أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-1-2022
2474
التاريخ: 6-7-2020
1963
التاريخ: 21-7-2016
1380
التاريخ: 21-7-2016
2074
|
للنفس قوّتان: قوّة نظريّة وقوّة عمليّة، وكمال القوّة النظريّة بالعلوم والمعارف، والإحاطة بحقائق الوجود، ومراتب الموجودات غير المتناهية، والترقّي منها إلى معرفة المطلوب الحقيقيّ، لأنّ غايتها هي الوصول إلى التوحيد الحقيقيّ، والتخلّص من وساوس الشيطان، وبالتالي، اطمئنان القلب بنور الإيمان، وهذا الكمال هو الحكمة النظريّة.
وأمّا كمال القوّة العمليّة، فهو بالتخلّي عن الصفات الرذيلة، والتحلّي بالأخلاق الحميدة، ثمّ الترقّي إلى تطهير السريرة وتخليتها ممّا سوى الله سبحانه وتعالى. وهذا ما يسمّى بالحكمة العمليّة.
ولا ينبغي للإنسان أن يفصل بين القوّتين، بأنْ يسعى إلى كمال إحداهما دون الأخرى، لأنّهما مرتبطتان ولا فصل بينهما، فالعلم، وإنْ كان يوجب كمالاً في النفس، لكنّه يزول مع ترك العمل، وكذلك العمل من دون علمٍ يؤدّي بالإنسان إلى الوقوع في المهالك، لذا، فإنّ الإقبال على الطاعة والإعراض عن المعصية يوجبان جلاءً ونوراً للقلب، يستعدّ به لإفاضة علم يقينيّ.
وبعبارة أخرى، إنّ كمال القوّة النظريّة يفتح طريقاً أمام كمال القوّة العمليّة، وكمال القوّة العمليّة يوجب استعداداً لمرتبة أخرى من كمال القوّة النظريّة.
وكذلك، فإنّ الانغماس في المعاصي وترك الطاعات يُحدثان ظلمةً في القلب، ويقضيان على استعدادات الكمال في القوّة النظريّة.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[1].
وقال تعالى أيضاً: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[2].
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم"[3].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "العلم مقرون إلى العمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم، والعلم يهتف بالعمل، فإنْ أجابه وإلّا ارتحل عنه"[4].
وفي حديثٍ آخر عنه (عليه السلام): "العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، لا يزيده سرعة السير إلّا بُعداً"[5].
وعنه (عليه السلام) أيضاً: "لا يقبل الله عملاً إلّا بمعرفة، ولا معرفة إلّا بعمل، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له، ألا إنّ الإيمان بعضه من بعض"[6].
فإذا كان القلب صافياً وطاهراً، ظهر له كثير من المزايا والمَلَكات وصار محلّاً مناسباً للإفاضات الرحمانيّة.
وممّا لا شكّ فيه، أنّ الرحمة الإلهيّة مبذولة للجميع، لكنّها موقوفة على شروط في محلّ نزولها، أهمّها أن تُصقل مرآة القلب وتُصفّيه من الخبائث، وإلّا فإنّ تراكم الصدأ الحاصل من المعاصي والخبائث يمنع الحقيقة من أن تتجلّى للقلب، فالأنوار العلميّة لا تُحجب عن القلوب لبخلٍ من جهة المنعم تعالى شأنه عن ذلك، بل إنّ الاحتجاب يكون من جهة القلب نفسه، لتراكم الكدورات والخبائث، واشتغاله بما يمنع من ذلك.
وإلى هذه الحقيقة يشير أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّه إِلَيْه عَبْداً أَعَانَه اللَّه عَلَى نَفْسِه فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ، وتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِه، وأَعَدَّ الْقِرَى لِيَوْمِه النَّازِلِ بِه، فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِه الْبَعِيدَ وهَوَّنَ الشَّدِيدَ، نَظَرَ فَأَبْصَرَ وذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ، وارْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَه مَوَارِدُه، فَشَرِبَ نَهَلًا وسَلَكَ سَبِيلًا جَدَداً، قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ الشَّهَوَاتِ، وتَخَلَّى مِنَ الْهُمُومِ، إِلَّا هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِه، فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَى، ومُشَارَكَةِ أَهْلِ الْهَوَى، وصَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَى، ومَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَى، قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَه، وسَلَكَ سَبِيلَه، وعَرَفَ مَنَارَه، وقَطَعَ غِمَارَه واسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا، ومِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا، فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ"[7].
ويقول (عليه السلام) أيضاً في وصف الراسخين من العلماء: "هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، واسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَه الْمُتْرَفُونَ، وأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْه الْجَاهِلُونَ، وصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الأَعْلَى"[8].
[1] سورة العنكبوت، الآية 69.
[2] سورة المطفّفين، الآية 14.
[3] قطب الدين الراونديّ، سعيد بن هبة الله، الخرائج والجرائح، تحقيق: مؤسّسة الإمام المهديّ عليه السلام بإشراف السيّد محمّد باقر الموحّد الأبطحيّ، مؤسّسة الإمام المهديّ عليه السلام، إيران - قم، 1409ه، ط1، ج3، ص1058.
[4] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح: عليّ أكبر الغفّاريّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج1، ص44.
[5] المصدر نفسه، ص43.
[6] المصدر نفسه، ص44.
[7] الشريف الرضيّ، السيّد أبو الحسن محمّد الرضيّ بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ عليه السلام)، تحقيق وتصحيح: صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387ه - 1967م، ط1، ص118.
[8] المصدر نفسه، ص497.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|