أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-1-2021
2161
التاريخ: 23-3-2021
3144
التاريخ: 11-10-2016
2105
التاريخ: 2023-03-23
1242
|
حكم المبالغة: المبالغة على نوعين: نوع منهما يدخل في الكذب، ونوع آخر لا يعدّ منه، فالمبالغة التي تؤدّي إلى إيهام السامع وتشويش الصورة الواقعيّة لا تخرج عن الكذب، وهي صيغة من صيغه.
وأمّا المبالغة التي يكون المقصود فيها معلوماً واضحاً، فهي من الكنايات والاستعارات، مثل: ما جرت العادة به، أن يقال: قلت لك كذا مائة مرّة، وناديتك مائة مرّة، مع أنّ القول والنداء لم يحصل بهذا العدد، وإنّما المراد التعبير عن الكثرة. ومثل هذا الاستعمال يجري في المخاطبات العرفيّة.
وكلّ الاستعارات والمجازات من هذا القبيل، فإنّهم يقولون: "زيد كثير الرماد"، كناية عن كرمه، مع أنّه قد لا يكون له رماد أصلاً.
حكم المجاملة: جرى العرف على استعمال عبارات عدّة للمجاملة، لا يقصد معناها الحقيقيّ، أو ربّما قصد إظهار نوع من الاحترام، أو ما شابه من الأغراض. وهي لا مشكلة فيها، ما لم تؤدِّ إلى إيهام السامع وتشويش الصورة الواقعيّة، بحيث لا تخرج عن الكذب حينها.
ومن هذا القبيل: ما يقوله الضيف لصاحب المنزل: لا أشتهي مع كونه يشتهي، وقول صاحب البيت لضيوفه: البيت بيتكم، وعلى الرحب والسعة، ونفي حصول المضايقة، وأنواع الترحيب،
والمجاملات، مع أنّ أكثرها قد يقع مخالفاً لما هو مقدور ولما هو واقع الأمر.
حكم التورية: التورية معناها: الستر والإخفاء[1]، وهو هنا إخفاء الخبر وستره بإظهار غيره، فيكون للّفظ معنيان، معنىً يفهمه المخاطب، ومعنىً آخر يقصده المتكلّم.
وقد روي عن الأئمّة (عليهم السلام) وأصحابهم استخدام هذا الفنّ في المواقف الحرجة. قال بعض المخالفين في حضرة الإمام الصادق (عليه السلام) لرجل من الشيعة: ما تقول في العشرة من الصحابة؟ قال: أقول فيهم الخير الجميل، الذي يحطّ الله به سيّئاتي، ويرفع لي درجاتي، قال السائل: الحمد لله على ما أنقذني من بغضك، كنت أظنّك رافضيّاً تبغض الصحابة، فقال الرجل: ألا من أبغض واحداً من الصحابة، فعليه لعنة الله، قال: لعلّك تتأوّل، ما تقول فيمن أبغض العشرة؟ فقال: من أبغض العشرة، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فوثب فقبّل رأسه، وقال: اجعلني في حلٍّ ممّا قذفتك به من الرفض قبل اليوم، قال: أنت في حلّ، وأنت أخي، ثمّ انصرف السائل، فقال له الصادق (عليه السلام): "جوّدت، لله درّك! لقد أعجبت الملائكة من حسن توريتك، وتلفّظك بما خلّصك، ولم تثلم دينك"[2].
ومن بدائع التورية في مقام التقيّة ما ذُكِر من أنّ حجراً البدريَّ أخذه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على أن يسبّ عليّاً، فصعد المنبر، وقال: "يا أيّها الناس، إنّ أميركم هذا أمرني أن ألعن عليّاً، ألا فالعنوه لعنه الله"[3].
ولا شكّ في أنّه أراد من الضمائر في قوله (فالعنوه) و(لعنه) الحجّاج نفسه الذي أمره باللّعن.
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قصّة مؤمن آل فرعون: "ولقد كان لحزقيل المؤمن من قوم فرعون، الذين وشوا به إلى فرعون، مثل هذه التورية، كان حزقيل يدعوهم إلى توحيد الله، ونبوّة موسى، وتفضيل محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جميع رسل الله وخلقه، وتفضيل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) والخيار من الأئمّة على سائر أوصياء النبيّين، وإلى البراءة من فرعون، فوشى به واشون إلى فرعون، وقالوا: إنّ حزقيل يدعو إلى مخالفتك، ويعين أعداءك على مضادّتك، فقال لهم فرعون: ابن عمّي، وخليفتي في ملكي، ووليّ عهدي، إن كان قد فعل ما قلتم، فقد استحقّ العذاب على كفره نعمتي، وإن كنتم عليه كاذبين، فقد استحققتم أشدّ العذاب، لإيثاركم الدخول في مساءته، فجاء بحزقيل وجاء بهم، فكاشفوه وقالوا: أنت تجحد ربوبيّة فرعون الملك، وتكفر نعماءه، فقال حزقيل: أيّها الملك، هل جرّبت عليّ كذباً قط؟ قال: لا، قال: فسلهم مَن ربّهم، قالوا: فرعون، قال: ومن خلقكم؟ قالوا: فرعون هذا، قال: ومن رازقكم الكافل لمعايشكم، والدافع عنكم مكارهكم؟ قالوا: فرعون هذا، قال حزقيل: أيّها الملك، فأُشهدك وكلّ من حضرك: أنّ ربّهم هو ربّي، وخالقهم هو خالقي، ورازقهم هو رازقي، ومصلح معايشهم هو مصلح معايشي، لا ربّ لي ولا خالق غير ربّهم وخالقهم ورازقهم، وأُشهدك ومن حضرك: أنّ كلّ ربّ وخالق سوى ربّهم وخالقهم ورازقهم، فأنا بريء منه، ومن ربوبيّته، وكافر بإلهيّته. يقول حزقيل هذا، وهو يعني: أنّ ربّهم هو الله ربّي، ولم يقل إنّ الذي قالوا هم إنّه ربّهم هو ربّي،
وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره، وتوهّموا أنّه يقول: فرعون ربّي وخالقي ورازقي"[4].
ومن أساليب التورية تغيير الحركات الإعرابيّة على نحو يتغيّر المعنى، ويوهم السامع خلاف ذلك، واستعمال المشتركات اللفظيّة، والعدول عن الخبر إلى الاستفهام أو التعجّب، وأمثال ذلك.
والناس يختلفون من حيث قدرتهم على استعمال التورية وابتكار أساليبها، وهي من أفضل وسائل التخلّص دون الوقوع في الكذب.
وفي الموارد التي يباح الكذب، يحسن بالمؤمن أن يطرق باب التورية، فإنّها أفضل من أن يدنّس لسانه بالكذب، لعلّه إذا فعل، سهل عليه الأمر، وسقطت رهبة ارتكابه.
روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ الله تعالى جعل هذه التورية ممّا رحم به شيعتنا ومحبّينا"[5].
[1] الخليل الفراهيديّ، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق: الدكتور مهديّ المخزوميّ والدكتور إبراهيم السامرائيّ، مؤسّسة دار الهجرة، إيران - قم، 1409ه، ط2، ج8، ص301.
[2] المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص12.
[3] ابن شهر آشوب، محمّد بن عليّ، مناقب آل أبي طالب عليه السلام، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، النجف الأشرف، المطبعة الحيدريّة، 1376هـ.ق/ 1956م، لا.ط، ج2، ص104.
[4] الطبرسيّ، الشيخ أحمد بن عليّ بن أبي طالب، الاحتجاج، تعليق: السيّد محمّد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، العراق - النجف الأشرف، 1386ه - 1966م، لا.ط، ج2، ص131-132.
[5] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، مصدر سابق، ج2، ص236.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|