أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-7-2020
13797
التاريخ: 29-8-2019
1752
التاريخ: 29-4-2020
1951
التاريخ: 16/11/2022
1220
|
علاقة الأخلاق والعمل، وتأثير الأخلاق في السّلوك أمر لا يخفى على أحد، لأنّ الأعمال عادةً تنبع من الصّفات الداخليّة في النّفس الإنسانية، فالشّخص الذي تسيطر حالة البخل والحسد والكِبَر على قلبه وفكره وروحه، فمن الطّبيعي أن تكون أعماله على نفس الشّاكلة، فالحسود يتحرك في أعماله دائماً من موضع هذه الخصلة الذميمة، التي هي كالشّعلة المتّقدة في روحه، تسلب الرّاحة منه، وكذلك الأفراد المتكبرين، مشيتهم وكلامهم وقيامهم وقعودهم، كلّها تعطي حالة الغرور فيهم، وتشير إلى روح التَّكبر في نفوسهم، وهذا الحكم يشمل الصفات الأخلاقيّة الصّالحة والطالحة على السّواء.
ولأجل ذلك، يعتبر بعض المحقّقين مثل هذه الأعمال، أعمالاً أخلاقية، يعني أعمال تنشأ من الأخلاق الصّالحة والطّالحة بصورةٍ بحتةٍ، وفي مقابل الأعمال التي تصدر أحياناً من الإنسان، تحت تأثير الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والإرشاد والنّصح مثلاً، من دون أن يكون لها جذر أخلاقي، وطبعاً مثل هذه الأعمال تعتبر أقلّ بالنسبة للأعمال الأخلاقيّة.
وهنا يمكن أن نستنتج، أنّه ولأجل إصلاح المجتمع وإصلاح أعمال الناس، يتوجب علينا إصلاح جذور الأعمال الأخلاقيّة، لأنّ أغلب الأعمال تعتمد على الجذور الأخلاقيّة، وعلى هذا كان أكثر سعي الأنبياء (عليهم السلام) والمصلحين الإجتماعيين الإسلاميين، يصبّ في هذا السبيل، لأنّه وبالتّربية الصّحيحة، تنمو وتتبلور الفضائل الأخلاقيّة في كلّ فرد من أفراد المجتمع، وتصل الرذائل إلى أدنى الحدود، وبذلك يمكن إصلاح الأعمال التي تترشح من الصّفات الأخلاقيّة، والإشارة في بعض الآيات القرآنية إلى «التّزكية»، تصبّ في هذا المصب أيضاً، هذا من جهةٍ.
ومن جهةٍ أخرى، أنّ التّكرار لفعل ما يمكن أن يكون له الأثر في تكوين الأخلاق، لأنّ كلّ فعل يفعله الإنسان سيؤثر في روحه ونفسه، وسيعمِّق ذلك الأثر حتى يصبح عادةً، وإذا تكرّر بصورة أكبر فسيتعدّى مرحلة العادة، ويتبدّل إلى «مَلَكةٍ» و «حالةٍ»، تدخل في الخصوصيّات الأخلاقيّة للإنسان.
وعلى ذلك، فإنّ العمل والأخلاق لهما تأثيرٌ مُتقابل، ويمكن أن يكون أحدهما سبباً للآخر.
ولهذه المسألة شواهدٌ كثيرةٌ في القرآن الكريم منها:
1 ـ في الآية (14) من سورة «المطفّفين»، وبعد الإشارة إلى الصفات القبيحة لطائفةٍ من أهل النار، والمعذبين، قال الله تعالى: (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ).
وهذه الآية دليلٌ على أنّ الأعمال القبيحة تجثم على القلب، كما يجثم الصّدأ على الحديد، وتُزيل النّور والصّفاء الفطري الدّاخلي للإنسان وتُطفئهُ، وتصوغه بقالبها.
2 ـ في الآية (81) من سورة البقرة قال الله تعالى: (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
والقصد من الإحاطة للخطيئة، هو تراكم إفرازات الخطيئة في نفس الإنسان حتى تصل النّفس إلى مرحلة الختم، والطّبع، وتتطبّع بالذنوب، فلا يُفيد فيها النّصح والموعظة ولا الإرشاد، وكأنّه قد تغيّرت ماهيّة ذلك الإنسان، وصفاته الإخلاقية في واقعه النفسي، بل وبالإصرار على الذّنوب، فإن المعتقدات الدينيّة للفرد ستطالها يد التّغيير أيضاً.
كما وأشارت الآية (7) من سورة البقرة الواردة في بعض الكفار المعاندين، إلى هذا المعنى أيضاً، حيث تقول: (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).
ومن الواضح أنّ الباري تعالى شأنه: لا يتعامل مع أحد من الناس من موقع العداوة والخُصومة، ولكنّ الواقع أنّ آثار أعمال الناس هي التي تضع الحُجب والحواجز على الحواسّ، فلا تُدرك الحقيقة، (ونسبة هذه الامور للباري تعالى، إنّما هو لأجل أنّ الله تعالى هو مُسبّب الأسباب وكلّ شيء إنّما يصدر عن ذاته المقدّسة).
وفي الآية (10) من سورة «الرّوم» يتعدى ذلك ويقول الله تعالى: إنّ الأفعال السيّئة تغيّر عقيدة الإنسان وتُؤدي به إلى الحضيض: (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ).
ومنها يتبيّن أنّ الأعمال والصّفات القبيحة وارتكاب الذنوب، إذا ما أصرّ وإستمرّ عليها الإنسان، ستمتد إلى أعماق نفس الإنسان، ولا تؤثّر على أخلاقه فحسب، بل تقلب عقائده رأساً على عقب أيضاً.
ونقرأ في آيةٍ اخرى من القرآن الكريم: أنّ الإصرار على الذنب وتكراره وسوء العمل، يُميت عند الإنسان حسّ الّتمييز والتّشخيص، بحيث يرى الحسن قبيحاً والقبيح حَسناً، فنقرأ في الآية (103 و 104) من سورة الكهف حيث تقول: (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
3 ـ وفي آيةٍ اخرَى يصرح القرآن الكريم بأن الإصرار على الكذب وخُلف الوعد مع الله سبحانه، سيورث الإنسان صفة النّفاق في قلبه، فيقول الله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77].
ويعلم القاري الكريم أنّ «يكذَّبون»: هو فعل مضارع ويدل على الإستمرار، حيث يُبيّن تأثير هذا العمل السّيء وهو الكذب في ظهور روح النّفاق؛ لأننا نعلم أنّ الكذب وخاصّةً في لباس الإنسان الصادق، ليس هو إلّا إختلاف الظّاهر والبّاطن، والنّفاق الباطني هو تبديل هذه الحالة إلى ملكةٍ.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|