أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-13
454
التاريخ: 10-8-2019
2013
التاريخ: 26-3-2021
2482
التاريخ: 5-3-2021
2642
|
إنّ لوجدان الإنسان اتّصالاً بخالق عالَم الوجود، وارتباطاً بتمام عالَم الوجود وعمقه، وهو يتلقّى تكليف الإنسان من مكانٍ آخر ليُبَلِّغه له، وهذا الحسّ القلبيّ هو الّذي يتعرّف الله وتكليفه؛ ويُعَبَّر عن هذه الإلهامات القلبيّة بـ«الإسلام الفطريّ». يقول القرآن الكريم: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾[2]؛ فهو لم يَقُل: وأوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات؛ كي يكون ذلك «تكليفاً تشريعيّاً» بحسب الاصطلاح المعروف -وهو ما ذكره الأستاذ الكبير العلّامة الطباطبائيّ في تفسير الميزان-، بل قال تعالى: إنَّنا ألهمنا قلوبَ الناس، نفس فعل الخير، وأوحينا إليهم به.
وفي منطق القرآن، للوحي عمومٌ ودائرةٌ تشمل مسائل أخرى أيضاً، مِن قَبيل «الجمال» و«العبادة»، ولا تنحصر بذلك الوحي الخاصّ النازل للأنبياء العظام، وإن كان هو أكمل درجات الوحي وأرقاها. ولكن مع ذلك يقول تعالى: نحن أوحينا لكلّ إنسان وألهمناه، وليس له وحده، بل أوحينا حتّى للنحل. يقول القرآن الكريم: ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا﴾[3]، بل أوحينا حتّى للحيوانات وللنباتات والجمادات، ﴿ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾[4]، وهذه كلّها أشكال عديدة لحقيقة واحدة، غاية الأمر أنّ الوحي المرسَل إلى الإنسان الكامل لا يُرسَل إلينا، ولكنّه وحيٌ على كلّ حال، ومثال ذلك: الشمعة المنيرة، والمصباح المنير، والشمس المشرقة على الدنيا، فهذه كلّها ذوات نور؛ فالوحي النازل على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مثل نور الشمس الّذي يعمّ العالَم، والإلهام الممنوح للإنسان كالمصباح، مختلف الإضاءة شدَّةً وضعفاً.
وأمّا النظريّة القائلة بأنّ الأخلاق من مقولة «الجمال»، فهي أيضاً تامّة من جهة، وغير تامّة من جهة أخرى، هي غير تامّة من حيث إنّ أصحابها تخيَّلوا أنّ «الجمال المعنويّ» ينتهي إلى هذا المطاف، وأنّ روح الإنسان خُلِقَت لتُدرِك سلسلة من الأفعال بنحو الاستقلال،
مثل: الجمال، والصدق، والأمانة، والإيثار، والعفّة، والشجاعة، والاستقامة، والإنصاف، والعلم؛ فهي تؤكّد قدرة النفس الإنسانيّة على تذوُّق الجمال وإدراكه، ولكنّها تقف به عند هذا الحدّ.
كان يجدر بأصحاب هذه النظريّة أن يطمحوا بأنظارهم وراء ذلك؛ لأنّ النفس الإنسانيّة تدرك بـ«اللاشعور» و«اللاوعي» أصلَ الجمال ومبدأه، وهو الله تعالى، ومن ثمّ ترى إراداته جميلة، فتسعى إلى رضاه بالفطرة الأصيلة، ورضاه تعالى هو سعادتنا، بعبارة أخرى إنّ جمال الأخلاق -في الحقيقة- من جمال مبدأ كلِّ جمال وخير، وهو الله تعالى، لكنّ الكثير من البشر يدرك جمال الأخلاق بالشعور والوعي، ويدرك مبدأها لا عن شعور.
والحقّ أنّ الحُسن والقبح العقليّين يرجعان واقعاً إلى الحُسن والقبح القلبيَّين؛ لأنّ الشعور بحُسن الحَسَن وقُبح القبيح من مقولة «الإحساس»، لا من مقولة «الإدراك»؛ والإحساس ليس من وظائف العقل، فإنّ وظيفته الإدراك، بل هو يتدفَّق من القلب، فالإنسان السويّ يدرك بفطرته اللاواعية جمالَ ما يرتضيه الربّ الجميل وحُسنَه، فهو يدرك أنّ هذا تكليف إلهيّ، تماماً كما هو حال مَن يؤمن بالله إيماناً واعياً، فإنّه يدرك جمال مراداته تعالى وحُسنه.
شعر: مبتهِجٌ أنا بكلّ العالَمِ *** وعاشِقٌ له لأنَّه مِنَ الحبيب
وهذا أيضاً شأن النظريّات الأخرى، فإنّ كلّاً منها عكسَت جانباً من الحقيقة دون جانب. فمَن يؤمن بأنّ أساس الأخلاق وعمادها هو المحبّة والعاطفة، عليه أن يخطو للأمام أكثر، ليخبرنا عن السبب الكامن في أنْ يحبّ إنساناً آخر، وربّما آثَرَه على نفسه بلا رابط يربطه به، مِن رَحِم أو منفعة؛ إذ إنّ منطق «الأنا» يستنكر ذلك أشدّ إنكار، ويُسمّيه «حُمقاً»، فلا بدَّ من أن يكون ثمّة ما يدعو الإنسان للمحبّة الصادقة الخالصة، ولأنْ يتفانى في خدمة الأغيار، وكأنّه يخدم نفسه ولا يريد جزاءً ولا شكوراً، وهذا المنطق هو منطق «الشعور الباطنيّ» بالله تعالى، وهو إسلام فطريّ؛ فالإنسان السويّ يحسّ، بشامّة قلبه، أنّ محبوبه الواقعيّ يحبّ الآخرين من بني نوعه وجنسه؛ أعني البشر والحيوان، فهو يحبّ حبّاً لمحبوبه الحقيقيّ الّذي يُبعِده عن «الأنا» ويُذيبه في الآخرين.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|