أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-12-11
124
التاريخ: 30-3-2022
1873
التاريخ: 2023-11-21
1511
التاريخ: 2023-09-01
1194
|
تفسير الآيات
قال تعالى : {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}:
أمر لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعوذ به ويعتصم به، لأنّه صلى الله عليه وآله وسلم مِن الناس، والله تعالى ربّ الناس وملكهم وإلههم.
والخطاب في الآية متوجّه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، على نحو الخطاب التشريفي، بوصفه المصداق الأبرز من الناس. والمراد جميع الناس[1].
والربّ، بمعنى المالك، أي مَنْ الأمر والتدبير إليه في كلّ شيء. وللربّ اعتبارات ثلاثة:
• المتعالي الثابت والسيد، وهو من الأسماء الذاتية.
• المالك والصاحب والغالب والقاهر، وهو من الأسماء الصفاتيّة.
• المربّي والمنعم والمتمّم، وهو من الأسماء الأفعاليّة.
قال تعالى : {مَلِكِ النَّاسِ}:
أي سيّدهم، والقادر عليهم. ولم يجزْ هنا إلا "مَلِك"، وجاز في سورة الفاتحة التعبير بـ "مَلِك" و"مَالك"، وذلك لأنّ صفة مَلِكْ، وهي مشتقّة من المُلك، بمعنى أصل تدبير أمر الشيء، وليس كذلك لفظة "مالك"، وهي مشتقّة من "المِلْك"، بمعنى ملك أصل الشيء، وذلك لأنّه يجوز أن يُقال: مالك الثوب، ولا يجوز أن يُقال: مَلِك الثوب. فجرت اللفظة في فاتحة الكتاب على معنى المَلِك في يوم الجزاء، وجرت في هذه السورة على مَلِك تدبير مَنْ يعقل التدبير، فكانت لفظة "مَلِك" أولى هنا وأحسن. ومعنى الآية: مَلِك الناس كلّهم، وإليه مفزعهم في الحوائج[2].
قال تعالى : {إِلَهِ النَّاسِ}:
الإله، مِنْ أَلِهَ، بمعنى تحيّر، وهو الذي تحيّرت فيه عقول العقلاء، وكلّت فيه أفكار المتفكّرين. وبمعنى المعبود أيضاً.
ومِنْ طبع الإنسان أنّه إذا أَقبَل عليه شرّ يحذره ويخافه على نفسه، وأحسّ من نفسه الضعف، التجىء بمن يقوى على دفعه ويكفيه وقوعه. والذي يراه صالحاً للعوذ والاعتصام به، أحد ثلاثة:
• إمّا ربّ يلي أمره ويدبّره ويربّيه، يرجع إليه في حوائجه عامّة، وممّا يحتاج إليه في بقائه، دفع ما يُهدّده مِنَ الشرّ. وهذا سبب تامّ في نفسه.
• وإمّا ذو قوّة وسلطان، بالغة قدرته، نافذ حكمه، يُجيره إذا استجاره، فيدفع عنه الشرّ بسلطته، كملك من الملوك. وهذا -أيضاً- سبب تامّ مستقلّ في نفسه.
• وهناك سبب ثالث، وهو الإله المعبود، فإنّ لازم معبوديّة الإله، وخاصّة إذا كان واحداً لا شريك له، إخلاص العبد نفسه له، فلا يدعو إلا إيّاه، ولا يرجع في شيء من حوائجه، إلا إليه، فلا يريد إلا ما أراده، ولا يعمل إلا ما يشاؤه.
والله سبحانه، ربّ الناس، وملك الناس، وإله الناس، كما جمع الصفات الثلاث لنفسه في قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}[3]. وأشار تعالى إلى سببيّة ربوبيّته وألوهيّته، بقوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}[4]، وإلى سببيّة ملكه بقوله تعالى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}[5]، فإنْ عاذ الإنسان من شرّ يُهدّده إلى ربّ، فالله سبحانه هو الربّ، لا ربّ سواه، وإنْ أراد بعوذه ملكاً، فالله سبحانه هو الملك الحقّ، له الملك وله الحكم، وإنْ أراد لذلك إلهاً، فهو الإله، لا إله غيره[6].
قال تعالى : {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}:
الوسواس، حديث النفس بما هو كالصوت الخفيّ. والظاهر أنّ المراد به، المعنى الوصفيّ، لإفادة المبالغة. والخنّاس صيغة مبالغة، من الخنوس، بمعنى الاختفاء بعد الظهور. قيل: سُمِّي الشيطان خنّاساً، لأنّه يوسوس للإنسان، فإذا ذَكَر الله تعالى رجع وتأخّر، ثمّ إذا غفل عاد إلى وسوسته[7].
وقد وردت روايات مأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، تُشير إلى المعنى المتقدّم من الوسواس الخنّاس، وكيفيّة وسوسته وخنسه، منها:
• ما رواه أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإذا ذَكَر الله، خنس، وإذا نسي، التقم، فذلك الوسواس الخنّاس"[8].
• ما رواه أبان بن تغلب، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما مِنْ مؤمن، إلا ولقلبه في صدره أذنان، أذن ينفث فيها الملك، وأذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس، فيؤيد الله المؤمن بالملك، وهو قوله سبحانه: {وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ}"[9].
• ما رواه فطر بن خليفة، عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: "لمّا نزلت هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ}[10] صعد إبليس جبلاً بمكّة يُقال له ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته، فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا سيّدنا، لِمَ دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية، فمَنْ لها؟ فقام عفريت من الشياطين، فقال: أنا لها، بكذا وكذا. قال: لست لها. فقام آخر، فقال مثل ذلك، فقال: لست لها. فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها. قال: بماذا؟ قال: أعدهم وأمنّيهم، حتّى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة، أنسيتهم الاستغفار، فقال: أنت لها، فوكّله بها إلى يوم القيامة"[11].
قال تعالى : {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}:
صفة للوسواس الخنّاس. والمراد بالصدور، هي النفوس، لأنّ مُتَعَلّق الوسوسة هو مبدأ الإدراك من الإنسان، وهو نفسه، وإنّما أُخِذَت الصدور مكاناً للوسواس، لما أنّ الإدراك يُنسَب بحسب شيوع الاستعمال إلى القلب، والقلب في الصدر، كما قال تعالى: {وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[12].[13]
قال تعالى : {مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ}:
بيان للوسواس الخنّاس، وفيه إشارة إلى أنّ مِنَ الناس مَنْ هو مُلحَق بالشياطين، وفي زمرتهم، كما قال تعالى: {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ}[14].[15]
[1] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص395.
[2] انظر: الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص496-497.
[3] سورة الزمر، الآية 6.
[4] سورة المزمل، الآية 9.
[5] سورة الحديد، الآية 5.
[6] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص395-397.
تَدَبُّر: إنّ المتدبِّر في قوله تعالى: {بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ}، يستفيد مجموعة من النكات اللطيفة، وهي:
- وجه إضافة هذه الأسماء الثلاثة إلى خصوص "الناس", لأنّ الإنسان هو أكمل مظاهر هذه الأوصاف وأعظمها وأشرفها، وأعلى مجلى من مجالي هذه الأسماء الإلهيّة, فلذلك صار مضافاً إليه هذه الأسماء.
- وجه تخصيص الصفات الثلاث: الربّ، والملك، والإله من بين سائر صفاته الكريمة بالذِّكْر، وكذا وجه الترتيب في ما بينها, من ذِكْر الربّ أولاً, لأنّه أقرب من الإنسان وأخصّ ولاية، ثمّ الملك, لأنّه أبعد منالاً، وأعمّ ولاية يقصده مَنْ لا ولي له يخصّه ويكفيه، ثمّ الإله, لأنّه ولي يقصده الإنسان عن إخلاصه، لا عن طبعه المادّي.
- وجه عدم وصل قوله تعالى: {بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ}, بالعطف, وذلك للإشارة إلى كون كلّ مِنَ الصفات سبباً مستقلاً في دفع الشرّ, فهو تعالى سبب مستقلّ, لكونه ربّاً، ولكونه ملكاً، ولكونه إلهاً, فله تعالى السببيّة بأيّ معنى أُريد السبب. وقد مرّ نظير هذا الوجه في قوله تعالى: {اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} (سورة الإخلاص، الآيتان 1و2).
- وجه تكرار لفظ "الناس" من غير أن يُقال: "ربّهم وإلههم", لأنّ كلاً من الصفات الثلاث يمكن أن يتعلّق بها العوذ وحدها، من غير ذِكر الأخريين, لاستقلالها، ولله الأسماء الحسنى جميعاً. وهناك وجه آخر: فلعلّ كلّ واحدة من كلمات "الناس" المتكرّرة في السورة تختصّ بمرتبة من مراتب الكمال الآدمي, بمعنى أنّ الإنسان في قوله تعالى: {بِرَبِّ النَّاسِ} عبارة عن الأطفال المميّزين، الذين يدركون النعم الأوّليّة لله تعالى, وهي الإيجاد والتربية والرشد والنموّ. وفي قوله تعالى: {مَلِكِ النَّاسِ} المقصود من الناس, العقلاء الذين ينظرون إلى عالم الكون بنظر أدقّ وأوسع، فيرون النظام البديع، وروابط أجزاء العالم بعضها ببعضها الآخر، ويشاهدون سلطان الله عليه. وفي قوله تعالى: {إِلَهِ النَّاسِ} المقصود بالناس, المؤمنون المتعبّدون لله تعالى الذين يرون في الموجودات آيات عظمته وقدرته، فيعبدونه. وفي قوله تعالى: {صُدُورِ النَّاسِ} المقصود بالناس, هم العلماء الروحانيّون, لأنّ الوسوسة من الشياطين تكون للعلماء, فإنّ الشياطين يسعون إلى إغوائهم وإذلالهم، وأمّا الجهّال, فالعامل الأساس لإذلالهم, هو جهلهم، وليس شيء أقوى من الجهل في الإضلال، فلا يحتاج الجاهل إلى الوسوسة. وقوله تعالى: {وَ النَّاسِ} في آخر السورة, هم شياطين الإنس، في مقابل شياطين الجنّ، الذين يهتمّون بإضلال الخلق. فعلى هذا ليس تكرار كلمة "الناس" في السورة مجرّد تكرار، بل النَّاس في كلّ مورد, بمعنى يغاير معناه في المورد الآخر.
[7] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص397.
[8] الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص498.
[9] م.ن.
[10] سورة آل عمران، الآية 135.
[11] الصدوق، الأمالي، م.س، المجلس71، ح5، ص551.
[12] سورة الحج، الآية 46.
[13] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص397.
[14] سورة الأنعام، الآية 112.
[15] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص397.
|
|
للتخلص من الإمساك.. فاكهة واحدة لها مفعول سحري
|
|
|
|
|
العلماء ينجحون لأول مرة في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي في المختبر
|
|
|
|
|
قسم العلاقات العامّة ينظّم برنامجاً ثقافياً لوفد من أكاديمية العميد لرعاية المواهب
|
|
|