلم بالآية أحد من كتَبة الوحي ولم يكتبوها ، سوى أنّها كُتبت في صحيفة وأُودعت عند عائشة فحسب ، وكيف أنّها تركتها تحت سريرها ليأكلها داجن البيت ؟! كلّ ذلك لغريب يستبعده العقل السليم .
والّذي غرّ هؤلاء : أنّها أحاديث جاءت في الصحاح الستّة وغيرها (4) ، ولابدّ لهم ـ وهم متعبّدون بما جاء فيها ـ أن يتقبّلوها على عِلّتها مهما خالفت أساليب النقد والتحقيق .
هذا ، وقد أكثر جلال الدين السيوطي من نقل هكذا روايات ساقطة (5) ، ومن قبْله شيخه بدر الدين الزركشي ، ولكن مع شيء من الترديد (6) ، وقد أخذها بعض الكاتبين المحدّثين أدلّة قاطعة من غير تحقيق ، قال ـ متشدّقاً ـ : وإذا ثبت وقوع هذين النوعين كما ترى ثبَت جوازهما ؛ لأنّ الوقوع أعظم دليل على الجواز كما هو مقرّر ، وإذاً بطَل ما ذهب إليه المانعون له من ناحية الشرع كأبي مسلم ومَن لفّ لفّه ، ويبطل كذلك ما ذهب إليه المانعون له من ناحية العقل ، وهم فريق من المعتزلة شذّ عن الجماعة ، فزعم أنّ هذين النوعين الأخيرين مستحيلان عقلاً (7) .
قلت : ما أشرف حكم العقل لولا أنّ أمثال الزرقاني حصروه في أصحاب الاعتزال ، وجعلوا من أنفسهم بمعزل عن نور العقل الحكيم .
وأمّا الأستاذ العريض ، فقد ذهب هنا مذهباً تحقيقياً وأسهب في الردّ على هذا القول الفاسد دفاعاً عن كرامة القرآن ، ونقل عن جماعة من معاصريه مواكبَته على هذا الرأي السديد (8) .
_________________
(1) البيان ، ص 304 .
(2) أصول السرخسي : ج 2 ص 81 .
(3) المحلّى : ج 11 ص 234 ـ 236 .
(4) راجع صحيح البخاري : ج 8 ص 209 ـ 210 . وصحيح مسلم : ج 5 ص 116 و : ج 4 ص 167 . والمستدرك : ج 4 ص 359 . ومسند أحمد : ج 1 ص 23 و : ج 2 ص 43 . وسنن الترمذي : ج 4 ص 39 و : ج 3 ص 456 .
(5) راجع الإتقان : ج 3 ص 72 ـ 75 . وراجع الدرّ المنثور : ج 4 ص 366 في تفسير آية من سورة الحجّ .
(6) راجع البرهان : ج 2 ص 35 ـ 37 .
(7) راجع مناهل العرفان للزرقاني : ج 2 ص 215 ـ 216 .
(8) راجع فتح المنّان : ص 224 ـ 230 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|