أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-04
1938
التاريخ: 23-8-2021
2605
التاريخ: 23/11/2022
1433
التاريخ: 2023-04-29
1206
|
لكثرة المطالبات الفقهية المنادية بضرورة تبني المبدأ التشريعي المتطور وكثرة الندوات الداعية إلى انصاف المرأة من حيث مساواتها بالرجل في كافة الحقوق ولاسيما حق نقل جنسيتها لأبنائها أدّى الى تأثر المشرع العراقي بها بعد سقوط النظام البائد وصدور الدستور العراقي لعام 2005 ، مما أدى الى تضمن المشرع العراقي في قانون الجنسية النافذ رقم ( 26 ) لسنة 2006 تطبيق تشريعي حديث لحق دم الأم يمنحها من خلاله حقا أصــيـلا فـــي نـقــل جنسيتها لأبنائها تضمنته المادة (3) فقرة (أ ) بعد أن كــان حــق الــدم الأصيل مقصورا بالأب العراقي دون الأم العراقية في ظل المبدأ التشريعي التقليدي، وكان اتجاه المشرع في ذلك لمعالجة المشاكل التي يواجهها أولاد الام الوطنية (1)، وكذلك لمسايرة ما استقر عليه التوجه العالمي بشأن تحقيق المساواة بين الأب والأم في حق نقل الجنسية إلى الأبناء فنصت المادة (أ/3 ) من القانون اعلاه ( يعتبر عراقي أ- من ولد لأب عراقي أو لأم عراقية).
وقد جاء نص هذه المادة منسجما مع ما أورده المشرع الدستوري في الفقرة ثانياً من المادة ( 18 ) من الدستور والتي نص على أنّه ( يعتبر عراقيا من ولد لاب عراقي او لأم عراقية ، وينظم ذلك بقانون )وعليه فإن المشرع العراقي بموجب المادة (3/أ ) والتي يشير ظاهرها إلى اعتماد المشرع مبدأ المساواة المطلقة في تقرير حق الجنسية العراقية في نطاق الأساس العائلي ، وتثبت الجنسية العراقية الأصلية للمولود من الأم العراقية بنفس الكيفية التي تثبت بمقتضاها الجنسية العراقية الأصلية للمولود من الأب العراقي، وبغض النظر عن جنسية الأب وفيما إذا كان المولود ثمرة علاقة شرعية بين أمه وأبيه أو كان ثمره علاقة غير شرعية ، وبغض النظر عما إذا كانت واقعة ميلاد الطفل من الأم العراقية وطنينا أو أجنبيا(2) ، ويؤيد الباحث ما ذهب إليه البعض من أنّ المشرع العراقي لم يكن موفقا بتبنيه حق الدم الأصيل من جهة الأم وكان من الأجدر به صياغة نص المادة (3/أ) على ان يجعل حق الدم المطلق في نقل الجنسية العراقية الاصلية مقتصرا على حق الدم من جهة الأب (3) أما بالنسبة لحق الأم في نقل جنسيتها لأبنائها فلابد من تعزيزه بأساس اخر لمراعاة الإعتبارات الإجتماعية والإقتصادية سابقة الذكر وعلى رأسها مبدأ الواقعية في تقرير حق الجنسية إضافة إلى جملة من الأسباب تقتضي ذلك، أما بالنسبة للمشرع الدستوري فليس من وظيفته التطرق للمسائل التفصيلية المتعلقة بالجنسية (4) ، ويؤيد الباحث ما ذهب إليه البعض من أن المشرع العراقي أراد معالجة الحالة التي تكون فيها الأم وحدها دون الأب تتمتع بالجنسية العراقية (5) .
وإن الاطلاق الوارد بنص المادة (3/أ) يشير إلى أن شروط حق نقل الجنسية بالنسبة للأبوين هي ذات الشروط وهي أن يكون الأب أو الأم متمتعا بالجنسية العراقيـة سـواء كانت الجنسية أصلية أم مكتسبة (6) ، وثبوت النسب بين الأبن و الأب اذا تمتع المولود بجنسية ابيه بناء على حق الدم المنحدر منه أو بين الابن و الأم اذا تمتع المولود بجنسية أمه بناء على حق الدم المنحدر منها (7) ، وهذا أما يعكسه ظاهر النص القانوني إلّا أنّ حقيقة الأمر عكس ذلك تماماً ل(8) فالمشرع العراقي قد خالف ما ورد بنص المادة (3/أ) وقيدها بالمادة (4) و التي تنص على أنّه ( للوزير ان يعتبر من ولد خارج العراق من أم عراقية و أب مجهول أو لا جنسية له عراقي الجنسية إذا اختارها خلال سنة من تاریخ بلوغه سن الرشد إلا إذا عالت الظروف ) وهذا يعني أنّ المولود في الخارج لأم عراقية و أب مجهول أو عديم الجنسية لا يتمتع بالجنسية العراقية الأصلية اسوة بالمولود داخل العراق أو خارجه من أب عراقي و أم اجنبية أو أم مجهولة أو أم عديمة الجنسية، وإنما يحق له طلبها أي مكتسبة وليست أصيلة ، وكان عدم المساواة هذا لا يقتصر على حق الدم بين الأب والأم بل ذهب المشرع العراقي إلى أكثر من ذلك فلم يساوي ايضا بين حق دم الأم العراقية المقيمة في الخارج وحق دم الأم العراقية المقيمة في الإقليم الوطني، فالمولود من أم عراقية و أإب مجهول أبو عديم الجنسية فـي خـارج العراق يقدم طلب لاكتساب الجنسية العراقية بعد بلوغه سن الرشد بناء على حق الدم المنحدر من الأم ، بينما تثبت للمولود داخل العراق من الأم الوطنية الجنسية العراقية الاصلية بغض النظر عما إذا كان المولود ثمرة علاقة شرعية بين الأب والأم أو كان غير شرعي ، وبغض النظر عما إذا كان أبوه وطني أو أجنبي يمتع بجنسية معينة أو عديم الجنسية.
وهذا يعني أن المادة (4) من قانون الجنسية العراقية النافذ قد أكدت عدم سريان الإطلاق الوارد في المادة (أ/3 ) منه وحددت له نطاق لتطبيقه، وهذا ما يعكسه تطبيق المادة الرابعة و مفهوم مخالفتها ، فإذا كانت الجنسية العراقية تثبت للمولود بناء على حق الدم من جهة الأب بمقتضى توافر شرطين ( وطنية الأب ناقل الجنسية و ثبوت نسب المولود إليه شرعاً )، فإن دم الأم لا ينحدر لثبوت الجنسية العراقية لمولودها إلا بتوافر ثلاثة شروط ألا وهي :
أولا: تمتع الأم بالجنسية العراقية
وهو أول شرط لحق نقل جنسية الأم العراقية ولا يشترط أن تكون جنسيتها أصلية ثابتة لها بالميلاد أو مكتسبة في تاريخ لاحق عليه وبغض النظر عن جنسية الأب كما أسلفنا أعلاه، كما لا يؤثر إذا كانت الأم مستمرة في زواجها من أب الطفل أو منفصلة عنه أو متوفي عنها ، إضافة إلى ذلك لا يؤثر إذا كانت الأم العراقية تتمتع بأكثر من جنسية أو إذا كان إبنها يتمتع بأكثر من جنسية كحصوله على جنسية دولة الميلاد وجنسية دولة أبيه الأجنبي ففي كل الأحوال تثبت للمولود الجنسية العراقية الأصلية بناء على حق الدم المنحدر من الأم (9).
ثانيا: ثبوت نسب الابن لأمه العراقية قانوناً
يشترط لثبوت الجنسية العراقية الأصلية للمولود من الأم العراقية أن يثبت نســــب المولود إلى أمه قانونا ، واستناداً إلى أحكام المادة ( 19 ) فقرة (4) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 فإن القانون الذي يحكم نسب المولود للأم العراقية هو قانون جنسية الأب ، إلّا أنّ هذا الحكم قيدته الفقرة (5) من نفس المادة و التي تعطي الاختصاص في المسائل الخاصة بالبنوة الشرعية إلى القانون العراقي إذا كان أحد الزوجين عراقيا وقت انعقاد الزواج (10)، وعليه إذا كانت جنسية الأم عراقية وقت انعقاد الزواج فيمكن اثبات نسب المولود حسب أحكام القانون العراقي، أما إذا كانت جنسيتها أجنبية في ذلك الوقت ومن ثم اكتسبت الجنسية العراقية فيما بعد فلا تستفاد مـن نـص المادة (5/19) من القانون المدني ويحكم بثبوت نسب المولود قانون جنسية أبيه ، لأنّ قوانين الجنسية وضعت لرعايا الدولة الذين تربطهم بها رابطة الشعور القومي والروح الوطنية (11) هذا فيما يتعلق بالنسب الشرعي للمولود أما بالنسبة للمولود غير الشرعي فلم يتطرق له المشرع العراقي في المادة (19) منه وخصص الفقرة (4) للمسائل الخاصة بالبنوة الشرعية، وبالرجوع إلى قانون الأحوال الشخصية العراقي نجد أن المادة (51) منه قد نصت على أنّه (ينسب ولد كل زوجة الى زوجها بالشرطين التاليين 1- ان يمضي على عقد الزواج اقل مدة الحمل -2- أن يكون التلاقي بين الزوجين ممكنا) ، وهذا يعني أنّ المشرع العراقي لم يتناول نسب المولود غير الشرعي بالتنظيم لا في القانون المدني ولا في قانون الأحوال الشخصية، وتناول ذلك في قوانين الجنسية فحسب ونظمه ضمن الحالات التي يتفعل فيها حق الدم الثانوي أي يطبق على المولود غير الشرعي في المسائل المتعلقة بجنسيته قانون جنسية امه العراقية ، والذي منحه حقا في التمتع بالجنسية العراقية الأصلية بناء على حق الدم المنحدر من الأم إذا ما تمت ولادته داخل العراق وهذا في كافة تشريعات الجنسية العراقية ، أما إذا تمت واقعة ولادته خارج الإقليم الوطني فيحق له بعد بلوغه سن الرشد طلب الجنسية العراقية بناء على حق الدم المنحدر من أمه الوطنية وهذا ما وضحته المادة (5) مـن قانون الجنسية العراقي رقم 43 لسنة 1963 الملغي وكذلك نص المادة (4) من قانون الجنسية العراقي النافذ سابقا الذكر، وحسنا فعل المشرع العراقي لإنطلاقه نحو ذلك من باب تنظيمي انساني يحارب من خلاله ظاهرة انعدام الجنسية .
وفي هذا الإطار رب سائل يسأل هل بإمكان المرأة العراقية نقل جنسيتها لطفل عديم الجنسية قامت بتبنيه (12)؟
ومع غياب التنظيم القانوني لهذه المسائل إلا إننا نرى لا يحق للمرأة العراقية قانونا في الفرض أعلاه نقل جنسيتها للطفل عديم الجنسية الذي تبنته وذلك يرجع إلى سبب معقول وهو أن الطفل المتبني لم يكن مولودا من قبل المتبنى( المرأة العراقية) لذلك فلم يثبت نسبه إليها شرعًا وقانونا (13) ، وعليه فإذا كان الطفل المتبني مجهول الأبوين أو لقيطا فتثبت له الجنسية العراقية بناء على حق الإقليم في كافة تشريعات الجنسية العراقية وليس فقط في قانون الجنسية النافذ (14) ، إلا أنّ المشكلة قد تثور فيما إذا كان الطفل المتبني مولودا من أبوين عديمي الجنسية كالغجر والذين لا يزال الكثير منهم عديمي الجنسية وكذلك البدو (الرحل) (15) فهل يحق للأسرة البديلة (16) بصورة عامة (المرأة او الرجل) على اعتبارها الأسرة التي تضخ للطفل الذي تبنته ما ينقصه من المفاهيم الاجتماعية نقل جنسيتها اليه؟ أم تثبت للطفل في هذه الحالة الجنسية العراقية بناء على حق الإقليم؟ وهذا ما أغفل عنه المشرع العراقي في كافة قوانين الجنسية العراقية الملغاة وغير النافذ وكذلك قانون الجنسية الحالي، ونرى ان هذه الحالة تعبر عن فراغا تشريعيا ينبغي معالجته ضمن الحالات التي يتقرر فيها للطفل الجنسية العراقية الأصلية بناء على حق الإقليم لأتحاد العلة في ذلك وهي تلافي حالات انعدام الجنسية ، لأن ذلك يؤدي إلى ترك المولود من ابوين عديمي الجنسية بلا جنسية حتى بلوغه سن الرشد فسيتطيع بعد ذلك طلب الجنسية العراقية بناء على اقامته الاعتيادية في العراق .
ثالثا: اقتران الشرطين أعلاه بأساس اقليمي متى كان المولود من الأم العراقية غير شرعيا أو من أب عديم الجنسية
لا يكفي لحق نقل جنسية الأم في تشريع الجنسية العراقي النافذ أن تكون الأم وطنية ونسب المولود ثابت لها قانونا، بل ينبغي إضافة إلى ذلك اقتران هذين الشرطين بحق الاقليم إذا ولدت الام العراقية من أب مجهول أو عديم الجنسية ، وهذا ما يفهم بجلاء من مفهوم المخالفة لنص المادة (4) سابقة الذكر ، وعند عدم اقتران الشرطين السابقين بحق الاقليم أي وقوع الولادة خارج لإقليم الوطني فلن تدخل الجنسية العراقية المبنية على حق الدم من جهة الأم في اطار الجنسية الاصلية وانما تدخل ضمن إطار الجنسية المكتسبة ، وجميعنا نعلم ما تتميز به الجنسية الأصلية عن الجنسية المكتسبة من خصائص وما تمنحه من حقوق و مزايا لا تمنحها الجنسية المكتسبة (17) ، لذلك فلا نؤيد الإتجاه الذي يقول باعتماد المشرع العراقي في القانون النافذ حــق الــدم كأساس لبناء الجنسية العراقية ولم يأخذ بحق الإقليم الا بحالة واحدة استثنائية تتعلق بمجهول الوالدين او اللقيط (18).
وهذا يعني أن المشرع العراقي قد جعل من مبدأ المساواة النسبية مبدأ سائدا و رائدا في تقريره لحق الجنسية العراقية في نطاق الاساس العائلي (19) وقد سبق وان تناولنا ما للمساواة النسبية من اهمية كبيرة في هذا المجال ولاسيما في الوقت الراهن وذلك لما يمر فيه البلاد من ظروف وأوضاع اجتماعية واقتصادية ناهيك عن الإنفجار السكاني الذي حصل في السنوات الأخيرة، والذي لا يتوافق البتة مع اعتماد المشرع العراقي المنهج التشريعي المتطور المبني على الأخذ بمبدأ المساواة المطلقة بين الأبوين في تقرير حق الجنسية العراقية للأبناء. فالجنسية مسألة تنظيمية يراعى المشرع عند تقريرها للأفراد ما يسود بلاده من أوضاع ، وهي أن كانت حقا فهو حقاً للفرد المتمتع بها و ليس حقاً خالصاً لأسرته، ولطالما كان المشرع العراقي موفقاً من حيث تقريرها أصلية إذا ما ولد الفرد داخل العراق أو خارجه من أب عراقي أو ولد داخل العراق من أم عراقية و أب أجنبي أو أب مجهول أو أب عديم الجنسية ، وتقريرها مكتسبة إذا ما ولد الفرد خارج العراق من أم عراقية و أب مجهول أو عديم الجنسية، فهو بذلك قد اقرها حقاً خالصاً للفرد في جميع الحالات أما بشأن اختلاف صفة الجنسية بين الأصلية و المكتسبة (20) و اختلاف أحكام كلا منهما وما تترتب عليها من حقوق (21) فهذه مسائل تنظيمية ينظرها المشرع من منظور الواقعية في تقرير حق الجنسية. وعليه فلا نذهب مع الإتجاه الذي يرى أن المشرع العراقي في نص المادة (3/ أ) قد تبنى مبدأ المساواة المطلقة في حق الدم بين الأبوين وان نص المادة (4) من نفس القانون ما هو إلا حالة مستثناة من النص المطلق ، وذهبوا إلى أن الحالة الواردة في المادة (4) لا تشكل تأثيراً كبيراً على صفة الاطلاق المتبناة بنص المادة (3/أ) في بناء الجنسية العراقية الاصلية ، ولا تعتبر تقييداً للمبدأ العام في الاطلاق و إنما تعبر عن رغبة المشرع في اختبار مدى جدية المولود خارج العراق من أم عراقية و أب مجهول أولا جنسية له للإرتباط بدولة الأم و اختيار جنسيتها (22) ، فنرى أنّ هذا الإتجاه أغفل عن مسألة في غاية الأهمية إلا وهي أنّ المادة (3/أ) قد جاءت مطلقة والمطلق يجري على اطلاقه (23) إذا أسلمنا بان المشرع العراقي بنص المادة الرابعة أراد اختبار مدى جدية المولود خارج العراقي من أم عراقية وأب مجهول أو عديم الجنسية من الاندماج و الإرتباط بدولة الأم فما الذي يجعل المشرع العراقي يتيقن من اندماج وارتباط المولود خارج العراق من أب عراقي وأم مجهولة أو عديمة الجنسية بالدولة العراقية ؟ فقد يكون مولودا في إقليم دولة اجنبية ومستمر في الإقامة فيها أي مرتبط بها ارتباطا ماديا ومعنويا ومع كل ذلك قرر له بموجب المادة (1/3 ) الجنسية العراقية الأصلية بناء على حق الدم من جهة الأب دون النص على تقييد حقه بأي شرط و دون تعزيزه بأساس آخر كما فعل ذلك بالنسبة لحق الدم من جهة الأم .
وهذا كله يؤكد على أنّ المشرع العراقي قد اعتمد مبدأ المساواة النسبية بين حق دم الأبوين بإيراد نص المادة الرابعة من القانون والتي تشكل تقييداً واضحا وصريحا للإطلاق الوارد لنص المادة (1/3) سابقة الذكر وهي خطوة موفقة من قبل المشرع العراقي والتي جسدت مبدأ الواقعية في تقرير حق الجنسية العراقية بناء على حق الدم من جهة الأم على الأقل ، فانسجم اتجاه المشرع هذا مع ما تمليه الإعتبارات الإجتماعية والإقتصادية للبلاد اضافة إلى أن المشرع العراقي بنص المادة الرابعة قد قلل من حالات فرض الجنسية العراقية بناء على حق الدم من جهة الأم لتحقيق التوازن بين المساحتين البشرية والجغرافية للعراق ، فالأخذ بمبدأ المساواة النسبية يتفق وكون الدولة مصدرة للسكان (24).
لذلك نؤيد موقف المشرع العراقي من نص المادة (4) التي قيدت الإطلاق الوارد بنص المادة (3/أ) وجعلت اتجاه المشرع العراقي ينطلق من المساوة المطلقة في حق الدم إلى تطبيق مبدأ المساواة النسبية ولاسيما في ظل الظروف الراهنة فيعاني العـراق مـن الضمور الاقتصادي مقابل الرواج السكاني ، ولا شك فيما يؤدي إليه ذلك من آثار سلبية تلقي بظلالها على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الفرد والدولة والقول بخلاف ذلك يجعل العراق دولة مستوردة للسكان إضافة إلى أنّه يؤدي إلى توسيع المساحة السكانية للعراق على حساب مساحته الجغرافية وموارده الاقتصادية.
إضافة إلى أنّ المشرع العراقي في المادة (4) حاول مراعاة أحكام الشرعية الإسلامية الغراء والتي يقضي حكمها بنسبة الابن الى أبيه استنادا لقوله تعالى ((ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله ، فوقوع ولادة الطفل على إقليم أجنبي من أم عراقية وأب مجهول أو عديم الجنسية سيؤدي إلى تفعيل حق دم الأم نتيجة تعطيل حــق دم الأب لجهالته أو انعدام جنسيته ، وبهذه الحالة فإنّ الجنسية العراقية لم تفرض على لمولود بحكم القانون وإنّما يحق له طلبها أي مختارة وليست أصلية وبالتالي ينسجم حكم المشرع العراقي في المادة المذكورة مع حكم الشريعة الإسلامية في هذا الشأن .
خاصة وأنا قد ذهبنا مع الاتجاه الذي يرى ان المشرع العراقي في الفقرة (أ) من المادة (3) من قانون الجنسية النافذ اراد معالجة حالة ما اذا كانت الأم وحدها دون الأب تتمتع بالجنسية العراقية فإذا كان الأب يتمتع بالجنسية العراقية فنسب الابن يكون لأبيه حصرا (25) أما اذا كان المولود من الأم العراقية غير شرعيا أي من أب مجهول فهذه حالة تاباها الشريعة الإسلامية لأنّ العراق من الدول التي أكّد دستورها على احترام أحكام الشريعة الاسلامية فقد نصت المادة (2) منه على انه ( اولا :- الاسلام دين الدولة الرسمي ، وهو مصدر اساس للتشريع -- -1- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ) ، لذلك جعل المشرع العراقي جنسية المولود في الفرض السابق جنسية مكتسبة لا أصلية متى ما وقعت الولادة خارج الإقليم الوطني ، أما إذا وقعت ولادة الطفل غير الشرعي داخل الإقليم الوطني فإنّ جنسية المولود في هذه الحالة لا تستند على حق الدم من جهة الأم فحسب وإنّما تتقرر للمولود نتيجة خلط الأساسيين معا ( حق الدم من جهة الأم ، وحق الإقليم ) وهذا ما يبرر فرض الجنسية العراقية للمولد داخل العراق من أم وطنية وأب مجهول أو عديم الجنسية ، فحق الإقليم في هذا الفرض يعتبر داعما قويا لتعزيز حق الدم من جهة الأم لضمان اندماج المولود في المجتمع الوطني وضمان نقـــاء عنصر السكان فيه ، لذلك فيفيض الإقليم مع وطنية دم الأم الجنسية العراقية الأصلية للمولود (26).
___________
1- د. عامر محمود الكسواني ، موسوعة القانون الدولي الخاص الجنسية والموطن ومركز الأجانب ، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2010،ص 350.
2- حسن علي كاظم المجمع ، ابراهيم عباس الجبوري ، الوجيز في القانون الدولي الخاص ، ط1 ، دار الكتب والوثائق في بغداد ، العراق - بابل ، 2018، ص 95.
3- د. علي عبد العالي الاسدي ، الوجيز في احكام الجنسية العراقية في قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006 ، ط 1 ، مركز المحور للدراسات والتخطيط الاستراتيجي، العراق البصرة، 2017، ، ص 83.
4- سنتناول اسباب ترجيح المنهج التشريعي التقليدي في حق الدم وبضمنها موقف المشرع الدستوري في المبحث الثاني من هذا الفصل.
5- ياسين طاهر الياسري ، الوافي في شرح قانون الجنسية العراقي ، ط2 دار الهنا للعمارة والفنون 2010 ، ص 102.
6- ياسين طاهر الياسري ، القانون الدولي الخاص ، الجنسية العراقية المقارنة ، ط 1، دار الفراهيدي للنشر والتوزيع ، بغداد، 2015 ، ص 75.
7- د. علي عبد العالي الاسدي، مصدر سابق، ص85
8- كريم محمد كاظم موسى علي ، المركز القانوني للمرأة في قانون الجنسية العراقية رقم ( 26) لسنة 2006 ،مصدر سابق ، المركز القانوني للمرأة في قانون الجنسية العراقية رقم ( 26) لسنة 2006 ، رسالة مقدمة الى مجلس كلية القانون جامعة الكوفة ، 2018 ، المركز القانوني للمرأة في قانون الجنسية العراقية رقم ( 26) لسنة 2006 ، رسالة مقدمة الى مجلس كلية القانون جامعة الكوفة ، 2018 ، ص 29 المركز القانوني للمرأة في قانون الجنسية العراقية رقم (26) لسنة 2006 ، رسالة مقدمة الى مجلس كلية القانون جامعة الكوفة ، 2018، ص 29 ص29.
9- محمد ثامر ، محاضرات في القانون الدولي الخاص ، ج 1، مكتبة السنهوري ، بيروت ، 2017 ، ص 24 وما بعدها.
10- نصت المادة (19) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 على أنه "رابعا: المسائل الخاصة بالبنوة الشرعية والولاية وسائر الواجبات ما بين الاباء والاولاد يسري عليها قانون الاب خامسا : في الاحوال المنصوص عليها في هذه المادة اذا كان احد الزوجين عراقيا وقت انعقاد الزواج يسري القانون العراقي وحده".
11- د. جابر ابراهيم الراوي، مبادئ القانون الدولي الخاص ، ط 2، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1976، ص 40.
12- يطلق على التبني النسب الصناعي وقد ابطله القانون العراقي القائم على الشريعة الاسلامية في مسائل الاحوال الشخصية، انظر د. السيد عبد المنعم حافظ السيد ، أحكام تنظيم الجنسية، ط1، مكتبة الوفاء القانونية ، الاسكندرية ، 2012، ص 162.
13- د. احمد عبد الكريم سلامة ، المبسوط في شرح نظام الجنسية، دار النهضة العربية ، مصر ،1993، ص 441 ، وينظر كذلك ، د. ياسين طاهر الياسري ، القانون الدولي الخاص الجنسية العراقية المقارنة، مصدر سابق ، ص 78 وما بعدها
14- نصت المادة 4 من قانون الجنسية العراقية رقم 43 لسنة 1963 على أنه " يعتبر عراقيا 3- من ولد في العراق من والدين مجهولين ويعتبر اللقيط الذي يعثر عليه في العراق مولودا فيه مالم يقم الدليل على خلاف ذلك " وتقابلها نص المادة (4) (ثالثا) من قانون الجنسية العراقية والمعلومات المدنية رقم 46 لسنة 1990، والمادة (3/ب) من قانون الجنسية العراقي النافذ.
15- سحر جاسم معن ، مشكلة انعدام الجنسية وآثارها في حقوق الانسان ، ط 1 ، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع ، الجيزة، 2015، ص 193.
16 - يقصد بالأسرة البديلة الأسرة الحاضنة التي تقوم باحتضان الطفل مجهول النسب او المحروم من الأبوين وذلك لتعويضه عن أسرته الطبيعية وليكتسب من خلالها ما ينقصه من الاحتياجات الضرورية لتكوينه الاجتماعي والنفسي وليستقي منها المبادئ والقيم الأسرية والمفاهيم العامة للمجتمع ، انظر: د. سلام عبد الزهرة الفتلاوي ، أنغام محمود شاكر الخفاجي النظام القانوني للأسرة البديلة ، بحث منشور في مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية ، العدد (2)، السنة (12)، 2019، ص 151.
17- د. حفيظة السيد الحداد ، الموجز في الجنسية ومركز الاجانب ، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2003 ، ص 94، وينظر كذلك :د. محمد ثامر ، محاضرات في القانون الدولي الخاص ، ج 1، مكتبة السنهوري ، بيروت ، 2017 ، ص 32.
18- د. علي عبد العالي الاسدي ، الوجيز في احكام الجنسية العراقية في قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006 ، ط 1 ، مركز المحور للدراسات والتخطيط الاستراتيجي، العراق البصرة، 2017، ص 80 .
19- احمد فليح زبالة الخزاعي ، الوظيفة الاجتماعية للجنسية "دراسة مقارنة" ، رسالة تقدمت إلى مجلس معهد العلمين للدراسات العليا ، 2022م ، ص29.
20- ان المعيار المعول عليه للتمييز بين الجنسية الأصلية والمكتسبة يكمن في مدى التطابق الزمني بين لحظة الميلاد والحصول على الجنسية ، فإذا تزامن تمتع الفرد بالجنسية مع الميلاد كنا بصدد جنسية اصلية ، اما اذا تمتع الفرد بالجنسية في تاريخ لاحق على الميلاد كنا بصدد جنسية مكتسبة ، ولهذا التمييز آثار كثيرة من الناحية العملية، فغالبا ما يخضع المشرع اصحاب الجنسية المكتسبة الى مرحلة اختبار يحرمهم فيها من ممارسة بعض الحقوق ، اضافة الى امكان سحب الجنسية عنهم متى ما تبين للدولة ان من حصل على جنسيتها المكتسبة ليس اهلا للتمتع بها، وهذا ما لا يمكن حصوله في حاملي الجنسية الأصلية، انظر احمد فليح زبالة ، مصدر سابق . ص 11 وما بعدها .
21- نصت المادة 9 من قانون الجنسية العراقي النافذ " ثانيا : لا يجوز لغير العراقي الذي يحصل على الجنسية العراقية بطريق التجنس وفقا لأحكام المواد ،7،6،4 ،11، من هذا القانون ان يكون وزيرا او عضوا في هيئة برلمان قبل مضي عشر سنوات على تاريخ اكتسابه الجنسية العراقية ثالثا : لا يجوز لغير العراقي الذي يحصل على الجنسية العراقية وفقا لأحكام المواد 4 ، 6 ، 7، 11 ، من هذا القانون ان يشغل منصب رئيس جمهورية ونائبه "
22- د. جوتیار محمد رشید ، د. محمد جلال حسن ، إشكاليات قانون الجنسية العراقي رقم (26) لسنة 2006 في مجال منح الجنسية وسحبها ، بحث منشور في مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية ، ص7 وما بعدها.
23- د. محمد جلال حسن الأتروشي ، الوجيز في الجنسية دراسة في ضوء احكام قانون الجنسية العراقي النافذ رقم 26 لسنة 2006 ، بلا دار نشر اقلیم کردستان العراق ،2015، ص38.
24- عكاشة محمد عبد العال ، الوسيط في احكام الجنسية " دراسة مقارنة ، ط 1، منشورات الحلبي الحقوقية ، بیروت ،2002، ص376.
25- د. رعد مقداد محمود ، جنسية أبناء الأم العراقية دراسة في قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006 بالمقارنة مع بعض قوانين الجنسية العربية ، بحث منشور في مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية والسياسية ، العدد الأول ، السنة الأولى ، 2009 ص 47 ، وينظر كذلك د. ياسين طاهر الياسري ، القانون الدولي الخاص الجنسية العراقية المقارنة ، مصدر سابق، ص 77
26- د. عماد خلف الدهام، د. طلعت جياد لجي الحديدي، شرح احكام قانون الجنسية "دراسة مقارنة"، ط1، منشورات زين الحقوقية، بيروت ، 2016، ص 37.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|