أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-23
289
التاريخ: 14-8-2022
1516
التاريخ: 1-10-2014
5191
التاريخ: 2023-07-03
1403
|
ليس في الإِنحرافات التي تورط بها العالم المسيحي أكبر من انحراف عقيدة التثليث، لأنّ المسيحيين يعتقدون صراحة بالثالوث الإِلهي، وهم في نفس الوقت يصرحون بأن الله واحد! أي أنّهم يرون الحقيقة في التثليث والتوحيد في أن واحد.
وقد خلقت هذه القضية ـ التي لها حدان متناقضان ـ مشكلة كبيرة للمفكرين والباحثين المسيحيين. فلو كان المسيحيون مستعدين لقبول مسألة التوحيد بأنّها «مجازية» وقبول مسألة التثليث بأنّها مسألة حقيقية أو قبول العكس، لأمكن تبرير هذا الأمر، ولكنهم يرون الحقيقة في الجمع بين هذين المتناقضين، فيقولون أن الثلاثة واحد كما يقولون أن الواحد ثلاثة في نفس الوقت.
وما يلاحظ من ادعاء في الكتابات التبشيرية الأخيرة للمسيحيين، والتي توزع للناس الجهلاء، من أن التثليث شيء مجازي، إِنّما هو كلام مشوب بالرياء ولا يتلاءم مطلقاً مع المصادر الأساسية للمسيحية، كما لا يتفق مع الآراء والمعتقدات الحقيقية للمفكرين المسيحيين.
ويواجه المسيحيون ـ هنا ـ قضية لا تتفق مع العقل فالمعادلة التي افترضوا فيها أن 1 = 3 لا يقبلها حتى الأطفال الذين هم في مرحلة الدراسة الإِبتدائية. ولهذا السبب ادعوا أنّ هذه القضية لا تقاس بمقياس العقل، وطلبوا الإِذعان بها عبر ما سمّوه بالرؤية التعبدية القلبية.
وكان هذا التناقض منشأ للتباعد الحاصل لديهم بين الدين والعقل، وسبباً لجر الدين إِلى متاهات خطيرة، الأمر الذي اضطرهم إِلى القول بأن الدين ليس له صلة بالعقل، أو ليس فيه الطابع العقلاني، وأنّه ذو طابع تعبدي محض.
وهذا هو أساس التناقض بين الدين والعلم في منطق المسيحية، فالعلم يحكم بأنّ الثلاثة لا تساوي الواحد، والمسيحية المعاصرة تصر على أنّهما متساويان!
ويجب الإِلتفات ـ هنا ـ إِلى عدّة نقاط حول هذا الإِعتقاد المسيحي :
1 ـ لم يشر أي من الأناجيل المتداولة في الوقت الحاضر إِلى مسألة التثليث لذلك يعتقد الباحثون المسيحيون أنّ مصدر التثليث في الأناجيل خفي وغير بارز، وفي هذا المجال يقول الباحث الأمريكي المستر هاكس: «إِنّ قضية التثليث تعتبر في العهدين القديم والجديد خفية وغير واضحة، (1)
وذكر المؤرخون أنّ قضية التثليث قد برزت بعد القرن الثّالث الميلادي لدى المسيحيين وإن منشأ هذه البدعة كان الغلو من جانب، واختلاط المسيحيين بالأقوام الأخرى من جانب آخر.
ويرى البعض احتمال أن يكون مصدر التثليث عند المسيحيين وارداً من عقيدة الثالوث الهندي، أي عبادة الهنود للآلهة الثلاثة (2).
2 ـ إِنّ قضية التثليث القائلة بأن الثلاثة واحد تعتبر أمراً غير معقول أبداً، ويرفضها العقل بالبداهة، والشيء الذي نعرفه هو أن الدين لا يمكنه أن يكون منفصلا عن العقل والعلم، فالعلم الحقيقي والدين الواقعي كلاهما متفقان ومتناسقان دائماً ـ ولا يمكن القول بأن الدين أمر تعبدي محض ـ لأننا لو أزحنا العقل جانباً عند قبول مبادئ الدين وأذعنا للعبادة العمياء الصماء، فلا يبقى لدينا ما نميز به بين الأديان المختلفة.
وفي هذه الحالة، أي دليل يوجب على الإِنسان أن يعبد الله ولا يعبد الأصنام؟ وأي دليل يدعو المسيحيين إِلى التبشير لدينهم لا للأديان الأُخرى؟
ومن هذا المنطلق فإن الخصائص التي يراها المسيحيون لدينهم ويصرّون على دعوة الناس للقبول بها، هي بحدّ ذاتها دليل على أن الدين يجب أن يعرف بمنطق العقل، وهذا يناقض دعواهم حول قضية التثليث التي يرون فيها إنفصال الدين عن العقل.
وليس هناك كلام يستطيع تحطيم الدين أشد وأقبح من أن يقال: إِن الدين لا يمتلك طابعاً عقلانياً ومنطقياً، وأنّه ذو طابع تعبدي محض!
3 ـ إِنّ الأدلة العديدة التي يستشهد بها ـ في مجال إِثبات التوحيد، ووحدانية الذات الإِلهية ـ ترفض كل أنواع التثنية أو التثليث ـ فالله سبحانه وتعالى هو وجود مطلق لا يحد بالجهات، وهو أزلي أبدي لا حدود لعلمه ولقدرته ولقوته.
وبديهي أنّه لا يمكن تصور التثنية في اللامتناهي، لأنّ فرض وجود لا متناهيين يجعل من هذين الإِثنين متناهيين ومحدودين، لأن وجود الأوّل يفتقر إِلى قدرة وقوة ووجود الثّاني كما أن وجود الثّاني يفتقر إِلى وجود وخصائص الأوّل، وعلى هذا الأساس فإِن كلا الوجودين محدودان.
وبعبارة أُخرى: إِنّنا لو افترضنا وجود لا متناهيين من جميع الجهات، فلابدّ حين يصل اللامتناهي الأوّل إِلى تخوم اللامتناهي الثّاني ينتهي إِلى هذا الحد كما أن اللامتناهي الثّاني حين يصل إِلى حد اللامتناهي الأوّل ينتهي هو أيضاً، وعلى هذا الأساس فإِن كليهما يكونان محدودين ولا تنطبق صفة اللامتناهي على أي منهما، بل هما متناهيان محدودان، والنتيجة هي أن ذات الله ـ الذي هو وجود لا متناه ـ لا يمكن أن تقبل التعدد أبداً.
وهكذا فإِنّنا لو اعتقدنا بأن الذات الإِلهية تتكون من الأقانيم الثلاثة، لا يستلزم أن يكون كل من هذه الأقانيم محدوداً، ولا تصح فيه صفة اللامحدود واللامتناهي، وكذلك فإِن أي مركب في تكوينه يكون محتاجاً إِلى أجزائه التي تكونه، فوجود المركب يكون معلولا لوجود أجزائه.
وإِذا افتراضنا التركيب في ذات الله لزم أن تكون هذه الذات محتاجة أو معلولة لعلّة سابقة في حين إنّنا نعرف أنّ الله غير محتاج، وهو العلّة الأُولى لعالم الوجود، وعلّة العلل كلها منذ الأزل وإِلى الأبد.
4 ـ بالإِضافة إِلى كل ما ذكر، كيف يمكن للذات الإِلهية أن تتجسد في هيكل إِنساني لتصبح محتاجة إِلى الجسم والمكان والغذاء واللباس وأمثالها؟
إِنّ فرض الحدود لله الأزلي الأبدي، أو تجسيده في هيكل إِنسان ووضعه جنيناً في رحم أُمّ، يعتبر من أقبح التهم التي تلصق بذات الله المقدسة المنزهة عن كل النقائص، كما أنّ افتراض وجود الابن لله ـ وهو يستلزم عوارض التجسيم المختلفة ـ إِنما هو افتراض غير منطقي وبعيد عن العقل بعداً مطلقاً.
بدليل أنّ أي إِنسان لم ينشأ في محيط مسيحي ولم يتربّ منذ طفولته على هذه التعليمات الوهمية الخاطئة عند ما يسمع هذه التعابير المنافية للفطرة الإِنسانية والمخالفة لما يحكم به العقل البشري، يشعر بالسخط والإِشمئزاز، وإِذا كان المسيحيون أنفسهم لا يرون بأساً في كلمات مثل «الله الأب» و«الله الابن» فما ذلك إِلاّ لأنّهم جبلوا على هذه التعاليم الخاطئة منذ نعومة أظفارهم.
5 ـ لوحظ في السنين الأخيرة أنّ جماعة من المبشرين المسيحيين يلجؤون إِلى أمثلة سفسطائية من أجل خداع الجهلاء من الناس في قبول قضية التثليث.
من هذه الأمثلة قولهم أن اجتماع التوحيد والتثليث معاً يمكن تشبيهه بقرص الشمس والنور والحرارة النابعتين من هذا القرص، حيث أنّها ثلاثة أشياء في شيء واحد.
أو تشبيههم ذلك بانعكاس صورة إِنسان في ثلاث مرايا في آن واحد، فهذا الإِنسان مع كونه واحداً إِلاّ أنّه يظهر وكأنّه ثلاثة في المرايا الثلاث.
كما يشبهون التثليث بالمثلث الذي له ثلاث زوايا من الخارج، ويقولون بأنّ هذه الزوايا لو مدت من الدخل لوصلت كلها إِلى نقطة واحدة؟!
لكننا بالتعمق قليلا في هذه الأمثلة يتبيّن لنا أن لا صلة لها بموضوع بحثنا الحاضر، فقرص الشمس شيء ونورها شيء آخر والنور الذي يتكون من الأشعة فوق الحمراء يختلف عن الحرارة التي تتكون من الأشعة دون الحمراء، وهذه الأشياء الثلاثة تختلف الواحدة منها عن الأُخرى من حيث النظرة العلمية، وهي ليست بمجموعها شيئاً واحداً من خلال هذه النظرة.
وإِذا صح القول بأنّ هذه الأشياء الثلاثة شيء واحد، إِنّما يكون ذلك من باب التسامح أو التعبير المجازي ليس إِلاّ.
والأوضح من ذلك مثال الجسم والمرايا الثلاث، فالصورة الموجودة في المرايا عن الجسم ليست إِلاّ انعكاساً للنور، وبديهي أنّ انعكاس النّور عن جسم
معين غير ذات الجسم، وعلى هذا الأساس فليس هناك أي إتحاد حقيقي أو ذاتي بين الجسم وصورته المنعكسة في المرآة، وهذه قضية يدركها حتى الدارس المبتدي لعلم الفيزياء.
أمّا في مثال المثلث فالأمر واضح كما في المثالين السابقين، حيث أن زوايا المثلث المتعددة لا علاقة لها بالبداهة بالإِمتداد الداخلي الحاصل للزوايا، والذي يوصلها جميعاً إِلى نقطة واحدة.
والذي يثير العجب ـ أكثر من ذلك ـ هو محاولة بعض المسيحيين المستشرقين مطابقة قضية «التوحيد في التثليث» مع نظرية «وحدة الوجود» التي يقول بها الصوفيون (3) والأمر الواضح من غير دليل ـ في هذا المجال ـ هو إِنّما لو قبلنا بالنظرية الخاطئة والمنحرفة القائلة بوحدة الوجود، لاقتضى ذلك منّا أن نذعن بأن كل موجودات العالم أو الكون هي جزء من ذات الله سبحانه وتعالى، بل الإِذعان بأنّها هي عين ذاته.
عند ذلك لا يبقى معنى للتثليث، بل تصبح جميع الموجودات ـ صغيرها وكبيرها ـ جزءاً أو مظهراً لله سبحانه، وعلى هذا الأساس فلا يمكن تتطابق نظرية التثليث المسيحية بالنظرية الصوفية القائلة بوحدة الوجود بأي شكل من الأشكال، علماً بأن النظرية الصوفية هذه قد دحضت وبان بطلانها.
6 ـ يقول بعض المسيحيين ـ أحياناً ـ إِنّها حين يسمّون المسيح (عليه السلام) بـ «ابن الله» إِنّما يفعلون ذلك كما يفعل المسلمون في تسمية سبط الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) بـ «ثار الله وابن ثاره» أو كالتسمية التي وردت في بعض الروايات لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث سمى فيها بـ «يد الله»، وهؤلاء المسيحيون يفسرون كلمة «ثار» بأنّها تعني الدم، أي أنّ العبارة الواردة في الحسين الشهيد (عليه السلام)
تعني «دم الله وابن دمه».
إِنّ هذا الأمر هو عين الخطأ :
أوّلا: لأنّ العرب لم تطلق كلمة الثأر أبداً لتعني بها الدم، بل اعتبرت الثأر دائماً ثمناً للدم، ولذلك فإِن معنى العبارة أن الله هو الذي يأخذ ثمن دم الحسين الشهيد، وأن هذا الأمر منوط به سبحانه وتعالى، أي أنّ الحسين (عليه السلام) لم يكن ملكاً أو تابعاً لعشيرة أو قبيلة معينة لتطالب بدمه، بل هو يخص العالم والبشرية جمعاء ويكون تابعاً لعالم الوجود وذات الله المقدسة، ولذلك فإِن الله هو الذي يطالب ويأخذ ثمن دم هذا الشهيد ـ كما أن الحسين هو ابن علي بن أبي طالب(عليه السلام) الذي استشهد في سبيل الله، والله هو الذي يطالب ويأخذ ثمن دمه أيضاً.
وثانياً: حين يعبّر في بعض الأحيان عن بعض أولياء الله بعبارة «يد الله» فإِن هذا التعبير ـ حتماً ـ من باب التشبيه والكناية والمجاز ليس إِلاّ.
فهل يجيز أي مسيحي لنفسه أن يقال في عبارة «ابن الله» الواردة عندهم في حق المسيح(عليه السلام) أنّها ضرب من المجاز والكناية؟ بديهي أنّه لا يقبل ذلك، لأنّ المصادر المسيحية الأصلية اعتبرت صفة البنوة لله سبحانه منحصرة بالمسيح(عليه السلام)وحده وليس في غيره، واعتبروا تلك الصفة حقيقية لا مجازية، وما بادر إِليه بعض المسيحيين من الإِدعاء بأن هذه الصفة هي من باب الكناية أو المجاز، إنّما هو من أجل خداع البسطاء من الناس.
ولإِيضاح هذا الأمر نحيل القاري إِلى كتاب «القاموس المقدس» في مادة «الله» حيث يقول هذا الكتاب بأنّ عبارة «ابن الله» هي واحدة من القاب منجي ومخلص وفادي المسيحيين، وأن هذا اللقب لا يطلق على أي شخص آخر إِلاّ إِذا وجدت قرائن تبيّن بأنّ المقصود هو ليس الابن الحقيقي لله (4).
___________________
1. القاموس المقدس، ص 345.
2.انظر دائرة المعرف للقرن العشرين (لفريد وجدي )في مادة (ثالوث).
3.المراد بوحدة الوجود عند الصفوية ,هي وحدة الموجود ,ويستدلون على ان الوجود ليس اكثر من واحد يظهر في صور مختلفة وان هذا الواحد هو الله .
4.القاموس المقدس ,ص345.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|