أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-30
271
التاريخ: 2024-09-29
338
التاريخ: 2024-04-04
830
التاريخ: 2024-10-29
53
|
في قبض الزكاة واعطائها للمستحق – القسم السادس
قال تعالى : {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271] تعطوها علانية (فَنِعِمَّا هِيَ) فنعم شيئا إبداؤها [1] ، حذف الإبداء الذي هو المخصوص بالمدح حقيقة ، وأقيم المضاف إليه الذي هو ضمير الصدقات مقامه لدلالة السياق عليه.
وأيضا فإنّ «هو» في (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لاخفائها فيجب أن يكون هنا إبداؤها أو هي للصدقات المبدوّة إشارة إلى أنّ نفس الإعلان غير مضرّ وليس في المدح بحيث يمدح بخصوصها عند الذكر مع الصدقة وأما في العديل فإنّما أريد أنّ الإخفاء خير من الإعلان.
والمراد الصدقات المتطوّع بها فإنّ الأفضل في الفرائض أن يجاهر بها وعليه أكثر أصحاب التفاسير وهو المرويّ عن أبى عبد الله (عليه السلام) في أسانيد [2] وفي مجمع البيان وقيل : الإخفاء في كلّ صدقة من الزكاة وغيرها أفضل عن الحسن وقتادة [3] وهو الأشبه لعموم الآية ويؤيد الأول استحباب حمل الواجبة إلى الامام ابتداء ووجوبه عند الطلب وأنه مع الإعلان فيها يسلم عن الاتّهام بترك الفريضة ، وأنّ الريا لا يتطرّق إليها كتطرقها إلى المندوبة ، وأنّ قوله (وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) يشعر بأن الإخفاء مظنة عدم إصابة مصارفها فينبغي في الفريضة الاحتياط بالإعلان.
وأيضا لا ريب أنّ البسط أفضل فصرف الجميع على الفقراء كما هو ظاهرها لا يناسب الزكاة ، وعن ابن عباس صدقات السرّ في التطوع تفضل علانيتها سبعين ضعفا وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرّها بخمسة وعشرين ضعفا.
ونكفّر عنكم قرئ بالنون مرفوعا عطفا [4] على محلّ ما بعد الفاء أو على أنّه خبر مبتدء محذوف ، أى ونحن نكفّر أو على أنه جملة مبتدأة فيجوز أن يكون ذلك بسبب الإنفاق مطلقا ، وبسبب الإنفاق المخفي تأمل.
ومجزوما عطفا على محلّ الفاء وما بعده ، لأنه جواب الشرط وقرئ «ويكفر» بالياء مرفوعا والفعل لله فيحتمل أن يكون مبتدأة فيجيء الاحتمالان أو الفعل للإخفاء وربما أمكن للأعمّ فافهم ، وقرئ «تكفر» بالتاء مرفوعا ومجزوما والفعل للصدقات وقرأ الحسن بالياء والنصب بإضمار أن ، ومعناه إن تخفوها يكن خيرا لكم وأن يكفر عنكم أو ولأن يكفر عنكم.
(مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) قيل «من» صلة وتحقيق للتعميم ، فربما خصّص السيئات بالصغائر والأكثر على التبعيض فقيل هو الصغائر ، وقيل أعمّ فإن العبادات تسقط الذنوب المتقدّم وجوبا ، وهو مذهب الإحباط والتكفير. وعلى مذهب الأصحاب من بطلان ذلك كما هو المشهور وادّعى عليه الإجماع يكون إسقاط الذنوب تفضّلا غير واجب إلّا بالوعد أو يقال المجمع على بطلانهما هو إحباط كلّ متأخّر وإن كان قليلا جميع ما تقدّمه مطلقا لا إسقاط ما دونه أو مساويه والله أعلم.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) من الإنفاق وغيره سرا وجهرا ، ليلا ونهارا ، حسنا وقبيحا ، فيجازى كلا بعمله ، ويزيد لمن يشاء من المحسنين بفضله.
وممّا جاء في صدقة السرّ [5] عنه (عليه السلام) «صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ وتطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار ، ويدفع سبعين بابا من البلاء ، وسبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه : الامام العادل ، وشابّ نشأ في عبادة الله عزوجل ورجل قلبه متعلّق بالمساجد ورجلان تحابّا في الله واجتمعا عليه وتفرّقا عليه ، ورجل دعته امرءة ذات منصب وجمال فقال : انى أخاف الله عزوجل ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لم يعلم يمينه ما ينفق شماله ورجل ذكر الله ففاضت عيناه.
[1] قال القرطبي في ج 3 ص 334 : واختلف القراء في قوله فَنِعِمَّا هِيَ فقرء أبو عمرو ونافع في رواية ورش وعاصم في رواية حفص وابن كثير فنعما هي بكسر النون والعين وقرء أبو عمرو أيضا ونافع في غير رواية ورش وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل فنعما بكسر ـ النون وسكون العين وقرء الأعمش وابن عامر وحمزة والكسائي فنعما بفتح النون وكسر ـ العين وكلهم سكن الميم ويجوز في غير القرآن فنعم ما هي قال النحاس ولكنه في السواد متصل فلزم الإدغام.
وحكى النحويون في نعم اربع لغات نعم الرجل زيد هذا الأصل ونعم الرجل بكسر ـ النون لكسر العين ونعم الرجل بفتح النون وسكون العين والأصل نعم حذفت الكسرة لأنها ثقيلة ونعم الرجل وهذا أفصح اللغات والأصل فيها نعم وهي تقع في كل مدح فخففت وقلبت كسرة العين على النون وأسكنت العين فمن قرء فنعما هي فله تقديران أحدهما ان يكون جاء به على لغة من يقول نعم والتقدير الآخر ان يكون على اللغة الجيدة فيكون الأصل نعم ثم كسرت العين لالتقاء الساكنين.
قال النحاس فأما الذي حكى عن ابى عمرو ونافع من إسكان العين فمحال حكى عن محمد بن يزيد انه قال اما إسكان العين والميم مشددة فلا يقدر أحد ان ينطق به وانما يروم الجمع بين ساكنين ويحرك ولا يأبه وقال أبو على من قرء بسكون العين لم يستقم قوله لأنه جمع بين ساكنين الأول منهما ليس بحرف مد ولين وانما يجوز ذلك عند النحويين إذا كان الحرف الأول حرف مد إذ المد يصير عوضا من الحركة وهذا نحو دابة وضوال ونحوه ولعل أبا عمرو أخفى الحركة واختلسها كأخذه بالإخفاء في بارئكم ويأمركم فظن السامع الإخفاء إسكانا للطف ذلك في السمع وخفائه.
قال أبو على واما من قرء نعما بفتح النون وكسر العين فإنما جاء بالكلمة على أصلها ومنه قول الشاعر :
ما أقلت قدماي انهم
نعم الساعون في الأمر المبر
قال أبو على وما من قوله تعالى نعما في موضع نصب وقوله هي تفسير للفاعل المضمر قبل الذكر والتقدير نعم شيئا إبداؤها والإبداء هو المخصوص بالمدح الا ان المضاف حذف وأقيم المضاف اليه مقامه ويدلك على هذا فهو خير لكم أي الإخفاء خير لكم فكما ان الضمير هنا للإخفاء لا للصدقات فكذلك أولا الفاعل هو الإبداء وهو الذي اتصل به الضمير فحذف الإبداء وأقيم ضمير الصدقات مثله انتهى ما في القرطبي.
وانظر البحث في نعم في الإنصاف المسئلة 14 من مسائل الخلاف من ص 97 الى ص 121 والاشمونى بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ج 4 من ص 292 الى ص 249 وشرح الرضى على الكافية ط اسلامبول من ص 311 الى ص 319 وشرح الاشمونى بحاشية الصبان ج 3 من ص 26 الى ص 38 وأسرار العربية لابن الأنباري من ص 96 الى ص 106 وشرح ابن عقيل ج 2 من ص 160 الى ص 174 ط 1385.
[2] قال في الهامش : منها ما رواه محمد بن يعقوب عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ـ الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن ابى المغراء عن ابى بصير عن ابى عبد الله (ع) في قول الله عزوجل (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) قال : ليس من الزكاة.
وبهذا الاسناد عن أبيه عن ابن أبى عمير عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (ع) في قول الله عزوجل (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) فقال : هي سوى الزكاة ، ان ـ الزكاة علانية غير سر.
وعن على بن إبراهيم عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن عبد الله بن يحيى عن عبد الله بن مسكان عن أبى بصير عن ابى عبد الله (ع) قال كل ما فرض الله عزوجل عليك فإعلانه أفضل من إسراره وكل ما كان تطوعا فإسراره أفضل من إعلانه ، ولو أن رجلا يحمل زكاة ماله على عاتقه فقسمها علانية كان ذلك حسنا جميلا.
أقول : الحديث الأول طويل رواه في الكافي ج 1 ص 140 باب فرض الزكاة الحديث 9 وهو في المرات ج 3 ص 184 ووصفه بالحسن لوجود إبراهيم بن هاشم في طريقه وقد أوضحنا في مسالك الافهام ج 1 ص 129 ان الحديث من طريقه صحيح معتبر معتمد وقد روى اجزائه في أبواب من الوسائل ونقله بتمامه أيضا في الباب 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ج 6 ص 28 المسلسل 11491.
ولم يتعرض له في المنتقى ولعله لوجود ابى بصير في طريقه وانا أيضا في حقه من المتوقفين كما شرحنا في تعاليقنا على مسالك الافهام ج 1 ص 328 وقلنا انه وان وثقه المحمد باقرون الأربعة (المجلسي والبهبهاني والسبزواري والشفتي) وانا أيضا موسوم بمحمد باقر الگلپايگاني لكن لم أصر في هذا البحث لهم خامسا ولا أضعفه بالبت ولكني في حقه من المتوقفين الا مع اليقين بكون المراد منه الليث المرادي فإنه صحيح بالبت.
والثاني في الوسائل الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة ج 6 ص 215 المسلسل 12096
والثالث في الوسائل الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة ج 6 ص 215 المسلسل 12095
[3] المجمع ج 1 ص 384.
[4] انظر المجمع ج 1 ص 383 وص 384 والكشاف ج ص 316 وروح المعاني ج 3 ص 39 والقرطبي ج 3 ص 335 وص 336.
[5] كأن المصنف جمع بين مضامين الأحاديث ، تراها في كتب الشيعة وأهل السنة : انظر في ذلك مسالك الافهام ج 2 ص 45 والوسائل الباب 13 من أبواب الصدقة ج 6 ص 275 الى ص 278 ومستدرك الوسائل ج 1 ص 534 والدر المنثور ج 1 من ص 353 الى ص 357 وابن كثير ج 1 ص 323 والخازن ج 1 ص 194.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|