أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-3-2017
1316
التاريخ: 20-12-2018
1064
التاريخ: 11-1-2019
1381
التاريخ: 9-10-2018
1143
|
في كتابٍ جامع عن تاريخ الجدول الدوري، أدرج إدوارد مازورس أشكالًا توضيحية، فضلًا عن مراجع علمية، لنحو 700 من الجداول الدورية التي نُشِرت منذ تشكيل أول جدول دوري في عقد الستينيات من القرن التاسع عشر. وفي خلال الأربعين عامًا — تقريبًا — التي انصرمت منذ نشر كتاب مازورس، ظهر ما لا يقل عن 300 جدول آخَر، لا سيما لو ذكرنا نُظمًا جديدة دورية تمَّ بثُّها على الإنترنت. وإن تلك الحقيقة بالذات القائلة بوجود الكثير جدًّا من الجداول الدورية هي أمر يحتاج لتفسير، وبالطبع، فإن الكثير من هذه الجداول لا يقدِّم جديدًا، بل إن بعضها غير سليم من الناحية العلمية، ولكن حتى لو حذفنا هذه الجداول المضلِّلة، فسيبقى مع ذلك عددٌ كبير جدًّا من الجداول.
في الفصل الأول، رأينا أن هناك ثلاثةَ أنماطٍ أو أشكالٍ أساسية من الجداول الدورية: النمط القصير، والنمط المتوسط الطول، والنمط الطويل. والأنماط الثلاثة جميعها توصل لدرجةٍ كبيرة نفسَ المعلومات، على الرغم من أنه — كما لُوحِظ — يتم بالفعل التعامُل مع تصنيف العناصر، التي لديها نفس التكافؤ، بطريقةٍ مختلفة في كلٍّ من هذه الأنماط. وفضلًا عن هذا، توجد جداول دورية لا تبدو كجداول بالمعنى الحرفي للجدول ذي الشكل المستطيل التقليدي. وتوجد صورة مهمة من هذا النوع، وتشمل منظوماتٍ دوريةً لها أشكالٌ دائرية وبيضاوية، تفيد في إبراز فكرةِ تواصليةِ العناصر وتتابُعها بطريقةٍ ربما كانت أفضل ممَّا تفعله الأنماطُ المستطيلة العادية؛ ففي المنظومات الدائرية أو البيضاوية لا توجد انقطاعات في اتصال العناصر وتتابُعها عند نهايات الدورات كما يحدث في الأشكال المستطيلة بين عنصرَي النيون والصوديوم، أو بين الأرجون والبوتاسيوم على سبيل المثال. ولكن من ميزات الأنماط المستطيلة أن أطوال الدورات تتفاوت بوضوح، بعكس ما يحدث للدورات في الأشكال الدائرية التي تشبه الساعة؛ ونتيجةً لهذا وجب على مَن يصمِّم جدولًا دوريًّا دائريًّا أن يدمج فيه بطريقةٍ ما الدوراتِ الأكثرَ طولًا، التي تشتمل على عناصر انتقالية. وأذكر على سبيل المثال «جدول بنفي» (شكل 10-1)، الذي يحقِّق هذا باستخدام نتوءات لتستوعب الفلزات الانتقالية التي تبرز إلى خارج المنظومة الدائرية الرئيسية. وكذلك توجد جداول دورية ثلاثية الأبعاد، مثل الجدول الذي صمَّمه فرناندو دوفور من مونتريال بكندا (شكل 10-2).
ولكنني سأفترض أن كل هذه الأنماط المتنوعة تتعلَّق فقط بتغيير شكل المنظومة الدورية، ولا يوجد فارق جوهري بينها. إن ما يشكِّل اختلافًا رئيسيًّا هو وضع عنصر أو أكثر في مجموعة تختلف عمَّا تُوضَع فيه عادةً في الجدول التقليدي. ولكن قبل أن أشرع في معالجة هذه النقطة، دَعْني أتوقَّف برهةً لأناقش تصميم الجدول الدوري بصفة عامة.
إن الجدول الدوري يبدو فكرة بسيطة على خلاف الحقيقة، وهذا ما يدعو العلماءُ الهواةَ ليجرِّبوا أنفسهم في استحداث أنواع جديدة، كثيرًا ما يقولون إنها تفوق جميع المنظومات التي نُشِرت سابقًا. وفضلًا عن هذا يوجد عددٌ من الحالات التي أنجَزَ فيها الهواةُ أو الدخلاءُ على مجالَي الكيمياء والفيزياء إسهاماتٍ كبيرةً حقًّا؛ فعلى سبيل المثال: كان أنطون فان دن بروك، الذي ذكرناه في الفصل السادس، عالِمًا اقتصاديًّا أدرك فكرةَ العدد الذري، وهي فكرة استحدثها ونُشِرت في مقالات عدة في مجلات مشهورة مثل مجلة «نيتشر». وهناك مثال آخَر هو شارل جانيه، المهندس الفرنسي الذي نشر في عام 1929 أولَ نوع معروف من المنظومة الدورية، وهو المُدرَّج من اليسار، والذي لا يزال يحظى بالكثير من الاهتمام بين هواة الجدول الدوري، علاوةً على خبرائه (شكل10-3 ).
والآن، ماذا عن السؤال الآخَر الذي طرحْتُه سلفًا؟ هل من المنطقي أن ننشد جدولًا دوريًّا مثاليًّا، أم هل الهواةُ يخدعون أنفسَهم جنبًا إلى جنب مع الخبراء الذين يكرِّسون الوقتَ لهذا السؤال؟ في اعتقادي، يكمن الجواب عن هذا السؤال في مواقفنا الفلسفية حيال المنظومة الدورية؛ فإذا اعتقد المرء أن التكرار التقريبي في خواص العناصر هو حقيقةٌ موضوعية تتعلَّق بالعالَم الطبيعي، يكون المرءُ حينئذٍ متَّخِذًا موقفَ الواقعيين:
فبالنسبة إليه، يكون السؤال المتعلِّق بالتماس جدول دوري مثالي متَّسِمًا بالمعقولية التامة. فالجدول الدوري المثالي هو الجدول الذي يمثِّل حقائقَ الشيء أو الموضوع المتعلِّق بصفة الدورية الكيميائية بأفضل صورة، حتى إن كان هذا الجدول المثالي لم يُكتشَف حتى الآن على الأرجح.
من ناحية أخرى، قد يعتقد المولع بالذرائعية أو المناهِض للواقعية، فيما يتعلَّق بالجدول الدوري، أن صفة الدورية في العناصر هي خاصيةٌ أُقحِمت على الطبيعة من طرف البشر؛ ولو كان هذا صحيحًا، لَمَا كانت هناك رغبةٌ قوية لاكتشاف الجدول الدوري المثالي؛ إذ لن يكون له وجود مطلقًا. فبالنسبة إلى ذلك الشخص التقليدي أو المناهِض للواقعية، لا يهمه أين تُوضَع العناصر بالضبط في الجدول الدوري؛ لأنه يعتقد أن ذلك الجدول الذي نتعامل معه هو مجرد علاقة اصطناعية، وليست طبيعية، بين العناصر.
ولكي أُعرِبَ عن موقفي الشخصي، أقول إنني واقعيٌّ بدرجة كبيرة حين يتطرَّق الأمر إلى الجدول الدوري؛ فعلى سبيل المثال: يدهشني أن أجد الكثيرين من الكيميائيين يتَّخِذون موقفًا معاديًا للواقعيين فيما يتعلَّق بالجدول الدوري، بل إن بعض الكيميائيين إذا سُئِلوا عمَّا إذا كان عنصر الهيدروجين ينتمي إلى المجموعة 1 (مجموعة الفلزات القلوية) أم المجموعة 17 (مجموعة الهالوجينات)، يردُّون قائلين إن هذا الأمر لا يهم.
هناك بعض القضايا العامة النهائية أود أن أذكرها قبل أن أعرض تفاصيلَ الجداول البديلة والجداول المثالية المحتمَلة، ومن بين تلك القضايا القضيةُ المتعلِّقة بفائدة هذا الجدول الدوري أو ذاك. يميل علماء كثيرون إلى تفضيل نوعٍ معينٍ ما أو غيره من الجداول الدورية، آمِلين أن تكون له فائدةٌ أكبر لهم في أعمالهم العلمية، سواءٌ أكانوا من الفلكيين أم الجيولوجيين أم الفيزيائيين … إلخ. هناك جداول مبنية أساسًا على مبدأ المنفعة، وتوجد أيضًا جداول أخرى تتحرَّى إعلاء «الحقيقة» فيما يختصُّ بالعناصر، سعيًا إلى تعبير أفضل مع غضِّ النظر عن فائدته لبعض صنوف العلماء. ولا حاجةَ إلى القول بأن أي سعي للحصول على جدول دوري مثالي يجب أن يتجنَّب مبدأَ المنفعة، ولا سيما إذا كانت تقتصر على فرع علمي معين واحد أو ما دون هذا الفرع. وعلاوةً على هذا، فإن الجدول الذي ينشد الحقيقةَ بخصوص العناصر، من المأمول أن تتجلى فائدته لمختلف فروع العلم، إذا نجح في اغتنام الطبيعة الحقيقية والعلاقة الحقيقية بين العناصر. ولكن هذه المنفعة تأتي كعلاوة إضافية؛ إذ ليست شيئًا يتحتَّم عليه أن يقرِّر الطريقة التي يصل بها الجدولُ المثالي إلينا.
كما أن هناك قضية مهمة أخرى تتعلق بالتناسُق الشكلي، وهي أيضًا قضية خادعة إلى حدٍّ ما؛ فالكثيرون من مؤيدي الجداول الدورية البديلة يزعمون أن جداولهم أفضل لأن العناصر ممثَّلة فيها بطريقة أكثر تناسُقًا أو انتظامًا، أو ربما أكثر اتساقًا أو جمالًا. ولقد تعرَّضَتْ مسألة التناسُق الشكلي والجمالي في العلم للكثير من الجدل، ولكن كما هو الحال في جميع القضايا الحسية الجمالية، فإن ما قد يبدو جميلًا في عين شخصٍ ما ربما لا يُعتبَر جميلًا في نظر شخص آخَر. وأيضًا يجب أن يَحْذر المرء من فرض جمال أو انتظام غير موجود فعليًّا على الطبيعة. ويبدو أن الكثيرين من مناصِري الجداول البديلة يدافعون حصريًّا عن انتظام تلك الجداول التي تضم العناصر، ناسين أحيانًا أنهم يتكلمون عن مجرد جداول تحتوي العناصرَ، وليس عن العالَم الكيميائي ذاته.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|