أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-12-2014
3629
التاريخ: 17-5-2017
3343
التاريخ: 16-12-2014
3185
التاريخ: 2024-07-13
490
|
بما أن الأسبوع القادم تعطيل ، ولا نستطيع إكمال هذا البحث قبل التعطيل ، فلننتقل اليوم من الفقه الأصغر إلى الفقه الأكبر ، والبحث في هذا الفقه أصعب من ذاك ، فذاك بحثه سهل علينا لأنا مسلطون على مواضيعه ، أما هذا فمواضيعه مسلطة علينا ! لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله .
قال الله تعالى : لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً ( سورة النساء : 148 ) وهي آية عجيبة ، لأن معناها أن الله تعالى يحب للمظلوم أن يصيح ويصرخ ! !
والظلم له مراتب ودرجات ، حكمه واضح عقلاً ونقلاً ، لكن المهم أن نعرف مدى الظلم الذي وقع على علي وفاطمة صلى الله عليه وآله ، فإدراكه يحتاج إلى دقة ، وإن كانت معرفة حده وحقيقته غير ممكنة لنا ، بل غاية ما يمكننا أن نستكشف بالدليل العلمي مؤشرات على فداحته !
إن الشخص الوحيد في العالم الذي يحمل صفة أصبر الصابرين هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام . فقد ورد له هذا الوصف في زيارته عليه السلام ، وفي خطبة الإمام زين العابدين في الشام وغيرها )[1]
فكيف صار أصبر الصابرين ؟
يتضح ذلك من قوله عليه السلام : فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى !
فهل رأيت شخصاً في العالم يصبر على شوكة في عينه ، أو عظمة في حلقومه ؟ ! لقد صبر عليٌّ عليه السلام على أمور من هذا النوع ، وصبر على أمور هي : أحدُّ من حزِّ الشِّفَار ! فهل رأيت شخصاً يحزُّون لحمه بالشفار ويصبر ؟ ![2]
إن المعصوم لا يبالغ في كلامه !
نعم ، هذا الرجل الفريد ، الصابر الأول في العالم ، الذي لم تستطع خيبر أن تخضعه ، ولا استطاع الخندق أن يحني ظهره ، الذي أمضى ليلة المبيت على فراش النبي على هولها فلم يخف . . نراه في ليلة موت فاطمة عليها السلام منكسراً لا حيلة له ، يخاطب النبي صلى الله عليه وآله فيقول : قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري !
إنها شكوى لم يشكها إلى أحد ! فلم يكن عنده من يبث اليه ما لاقاه ، إلا الذي خاطبه بهذه الآهات !
يقول بذلك : نعم ، أنا الذي صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ، وصبرت على أحدِّ من حزِّ الشفار ، لكني اليوم معذور إذا لم أصبر هنا ! لماذا ؟ قال : بعين الله تدفن ابنتك سراً ![3]
ماذا جرى حتى دفنت فاطمة الزهراء ليلاً ؟ ماذا حدث حتى وصلت الأمور بسرعة إلى هذا الحد ؟ !
إنها حوادث لا يستطيع الإنسان المسلم أن يغمض عينيه عنها ، إلا أن يكون في إسلامه خلل !
وهل يمكن لإنسان أن يؤمن بنبوة النبي صلى الله عليه وآله ، ثم يتساهل في مظلومية فاطمة الزهراء والصديقة الكبرى سيدة نساء العالم ، وحرمة الله ورسوله في أرضه عليها السلام ، ويغمض عينيه عن جناياتهم في حقها ، حتى أوصت بدفنها ليلاً حتى لا يشهد الظالمون جنازتها !
إنها جنايةٌ يجب أن تكون محور البحث بين عوامنا وخواصنا ، ترى ماذا كان ، وماذا جرى ، حتى وصل الأمر إلى شهادتها ؟ ! !
اللهم اغفر لنا ، ولا تجعلنا شركاء في ظلم فاطمة الزهراء عليها السلام .
اللهم اغفر لنا حتى لا نكون مسؤولين في مقابل ذلك الأنين ، وتلك الدموع ، وتلك الآهات التي عاشت بها فاطمة عليها السلام بعد فقد أبيها صلى الله عليه وآله .
لنتأمل هذا اليوم في هذه الكلمة التي تبين تلك الظلامة إلى حد ما ، فقد روى ابن حجر في لسان الميزان والذهبي في الميزان ، عن أبي صالح المؤذن ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : أول شخص يدخل الجنة فاطمة بنت محمد . كما رواه أعلام سنيون[4]
فلنتأمل نحن في فقهه ولو بقدر شخص سني أزاح عن فكره حجاب التعصب ، وجعل العقل والكتاب والسنة دليله للوصول إلى الحق .
إن الفرق بين عالم الدنيا والآخرة ، أن هذا العالم عالم غلبة الملك على الملكوت ، وحسب التعابير الدقيقة لأعيان المتألهين والحكماء المتعمقين ، والفقهاء الراسخين ، فإن هذا العالم عالمُ غلبةِ الباطل على الحق ، وغلبةُ عالم الشهود على عالمِ الأمر ، وغلبة الغيب على الظهور . ولهذا نرى أن السِّيَر في هذه النشأة تابعةٌ للصور ، والصور حاكمةٌ على السُّوَر !
والسِّيَر هي المنويات ولكل امرئ ما نوى . فالإنسان إنسانٌ بعالمه الداخلي ومعانيه ، ومنها فهمه للمعاني . وقد صدق أهل البيت عليهم السلام حيث قالوا : لا نعد الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاني كلامنا .
إن الظاهر من الإنسان هو صورته وشكله ، أما مضمونه ونواياه وباطنه فمن الممكن أن يكون ذئباً لكنه في ظاهره لا يختلف عن الإنسان الحقيقي !
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شئ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( سورة يس : 83 )
إن عالم الملكوت المظلوم في هذه النشأة ، يأخذ حقه في النشأة الأخرى ويكون حاكماً ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) ( سورة إبراهيم : 48 ) ، فسوف ينتهي هذا الجور ، وسوف يظهر المكنون إلى العلن ، ويبرز المكتوم إلى الظاهر : وبرزوا لله الواحد القهار ، كل شئ يبرز باطنه كما هو فيكون ظاهره وباطنه ، وتنتهي حكومة الظواهر والأشكال والصور ، وتحكم دولة الواقع والبواطن ! !
إن آيات القرآن عجيبة في إبرازها للحقائق ، ورسمها للمستقبل ، ووصفها لوجوه الناس يوم القيامة على حسب سِيَرهم لا صُورهم :
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ . ( سورة آل عمران : 106 )
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ . ( سورة الزمر : 60 )
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً ! أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . ( سورة يونس : 27 )
وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً . ( سورة الإسراء : 97 ) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ( سورة إبراهيم : 50 )
أما وجوه المؤمنين فقال عنها عز وجل : تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ . ( سورة المطففين : 24 ) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ . ( سورة الغاشية : 8 ) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ . ( سورة عبس : 38 ) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ . تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ( سورة القيامة : 21 - 25 )
إنه يوم بروز الحقائق والبواطن ، فالذين أخلدوا إلى الأرض واتبعوا أهواءهم لابد أن تظهر حقيقتهم ويحشروا على وجوههم إلى النار .
أما الذي ناجى ربه فقال : إلهي ما عبدتك طمعاً في جنتك ، ولا خوفاً من نارك ، بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك . ( نهج السعادة : 8 / 7 )
فلابد أن يُحشر مشرقَ الوجه ، مرفوعَ الرأس ، تعرف في وجهه نُضْرة النعيم ، يجلله نور ربه ، ويتطلع إلى رحمته وفيض عطائه : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ .
في ذلك العالم لابد أن يموت الباطل لكي تظهر الأمور على واقعها ، وأن يحيا الحق ويبرز من مكامنه : ( أشهد أن الموت حق والبعث حق ! )
وبعد أن يتم حشر الناس وحسابهم ، وتعدَّ جنة الخلود لأولياء الله وأحبائه . . فمن هو أول شخص يدخل الجنة ؟
لاشك أن درجة الأولية هي للشخص الأول في الوجود وهو نبينا محمد صلى الله عليه وآله فهو الأول في كل درجات وجوده ، ومحال أن يعطي الله هذه الدرجة لغيره ! فكيف يصح قوله صلى الله عليه وآله : أول شخص يدخل الجنة فاطمة بنت محمد ؟
يصح ذلك إذا تعمقنا في دراية الحديث ، ولم نكن كالرواة الذين يروون الحديث ولا يفقهونه ، لقد رووا أن النبي صلى الله عليه وآله قال : نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها عني ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه . ( سنن ابن ماجة : 1 / 86 ) !
إن فاطمة وأباها صلى الله عليهما جوهرٌ واحد ، ونورٌ واحد ، ودخولها الجنة يعني دخول النبي الجنة ! فهي كالشخص الأول في الوجود خلقاً وخلقاً ومنطقاً ، وسيرةً وعلماً وعملاً ! ألم يرووا عن عائشة أنها قالت : ( فأقبلت فاطمة تمشي ، لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وآله فلما رآها رحب قال مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه ) ( البخاري : 7 / 141 )[5]
ألم يرووا عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني ! ( البخاري : 4 / 210 ) فما المانع أن يعطي الله ورسوله هذا المقام لبضعة النبي المباركة ، ويكون افتتاح جنة الخلد بدخولها إليها ؟ !
وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق : 13 / 334 ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( تحشر ابنتي فاطمة وعليها حلة الكرامة ، قد عجنت بماء الحيوان ، فينظر الخلائق إليها فيتعجبون منها ، وتكسى أيضاً ألف حلة من حلل الجنة ، مكتوب على كل حلة منها بخط أخضر : أدخلوا ابنة نبيي الجنة على أحسن صورة ، وأحسن الكرامة ، وأحسن المنظر ، فتزف كما تزف العروس وتتوج بتاج العز ، ويكون معها سبعون ألف جارية ) . ورواه الطبري في دلائل الإمامة ص 155 ، والخوارزمي في مقتل الحسين : 1 / 52 ، وغيرهم ، والصدوق في عيون أخبار الرضا : 2 / 30 - 38 ) .
فما هي حلة الكرامة ، وما معنى أنها معجونة بماء الحياة ؟ ! هذا بحث له مكانه ، ونكتفي هنا بالإشارة إلى كلمات وردت في هذا الحديث :
أدخلوا ابنة نبيي الجنة على أحسن صورة . . ونظام العدل في الوجود يقضي أن لا تعطى أحسن صورة لإنسان إلا إذا كان عمله أحسن عمل لله تعالى ، فلا بد أن يكون في الكمال العلمي أحسن العلماء ، وفي الكمال العملي أحسن المتخلقين بالفضائل ، فإن دقة القانون الإلهي تقول : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) ( سورة الزلزلة : 7 - 8 )
في مثل ذلك اليوم العظيم ، وذلك المشهد العظيم ، لا يمكن أن يكون الإنسان الذي يضع قدمه مكان قدم سيد المرسلين صلى الله عليه وآله ويدخل أولاً إلى الجنة إلا إنساناً فريداً ، فالأمور عند الله تعالى تخضع لحساب وكتاب ! !
لا بد من التفكير في مثل هذه الحقائق التي رواها الجميع ، في أمثال هذه الأحاديث وذلك السلوك النبوي مع الصديقة الكبرى فاطمة عليها السلام فقد كان آخر من يودعه النبي صلى الله عليه وآله في المدينة فاطمة ، وأول من يزوره إذا رجع من سفره فاطمة ! ( كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ، ثم يثني بفاطمة ثم يأتي أزواجه ، وفي لفظ : ثم بدأ ببيت فاطمة ، ثم أتى بيوت نسائه ) ( فتح الباري : 8 / 89 ، المعجم الكبير للطبراني : 22 / 225 ) ، وكان يشمها ويقبلها ويقول أشم منها رائحة الجنة ( فاطمة حوراء إنسية ، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة ) . ( أمالي الصدوق ص 546 )
إن هذا السلوك فضلاً عن أنه عاطفة أبوية ، له دلالته النبوية على مقام الصديقة الزهراء عليها السلام ومقامها عند الله تعالى !
فليس أمراً بسيطاً من سيد الخلق وأقربهم إلى الله تعالى صلى الله عليه وآله ، الذي يقبل سيد الملائكة جبرئيل غبار قدميه ، أن يقبل ابنته فاطمة ، ويشم منها رائحة الجنة !
وليس أمراً بسيطاً أن تكون أول شخص يدخل الجنة ، لا بمعنى أن النبي صلى الله عليه وآله يرسلها أمامه إلى الجنة ، بل لأن الله تعالى يريد أن يري أهل المحشر من الأولين والآخرين أني عندما أنزلت على عبدي محمد ( طه . مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) فإن فاطمة التي هي بضعة من أبيها كانت شريكة في هذه السورة لأنها كانت شريكة لأبيها في عبادتي ، ووقفت مثله في محرابها بين يديَّ حتى تورمت قدماها ! فقد روت مصادرهم كالسيوطي في الدر المنثور : 6 / 361 قال : ( وأخرج العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن الدلال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من وبر الإبل ، فلما نظر إليها قال : يا فاطمة تعجلي فتجرعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً ! فأنزل الله : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى . ( سورة الضحى : 5 ) .
وفي نهاية الإرب للنويري : 3 جزء 5 / 264 : ( فلما نظر إليها بكى وقال : يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا لنعيم الأبد . . الخ . وكذا في إحياء الغزالي : 4 / 233 .
فرآها وعليها كساء من وبر الإبل . . رأى حالتها ، رأى ابنته التي أمضت ليلها في محراب عبادتها ولم تكد تنم ، وفي الصباح بدأت بعملها ، وهذا لباسها ، فانكسر لها قلبه ودمعت عيناه !
وانكسار قلب النبي صلى الله عليه وآله ليس أمراً عادياً ، وعندما يجري دمع النبي صلى الله عليه وآله فإن دمع باطن الوجود يجري ! فبكى رسول الله وقال لها : إصبري على مرارة الدنيا . ولا نعرف مما نقله السيوطي وغيره ماذا كانت القضية وماذا جرى ؟ لكن نفهم أنها كانت ملحمة في الصبر والعبودية ، وأن النبي صلى الله عليه وآله انكسر قلبه لحال فاطمة وبكى ، وأن الله تعالى أنزل عليه جبرئيل شاكراً واعداً ، بقوله تعالى : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) ! !
إن ما يجب أن نقوله ونصرخ به ، ونحن نواجه ظلماً لم تنصفه الدنيا ! أن بشراً ملائكياً من نوع فاطمة عليها السلام هذه معيشتها ، يستحيل أن تقف في وجه أبي بكر من أجل لقمة خبز ، أو مزرعة نخل وزروع !
ألم يحن للدنيا أن تفكر وتعرف أن أبا بكر بن أبي قحافة كان أمياً في مسائل الدين ، وأن المحدثين والنقاد اتفقوا على أنه كان جاهلاً بإرث الجدة هل ترث أم لا ؟ فقال لا أدري !
إلى هذه الحد كان علمه بأحكام الشرع ، وقد حاول الذهبي أن يجد له عذراً بأنه لم يكن يحفظ ، وأنه أراد الدقة ، وأنه لذلك منع الناس من جمع السنة النبوية وتدوينها ! ولكنه عذر أقبح من ذنب !
وأبو بكر الذي كان جاهلاً بإرث الجدة فسأل عنه وتعلمه لكن ممن ؟ ! من شخص متفق عليه أنه من أفجر الفجار ، هو المغيرة بن شعبة !
لقد اعتمد أبو بكر على كلامه ، وحكم للجدة بما قاله المغيرة !
لكن عندما جاءته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام واعترضت عليه لماذا صادرت مني فدك ؟ ! ردها أبو بكر ولم يصدقها ! مع أن ابنته عائشة كانت تقول قالت : ( ما رأيت أحد كان أصدق لهجة من فاطمة ، إلا أن يكون الذي ولدها ) حلية الأولياء : 2 / 42 ، الإستيعاب : 2 / 751 ، ذخاير العقبى ص 44 ، تقريب الأسانيد وشرحه : 1 / 150 ، مجمع الزوايد : 9 / 201 ، وقال : رجاله رجال الصحيح ) . ( الغدير : 2 / 312 )
أبو بكر يعرف من هي فاطمة ، وقد سمع شهادة ابنته عائشة بحق فاطمة فلم يصدقها ! لكنه صدق المغيرة الفاسق الفاجر في إرث الجدة !
إن الظلم الذي يحتاج إلى صيحة ، والذي يجب على علماء المسلمين أن يجهروا به ولا يكتمونه أن مصادرهم وكبار مفسريهم رووا أنهم عندما نزل قوله تعالى : ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) . ( سورة الروم : 38 ) ، دعا النبي صلى الله عليه وآله فاطمة فأعطاها فدكاً ، وبقيت في يدها حتى صادرها أبو بكر ![6]
لكن مطالبتها بفدك لم تكن من أجل فدك ، فهذه حياتها التي رضيت بها ، واختارت عن علم وعمد أن تتجرع مرارتها من أجل حلاوة الآخرة ، وهي أيضاً تعلم أنها أسرع أهل البيت لحاقاً بأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله !
فأي قيمة لفدك ؟ !
إن غصة الصديقة الكبرى عليها السلام لم تكن من أجل خبزها وخبز أطفالها !
فالتي قال الله عنها وعن أسرتها في كتابه : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) ( الانسان : 8 - 9 ) والتي تصوم مع أطفالها ثلاثة أيام وتمنع اللقمة عن فمهم فيطعمونها للمسكين واليتيم والأسير . . لا تركض وراء مال الدنيا !
إنما يتصور ذلك خفاف العقول ! وقد آن لهم أن يستيقظوا من نومهم ويفكروا ماذا جرى ، ويعرفوا أي تاريخ محمل بالعار حّرَفَ مسيرة الأمة الإسلامية وأوصلها إلى هذه المهاوي التي نراها اليوم ؟ !
إنما كانت مطالبة الزهراء عليها السلام بفدك إيقاظاً للأمة ، لتثبت لهم أن هؤلاء الذين سيطروا على الحكم يأكلون الحق الواضح لبنت النبي صلى الله عليه وآله وينكرونه ، فماذا سيفعلون في حقوق الأمة غداً ؟ !
كانت غصتها أن الذي يجلس مكان النبي صلى الله عليه وآله اليوم لا يعرف مسألة إرث الجدة ، ويدعي أن الأنبياء عليهم السلام مستثنون من أحكام الشريعة !
وغداً سيجلس مكان النبي عمر بن الخطاب ، وهو لا يعرف حكم التيمم ! وبعده سيجلس أمثال الوليد بن عبد الملك ، ثم هارون والمأمون ! ثم يتقاتلون على كرسي النبي صلى الله عليه وآله ويسفكون دماء الأمة ، والأمة تسير بهم في الضلال والضعف والتفكك ، حتى تنهار ! !
هذه غصة فاطمة عليها السلام ، وليست مزرعة فدك ! غصتها أنهم بفعلهم وبأساسهم الذي أسسوه ، يبطلون الهدف من بعثة الأنبياء عليهم السلام !
إن الذي صدع قلب الصديقة الزهراء عليها السلام وقتلها ، أنها لم تستطع أن تشكو مرارتها وغصتها إلى عامة الأمة ، وتجعلهم يستوعبون ما حدث ! لكنها قالت لأبي بكر وعمر في نفسيهما قولاً بليغاً ! وقالت لهما في آخر حياتها عندما جاءا لزيارتها ، ما رواه ابن قتيبة وروته مصادرنا كما في البحار : 29 / 158 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( بينما أبو بكر وعمر عند فاطمة يعودانها ، فقالت لهما : أسألكما بالله الذي لا إله إلا هو هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ؟ فقالا : اللهم نعم . قالت : فأشهد أنكما آذيتماني ) ! !
وقد اعترف البخاري أنها بقيت ستة أشهر بعد النبي صلى الله عليه وآله ، وهي مغاضبة لأبي بكر ! قال : ( فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر ) ( البخاري : 4 / 42 ) .
وعندما حضرتها الوفاة أوصت إلى علي فقالت : ( يا ابن عم ما أراني إلا لما بي ، وأنا أوصيك أن تتزوج بنت أختي زينب تكون لولدي مثلي ، وتتخذ لي نعشاً فإني رأيت الملائكة يصفونه لي ، وأن لا يشهد أحدٌ من أعداء الله جنازتي ولا دفني ولا الصلاة عليَّ !
قال ابن عباس : فقبضت فاطمة من يومها ، فارتجَّت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء ، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله . فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان علياً ويقولان له : يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله . . . فلما كان في الليل دعا علي العباس والفضل والمقداد وسلمان وأبا ذر وعماراً ، فقدم العباس فصلى عليها ودفنوها .
فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السلام فقال المقداد : قد دفنا فاطمة البارحة . فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال : ألم أقل لك إنهم سيفعلون ؟ قال العباس : إنها أوصت أن لا تصليا عليها ! فقال عمر : والله لا تتركون يا بني هاشم حسدكم القديم لنا أبداً ! إن هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب ، والله لقد هممت أن أنبشها فأصلي عليها ! فقال علي : والله لو رمت ذلك يا بن صهاك لا رجعتْ إليك يمينك ! والله لئن سللت سيفي لا غمدته دون إزهاق نفسك فَرُمْ ذلك . فانكسر عمر وسكت وعلم أن علياً إذا حلف صدق ) . ( كتاب سليم بن قيس ص 392 ) .[7]
ودفنوها في جوف الليل ! فما جواب هذه الأمة لمن سألها : لماذا دفنت بنت نبيهم سراً وليلاً وأخفي قبرها ؟ إنها ظلامة بعد ظلامة .
ولأي الأمور تدفن سراً * بضعة المصطفى ويعفى ثراها
بنتُ مَنْ أمُّ مَنْ حليلةُ مَنْ * ويلٌ لمن سنَّ ظلمَها وأذاها
[1] في بحارالأنوار : 45 / 138 : ( من خطبة الإمام زين العابدين عليه السلام : أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين ) .
وفي نهج السعادة : 8 / 379 : عن العاصمي في كتاب ( زين الفتى ) عن ابن عباس ، في جواب أعرابي سأله عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : ( لقد سألت يا أعرابي عن رجل عظيم يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، ذاك والله صالح المؤمنين ، وخير الوصيين ، وقامع الملحدين ، وركن المسلمين ، ويعسوب المؤمنين ، ونور المهاجرين ، وزين المتعبدين ، ورئيس البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين ، وسراج الماضين ، وأول السابقين ، من آل ياسين ، المؤيد بجبريل الأمين ، والمنصور بميكائيل المتين . . . ) . انتهى .
[2] في نهج البلاغة : 1 / 30 : ( ومن خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية : أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى . ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير . فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طِخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ! فرأيت أن الصبر على هاتي أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا ) .
وفي نهج البلاغة : 2 / 202 : ( ومن كلام له عليه السلام : اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم قد قطعوا رحمي ، وأكفأوا إنائي ، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري وقالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه ، فاصبر مغموماً أو مت متأسفاً ، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد ، إلا أهل بيتي ، فضننت بهم عن المنية ، فأغضيت على القذى ، وجرعت ريقي على الشجى ، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم ، وآلم للقلب من حز الشفار ! ) .
[3] في أمالي المفيد ص 281 : عن علي بن الحسين بن علي ، عن أبيه الحسين عليهم السلام قال : لما مرضت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وأوصت إلى علي صلوات الله عليه أن يكتم أمرها ، ويخفي خبرها ، ولا يؤذن أحداً بمرضها ، ففعل ذلك . وكان يمرضها بنفسه ، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله ، على استسرار بذلك كما وصت به .
فلما حضرتها الوفاة وصت أمير المؤمنين عليه السلام أن يتولى أمرها ، ويدفنها ليلاً ويعفي قبرها . فتولى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ودفنها ، وعفى موضع قبرها ، فلما نفض يده من تراب القبر ، هاج به الحزن ، فأرسل دموعه على خديه ، وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال :
السلام عليك يا رسول الله مني ، والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك ، وقرة عينك وزائرتك ، والبائتة في الثرى ببقعتك ، والمختار لها الله سرعة اللحاق بك .
قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ، وضعف عن سيدة النساء تجلدي ، إلا أن في التأسي لي بسنتك ، والحزن الذي حل بي بفراقك موضع التعزي ، فلقد وسدتك في ملحود قبرك ، بعد أن فاضت نفسك على صدري ، وغمضتك بيدي ، وتوليت أمرك بنفسي . نعم وفي كتاب الله أنعم القبول : إنا لله وإنا إليه راجعون . لقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ، واختلست الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء .
يا رسول الله ! أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهد ، لا يبرح الحزن من قلبي ، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم . كَمَدٌ مُقيح ، وهَمٌّ مُهيج ، سرعان ما فرق بيننا ، وإلى الله أشكو . وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك عليَّ ، وعلى هضمها حقها ، فاستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً ! وستقولُ ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين .
سلام عليك يا رسول الله سلام مودع ، لا سئم ولا قال ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين ، والصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً ، واللبث عنده معكوفاً ، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية !
فبعين الله تدفن ابنتك سراً ، وتهتضم حقها قهراً ، وتمنع إرثها جهراً ، ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر !
فإلى الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك أجمل العزاء . وصلوات الله عليك وعليها ، ورحمة الله وبركاته ) .
[4] في ميزان الاعتدال للذهبي : 2 / 618 : ( عن عبد السلام بن عجلان عن أبي يزيد المدني عن أبي هريرة ، قال رسول الله : أول شخص يدخل الجنة فاطمة . أخرجه أبو صالح المؤذن في مناقب فاطمة ) . انتهى . وهو في لسان الميزان لابن حجر : 4 ص 16 .
وفي كنز العمال : 12 / 110 : ( أول شخص يدخل الجنة فاطمة بنت محمد ، ومثلها في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل ) . وقال في مصادره : ( أبو الحسن أحمد بن ميمون ، في كتاب فضائل علي ، والرافعي عن بدل بن المحبر ، عن عبد السلام ابن عجلان ، عن أبي يزيد المدني ) . انتهى .
وفي مناقب آل أبي طالب : 3 / 110 ، عن أبي صالح في الأربعين ، عن أبي حامد الإسفرائيني ، بإسناده عن أبي هريرة .
وفي البحار : 73 / 70 ، من كتاب الفردوس لابن شيرويه ، عن أبي هريرة .
وفي اللمعة البيضاء للأنصاري ص 55 : عن مقتل الحسين للخوارزمي : 56 ، وعن الفردوس 1 : 38 ح 81 ، ونظم درر السمطين : 180 ، والخصائص الكبرى للسيوطي : 2 / 225 ، ومسند فاطمة الزهراء : 52 ح 114 ، ومناقب ابن شهرآشوب ) .
[5] قالت عائشة : ( ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة ، إلا أن يكون الذي ولدها ) . حلية الأولياء : 2 / 42 ، الإستيعاب : 2 / 751 ، ذخائر العقبى ص 44 ، تقريب الأسانيد وشرحه : 1 / 150 ، مجمع الزوائد : 9 / 201 ، وقال : رجاله رجال الصحيح ) . ( الغدير : 2 / 312 ).
[6] نكتفي هنا بنقل كلام السيد شرف الدين رحمه الله ونقل كلام الحسكاني في شواهد التنزيل وحاشية المحمودي عليه ، فهو كلام كاف لإثبات أن فدكاً كانت في يد الزهراء عليها السلام وأن أبا بكر صادرها من يدها !
قال في النص والاجتهاد ص 67 : ثم لما أنزل الله عز وجل عليه : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ( سورة الإسراء : 26 ) أَنْحَل فاطمة فدكاً ، فكانت في يدها حتى انتزعت منها لبيت المال .
أئمةُ أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم كافة ، لا يرتابون في أن رسول الله صلى الله عليه وآله أنحل بضعته الزهراء عليها السلام ما كان خالصاً له من فدك ، وأنه كان في يدها حتى انتزع منها ، وحسبك قول أمير المؤمنين عليه السلام فيما كتبه إلى عامله في البصرة عثمان بن حنيف : بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحَّت عليها نفوس قوم ، وَسَخَتْ عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله . . إلى آخر كلامه وهو في نهج البلاغة ، وفى معناه نصوص متواترة عن أئمة العترة الطاهرة .
والمحدثون الأثبات رووا بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري أنه قال : لما نزل قوله تعالى : وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ( سورة الإسراء : 26 ) أعطى رسول الله فاطمة فدكاً . أخرجه الإمام الطبرسي في مجمع البيان فليراجع منه تفسير ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) ( سورة الإسراء : 26 ) . وتجد ثمة أن هذا الحديث مما ألزم المأمون برد فدك على ولد فاطمة عليها السلام ) . انتهى .
وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : 1 / 441 : ( 472 - أخبرنا أبو سعد السعدي بقراءتي عليه في الجامع من أصل سماعه قال : أخبرنا أبو الفضل الطوسي قال : أخبرنا أبو بكر العامري قال : أخبرنا هارون بن عيسى قال : أخبرنا بكار بن محمد بن شعبة ، قال : حدثني أبي قال : حدثني بكر بن الأعتق عن عطية العوفي : عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت على رسول الله : وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ . ( سورة الإسراء : 26 ) ، دعا فاطمة فأعطاها فدكاً والعوالي وقال : هذا قسم ، قسمه الله لك ولعقبك ) .
وقال المحمودي في هامشه : كذا في النسخة الكرمانية ، وفي النسخة اليمنية : بكر بن الأغر . أقول : والظاهر أنه هو الذي ذكره ابن حجر مصغراً في كتاب تهذيب التهذيب : 1 / 493 قال : بكير بن عتيق العامري ، ويقال : المحاربي يعد في الكوفيين . روى عن سالم بن عبد الله بن عمر ، وسعيد بن جبير . روى عنه صفوان بن أبي الصهباء والثوري وإسماعيل بن زكريا وابن فضيل . قال ابن سعد : حج ستين حجة وكان ثقة . وذكره ابن حبان في الثقات . والحديث رواه أيضاً أبو أحمد ابن عدي في ترجمة علي بن عابس من كتاب الكامل : 5 / 1835 ، قال : أخبرنا القاسم بن زكريا ، حدثنا عباد بن يعقوب ، حدثنا علي بن عابس عن فضيل يعني ابن مرزوق : عن عطية عن أبي سعيد قال : لما نزلت : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدكاً .
ورواه أيضا الخوارزمي في باب فضائل فاطمة في الفصل : من كتاب مقتل الإمام الحسين : 1 / 70 قال : قال سيد الحفاظ الديلمي : أخبرنا محي السنة : أبو الفتح عبدوس بن عبد الله الهمداني إجازة ، حدثنا القاضي أبو نصر شعيب بن علي ، حدثنا موسى بن سعيد ، حدثنا الوليد بن علي ، حدثنا عباد بن يعقوب ، حدثنا علي [ بن ] عياش عن فضيل ، عن عطية : عن أبي سعيد قال : لما نزلت آية : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكاً .
أقول : ورواه أيضاً السيد ابن طاووس في الطرائف : 1 / 254 و 341 ) . انتهى .
وفي شواهد التنزيل : 1 / 442 : ( 473 - حدثني أبو الحسن الفارسي قال : حدثنا الحسين بن محمد الماسرجسي قال : حدثنا جعفر بن سهل ببغداد قال : حدثنا المنذر بن محمد القابوسي قال : حدثنا أبي قال : حدثنا عمي ، عن أبيه ، عن أبان بن تغلب ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي قال : لما نزلت : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكاً .
وقال في هامشه : والحديث رواه السيوطي في تفسير الآية الكريمة من الدر المنثور : أيضاً ; قال : وأخرج البزار ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة سلام الله عليها فأعطاها فدكاً . ورواه أيضا الطبراني كما في مجمع الزوائد : 7 / 49 وكما في ميزان الاعتدال : 2 / 228 ، ورواه عنهم جميعاً الفيروزآبادي في كتاب فضائل الخمسة : 3 / 136 . وروى المتقي في الحديث الأخير ، من عنوان : صلة الرحم والترغيب فيها ، من كتاب منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد بن حنبل : 1 / 228 : عن أبي سعيد قال : لما نزلت : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) قال النبي صلى الله عليه وآله : يا فاطمة لك فدك ) . [ قال : رواه ] الحاكم في تاريخه وقال : تفرد به إبراهيم بن محمد بن ميمون ، عن علي بن عابس بن النجار . كذا في المنتخب ، وفي كنز العمال : 2 / 158 ، ط 1 : أخرجه الحاكم في تاريخه وابن النجار ولعله الصواب .
473 - ورواه أيضاً محمد بن سليمان في الحديث : ( 91 ) في أواخر الجزء الأول من مناقب علي عليه السلام الورق 35 بنص قال : حدثنا عثمان بن محمد الألثغ : قال : حدثنا جعفر بن محمد الرماني قال : حدثنا الحسن بن الحسين العرني ، عن إسماعيل بن زياد السلمي ، عن جعفر بن محمد قال : لما نزلت : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) أمر رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة وابنيها بفدك فقالوا : يا رسول الله أمرت لهم بفدك ؟ فقال : والله ما أنا أمرت لهم بها ولكن الله أمر لهم بها ، ثم تلا هذه الآية : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) .
ورواه أيضاً في فضائل فاطمة في أوائل الجزء السادس تحت الرقم : 674 من كتاب المناقب ورقة 151 / أقال : حدثنا عثمان بن محمد الألثغ قال : حدثنا جعفر بن مسلم قال : حدثنا يحي بن الحسن قال : حدثنا أبان بن أبان بن تغلب ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبان بن تغلب : عن جعفر بن محمد قال : لما نزلت هذه الآية : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام فأعطاها فدك . قال أبان بن تغلب : قلت لجعفر بن محمد : رسول الله أعطاها ؟ قال : بل الله أعطاها !
وقال الطبري في تفسير الآية الكريمة من تفسيره : 15 / 72 : حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبان ، قال : حدثنا الصباح بن يحيى المزني ، عن السدي ، عن أبي الديلم قال : قال علي بن الحسين صلى الله عليه وآله لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم . قال : أفما قرأت في بني إسرائيل ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) . قال : وإنكم للقرابة التي أمر الله جل ثناؤه أن يؤتى حقه ؟ قال : نعم .
وقريباً منه رواه في تفسير الآية الكريمة من مجمع البيان ، عن السدي ثم قال : وهو الذي رواه أصحابنا عن الصادقين عليهم السلام . ورواه أيضاً الثعلبي كما في تفسير الآية الكريمة من تفسير البرهان : 2 / 415 . وورد أيضاً عن ابن عباس ، قال السيوطي في تفسير الآية الكريمة من تفسير الدر المنثور : وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة سلام الله عليها فدكاً .
أقول : ويجئ حديث ابن عباس بسند آخر تحت الرقم 608 ، في تفسير الآية 38 من سورة الروم ص 443 .
وقال علي بن طاووس رحمه الله : وقد روى محمد بن العباس المعروف بابن الحجام حديث فدك عن عشرين طريقاً ، ونذكر منها طريقاً واحداً بلفظه [ قال ] : حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي وإبراهيم بن خلف الدوري وعبد الله بن سليمان بن الأشعث ومحمد بن القاسم بن زكريا ، قالوا : حدثنا عباد بن يعقوب قال : أخبرنا علي بن عابس وحدثنا جعفر بن محمد الحسيني قال : حدثنا علي بن المنذر الطريقي قال : حدثنا علي بن عابس قال : حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي : عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله فاطمة وأعطاها فدكاً . سعد السعود ص 102 ، وذكر بمعناه في الطرائف ص 254 : وروى البلاذري في عنوان : فتح فدك ، من كتاب فتوح البلدان ص 40 قال : وحدثنا عبد الله بن ميمون المكتب قال : أخبرنا الفضيل بن عياض عن مالك بن جعونة عن أبيه قال : قالت فاطمة لأبي بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل فدك لي فأعطني إياها وشهد لها علي بن أبي طالب فسألها شاهداً آخر فشهدت لها أم أيمن ، فقال : قد علمت يا بنت رسول الله أنه لا تجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ! ! فانصرفت .
وحدثني عمرو الناقد قال : حدثني الحجاج بن أبي منيع الرصافي عن أبيه عن أبي برقان قال : ولما كانت سنة عشر وماءتين أمر أمير المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون الرشيد فدفعها إلى ولد فاطمة ، وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة :
أما بعد فإن أمير المؤمنين بمكانه من دين الله وخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وللقرابة به أولى من استنَّ سنة ونفذ أمره ، وسلم لمن منحه منحة وتصدق عليه بصدقة منحته وصدقته ، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته ، وإليه في العمل بما يقربه إليه رغبته . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله أعطى فاطمة بنت رسول الله فدك وتصدق بها عليها ، وكان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً لا خلاف فيه بين آل رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم تزل تدعي منه ما هو أولى به من صدق عليه ، فرأى أمير المؤمنين أن يردها إلى ورثتها ويسلمها إليهم تقرباً إلى الله تعالى بإقامة حقها وعدله ، وإلى رسول الله بتنفيذ أمره وصدقته .
فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إلى عماله : فلان كان ينادى في كل موسم بعد أن قبض الله نبيه ( ص ) أن يذكر كل من كانت له صدقة أو وهبة أو عدة ذلك ؟ فيقبل قوله وينفذ عدته ! وإن فاطمة رضي الله عنها لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله لها .
وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره برد فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها ، وما فيها من الرقيق والغلات وغير ذلك ، وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، لتولية أمير المؤمنين إياهما القيام بها لأهلها ، فأعلمَ ذلك من رأي أمير المؤمنين وما ألهمه الله من طاعته ، ووفقه له من التقرب إليه وإلى رسوله ، وأعلمه من قبلك وعامل محمد بن يحيى ومحمد بن عبد الله بما كنت تعامل به المبارك الطبري وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها ، ووفور غلاتها إن شاء الله والسلام .
وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة عشر وماءتين .
فلما استخلف المتوكل أمر بردها إلى ما كانت عليه قبل المأمون !
وهذا قليل من كثير مما جاء في قصة فدك مع شدة حرص حفاظ آل أمية وأنصار الظالمين على سترها ، وإبادة الكتب المؤلفة حولها ، فمن أراد المزيد فعليه بكتاب الشافي للسيد المرتضى وشرح المختار من الباب الثاني من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد : ج 4 ص 834 ط . بيروت والباب 11 من القسم الأول من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب بحار الأنوار : 8 / 91 - 131 ، ط . الكمباني ، وكتاب الغدير : 7 / 190 ، و : 8 / 137 ) . انتهى .
[7] في كتاب سليم بن قيس ص 391 : ( فدخلا وسلما وقالا : إرضيْ عنا رضي الله عنك . فقالت : ما دعاكما إلى هذا ؟ فقالا : اعترفنا بالإساءة ، ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي سخيمتك .
فقالت : فإن كنتما صادقين فأخبراني عما أسألكما عنه فإني لا أسألكما عن أمر إلا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه ، فإن صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما .
قالا : سلي عما بدا لك . قالت : نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ؟ قالا : نعم .
فرفعت يدها إلى السماء فقالت : اللهم إنهما قد آذياني فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك . لا والله لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما !
قال : فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وجزع جزعاً شديداً . فقال عمر : تجزع يا خليفة رسول الله من قول امرأة ؟ ! ) . انتهى .
وفي رواية علل الشرائع : 1 / 187 : ( قالا نعم . قالت : الحمد لله ، ثم قالت : اللهم إني أشهدك فاشهدوا يامن حضرني أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي ! والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما بما صنعتما بي وارتكبتما مني !
فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال : ليت أمي لم تلدني !
فقال عمر : عجباً للناس كيف ولوك أمورهم ، وأنت شيخ قد خرفت ! تجزع لغضب امرأة ، وتفرح برضاها ، وما لمن أغضب امرأة ؟ ! وقاما وخرجا ) .
وفي الغدير : 7 / 228 ، عن الإمامة والسياسة : 1 / 14 ، وأعلام النساء للجاحظ : 3 / 1214 : ( قالت : فإني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه . فقال أبو بكر . أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ! ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول : والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها . ثم خرج باكياً فاجتمع الناس إليه فقال لهم : يبيت كل رجل معانقا حليلته مسرورا بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي . . . ) . انتهى . وهو في الإمامة والسياسة طبعة مصر تحقيق الزيني ج 1 ص 31 .
وفي رواية روضة الواعظين للنيسابوري ص 151 : ( فقالت : يا بن عم إنه قد نعيت إلى نفسي لأرى ما بي لا أشك ، إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي . قال لها علي : أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله . فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ، ثم قالت يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني !
فقال : معاذ الله أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم ، وأشد خوفاً من الله أن أوبخك غداً بمخالفتي ، فقد عز علي بمفارقتك وبفقدك ، إلا أنه أمر لابد منه . والله جدد على مصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد عظمت وفاتك وفقدك ، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها ، هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لا خلف لها ! ثم بكيا جميعاً ساعة ، وأخذ على رأسها وضمها إلى صدره ، ثم قال أوصيني بما شئت ، فإنك تجديني وفياً أمضي كل ما أمرتني به وأختار أمرك على أمري .
ثم قالت : جزاك الله عنى خير الجزاء ، يا بن عم أوصيك أولاً أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة فإنها تكون لولدي مثلي ، فإن الرجال لابد لهم من النساء ، ثم قالت أوصيك يا بن عم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوروا صورته ، فقال لها : صفيه لي فوصفته فاتخذه لها ، فأول نعش عمل في وجه الأرض ذلك ، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد .
ثم قالت : أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني ، وأخذوا حقي ، فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله ، وان لا يصلي علي أحد منهم ولا من أتباعهم . وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار !
ثم توفيت صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ، فصاحت أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها ، فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة أن تزعزع من صراخهن وهن يقلن : يا سيدتاه يا بنت رسول الله !
وأقبل الناس مثل عُرْف الفرس إلى علي وهو جالس ، والحسن والحسين بين يديه يبكيان فبكى الناس لبكائهما ، وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها متجللة برداء عليها تسحبها ، وهي تقول : يا أبتاه يا رسول الله ، الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده ، واجتمع الناس فجلسوا وهم يرجون وينظرون أن تخرج الجنازة فيصلون عليها .
وخرج أبو ذر فقال : انصرفوا فإن ابنة رسول الله قد أخر إخراجها في هذه العشية ، فقام الناس وانصرفوا ، فلما أن هدأت العيون ، ومضى من الليل ، أخرجها علي والحسن والحسين ، وعمار ، والمقداد ، وعقيل ، والزبير وأبو ذر ، وسلمان ، وبريدة ، ونفر من بني هاشم وخواصه ، صلوا عليها ، ودفنوها في جوف الليل وسوى على حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها ) . انتهى .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|