أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-07
953
التاريخ: 11-1-2017
1894
التاريخ: 2023-07-17
964
التاريخ: 2024-08-23
273
|
ولا نزاع في أن أوجه الشبه التي ذكرناها هنا بين ملابس ملوك مصر، أو بعبارة أخرى حليتهم وحلية قوم «تحنو»، قد برهنت بحق على وجود علاقة وثيقة بين المصريين والتحنو من بعض الوجوه، غير أن هذا التشابه لا يتعدى الملابس أي إنه ليس بين الشعبين أوجه شبه في الملامح إلا كما يدعي «إدوردمير» أن المصريين يرجع أصلهم إلى الجنس اللوبي، وهم الذين وفدوا على وادي النيل في بادئ الأمر واستوطنوه بوصفهم صيادين ورعاة مواشٍ، ثم أصبحوا فيما بعد زرَّاعًا ،وفضلًا عن وجهي الشبه اللذين ذكرناهما بين ملابس ملوك مصر وبين ملابس التحنو فإن لدينا بعض حقائق أخرى تحدثنا عن أصل هؤلاء القوم، فنلاحظ في نقوش الفرعون «سحورع» السالفة الذكر أن الأمراء المغلوبين على أمرهم من «التحنو» قد أُطلق عليهم لقب «حاتي تحنو» أي «أمير تحنو» وقد عثر على أثر نقش عليه هذا اللقب كذلك منحه أمير من هؤلاء القوم في عهد الفرعون «منتوحتب» في بلدة «جبلين« والواقع أن منح أمير أجنبي هذا اللقب يُعد أمرًا غريبًا في بابه، إذ جرت العادة على أنه لا يُعطاه إلا أمير مصري، هذا إلى أن الأمراء الأجانب كانوا في العادة يلقبون «حقاو» وفيما بعد «ور»، يُضاف إلى ذلك أن النقش القصير الذي نجده أمام إلهة الغرب في آثار الملك «سحورع» السالف الذكر يقول:
إني أمنحك أمراء تحنو.
وهذا التعبير غريب في بابه؛ وذلك لأن من يمنح في العادة هم القوم أنفسهم لا الأمراء.
ولدينا متنان قديمان يفسران قيمة هذا التعبير وأهميته وعلاقته بأهل تحنو؛ عُثر على المتن الأول منهما في مدينة «هابو» بين نقوش يرجع عهدها إلى عصر «تحتمس الثالث» وعهد «أمنحتب الثالث». وهذا النص خاص بتقديم معبد فيقول فيه:
لقد شحنت سفنه بأقوام من بلاد «إيونتو» من أصقاع النوبة ومن أهل «مونتيو» من بلاد آسيا ومن أهل «حاتيوعا» من بلاد لوبيا.
أما المتن الثاني فيرجع إلى عهد الأسرة الحادية عشرة وهو مقتبس من متون اللعنة التي نشرها الأستاذ «زيته «، وقد جاء فيه ذكر «حاتيوعا» (أهل «تحنو») وعلى ذلك يمكن القول بأن «أهل تحنو» كانوا في ذلك الوقت أو في وقت معلوم يسمون بهذا الاسم. وعلى الرغم من أن هذا الاسم كان يطلق على قوم «تحنو» فإنه كان في الوقت نفسه ضمن الألقاب المصرية التي كانت تُخلع على حاكم المقاطعة أو أميرها كما كان لقب شرف، ويعتقد الأستاذ «زيته» أن هذا الاسم قد أُطلق على جيران مصر من باب السخرية؛ لأن خصلة الشعر التي تحلي جباههم مشكلة في هيئة الصل الفرعوني والذيل الذي يعلقونه كانا من خصائص ومميزات ملوك مصر. وهذا التفسير مقبول في شكله ولكن هل من تفسير آخر يوضح لنا أصل هؤلاء القوم؟
فهل يكمن أن يكونوا من أصل لوبي أو أنهم يرجعون إلى أصل مصري؟
والواقع أنهم قد عُدوا منذ زمن بعيد من أرومة مصرية، ويقوي هذه الفكرة اشتراك البلدين في زي واحد، هذا إلى المشابهة في البشرة الخارجية والوجه في كلا السلالتين، يُضاف إلى ذلك أنه قد وُجد اسمان من أسماء أمراء «تحنو» لهما نظائرهما بين الأسماء المصرية وهما: «وني» و«خوتفس»، فالأول اسم قائد معروف عُثر على لوحته العظيمة في «العرابة المدفونة» التي يرجع تاريخها إلى الأسرة السادسة (راجع مصر القديمة ج1).
والثاني معنى اسمه «المحمي من والده» هو اسم كثير التداول بين الأعلام المصرية؛ يُضاف إلى ذلك أن نفس لفظة «تحنو» ترجع إلى أصل مصري معناه «البراق» — وقد تعزي هذه التسمية إلى الملابس البراقة التي كان يرتديها القوم — وكلمة «تحنو» معناها — كذلك — «زجاج» أو «قاشاني»، وقد استُعملت لفظة «تحنو» لتدل على الزجاج كما أن كلمة «صيني» تطلق على «القاشاني» المجلوب من الصين أولًا. والآن يتساءل المرء كيف يتسنى للإنسان أن يبرهن على اشتقاق كلمة «تحنو» بالحجة الدامغة؟
ويمكننا أن نقرر أنها «مصرية»؛ وذلك لأن «التحنو» يختلفون عن اللوبيين الذين يقطنون بجوارهم، ومما له أهمية في هذا الصدد ما نلحظه من أن قوم «تحنو» لا يتحلون بالريشة المميزة للوبيين وهي شعارهم الخاص، هذا إلى أن أسماء الأقوام الآخرين الذين يسكنون هذه الجهات لا يمتون للمصريين بصلة، بل هم في الواقع لوبيون، في حين أن «التحنو» كانت لهم صلات بمصر، وعلامات مشتركة بين السلالتين، كل ذلك يوحي بالتفكير في أن «التحنو» كانوا في الأصل مصريين، وأنهم سكنوا الوجه البحري؛ ثم هاجروا منه في وقت ما نحو الغرب وسكنوا إقليم «تحنو» الواقع على الحدود المصرية. حقًّا لم يصل إلينا حتى الآن أي أثر من بلاد الدلتا يحدثنا عن هذه السلالة من الناس، بيد أننا في الوقت نفسه لا يمكننا أن نعد الأثرين اللذين وجدناهما خاصين ببلاد «تحنو» وهما الأثران المنسوبان للملك «وازي» والملك «نعرمر» مجرد صدفة، بل هما في الواقع أثران قد أُقيما ليحدثانا عن انتصار هذين الملكين على هؤلاء القوم، وقد كان ذلك النصر بطبيعة الحال قبل توحيد الوجه القبلي والوجه البحري، وفي استطاعتنا القول بأن أمير هؤلاء القوم الذي كان يُعد أميرًا صغيرًا بمثابة حاكم مقاطعة «حاتي عا» قد أصبح يطلق عليه «أمير التحنو»، وبتقادم الزمن أصبح هذا اللقب يطلق على كل هذه السلالة التي هجرت موطنها الأصلي، وقد كان هؤلاء القوم الجدد في موطنهم الجديد مخاطبين بأقوام لها ثقافتهم الخاصة، وبخاصة أنهم كانوا آنئذ قد انفصلوا عن مصر التي كانت ذات ثقافة راقية، غير أنهم قد أخذوا بعض الشيء عن ثقافة جيرانهم الجدد، ولا أدل على ذلك من أننا نجد اسم غيرهم في نقوش الفرعون «سحورع» وأعني بذلك قوم «وسا»؛ وعلى الرغم من هذا الاختلاط الجديد فإنهم قد حافظوا على شخصيتهم وتقاليدهم وملابسهم بخاصة.
أما استعمال كيس عضو التناسل فيمكن أن نعزوه إلى أصل لوبي؛ وذلك لأنه كان يُستعمل منذ الأزمان السحيقة هناك، وبقي استعماله مستمرًّا في حين أن استعماله في مصر كان قد اختفى منذ عهد مبكر ولم يستعمل بعد إلا في الأحفال الخاصة بالشعائر الدينية، فنشاهد مثلًا الملك «زوسر» يلبسه في حفل «شوط تقديم القربان «، وفيما بعد نجد أن بعض الآلهة كانوا من وقت لآخر يلبسونه، فمثلًا نرى إله النيل يلبسه، وكذلك الإله «بتاح تنن «والإله «جب « (إله الأرض)، هذا إلى بعض آلهة آخرين أقل درجة من السابقين قد ارتدوه.
أما ما قيل من أن الصيادين المصريين كانوا يلبسون هذا الكيس في أثناء الصيد، وأنهم اتخذوا ذلك عادة فقول مردود، وزعم لا يرتكز على مصادر يعتمد عليها، بل يرجع إلى فكرة خاطئة استند مدعوها على جدران مقبرة حاكم المقاطعة المسمى «سبني» في جبانة بلدة «مير»، ونحن نعلم من جانبنا أن «سبني» هذا وأسرته يُنسبون إلى أصل لوبي، وقد حافظ أفراد هذه الأسرة على تقاليدهم القومية الأصلية التي نقلوها من بلادهم.
وإذا كانت هذه الخصائص المميزة لقوم «تحنو» لا غبار عليها فلدينا أمثلة جديدة قد تعدُّ من الأمور السياسية التي يرجع استعمالها إلى احتفال البلاط بالانتصار على الوجه البحري عند توحيد البلاد، ومع ذلك فإنها لا تُنسب إلى أصل لوبي، فمثلًا نعلم أن شارتي السيادة الملكية في مصر وهما الصولجان والزخمة يعزيان إلى إله «بوصير» المسمى «عنزتي «
وكان الإله المسيطر على شرق الدلتا قبل توحيد البلاد بزمن بعيد، هذا بالإضافة إلى أن الإله «حور» الذي يمثل الملك كان يقطن المقاطعة الثانية الواقعة في غرب الدلتا، ومن ملابس هذا الإله نشأت عادة التحلي بذيل الثور الذي كان يعلقه الملك في الوجه البحري، ومن أجل ذلك ينبغي على الإنسان بهذه المناسبة أن يتساءل: هل «الصل» الذي يضعه الفرعون على جبينه كان صورة الإلهة «وازيت» التي كانت تمثل في هيئة صل، وأن قوم «التحنو» قد قلدوا ملوك الدلتا في ذلك؟ والجواب على ذلك أن هذا تفسير محتمل جدًّا.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|