المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

اسلوب العلاج لعقدة الحقارة
26-7-2016
تنوّع الأطباء والاختصاصات
25-1-2016
الوصيّ بعد الإمام الكاظم ( عليه السّلام )
17-1-2023
اصلاح ذات البين
5-10-2014
Random-Cluster Model
19-3-2022
العوامل التي تساعد على إدراك التحقيق الصحفي- ثالثا: عوامل المصدر
14-2-2022


وجوب الجهر بظلامة الزهراء عليها السلام  
  
489   01:01 صباحاً   التاريخ: 2024-07-13
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : الحق المبين في معرفة المعصومين
الجزء والصفحة : ص227-248
القسم : سيرة الرسول وآله / السيدة فاطمة الزهراء / قضايا عامة /

بما أن الأسبوع القادم تعطيل ، ولا نستطيع إكمال هذا البحث قبل التعطيل ، فلننتقل اليوم من الفقه الأصغر إلى الفقه الأكبر ، والبحث في هذا الفقه أصعب من ذاك ، فذاك بحثه سهل علينا لأنا مسلطون على مواضيعه ، أما هذا فمواضيعه مسلطة علينا ! لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله .

قال الله تعالى : لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً ( سورة النساء : 148 ) وهي آية عجيبة ، لأن معناها أن الله تعالى يحب للمظلوم أن يصيح ويصرخ ! !

والظلم له مراتب ودرجات ، حكمه واضح عقلاً ونقلاً ، لكن المهم أن نعرف مدى الظلم الذي وقع على علي وفاطمة صلى الله عليه وآله ، فإدراكه يحتاج إلى دقة ، وإن كانت معرفة حده وحقيقته غير ممكنة لنا ، بل غاية ما يمكننا أن نستكشف بالدليل العلمي مؤشرات على فداحته !

إن الشخص الوحيد في العالم الذي يحمل صفة أصبر الصابرين هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام . فقد ورد له هذا الوصف في زيارته عليه السلام ، وفي خطبة الإمام زين العابدين في الشام وغيرها )[1]

فكيف صار أصبر الصابرين ؟

يتضح ذلك من قوله عليه السلام : فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى !

فهل رأيت شخصاً في العالم يصبر على شوكة في عينه ، أو عظمة في حلقومه ؟ ! لقد صبر عليٌّ عليه السلام على أمور من هذا النوع ، وصبر على أمور هي : أحدُّ من حزِّ الشِّفَار ! فهل رأيت شخصاً يحزُّون لحمه بالشفار ويصبر ؟ ![2]

إن المعصوم لا يبالغ في كلامه !

نعم ، هذا الرجل الفريد ، الصابر الأول في العالم ، الذي لم تستطع خيبر أن تخضعه ، ولا استطاع الخندق أن يحني ظهره ، الذي أمضى ليلة المبيت على فراش النبي على هولها فلم يخف . . نراه في ليلة موت فاطمة عليها السلام منكسراً لا حيلة له ، يخاطب النبي صلى الله عليه وآله فيقول : قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري !

إنها شكوى لم يشكها إلى أحد ! فلم يكن عنده من يبث اليه ما لاقاه ، إلا الذي خاطبه بهذه الآهات !

يقول بذلك : نعم ، أنا الذي صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ، وصبرت على أحدِّ من حزِّ الشفار ، لكني اليوم معذور إذا لم أصبر هنا ! لماذا ؟ قال : بعين الله تدفن ابنتك سراً ![3]

ماذا جرى حتى دفنت فاطمة الزهراء ليلاً ؟ ماذا حدث حتى وصلت الأمور بسرعة إلى هذا الحد ؟ !

إنها حوادث لا يستطيع الإنسان المسلم أن يغمض عينيه عنها ، إلا أن يكون في إسلامه خلل !

وهل يمكن لإنسان أن يؤمن بنبوة النبي صلى الله عليه وآله ، ثم يتساهل في مظلومية فاطمة الزهراء والصديقة الكبرى سيدة نساء العالم ، وحرمة الله ورسوله في أرضه عليها السلام ، ويغمض عينيه عن جناياتهم في حقها ، حتى أوصت بدفنها ليلاً حتى لا يشهد الظالمون جنازتها !

إنها جنايةٌ يجب أن تكون محور البحث بين عوامنا وخواصنا ، ترى ماذا كان ، وماذا جرى ، حتى وصل الأمر إلى شهادتها ؟ ! !

اللهم اغفر لنا ، ولا تجعلنا شركاء في ظلم فاطمة الزهراء عليها السلام .

اللهم اغفر لنا حتى لا نكون مسؤولين في مقابل ذلك الأنين ، وتلك الدموع ، وتلك الآهات التي عاشت بها فاطمة عليها السلام بعد فقد أبيها صلى الله عليه وآله .

لنتأمل هذا اليوم في هذه الكلمة التي تبين تلك الظلامة إلى حد ما ، فقد روى ابن حجر في لسان الميزان والذهبي في الميزان ، عن أبي صالح المؤذن ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : أول شخص يدخل الجنة فاطمة بنت محمد . كما رواه أعلام سنيون[4]

فلنتأمل نحن في فقهه ولو بقدر شخص سني أزاح عن فكره حجاب التعصب ، وجعل العقل والكتاب والسنة دليله للوصول إلى الحق .

إن الفرق بين عالم الدنيا والآخرة ، أن هذا العالم عالم غلبة الملك على الملكوت ، وحسب التعابير الدقيقة لأعيان المتألهين والحكماء المتعمقين ، والفقهاء الراسخين ، فإن هذا العالم عالمُ غلبةِ الباطل على الحق ، وغلبةُ عالم الشهود على عالمِ الأمر ، وغلبة الغيب على الظهور . ولهذا نرى أن السِّيَر في هذه النشأة تابعةٌ للصور ، والصور حاكمةٌ على السُّوَر !

والسِّيَر هي المنويات ولكل امرئ ما نوى . فالإنسان إنسانٌ بعالمه الداخلي ومعانيه ، ومنها فهمه للمعاني . وقد صدق أهل البيت عليهم السلام حيث قالوا : لا نعد الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاني كلامنا .

إن الظاهر من الإنسان هو صورته وشكله ، أما مضمونه ونواياه وباطنه فمن الممكن أن يكون ذئباً لكنه في ظاهره لا يختلف عن الإنسان الحقيقي !

فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شئ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( سورة يس : 83 )

إن عالم الملكوت المظلوم في هذه النشأة ، يأخذ حقه في النشأة الأخرى ويكون حاكماً ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) ( سورة إبراهيم : 48 ) ، فسوف ينتهي هذا الجور ، وسوف يظهر المكنون إلى العلن ، ويبرز المكتوم إلى الظاهر : وبرزوا لله الواحد القهار ، كل شئ يبرز باطنه كما هو فيكون ظاهره وباطنه ، وتنتهي حكومة الظواهر والأشكال والصور ، وتحكم دولة الواقع والبواطن ! !

إن آيات القرآن عجيبة في إبرازها للحقائق ، ورسمها للمستقبل ، ووصفها لوجوه الناس يوم القيامة على حسب سِيَرهم لا صُورهم :

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ . ( سورة آل عمران : 106 )

وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ . ( سورة الزمر : 60 )

وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً ! أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . ( سورة يونس : 27 )

وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً . ( سورة الإسراء : 97 ) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ( سورة إبراهيم : 50 )

أما وجوه المؤمنين فقال عنها عز وجل : تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ . ( سورة المطففين : 24 ) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ . ( سورة الغاشية : 8 ) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ . ( سورة عبس : 38 ) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ . تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ( سورة القيامة : 21 - 25 )

إنه يوم بروز الحقائق والبواطن ، فالذين أخلدوا إلى الأرض واتبعوا أهواءهم لابد أن تظهر حقيقتهم ويحشروا على وجوههم إلى النار .

أما الذي ناجى ربه فقال : إلهي ما عبدتك طمعاً في جنتك ، ولا خوفاً من نارك ، بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك . ( نهج السعادة : 8 / 7 )

فلابد أن يُحشر مشرقَ الوجه ، مرفوعَ الرأس ، تعرف في وجهه نُضْرة النعيم ، يجلله نور ربه ، ويتطلع إلى رحمته وفيض عطائه : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ .

في ذلك العالم لابد أن يموت الباطل لكي تظهر الأمور على واقعها ، وأن يحيا الحق ويبرز من مكامنه : ( أشهد أن الموت حق والبعث حق ! )

وبعد أن يتم حشر الناس وحسابهم ، وتعدَّ جنة الخلود لأولياء الله وأحبائه . . فمن هو أول شخص يدخل الجنة ؟

لاشك أن درجة الأولية هي للشخص الأول في الوجود وهو نبينا محمد صلى الله عليه وآله فهو الأول في كل درجات وجوده ، ومحال أن يعطي الله هذه الدرجة لغيره ! فكيف يصح قوله صلى الله عليه وآله : أول شخص يدخل الجنة فاطمة بنت محمد ؟

يصح ذلك إذا تعمقنا في دراية الحديث ، ولم نكن كالرواة الذين يروون الحديث ولا يفقهونه ، لقد رووا أن النبي صلى الله عليه وآله قال : نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها عني ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه . ( سنن ابن ماجة : 1 / 86 ) !

إن فاطمة وأباها صلى الله عليهما جوهرٌ واحد ، ونورٌ واحد ، ودخولها الجنة يعني دخول النبي الجنة ! فهي كالشخص الأول في الوجود خلقاً وخلقاً ومنطقاً ، وسيرةً وعلماً وعملاً ! ألم يرووا عن عائشة أنها قالت : ( فأقبلت فاطمة تمشي ، لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وآله فلما رآها رحب قال مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه ) ( البخاري : 7 / 141 )[5]

ألم يرووا عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني ! ( البخاري : 4 / 210 ) فما المانع أن يعطي الله ورسوله هذا المقام لبضعة النبي المباركة ، ويكون افتتاح جنة الخلد بدخولها إليها ؟ !

وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق : 13 / 334 ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( تحشر ابنتي فاطمة وعليها حلة الكرامة ، قد عجنت بماء الحيوان ، فينظر الخلائق إليها فيتعجبون منها ، وتكسى أيضاً ألف حلة من حلل الجنة ، مكتوب على كل حلة منها بخط أخضر : أدخلوا ابنة نبيي الجنة على أحسن صورة ، وأحسن الكرامة ، وأحسن المنظر ، فتزف كما تزف العروس وتتوج بتاج العز ، ويكون معها سبعون ألف جارية ) . ورواه الطبري في دلائل الإمامة ص 155 ، والخوارزمي في مقتل الحسين : 1 / 52 ، وغيرهم ، والصدوق في عيون أخبار الرضا : 2 / 30 - 38 ) .

فما هي حلة الكرامة ، وما معنى أنها معجونة بماء الحياة ؟ ! هذا بحث له مكانه ، ونكتفي هنا بالإشارة إلى كلمات وردت في هذا الحديث :

أدخلوا ابنة نبيي الجنة على أحسن صورة . . ونظام العدل في الوجود يقضي أن لا تعطى أحسن صورة لإنسان إلا إذا كان عمله أحسن عمل لله تعالى ، فلا بد أن يكون في الكمال العلمي أحسن العلماء ، وفي الكمال العملي أحسن المتخلقين بالفضائل ، فإن دقة القانون الإلهي تقول : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) ( سورة الزلزلة : 7 - 8 )

في مثل ذلك اليوم العظيم ، وذلك المشهد العظيم ، لا يمكن أن يكون الإنسان الذي يضع قدمه مكان قدم سيد المرسلين صلى الله عليه وآله ويدخل أولاً إلى الجنة إلا إنساناً فريداً ، فالأمور عند الله تعالى تخضع لحساب وكتاب ! !

لا بد من التفكير في مثل هذه الحقائق التي رواها الجميع ، في أمثال هذه الأحاديث وذلك السلوك النبوي مع الصديقة الكبرى فاطمة عليها السلام فقد كان آخر من يودعه النبي صلى الله عليه وآله في المدينة فاطمة ، وأول من يزوره إذا رجع من سفره فاطمة ! ( كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ، ثم يثني بفاطمة ثم يأتي أزواجه ، وفي لفظ : ثم بدأ ببيت فاطمة ، ثم أتى بيوت نسائه ) ( فتح الباري : 8 / 89 ، المعجم الكبير للطبراني : 22 / 225 ) ، وكان يشمها ويقبلها ويقول أشم منها رائحة الجنة ( فاطمة حوراء إنسية ، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة ) . ( أمالي الصدوق ص 546 )

إن هذا السلوك فضلاً عن أنه عاطفة أبوية ، له دلالته النبوية على مقام الصديقة الزهراء عليها السلام ومقامها عند الله تعالى !

فليس أمراً بسيطاً من سيد الخلق وأقربهم إلى الله تعالى صلى الله عليه وآله ، الذي يقبل سيد الملائكة جبرئيل غبار قدميه ، أن يقبل ابنته فاطمة ، ويشم منها رائحة الجنة !

وليس أمراً بسيطاً أن تكون أول شخص يدخل الجنة ، لا بمعنى أن النبي صلى الله عليه وآله يرسلها أمامه إلى الجنة ، بل لأن الله تعالى يريد أن يري أهل المحشر من الأولين والآخرين أني عندما أنزلت على عبدي محمد ( طه . مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) فإن فاطمة التي هي بضعة من أبيها كانت شريكة في هذه السورة لأنها كانت شريكة لأبيها في عبادتي ، ووقفت مثله في محرابها بين يديَّ حتى تورمت قدماها ! فقد روت مصادرهم كالسيوطي في الدر المنثور : 6 / 361 قال : ( وأخرج العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن الدلال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من وبر الإبل ، فلما نظر إليها قال : يا فاطمة تعجلي فتجرعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً ! فأنزل الله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى . ( سورة الضحى : 5 ) .

وفي نهاية الإرب للنويري : 3 جزء 5 / 264 : ( فلما نظر إليها بكى وقال : يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا لنعيم الأبد . . الخ . وكذا في إحياء الغزالي : 4 / 233 .

فرآها وعليها كساء من وبر الإبل . . رأى حالتها ، رأى ابنته التي أمضت ليلها في محراب عبادتها ولم تكد تنم ، وفي الصباح بدأت بعملها ، وهذا لباسها ، فانكسر لها قلبه ودمعت عيناه !

وانكسار قلب النبي صلى الله عليه وآله ليس أمراً عادياً ، وعندما يجري دمع النبي صلى الله عليه وآله فإن دمع باطن الوجود يجري ! فبكى رسول الله وقال لها : إصبري على مرارة الدنيا . ولا نعرف مما نقله السيوطي وغيره ماذا كانت القضية وماذا جرى ؟ لكن نفهم أنها كانت ملحمة في الصبر والعبودية ، وأن النبي صلى الله عليه وآله انكسر قلبه لحال فاطمة وبكى ، وأن الله تعالى أنزل عليه جبرئيل شاكراً واعداً ، بقوله تعالى : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) ! !

إن ما يجب أن نقوله ونصرخ به ، ونحن نواجه ظلماً لم تنصفه الدنيا ! أن بشراً ملائكياً من نوع فاطمة عليها السلام هذه معيشتها ، يستحيل أن تقف في وجه أبي بكر من أجل لقمة خبز ، أو مزرعة نخل وزروع !

ألم يحن للدنيا أن تفكر وتعرف أن أبا بكر بن أبي قحافة كان أمياً في مسائل الدين ، وأن المحدثين والنقاد اتفقوا على أنه كان جاهلاً بإرث الجدة هل ترث أم لا ؟ فقال لا أدري !

إلى هذه الحد كان علمه بأحكام الشرع ، وقد حاول الذهبي أن يجد له عذراً بأنه لم يكن يحفظ ، وأنه أراد الدقة ، وأنه لذلك منع الناس من جمع السنة النبوية وتدوينها ! ولكنه عذر أقبح من ذنب !

وأبو بكر الذي كان جاهلاً بإرث الجدة فسأل عنه وتعلمه لكن ممن ؟ ! من شخص متفق عليه أنه من أفجر الفجار ، هو المغيرة بن شعبة !

لقد اعتمد أبو بكر على كلامه ، وحكم للجدة بما قاله المغيرة !

لكن عندما جاءته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام واعترضت عليه لماذا صادرت مني فدك ؟ ! ردها أبو بكر ولم يصدقها ! مع أن ابنته عائشة كانت تقول قالت : ( ما رأيت أحد كان أصدق لهجة من فاطمة ، إلا أن يكون الذي ولدها ) حلية الأولياء : 2 / 42 ، الإستيعاب : 2 / 751 ، ذخاير العقبى ص 44 ، تقريب الأسانيد وشرحه : 1 / 150 ، مجمع الزوايد : 9 / 201 ، وقال : رجاله رجال الصحيح ) . ( الغدير : 2 / 312 )

أبو بكر يعرف من هي فاطمة ، وقد سمع شهادة ابنته عائشة بحق فاطمة فلم يصدقها ! لكنه صدق المغيرة الفاسق الفاجر في إرث الجدة !

إن الظلم الذي يحتاج إلى صيحة ، والذي يجب على علماء المسلمين أن يجهروا به ولا يكتمونه أن مصادرهم وكبار مفسريهم رووا أنهم عندما نزل قوله تعالى : ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) . ( سورة الروم : 38 ) ، دعا النبي صلى الله عليه وآله فاطمة فأعطاها فدكاً ، وبقيت في يدها حتى صادرها أبو بكر ![6]

لكن مطالبتها بفدك لم تكن من أجل فدك ، فهذه حياتها التي رضيت بها ، واختارت عن علم وعمد أن تتجرع مرارتها من أجل حلاوة الآخرة ، وهي أيضاً تعلم أنها أسرع أهل البيت لحاقاً بأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله !

فأي قيمة لفدك ؟ !

إن غصة الصديقة الكبرى عليها السلام لم تكن من أجل خبزها وخبز أطفالها !

فالتي قال الله عنها وعن أسرتها في كتابه : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) ( الانسان : 8 - 9 ) والتي تصوم مع أطفالها ثلاثة أيام وتمنع اللقمة عن فمهم فيطعمونها للمسكين واليتيم والأسير . . لا تركض وراء مال الدنيا !

إنما يتصور ذلك خفاف العقول ! وقد آن لهم أن يستيقظوا من نومهم ويفكروا ماذا جرى ، ويعرفوا أي تاريخ محمل بالعار حّرَفَ مسيرة الأمة الإسلامية وأوصلها إلى هذه المهاوي التي نراها اليوم ؟ !

إنما كانت مطالبة الزهراء عليها السلام بفدك إيقاظاً للأمة ، لتثبت لهم أن هؤلاء الذين سيطروا على الحكم يأكلون الحق الواضح لبنت النبي صلى الله عليه وآله وينكرونه ، فماذا سيفعلون في حقوق الأمة غداً ؟ !

كانت غصتها أن الذي يجلس مكان النبي صلى الله عليه وآله اليوم لا يعرف مسألة إرث الجدة ، ويدعي أن الأنبياء عليهم السلام مستثنون من أحكام الشريعة !

وغداً سيجلس مكان النبي عمر بن الخطاب ، وهو لا يعرف حكم التيمم ! وبعده سيجلس أمثال الوليد بن عبد الملك ، ثم هارون والمأمون ! ثم يتقاتلون على كرسي النبي صلى الله عليه وآله ويسفكون دماء الأمة ، والأمة تسير بهم في الضلال والضعف والتفكك ، حتى تنهار ! !

هذه غصة فاطمة عليها السلام ، وليست مزرعة فدك ! غصتها أنهم بفعلهم وبأساسهم الذي أسسوه ، يبطلون الهدف من بعثة الأنبياء عليهم السلام !

إن الذي صدع قلب الصديقة الزهراء عليها السلام وقتلها ، أنها لم تستطع أن تشكو مرارتها وغصتها إلى عامة الأمة ، وتجعلهم يستوعبون ما حدث ! لكنها قالت لأبي بكر وعمر في نفسيهما قولاً بليغاً ! وقالت لهما في آخر حياتها عندما جاءا لزيارتها ، ما رواه ابن قتيبة وروته مصادرنا كما في البحار : 29 / 158 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( بينما أبو بكر وعمر عند فاطمة يعودانها ، فقالت لهما : أسألكما بالله الذي لا إله إلا هو هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ؟ فقالا : اللهم نعم . قالت : فأشهد أنكما آذيتماني ) ! !

وقد اعترف البخاري أنها بقيت ستة أشهر بعد النبي صلى الله عليه وآله ، وهي مغاضبة لأبي بكر ! قال : ( فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر ) ( البخاري : 4 / 42 ) .

وعندما حضرتها الوفاة أوصت إلى علي فقالت : ( يا ابن عم ما أراني إلا لما بي ، وأنا أوصيك أن تتزوج بنت أختي زينب تكون لولدي مثلي ، وتتخذ لي نعشاً فإني رأيت الملائكة يصفونه لي ، وأن لا يشهد أحدٌ من أعداء الله جنازتي ولا دفني ولا الصلاة عليَّ !

قال ابن عباس : فقبضت فاطمة من يومها ، فارتجَّت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء ، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله . فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان علياً ويقولان له : يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله . . . فلما كان في الليل دعا علي العباس والفضل والمقداد وسلمان وأبا ذر وعماراً ، فقدم العباس فصلى عليها ودفنوها .

فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السلام فقال المقداد : قد دفنا فاطمة البارحة . فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال : ألم أقل لك إنهم سيفعلون ؟ قال العباس : إنها أوصت أن لا تصليا عليها ! فقال عمر : والله لا تتركون يا بني هاشم حسدكم القديم لنا أبداً ! إن هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب ، والله لقد هممت أن أنبشها فأصلي عليها ! فقال علي : والله لو رمت ذلك يا بن صهاك لا رجعتْ إليك يمينك ! والله لئن سللت سيفي لا غمدته دون إزهاق نفسك فَرُمْ ذلك . فانكسر عمر وسكت وعلم أن علياً إذا حلف صدق ) . ( كتاب سليم بن قيس ص 392 ) .[7]

ودفنوها في جوف الليل ! فما جواب هذه الأمة لمن سألها : لماذا دفنت بنت نبيهم سراً وليلاً وأخفي قبرها ؟ إنها ظلامة بعد ظلامة .

ولأي الأمور تدفن سراً * بضعة المصطفى ويعفى ثراها

بنتُ مَنْ أمُّ مَنْ حليلةُ مَنْ * ويلٌ لمن سنَّ ظلمَها وأذاها

 

 

[1] في بحارالأنوار : 45 / 138 : ( من خطبة الإمام زين العابدين عليه السلام : أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين ) .

وفي نهج السعادة : 8 / 379 : عن العاصمي في كتاب ( زين الفتى ) عن ابن عباس ، في جواب أعرابي سأله عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : ( لقد سألت يا أعرابي عن رجل عظيم يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، ذاك والله صالح المؤمنين ، وخير الوصيين ، وقامع الملحدين ، وركن المسلمين ، ويعسوب المؤمنين ، ونور المهاجرين ، وزين المتعبدين ، ورئيس البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين ، وسراج الماضين ، وأول السابقين ، من آل ياسين ، المؤيد بجبريل الأمين ، والمنصور بميكائيل المتين . . . ) . انتهى .

[2] في نهج البلاغة : 1 / 30 : ( ومن خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية : أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى . ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير . فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طِخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ! فرأيت أن الصبر على هاتي أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا ) .

وفي نهج البلاغة : 2 / 202 : ( ومن كلام له عليه السلام : اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم قد قطعوا رحمي ، وأكفأوا إنائي ، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري وقالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه ، فاصبر مغموماً أو مت متأسفاً ، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد ، إلا أهل بيتي ، فضننت بهم عن المنية ، فأغضيت على القذى ، وجرعت ريقي على الشجى ، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم ، وآلم للقلب من حز الشفار ! ) .

[3] في أمالي المفيد ص 281 : عن علي بن الحسين بن علي ، عن أبيه الحسين عليهم السلام قال : لما مرضت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وأوصت إلى علي صلوات الله عليه أن يكتم أمرها ، ويخفي خبرها ، ولا يؤذن أحداً بمرضها ، ففعل ذلك . وكان يمرضها بنفسه ، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله ، على استسرار بذلك كما وصت به .

فلما حضرتها الوفاة وصت أمير المؤمنين عليه السلام أن يتولى أمرها ، ويدفنها ليلاً ويعفي قبرها . فتولى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ودفنها ، وعفى موضع قبرها ، فلما نفض يده من تراب القبر ، هاج به الحزن ، فأرسل دموعه على خديه ، وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال :

السلام عليك يا رسول الله مني ، والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك ، وقرة عينك وزائرتك ، والبائتة في الثرى ببقعتك ، والمختار لها الله سرعة اللحاق بك .

قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ، وضعف عن سيدة النساء تجلدي ، إلا أن في التأسي لي بسنتك ، والحزن الذي حل بي بفراقك موضع التعزي ، فلقد وسدتك في ملحود قبرك ، بعد أن فاضت نفسك على صدري ، وغمضتك بيدي ، وتوليت أمرك بنفسي . نعم وفي كتاب الله أنعم القبول : إنا لله وإنا إليه راجعون . لقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ، واختلست الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء .

يا رسول الله ! أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهد ، لا يبرح الحزن من قلبي ، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم . كَمَدٌ مُقيح ، وهَمٌّ مُهيج ، سرعان ما فرق بيننا ، وإلى الله أشكو . وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك عليَّ ، وعلى هضمها حقها ، فاستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً ! وستقولُ ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين .

سلام عليك يا رسول الله سلام مودع ، لا سئم ولا قال ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين ، والصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً ، واللبث عنده معكوفاً ، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية !

فبعين الله تدفن ابنتك سراً ، وتهتضم حقها قهراً ، وتمنع إرثها جهراً ، ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر !

فإلى الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك أجمل العزاء . وصلوات الله عليك وعليها ، ورحمة الله وبركاته ) .

[4] في ميزان الاعتدال للذهبي : 2 / 618 : ( عن عبد السلام بن عجلان عن أبي يزيد المدني عن أبي هريرة ، قال رسول الله : أول شخص يدخل الجنة فاطمة . أخرجه أبو صالح المؤذن في مناقب فاطمة ) . انتهى . وهو في لسان الميزان لابن حجر : 4 ص 16 .

وفي كنز العمال : 12 / 110 : ( أول شخص يدخل الجنة فاطمة بنت محمد ، ومثلها في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل ) . وقال في مصادره : ( أبو الحسن أحمد بن ميمون ، في كتاب فضائل علي ، والرافعي عن بدل بن المحبر ، عن عبد السلام ابن عجلان ، عن أبي يزيد المدني ) . انتهى .

وفي مناقب آل أبي طالب : 3 / 110 ، عن أبي صالح في الأربعين ، عن أبي حامد الإسفرائيني ، بإسناده عن أبي هريرة .

وفي البحار : 73 / 70 ، من كتاب الفردوس لابن شيرويه ، عن أبي هريرة .

وفي اللمعة البيضاء للأنصاري ص 55 : عن مقتل الحسين للخوارزمي : 56 ، وعن الفردوس 1 : 38 ح 81 ، ونظم درر السمطين : 180 ، والخصائص الكبرى للسيوطي : 2 / 225 ، ومسند فاطمة الزهراء : 52 ح 114 ، ومناقب ابن شهرآشوب ) .

[5] قالت عائشة : ( ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة ، إلا أن يكون الذي ولدها ) . حلية الأولياء : 2 / 42 ، الإستيعاب : 2 / 751 ، ذخائر العقبى ص 44 ، تقريب الأسانيد وشرحه : 1 / 150 ، مجمع الزوائد : 9 / 201 ، وقال : رجاله رجال الصحيح ) . ( الغدير : 2 / 312 ).

[6] نكتفي هنا بنقل كلام السيد شرف الدين رحمه الله ونقل كلام الحسكاني في شواهد التنزيل وحاشية المحمودي عليه ، فهو كلام كاف لإثبات أن فدكاً كانت في يد الزهراء عليها السلام وأن أبا بكر صادرها من يدها !

قال في النص والاجتهاد ص 67 : ثم لما أنزل الله عز وجل عليه : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ( سورة الإسراء : 26 ) أَنْحَل فاطمة فدكاً ، فكانت في يدها حتى انتزعت منها لبيت المال .

أئمةُ أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم كافة ، لا يرتابون في أن رسول الله صلى الله عليه وآله أنحل بضعته الزهراء عليها السلام ما كان خالصاً له من فدك ، وأنه كان في يدها حتى انتزع منها ، وحسبك قول أمير المؤمنين عليه السلام فيما كتبه إلى عامله في البصرة عثمان بن حنيف : بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحَّت عليها نفوس قوم ، وَسَخَتْ عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله . . إلى آخر كلامه وهو في نهج البلاغة ، وفى معناه نصوص متواترة عن أئمة العترة الطاهرة .

والمحدثون الأثبات رووا بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري أنه قال : لما نزل قوله تعالى : وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ( سورة الإسراء : 26 ) أعطى رسول الله فاطمة فدكاً . أخرجه الإمام الطبرسي في مجمع البيان فليراجع منه تفسير ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) ( سورة الإسراء : 26 ) . وتجد ثمة أن هذا الحديث مما ألزم المأمون برد فدك على ولد فاطمة عليها السلام ) . انتهى .

وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : 1 / 441 : ( 472 - أخبرنا أبو سعد السعدي بقراءتي عليه في الجامع من أصل سماعه قال : أخبرنا أبو الفضل الطوسي قال : أخبرنا أبو بكر العامري قال : أخبرنا هارون بن عيسى قال : أخبرنا بكار بن محمد بن شعبة ، قال : حدثني أبي قال : حدثني بكر بن الأعتق عن عطية العوفي : عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت على رسول الله : وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ . ( سورة الإسراء : 26 ) ، دعا فاطمة فأعطاها فدكاً والعوالي وقال : هذا قسم ، قسمه الله لك ولعقبك ) .

وقال المحمودي في هامشه : كذا في النسخة الكرمانية ، وفي النسخة اليمنية : بكر بن الأغر . أقول : والظاهر أنه هو الذي ذكره ابن حجر مصغراً في كتاب تهذيب التهذيب : 1 / 493 قال : بكير بن عتيق العامري ، ويقال : المحاربي يعد في الكوفيين . روى عن سالم بن عبد الله بن عمر ، وسعيد بن جبير . روى عنه صفوان بن أبي الصهباء والثوري وإسماعيل بن زكريا وابن فضيل . قال ابن سعد : حج ستين حجة وكان ثقة . وذكره ابن حبان في الثقات . والحديث رواه أيضاً أبو أحمد ابن عدي في ترجمة علي بن عابس من كتاب الكامل : 5 / 1835 ، قال : أخبرنا القاسم بن زكريا ، حدثنا عباد بن يعقوب ، حدثنا علي بن عابس عن فضيل يعني ابن مرزوق : عن عطية عن أبي سعيد قال : لما نزلت : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدكاً .

ورواه أيضا الخوارزمي في باب فضائل فاطمة في الفصل : من كتاب مقتل الإمام الحسين : 1 / 70 قال : قال سيد الحفاظ الديلمي : أخبرنا محي السنة : أبو الفتح عبدوس بن عبد الله الهمداني إجازة ، حدثنا القاضي أبو نصر شعيب بن علي ، حدثنا موسى بن سعيد ، حدثنا الوليد بن علي ، حدثنا عباد بن يعقوب ، حدثنا علي [ بن ] عياش عن فضيل ، عن عطية : عن أبي سعيد قال : لما نزلت آية : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكاً .

أقول : ورواه أيضاً السيد ابن طاووس في الطرائف : 1 / 254 و 341 ) . انتهى .

وفي شواهد التنزيل : 1 / 442 : ( 473 - حدثني أبو الحسن الفارسي قال : حدثنا الحسين بن محمد الماسرجسي قال : حدثنا جعفر بن سهل ببغداد قال : حدثنا المنذر بن محمد القابوسي قال : حدثنا أبي قال : حدثنا عمي ، عن أبيه ، عن أبان بن تغلب ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي قال : لما نزلت : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكاً .

وقال في هامشه : والحديث رواه السيوطي في تفسير الآية الكريمة من الدر المنثور : أيضاً ; قال : وأخرج البزار ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة سلام الله عليها فأعطاها فدكاً . ورواه أيضا الطبراني كما في مجمع الزوائد : 7 / 49 وكما في ميزان الاعتدال : 2 / 228 ، ورواه عنهم جميعاً الفيروزآبادي في كتاب فضائل الخمسة : 3 / 136 . وروى المتقي في الحديث الأخير ، من عنوان : صلة الرحم والترغيب فيها ، من كتاب منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد بن حنبل : 1 / 228 : عن أبي سعيد قال : لما نزلت : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) قال النبي صلى الله عليه وآله : يا فاطمة لك فدك ) . [ قال : رواه ] الحاكم في تاريخه وقال : تفرد به إبراهيم بن محمد بن ميمون ، عن علي بن عابس بن النجار . كذا في المنتخب ، وفي كنز العمال : 2 / 158 ، ط 1 : أخرجه الحاكم في تاريخه وابن النجار ولعله الصواب .

473 - ورواه أيضاً محمد بن سليمان في الحديث : ( 91 ) في أواخر الجزء الأول من مناقب علي عليه السلام الورق 35 بنص قال : حدثنا عثمان بن محمد الألثغ : قال : حدثنا جعفر بن محمد الرماني قال : حدثنا الحسن بن الحسين العرني ، عن إسماعيل بن زياد السلمي ، عن جعفر بن محمد قال : لما نزلت : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) أمر رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة وابنيها بفدك فقالوا : يا رسول الله أمرت لهم بفدك ؟ فقال : والله ما أنا أمرت لهم بها ولكن الله أمر لهم بها ، ثم تلا هذه الآية : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) .

 

ورواه أيضاً في فضائل فاطمة في أوائل الجزء السادس تحت الرقم : 674 من كتاب المناقب ورقة 151 / أقال : حدثنا عثمان بن محمد الألثغ قال : حدثنا جعفر بن مسلم قال : حدثنا يحي بن الحسن قال : حدثنا أبان بن أبان بن تغلب ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبان بن تغلب : عن جعفر بن محمد قال : لما نزلت هذه الآية : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام فأعطاها فدك . قال أبان بن تغلب : قلت لجعفر بن محمد : رسول الله أعطاها ؟ قال : بل الله أعطاها !

وقال الطبري في تفسير الآية الكريمة من تفسيره : 15 / 72 : حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبان ، قال : حدثنا الصباح بن يحيى المزني ، عن السدي ، عن أبي الديلم قال : قال علي بن الحسين صلى الله عليه وآله لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم . قال : أفما قرأت في بني إسرائيل ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) . قال : وإنكم للقرابة التي أمر الله جل ثناؤه أن يؤتى حقه ؟ قال : نعم .

وقريباً منه رواه في تفسير الآية الكريمة من مجمع البيان ، عن السدي ثم قال : وهو الذي رواه أصحابنا عن الصادقين عليهم السلام . ورواه أيضاً الثعلبي كما في تفسير الآية الكريمة من تفسير البرهان : 2 / 415 . وورد أيضاً عن ابن عباس ، قال السيوطي في تفسير الآية الكريمة من تفسير الدر المنثور : وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة سلام الله عليها فدكاً .

أقول : ويجئ حديث ابن عباس بسند آخر تحت الرقم 608 ، في تفسير الآية 38 من سورة الروم ص 443 .

وقال علي بن طاووس رحمه الله : وقد روى محمد بن العباس المعروف بابن الحجام حديث فدك عن عشرين طريقاً ، ونذكر منها طريقاً واحداً بلفظه [ قال ] : حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي وإبراهيم بن خلف الدوري وعبد الله بن سليمان بن الأشعث ومحمد بن القاسم بن زكريا ، قالوا : حدثنا عباد بن يعقوب قال : أخبرنا علي بن عابس وحدثنا جعفر بن محمد الحسيني قال : حدثنا علي بن المنذر الطريقي قال : حدثنا علي بن عابس قال : حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي : عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله فاطمة وأعطاها فدكاً . سعد السعود ص 102 ، وذكر بمعناه في الطرائف ص 254 : وروى البلاذري في عنوان : فتح فدك ، من كتاب فتوح البلدان ص 40 قال : وحدثنا عبد الله بن ميمون المكتب قال : أخبرنا الفضيل بن عياض عن مالك بن جعونة عن أبيه قال : قالت فاطمة لأبي بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل فدك لي فأعطني إياها وشهد لها علي بن أبي طالب فسألها شاهداً آخر فشهدت لها أم أيمن ، فقال : قد علمت يا بنت رسول الله أنه لا تجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ! ! فانصرفت .

وحدثني عمرو الناقد قال : حدثني الحجاج بن أبي منيع الرصافي عن أبيه عن أبي برقان قال : ولما كانت سنة عشر وماءتين أمر أمير المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون الرشيد فدفعها إلى ولد فاطمة ، وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة :

أما بعد فإن أمير المؤمنين بمكانه من دين الله وخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وللقرابة به أولى من استنَّ سنة ونفذ أمره ، وسلم لمن منحه منحة وتصدق عليه بصدقة منحته وصدقته ، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته ، وإليه في العمل بما يقربه إليه رغبته . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله أعطى فاطمة بنت رسول الله فدك وتصدق بها عليها ، وكان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً لا خلاف فيه بين آل رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم تزل تدعي منه ما هو أولى به من صدق عليه ، فرأى أمير المؤمنين أن يردها إلى ورثتها ويسلمها إليهم تقرباً إلى الله تعالى بإقامة حقها وعدله ، وإلى رسول الله بتنفيذ أمره وصدقته .

فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إلى عماله : فلان كان ينادى في كل موسم بعد أن قبض الله نبيه ( ص ) أن يذكر كل من كانت له صدقة أو وهبة أو عدة ذلك ؟ فيقبل قوله وينفذ عدته ! وإن فاطمة رضي الله عنها لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله لها .

وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره برد فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها ، وما فيها من الرقيق والغلات وغير ذلك ، وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، لتولية أمير المؤمنين إياهما القيام بها لأهلها ، فأعلمَ ذلك من رأي أمير المؤمنين وما ألهمه الله من طاعته ، ووفقه له من التقرب إليه وإلى رسوله ، وأعلمه من قبلك وعامل محمد بن يحيى ومحمد بن عبد الله بما كنت تعامل به المبارك الطبري وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها ، ووفور غلاتها إن شاء الله والسلام .

وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة عشر وماءتين .

فلما استخلف المتوكل أمر بردها إلى ما كانت عليه قبل المأمون !

وهذا قليل من كثير مما جاء في قصة فدك مع شدة حرص حفاظ آل أمية وأنصار الظالمين على سترها ، وإبادة الكتب المؤلفة حولها ، فمن أراد المزيد فعليه بكتاب الشافي للسيد المرتضى وشرح المختار من الباب الثاني من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد : ج 4 ص 834 ط . بيروت والباب 11 من القسم الأول من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب بحار الأنوار : 8 / 91 - 131 ، ط . الكمباني ، وكتاب الغدير : 7 / 190 ، و : 8 / 137 ) . انتهى .

[7] في كتاب سليم بن قيس ص 391 : ( فدخلا وسلما وقالا : إرضيْ عنا رضي الله عنك . فقالت : ما دعاكما إلى هذا ؟ فقالا : اعترفنا بالإساءة ، ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي سخيمتك .

فقالت : فإن كنتما صادقين فأخبراني عما أسألكما عنه فإني لا أسألكما عن أمر إلا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه ، فإن صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما .

قالا : سلي عما بدا لك . قالت : نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ؟ قالا : نعم .

فرفعت يدها إلى السماء فقالت : اللهم إنهما قد آذياني فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك . لا والله لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما !

قال : فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وجزع جزعاً شديداً . فقال عمر : تجزع يا خليفة رسول الله من قول امرأة ؟ ! ) . انتهى .

وفي رواية علل الشرائع : 1 / 187 : ( قالا نعم . قالت : الحمد لله ، ثم قالت : اللهم إني أشهدك فاشهدوا يامن حضرني أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي ! والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما بما صنعتما بي وارتكبتما مني !

فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال : ليت أمي لم تلدني !

فقال عمر : عجباً للناس كيف ولوك أمورهم ، وأنت شيخ قد خرفت ! تجزع لغضب امرأة ، وتفرح برضاها ، وما لمن أغضب امرأة ؟ ! وقاما وخرجا ) .

وفي الغدير : 7 / 228 ، عن الإمامة والسياسة : 1 / 14 ، وأعلام النساء للجاحظ : 3 / 1214 : ( قالت : فإني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه . فقال أبو بكر . أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ! ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول : والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها . ثم خرج باكياً فاجتمع الناس إليه فقال لهم : يبيت كل رجل معانقا حليلته مسرورا بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي . . . ) . انتهى . وهو في الإمامة والسياسة طبعة مصر تحقيق الزيني ج 1 ص 31 .

وفي رواية روضة الواعظين للنيسابوري ص 151 : ( فقالت : يا بن عم إنه قد نعيت إلى نفسي لأرى ما بي لا أشك ، إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي . قال لها علي : أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله . فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ، ثم قالت يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني !

فقال : معاذ الله أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم ، وأشد خوفاً من الله أن أوبخك غداً بمخالفتي ، فقد عز علي بمفارقتك وبفقدك ، إلا أنه أمر لابد منه . والله جدد على مصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد عظمت وفاتك وفقدك ، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها ، هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لا خلف لها ! ثم بكيا جميعاً ساعة ، وأخذ على رأسها وضمها إلى صدره ، ثم قال أوصيني بما شئت ، فإنك تجديني وفياً أمضي كل ما أمرتني به وأختار أمرك على أمري .

ثم قالت : جزاك الله عنى خير الجزاء ، يا بن عم أوصيك أولاً أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة فإنها تكون لولدي مثلي ، فإن الرجال لابد لهم من النساء ، ثم قالت أوصيك يا بن عم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوروا صورته ، فقال لها : صفيه لي فوصفته فاتخذه لها ، فأول نعش عمل في وجه الأرض ذلك ، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد .

ثم قالت : أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني ، وأخذوا حقي ، فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله ، وان لا يصلي علي أحد منهم ولا من أتباعهم . وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار !

ثم توفيت صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ، فصاحت أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها ، فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة أن تزعزع من صراخهن وهن يقلن : يا سيدتاه يا بنت رسول الله !

وأقبل الناس مثل عُرْف الفرس إلى علي وهو جالس ، والحسن والحسين بين يديه يبكيان فبكى الناس لبكائهما ، وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها متجللة برداء عليها تسحبها ، وهي تقول : يا أبتاه يا رسول الله ، الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده ، واجتمع الناس فجلسوا وهم يرجون وينظرون أن تخرج الجنازة فيصلون عليها .

وخرج أبو ذر فقال : انصرفوا فإن ابنة رسول الله قد أخر إخراجها في هذه العشية ، فقام الناس وانصرفوا ، فلما أن هدأت العيون ، ومضى من الليل ، أخرجها علي والحسن والحسين ، وعمار ، والمقداد ، وعقيل ، والزبير وأبو ذر ، وسلمان ، وبريدة ، ونفر من بني هاشم وخواصه ، صلوا عليها ، ودفنوها في جوف الليل وسوى على حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها ) . انتهى .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.