الفصل السادس 

المسؤولية الاجتماعية والتسويق 

Social Responsibility & Marketing

المقدمة :

لم تعد منظمات الاعمال في ظل عالم متشابك ومتسارع الاحداث والمنافسة قادرة على أن تكون منعزلة عن البيئة المحيطة بها، وبخاصة المرتبطة بالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية ، وان تنصب جهودها نحو عمليات الانتاج وديمومة عملها التسويقي فحسب بل اصبحت المفاهيم الفلسفية المعاصرة والمتجددة في التطبيق، اساس وموقف استراتيجي تختطه المنظمة لاثبات وتقوية موقعها في السوق. وبالتالي فان تبني فلسفة المسؤولية الاجتماعية وانتهاجها كمسار لعملها وفي تفاعلها مع البيئة ، هو تعبير حقيقي عن انتمائها الى المجتمع وسعيها لان تكون جزء منه، وفاعلة من اجله وليس شعاراً ترويجياً ترفعه للخروج من طائلة المحاسبة والنقد الموجه لها من اطراف المجتمع المختلفة.

ولذلك على ادارات منظمات الاعمال ان تولي المسؤولية الاجتماعية الاهتمام الكاف واعتباره جزءاً حقيقياً من رؤى المنظمة ورسالتها المعتمدة، وأن تعمل على اشاعة روح وثقافة المسؤولية الاجتماعية في مسار عمل المدراء وان يكون ذلك جزءاً من وظائفه وفي تعامله مع مفردات العمل اليومي، وبما ينعكس ايجاباً على اداء العاملين وتفاعل المنظمة مع المجتمع بمختلف شرائحه ومنظماته العاملة في مختلف المجالات. وفي هذا الفصل سيتم البحث في الاتي : 

- المفهوم العام للمسؤولية الاجتماعية وتعريفها.

- الاسباب الرئيسة التي تدعوا منظمات الاعمال لاعتماد المسؤولية الاجتماعية، وماهية ابعادها.

ـ التوجهات الداخلية والخارجية للمسؤولية الاجتماعية ومن خلال التركيز على مفهومي الاستدامة لرأس المال الفكري واستدامة البيئة.

ـ المسؤولية الاجتماعية بمنظورها التسويقي وتبنيها من قبل منظمات الاعمال.

المفهوم العام للمسؤولية الاجتماعية وتعريفها :

الظاهرة الفلسفية المعروضة تحت عنوان المسؤولية الاجتماعية هي ليست نتاجاً للقضايا المعاصرة التي نعيشها الان او بوقت قريب لها، أو أنها ترتبط في جوانب ذاتية لبعض المشكلات اليومية التي تنعكس من البيئة على المنظمة. بل انها ترتبط بحقيقة الامر بالعمق التأريخي الذي يمتد الى اجيال بعيدة، وذلك عندما يتم البحث او الحديث في مضمونها العام وهو ما أكدت عليه الاديان السماوية من التزامات ومعايير ينتهجها الفرد تجاه اخيه الانسان الآخر، في العطف والمحبة والخير والمساعدة عند الضرورة او خارج ذلك. اذن المسؤلية الاجتماعية بمفهومها الفلسفي المعاصر هي ليست بحالة سطحية تمثل استجابة للضغوط الاجتماعية الطارئة، والتي يمكن تهدئتها من خلال القيام بانشطة اعلامية أو حلول آنية تمثل في جوهرها تسكين مؤقت للمشكلة المعروضة. اذ ان القيمة الاعتبارية للمنظمة وبأي مستوى كان هو تعبير عن مقدار انتمائها للمجتمع الذي تعمل به، وسواء كان ذلك محلي أو خارجي. وعليه فان نجاحها أو فشلها يتوقف الى حد كبير على مدى تفاعلها الايجابي مع قضايا المجتمع والمعالجة الموضوعية لما يمكن ان يكون سبباً في تعكير صفو العلاقة ما بين الطرفين او ما يزعزع الثقة المتبادلة فيما بينهما.

وتأسيساً على ذلك يمكن القول بان المشكلات التي يعاني منها المجتمع، تكون بمثابة "هدف" متعاكس الاتجاه لكل من المنظمة والمجتمع. اذ ترى المنظمة بكونها فرصتها المناسبة في تقديم الحل لما يعانيه المجتمع وتلبية حاجاته، ولتحقق بنفس الوقت منفعتها الذاتية المعبر عنها بالارباح التي تساعدها على البقاء والاستمرار. ويشير M. Friedman الى أن رجل الاعمال الذي يؤمن بفلسفة الاعمال عليه أن يعلم أن المسؤولية الاجتماعية لا ترتبط بتحقيق الربح فحسب، بل في تحقيق حاجات المجتمع وبما يؤمن الحماية لهم بنفس الوقت Feldberg,  41.p ,1975 .  وعلى نطاق المجتمع فأن المشكلة تكمن بأنها دلالة على وجود بعض الحالات الاجتماعية السائدة والتي يعبر عنها بالفجوة Gap بين متطلبات المجتمع من جهة وواقع الحال من جهة أخرى. وهذا يعني بأن المشكلة ظاهرة موضوعية Subjective أكثر من كونها ذاتية ،Objective، وللتغلب عليها يعني البحث عن المعالجات المناسبة لتضييق الفجوة مع الواقع. وهذا لا يتحقق الا من خلال امتلاك المنظمة لامكانات حقيقية في معالجة المشكلة (الفرص) وبما يقابلها ايضاً من قصور ومحددات تحول دون امكانية التنفيذ (التهديدات). (البكري، 2008، ص 49).

وعليه فأن المسؤولية الاجتماعية وضمن ابعاد منظمة الاعمال لا تختلف في المفهوم العام عن اخلاقيات الادارة بصيغتها العامة ايضاً ، والتي تعني التمييز ما بين ما هو صحيح وما هو خاطئ لكي يتم اتخاذ الفعل التصحيحي تجاه ذلك الأمر.

والمسؤولية الاجتماعية الكلية Corporate Social Responsibility أو بمنضورها الشمولي الواسع تعني تعهد الادارات لاختيار الفعل المناسب الذي من شأنه أن يسهم في تحقيق الرفاهية لعموم المجتمع وللمنظمة ذاتها أيضاً". ( Daft 175.et al,2010, p ) ولكن هذا المعنى في ظل السلوك الاجتماعي المتباين لافراد المجتمع، قد يشوبه الغموض والاختلاف في تحديد ماهية هذه التعهدات ومقدار الرفاهية المتحققة للمجتمع وللمنظمة بذات الوقت . لذلك ظهرت وكأنعكاس الى هذا الاختلاف توجهات او مدارس فكرية ادارية تبنت مفهوم المسؤولية الاجتماعية الكلية من زوايا مختلفة يمكن تلخيصها بالاتي (Ipid, p.176-178) :

1- نظرية الارباح Profit Theories

تركز هذه على كون المسؤولية الاجتماعية الكلية تنحصر في حدود المنظمة والتي تنصب في جوهرها نحو تعظيم الارباح Profit Maximization. وهذا المفهوم اول من تبناه هو المفكر الاقتصادي 1975 Milton Freidman وليأتي من بعده وبتوجه استراتيجي 2006 ,Porter & Kramer في مقالتهما المنشورة في مجلة Harvard Business Review تحت عنوان " الستراتيجية والمجتمع.. والعلاقة الوثيقة ما بين الميزة التنافسية والمسؤولية الاجتماعية الكلية ".

2- النظرية السياسية Political Theories  

تستند هذه النظرية الى كون المسؤوليات المناطة بالمنظمات ما هي الا جزء من العقد الاجتماعي Social Contract ما بين المجتمع ومنظمات الاعمال وهذا ما ذهبا اليه 2006 Crame & Matten بالقول ان المسؤولية الاجتماعية هي تعبير عن المواطنة Organization. Citizen. وكذلك ما ذهب اليه,Nickels, et al   110.p ,2005 بالقول بان المسؤولية الاجتماعية تنطلق من مفهوم المواطنة وانها جزء من المجتمع, وتسعى الى تحقيق سعادته وحمايته من أي افعال ضارة.

3- النظرية التكاملية Integrative Theories

تقوم في جوهرها على ان اعمال المنظمة واهدافها هي كل متكامل وليست مجزئة، وبالتالي فأن النجاح المتحقق على الأمد البعيد يعني ضمنياً تحقيقها للارباح في منظورها القصير وهذا ما ذهب اليه كل من Goodpaster &Mathhews,1982 و.1977 R.K.Mitehil,

4- النظرية الاخلاقية Ethical Theories

هي تعبير عن تطبيق المبادئ الاخلاقية والقييم المعنوية في مسار عمل المنظمة ولتكون المبادئ الرئيسة التي تعتمدها ادارة المنظمة. وهذا ما ركزا عليه 1993, Evan & Freeman بالقول ان الشيء الصحيح الذي يتم فعله من قبل المنظمة سيكون مفيداً للمجتمع.

اذن المسؤولية الاجتماعية هي تعبير عن مسؤولية المنظمة تجاه المجتمع والتي تمتد الى ما هو أبعد من هدفها الرئيسي المتعلق بتحقيق الارباح . اي ان المسؤولية الاجتماعية هي هدف استراتيجي شمولي يفوق في مضمونه ومداه الهدف الربحي والمنصب على تحقيق التدفق النقدي تحديداً ,2009, p.56 . Wheelen & Hunger

من جانب آخر واستكمالاً للموضوع فأن تحديد تعريف واحد للمسؤولية الاجتماعية يصعب اتخاذه لكونه موضوع فلسفي ذا ابعاد متعددة ومختلفة الاتجاهات. ولكن اغلب ما وردت من تعاريف ركزت على رفاهية وسعادة المجتمع والقييم الاجتماعية وتحقيق المنفعة الخاصة للمنظمة ....الخ. ويمكن تعريف المسؤولية الاجتماعية على وفق هذا الجانب بأنها هي عقد اجتماعي ما بين منظمات الاعمال والمجتمع، لما تقوم به المنظمة من عمليات تجاه المجتمع .. او أنها " موقف فلسفي واخلاقي اكثر من كونها اداء أو طريقة للتعامل مع المجتمع (البكري 2008، ص 26). وقد تم تعريفها بوقت لاحق على وفق قاموس Oxford على انها الايديولجية المعتمدة من قبل جميع المنظمات نحو المجتمع وعبر ما تقوم به من عمليات ولتعبر بذلك عن تعهدها والتزامها تجاه سعادة ورفاهية المجتمع. (350.Oxford, 2011,p) وهذا يعني بان المسؤولية الاجتماعية في ظل فلسفة المنظمة تنصب نحو اتخاذ القرارات والافعال ذات التأثير والاستجابة السليمة والمقبولة من المجتمع. وانها بذات الوقت تعمل على تقليص وتجاوز أي تأثيرات سلبية يمكن ان تصيب المجتمع من جراء العمليات التي تؤديها وحتى بشكلها العرضي لكونها قد تعهدت في رسالتها واهدافها ان تحقق سعادة المجتمع ورفاهيته عبر ما تقدمه من مخرجات سواء كانت سلع او خدمات او حتى افکار .