أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-1-2017
1595
التاريخ: 2023-07-01
1271
التاريخ: 2024-04-21
675
التاريخ: 2024-04-26
662
|
والواقع أن شواهد الأحوال تدل على أن الحياة في مصر في ذلك العهد كانت آخذة في التدهور، وبخاصة بعد الحروب الطاحنة التي قاست خلالها البلاد البؤس والشقاء؛ مما دفع أصحاب الأقلام إلى وصفها بأبشع الصور، كما أخذ المفتنون يصورونها لنا في صور هزلية رمزية، ولا غرابة؛ فقد كان المصري ميالًا بطبيعته إلى الرسوم الهزلية، حتى إنه استعملها في كثير من الأحوال لتدل على النقد اللاذع، والتهكم المشين، وأبرز للعالم أفكاره مصورة في هيئة حيوانات دلالة على ما يرمي إليه، وقد تناول في ذلك موضوعات كثيرة تمثل الظلم والعدل على ألسنة الحيوانات؛ مما يعيد إلى أذهاننا قصص كليلة ودمنة، ولم يفلت من يد المفتن المصري أحد حتى الفراعنة أنفسهم؛ فقد أظهرهم في صوره الهزلية التي تدل على السخرية والامتهان، ولا أدل على ذلك من تلك المناظر التي سخر فيها كُتَّاب هذا العصر من رجال الجندية ووظائفهم ومجدوا الكتاب والكتابة شعرًا ونثرًا، فقد أخذ المصورون يمثلون الحروب ومناظرها في عهد «رعمسيس الثالث» وغيره بصور حيوانات بدلًا من الرجال، وقد يكون سبب ذلك ملل الناس من الحروب في هذه الأوقات، فسخروا منها كما سخروا من رجال الجندية، وإنا لنجد في أحد الأوراق المحفوظة الآن في «متحف تورين» صورة هزلية رائعة، مُثل فيها فرعون كل الفئران ممتطيًا عربته التي تقودها الكلاب السلوقية، وهو يهاجم بشجاعة وبطش جيشًا من القطط، على حين تدوس جياده الساقطين من الأعداء تحت أقدامها، وقد كانت فرقته في الوقت نفسه تتقدمه مهاجمة حصنًا يدافع عنه جيش عظيم من القطط، وقد مُثل هؤلاء الفئران وهم يهاجمون هذا الحصن بنفس الحمية والشجاعة والإقدام التي تظهرها الجنود المصرية عندما كانوا يهاجمون حصنًا سوريًّا، وهكذا نرى أن الصور الهزلية التي نقتبسها الآن عن المجلات الإفرنجية ليست إلا اقتباسًا توارثته الأجيال منذ آلاف السنين مما كان عند المصريين. وهكذا نرى أن المصري كان يهاجم حتى الفرعون نفسه عندما تشتد به الحالة، وتعضه الحروب الطاحنة بأنيابها حتى يسأمها؛ فيظهر ما تخفيه نفسه بالصور الهزلية المعبرة التي تعبر عما في ضميره أكثر من الألفاظ.
والواقع أن الحيوانات احتلت مكانة عظيمة في تمثيل المناظر الهزلية أو المسلية العالمية، فكان ينسب إليها كل الانفعالات والهنات الإنسانية، وقد كان القاص يجعل السبع أو الفأر أو ابن آوى ينطق بأحاسيس إنسانية يُستخلص منها عظات عالمية، ولا نزاع في أن «لافونتين» كان له أسلاف على شاطئ النيل لم يعرف عنهم إلا القليل، وقد كان المثال المصري يضع آلته تحت قاص الخرافات بصوره الهزلية التي كان يبرزها؛ مما كان يضفي على سخرية القصة من الروعة والنقد اللاذع أكثر مما تعبر به الألفاظ، فحيث نجد المؤلف قد ذكر باختصار أن ابن آوى والقط قد أجبرا فريستهما من الحيوانات التي يريدان التقامها؛ أن يقوم على خدمتهما ورعاية شئونهما لتكون غذاء شهيًّا في أوقات فراغهما نجد أن المثال قد صور ابن آوى والقط مجهزين بوصفهما فلاحين على ظهر كل منهما حقيبة، وعلى كتف كل منهما عصا، ويمشيان خلف قطيع من الغزلان أو من الأوز المسمن، وإنه لمن السهل أن يتنبأ الإنسان بمصير تلك الفريسة المنكودة الحظ. وفي مكان آخر نجد ثورًا يجلب أمام سيده قطًّا قد غشه، وقد كان نصيبه بما عُرف عنه من البلادة أن يوقع عليه العقاب لسوء فعلته؛ لما ارتكبه من تصرف مشين مع القط إذ اتهمه زورًا وبهتانًا.
وقد كان لألفاظ القط الماكر المعبرة بدقة أمام القاضي الذي مُثل برأس حمار يمسك عصا الحكم، ويرتدي ملابس شريف من عظماء القوم؛ تأثير في القصة على القاضي، وهذه القصة تذكرنا بالمناظر التي تُشاهد في قاعة العدل التي كان يعقدها رب (طيبة(
وفي مكان آخر نجد قصة مُثل فيها حمار وأسد وتمساح وقرد تمثل كلها جوقة موسيقية يضرب كل منها على آلة خاصة، وفي منظر ثالث نشاهد سبعًا وغزالًا يلعبان الضامة معًا، وكذلك نشاهد قطة أنيقة وضعت زهرة في شعرها، وقد حدث بينها وبين إوزة خلاف، فتضاربا معًا، وقد تقهقرت القطة إلى الوراء مذعورة حين خافت على نفسها. وهكذا نرى كثيرًا من الصور والرسوم الرمزية التي وضعها مؤلفوها لتدل على مقاصد معينة أبرزوها في صور خفية في عهدهم كما فُعل في كتاب كليلة ودمنة (راجع Maspero, The Struggle of the Nations p. 499 ff(.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|